تبرز المشکلة التاريخية في دراسة کثير من الافکار والتيارات التي کان لها دورفي الحضارة الاسلامية واسهاماً في بنائها، غير أن مشکلات التاريخ تکاد تکون معضلات فيما يخص دراسة ولادة الامام المهدي التي تؤکدها بعض المدونات التاريخيةالمحدودة في مقابل صمت للمدوّنات الکبري في تاريخ الاسلام.

وهذه المسألة تعود الي طبيعة الدور الذي اضطلع به ائمة أهل البيت وموقف الحکومات المتعاقبة ازاءهم.

وليس هناک من جدل حول أهمية کونهم أئمة وأن طرحهم أنفسهم بهذا العنوان جعلهم يمثلون خط المقاومة المستمرة للخلفاء الذين تسنموا مناصبهم واعتبارهم خلفاء للرسول صلي الله عليه و آله و سلم وفي هذا تکمن حالة من التهديد الدائم والمستمر فاءذا اضفنا اليذلک أن اضطلاع الائمة وباساليب مختلفة ومستويات متعددة بمهام الامر بالمعروف والنهي عن المنکر قد جعلهم في حال لا يحسدون عليها من الحصار والتضييق والاعتقال في بعض الاحيان.

ولان رسالة الائمة: کانت هي قيادة عملية التغيير الحقيقية وهي تغيير الذات والاعماق ايماناً منهم بقوله تعالي: (اءِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُوا مَا بِاَنفُسِهِمْ) فقد دفعهم ذلک الي الاهتمام بمنطقة التغيير الحقيقية، وهي صياغة الاعماق ولذا نجدهم:لا ينفعلون بما يطفو علي سطح الحياة من زبد الحوادث وکان همهم الدائم الاعماق الهادئة في بحر الحياة، أما سطح البحر الذي يزخر بالامواج المتلاطمة، فقد کان يحرّک السياسيين وذوي الطموح من الذين ينفعلون بوقائع الاحداث غافلين عن الحقائق الکامنة في الاعماق.

فيما الائمة ينظرون الي المديات البعيدة في نظرة شمولية لحرکة التاريخ والتجربة الانسانية، انهم يمثلون مرکز الاعصار الذي ينعم بالسکينة مع ان موقعه في القلب.

وهناک نقطة جديرة بالاهتمام منذ تسنم المأمون الخلافة بعد حرب أهلية مدمّرة، فقد عمد الي خطوة مثيرة اکتسبت ظاهرياً مشروع المصالحة بين البيتين العباسيوالعلوي، لکنها انطوت علي فکرة احتواء الائمة من خلال سياسة التقريب اليالبلاط والتي تنطوي علي عملية اقصائية عن قواعدهم الشعبية من الامّة.

بل أن هذه السياسة تدخل مرحلة جديدة وحساسة بعد صعود الطاغية العباسي «أبي جعفر المتوکل» وخطوته في استدعاء الامام الهادي جدّ الامام المهديالي سامراء والتي لم تکن مدينة کبغداد وانما کانت ثکنة عسکرية کبري بناها المعتصملاسکان فرقه العسکرية وقوّاته حيث يشکل العنصر الترکي المستقدم عمادهاالکبير.

کما أن اهتمام المؤرخين وفي طليعتهم الطبري کان محصوراً بالوقائع التسجيلية وتاريخ الخلفاء مما جعلهم لا يلتفتون الي غيرهم فالوقائع تعد ثروة التأريخ الوحيدة.

وما عقد المشکلة ان الشيعة بشکل عام لم يکونوا ميالين الي تدوين تاريخ الائمة بسبب حساسية الوضع وکونهم جميعاً في قائمة المعارضين.