في صميم البحث
ان من شروط دراسة مثل هذا الموضوع الذي ينطوي علي أبعاد متعددة تتصلب التاريخ والحاضر والمستقبل أن يأخذ الباحث بنظر الاعتبار ثلاث نقاط تنسجم معمنطق الانصاف وبدونها سيکون الباحث تعسفياً في منهجه:
الاولي: بحث الموضوع في ظروفه التاريخية والجغرافية والظروف الاخري.
الثانية: المسلسل الطويل والمتناسق في البشارة.
الثالثة: حساسية الاسم ومسألة الغيبة.
وفيما يخص النقطة الاولي يستلزم بحث ودراسة الحقبة السامرائية والظروف التيأدت الي تأسيس مدينة سامراء ومسار الاحداث فيها أي دراسة تستوعب حوالينصف قرن من الزمن من سنة 220ه الي سنة 275ه.
اما النقطة الثانية فاننا سنجد بشارة واضحة بظهور الامام المهدي تنتقل منذ عهد الرسالة عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم وفي اطار متوحد يشير ويؤکد هويته:
من ولد فاطمة
التاسع من ولد الحسين
الامام الثاني عشر
يقول الامام الشهيد محمد باقر الصدر حول الاثني عشرية في أحاديث النبي صلي الله عليه و آله و سلم:
ونصل الان اءلي السؤال الرابع وهو يقول: هَبْ أنّ فرضية القائد المنتظر ممکنة بکلّ ما تستبطنه من عمر طويل، واءمامة مبکرة، وغيبة صامتة، فاءنّ الاءمکان لايکفي للاقتناع بوجوده فعلاً.
فکيف نؤمن فعلاً بوجود المهدي؟ وهل تکفي بضع روايات تُنقل في بطون الکتب عن الرسول الاعظم صلي الله عليه و آله و سلم للاقتناع الکامل بالاءمام الثاني عشر علي الرغم ممافي هذا الافتراض من غرابة وخروج عن المألوف؟ بل کيف يمکن أن نثبت انّللمهدي وجوداً تاريخياً حقّاً وليس مجرد افتراض توفرت ظروف نفسية لتثبيته فينفوس عدد کبير من الناس؟
والجواب: اءنّ فکرة المهدي بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم اءلي الافضل قد جاءت في احاديث الرسول الاعظم عموماً، وفي روايات أئمة أهل البيت خصوصاً،
وأکدت في نصوص کثيرة بدرجة لا يمکن أن يرقي اءليها الشک. وقد أُحصي أربعمائة حديث عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم من طرق اءخواننا أهل السُنّة، کما أُحصي مجموع الاخبارالواردة في الاءمام المهدي من طرق الشيعة والسُنّة فکان أکثر من ستة آلاف رواية،وهذا رقم اءحصائي کبير لا يتوفر نظيره في کثير من قضايا الاءسلام البديهية التي لايشک فيها مسلم عادة.
وأما تجسيد هذه الفکرة في الاءمام الثاني عشر عليه الصلاة والسلام فهذا ماتوجد مبررات کافية وواضحة للاقتناع به.
ويمکن تلخيص هذه المبررات في دليلين:
أحدهما اءسلامي.
والاخر علمي.
فبالدليل الاءسلامي نثبت وجود القائد المنتظر.
وبالدليل العلمي نبرهن علي انّ المهدي ليس مجرد أُسطورة وافتراض، بل هوحقيقة ثبت وجودها بالتجربة التاريخية.
أما الدليل الاءسلامي:
فيتمثل في مئات الروايات الواردة عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم والائمة من أهل البيت: والتي تدلُّ علي تعيين المهدي وکونه من أهل البيت..
ومن ولد فاطمة..
ومن ذرية الحسين..
وانه التاسع من ولد الحسين..
وانّ الخلفاء اثنا عشر. فاءنّ هذه الروايات تحدد تلک الفکرة العامة وتشخيصها في الاءمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت، وهي روايات بلغت درجة کبيرة من
الکثرة والانتشار علي الرغم من تحفّظ الائمة: واحتياطهم في طرح ذلک علي المستوي العام، وقايةً للخلف الصالح من الاغتيال أو الاءجهاز السريع علي حياته.وليست الکثرة العددية للروايات هي الاساس الوحيد لقبولها، بل هناک اءضافة اءليذلک مزايا وقرائن تبرهن علي صحتها، فالحديث النبوي الشريف عن الائمة أوالخلفاء أو الامراء بعده وانهم اثنا عشر اءماماً أو خليفةً أو أميراً ـ علي اختلاف متنالحديث في طرقه المختلفة ـ قد أحصي بعض المؤلفين رواياته فبلغت أکثر من مائتينوسبعين رواية مأخوذة من أشهر کتب الحديث عند الشيعة والسُنّة بما في ذلکالبخاري ومسلم والترمذي وأبي داود ومسند أحمد ومستدرک الحاکم عليالصحيحين، ويلاحظ هنا أنّ البخاري الذي نقل هذا الحديث کان معاصراً للاءمامالجواد والاءمامين الهادي والعسکري، وفي ذلک مغزيً کبير؛ لانه يبرهن علي انّ هذاالحديث قد سُجّل عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قبل أن يتحقق مضمونه وتکتمل فکرة الائمة الاثنيعشر فعلاً، وهذا يعني انه لا يوجد أي مجال للشک في أن يکون نقل الحديث متأثراًبالواقع الاءمامي الاثني عشري وانعکاساً له؛ لانّ الاحاديث المزيفة التي تنسب اءلي النبي صلي الله عليه و آله و سلم وهي انعکاسات أوتبريرات لواقع متأخر زمنياً لا تسبق في ظهورهاوتسجيلها في کتب الحديث ذلک الواقع الذي تشکل انعکاساً له، فما دمنا قد ملکناالدليل المادي علي انّ الحديث المذکور سبق التسلسل التاريخي للائمة الاثني عشر،وضُبط في کتب الحديث قبل تکامل الواقع الاءمامي الاثني عشري، أمکننا أن نتأکدمن أنّ هذا الحديث ليس انعکاساً لواقع واءنما هو تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها منلا ينطق عن هوي، فقال: «اءنّ الخلفاء بعدي اثنا عشر».
وجاء الواقع الاءمامي الاثني عشري ابتداءً من الاءمام عليٍّ وانتهاءً بالمهدي؛ ليکون التطبيق الوحيد المعقول لذلک الحديث النبوي الشريف.
وأقل عمر لمسلسل البشارة يمکن أن يکون في حدود قرنين ونصف، واستعراض نصوص البشارة يؤکد توحدها في هوية واحدة.
فيما نجد في النقطة الثالثة ارثاً ثقيلاً يضع اسم الامام المهدي ضمن الممنوعات المؤکدة والمحرّمات الاکيدة فيما يخص التصريح باسمه «لانهم لو وقفوا علي الاسماذاعوه» فمعلومات مثل الاسم والعنوان تعدّ أمانة کبري في عنق المؤمن هي المحکالحقيقي لايمانه وصدقه.
وهذه النقاط الثلاث هي التي ستنقل البحث من أجواء المختبر حيث درجةالحرارة الثابتة والسکون فلا رياح ولا مطر ولا صواعق وکل شيء هاديء تماماًکالاجواء في سطح القمر!! اءنّ أية محاولة لتقييم ومحاکمة موضوع بالغ الحساسيةکهذا الموضوع وبأدوات وظروف مختبرية تعد ذروة في التعسّف والظلم.
ذلک أن محاکمة موضوع بهذه الطريقة السطحية وبأدوات تشکيکية قاصرة هومصادره لتاريخ طويل ومرير مليء بالعذابات والدموع زاخر بالطموحات والامال بغدأفضل کما انها طعنة نجلاء في قلوب الذين ينتظرون ذلک الامل، مع التأکيد علي انالانتظار السلبي لا يشکل اءلاّ مقطعاً عابراً ومحدوداً في طريق مليء بشموع الکفاحوالجهاد الذي يستمد زيته من شجرة الامل.