بازگشت

قدر من التفصيل


سامراء ظروف التأسيس والنسيج العام:

تکاد المصادر التاريخية تجمع علي أن تاريخ بناء سامراء يعود الي سنة 220هوهي فکرة افرزتها هواجس سياسية دفعت بالمعتصم الي انتخاب هذا المکان عليضفاف دجلة شمالي بغداد وعلي مسافة 60 ميلاً عربياً عنها.

وبالرغم من أن الموضوع سوف يدفعنا الي بحث شخصية المعتصم الذي يعد نهاية لعصر وبداية لعصر ثان في الخلافة العباسية، لکننا سوف نکتفي بمعلوماتسريعة قد تفسر وتوضح قرارات وسياسات ومواقف في مسار الحکم العباسيواتجاهاته السياسية والادارية.

فالمعتصم هو أبو اسحاق محمد بن الرشيد وأخو المأمون. أمه ترکية تدعي«ماردة» ولعل الوراثة قد لعبت دوراً کبيراً في تکوين شخصيته فقد عزف منذ طفولتهعن الدراسة واتجه الي فنون الفروسية والحرب جعلته أقرب في الشبه لسکانالصحاري القاسية في بردها وجفافها.

کما أن اعتبار أخواله من الاتراک قد أثر في اختيار عنصر جديد يعتمد عليه في ادارة دولته الکبيرة، خاصة في ظل استمرار التحديات التي ورثها مع مملکته، فثورةبابک الخرّمي ما تزال تقلق أمن الدولة اضافة الي الوضع المتوتر علي امتداد الحدودمع دولة الروم واستمرار الاشتباکات المحدودة، وأحيانا الغارات الوحشية التي يشنهاالروم کلما سنحت فرصة.

وسنري وفي غضون فترة قياسية ظهور عناصر جديدة غير عربية ولا فارسية عناصر تنتمي الي سکان مناطق وأقاليم قاسية في مناخها وظروفها، فضلها المعتصملاسباب کثيرة في مطلعها بعدها عن الترف والمدنية التي تسلب المرء في رأيه امتيازاتالمحارب الشجاع، اضافة الي جهلها بالاسلام فهي مهيأة الي أن تکون قوّات مرتزقةلا تعرف غير الطاعة وتنفيذ الاوامر وحراسة الحکم العباسي.

سوف نري ظهور «المغاربة» الذين سيؤلفون قوّات الحرس الخاص و«الفراغنة» لمهمات أمنية أخري اضافة الي الجيش الجرّار المؤلف من 000/ 250جندي ترکي. وقد سنّت قوانين تحظر علي الجنود الاتراک التزوج من غير الترکياتومنعت أيضاً الطلاق. وقد شهدت بغداد تدفق آلاف الفتيات الترکيات الي أسواقالرقيق.

ومن هنا انبعثت هواجس المعتصم في الحفاظ علي هذه العناصر التي عوّل عليها في حکمه فجاءت فکرة تأسيس عاصمة بعيدة عن بغداد مصدر الترف والقلقالسياسي والامني.

فمدينة سامراء في الاصل ثکنة عسکرية کبري تم بنائها باسلوب الاوامرالعسکرية.

ولذا فان اسم سامراء الذي شاع منذ البداية هو «العسکر» والذي اضحي لقباً للامامين علي ونجله الحسن فالعسکر ليس محلّة في سامراء نسب اليها الامامان انماهو اسم المدينة، فالنسيج العام الذي طبعها هو نسيج العسکر، يکفي أن نتصوّروجود اکثر من 000/ 250 جندي ووجود اکثر من 000/ 160 حصان في اسطبلاتکبيرة لنتصور طابعها العام.

وبالرغم من تدفق آلاف العمال وظهور الاسواق واسکان الجنود الاتراک فيأحياء سکنية خاصّة مع أسرهم وعوائلهم ألاّ أن کل ذلک لم يغير من صورة سامراءالعسکرية فظل اسم «العسکر» متداولاً الي جانب الاسم الرسمي «سر من رأي».

وعلي مدي شهور کانت حمّي البناء مستعرة فقد وزع المعتصم مسؤوليات التنفيذ علي أرکان دولته، اءذ اسند تنفيذ الجوسق الخاقاني قصر الخليفة العام الي «أبو الفتحخاقان».

کما اسند تنفيذ بناء القصر «العمري» الي عمر بن فرج، والي «ابن الوزير» بناء«القصر الوزيري»، کما وزع المعتصم أسناد الاراضي الشمالية علي القادة الاتراک لبناءأحياء مستقلة تمنعهم من الاختلاط ببقية الاجناس الاخري، وکان اهتمامه بالعنصرالترکي واضحاً في سياسته فالاتراک في تلک الفترة لا يعرفون سوي السيوف والخيولولا يتحدثون اءلاّ عن القلاع والحروب..

وظهرت شخصيات ترکية في المؤسسة العسکرية کانت تمارس وظائف خدمية باعتبارهم غلماناً ورقيقاً.

ف «أشناس» الضابط الکبير ظهر فجأة وظهر «وصيف» الذي کان يعمل زرّاداً فاصبح هو الاخر قائداً عسکرياً يقود آلاف الجنود وظهرت شخصية هامة هيشخصية «الافشين» الذي اعتنق الاسلام وهو الوحيد الذي ينحدر من أسرة کانتتحکم اقليم اشروسنة.

ويتمتع هذا الرجل بموهبة عسکرية فذّة وهو الذي هزم تمرّد بابک الخرمي الذي استمر عشرين سنة، ويعدّ الفاتح الحقيقي لعمورية وما تزال قصّة محاکمته في تهم لمتثبت ومن ثم اعدامه تثير أسئلة عديدة!

وقراءة في هذه الحقبة تعرّفنا علي شخصية أخري هي «دليل بن يعقوب النصراني» الذي أشرف علي مشاريع هندسية کبري في طليعتها شق القنوات الجوفيةوامداد القصور الکبري بها ومشروع شق النهر الذي اخفق وهو مشروع جبار عمل

فيه 000/ 12 عامل ليل نهار.

وتهمنا هذه المعلومة فيما بعد عندما نتطرق الي الدار التي اشتراها الامام الهادي سنة (232 ـ 234)ه وهي سنة وصوله الي سامراء في ظروف أقرب الي الاستدعاء القسري منه الي دعوة قابلة للاعتذار.

ولا ننسي الاشارة في هذه العجالة الي شخصية أخري هي «ايتاخ» الطباخ والذي تدرج في مسؤوليات أخري فانتقل من ذبح الغنم والبقر الي ذبح الانسان فقدنفذ عمليات اغتيال دموية وکان يقوم بها ببرود قاتل.

أما «بغا» وهو قائد ترکي فما يزال في غضون هذه السنوات مشتبکاً مع قوّات التمرّد بقيادة بابک وقد مني بهزيمة مريرة.

وسيکون دور ايتاخ في تلک الفترة دور «مسرور» خادم الرشيد وهو دور اتسمب الغموض والبوليسية في ادارة شؤون الحکم والدولة.