العصر الجديد
حشد من الروايات والاخبار يؤکد خطوة التجديد الکبري التي تتم علي يدي
الامام المهدي هذه الخطوة التي ستأتي في اعقاب فراغ حضاري هائل وازمة أخلاقيةتعصف بالعالم.
يقول الامام محمد باقر الصدر في ختام بحثه حول المهدي: «هناک افتراضأساسي واحد بالامکان قبوله علي ضوء الاحاديث التي تحدثت عنه والتجارب التيلوحظت لعمليات التغيير الکبري في التاريخ وهو ظهور المهدي عليه السلام في أعقاب فراغکبير يحدث نتيجة نکسة وأزمة حضارية خانقة. وذلک الفراغ يتيح المجال للرسالةالجديدة أن تمتدّ، وهذه النکسة تهيّء الجو النفسي لقبولها، وليست هذه النکسة مجردحادثة تقع صدفة في تاريخ الحضارة الاءنسانية، واءنما هي نتيجة طبيعية لتناقضاتالتاريخ المنقطع عن الله ـ سبحانه وتعالي ـ التي لا تجدُ لها في نهاية المطاف حلاًّ حاسماًفتشتعل النار التي لا تُبقي ولا تذر، ويبرز النور في تلک اللحظة؛ ليطفيء النار ويقيمعلي الارض عدل السماء».
وعن الامام الصادق عليه السلام: «کأني أنظر اليه بين الرکن والمقام يبايع الناس عليکتاب جديد».
الامام الباقر عليه السلام: «يقوم بأمر جديد».
الامام الصادق: «يبايع الناس بأمر جديد».
وهناک أخبار أخري تؤکد الظاهرة الجديدة التي قد تصل الي حدّ المفاجأة کماهو الحال في ظهور الدعوة الاسلامية في العصر الجاهلي وحدوث التغيرات الکبريوهذا ما يکشف عنه حديث الامام الباقر في قوله عليه السلام: «ان قائمنا اءذا قام دعا الناسالي أمر جديد کما دعا اليه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وان الاسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً کمابدأ فطوبي للغرباء».
وهذا التجديد القادم سوف يطال کل شؤون الحياة الانسانية لخصتها الاخباروعبرت عنها بالامر الجديد بل أن الکتاب الجديد لا يعني ابتداع کتاب آخر غيرالقرآن لان هذا غير وارد بالمرّة؛ فحديث النبي صلي الله عليه و آله و سلم يؤکد مواکبة أهل البيت لحرکةالقرآن الي يوم القيامة وحديث الثقلين صريح ومعبر: «اني تارک فيکم الثقلين کتابالله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض».
واشتهر عن الامام علي عليه السلام في أزمة تدوين القرآن الکريم: «لا يهاج القرآن بعداليوم».
ونحن ندرک اليوم وأکثر من أي وقت آخر أن مشکلة المسلمين هي في تفسيرالقرآن أو ما يدعي اليوم بالقراءة الدينية، وأننا لنشهد في العصر الحاضر جدلاً حولقراءة الدين، وتعددية القراءة.. ولاشک أن الاختلاف في القراءات يعني وجودمسافات متباينة بين قراءة وأخري وأن نسبة ما من التعثر والخطأ في القراءة موجودويعود الي مستويات الادراک البشري.
من هنا نفهم وجود قراءة تمثل عين الحقيقة والصوابية وهذه متوفرة لدي الامامالمعصوم، وهذا ما تشير اليه الاية القرآنية في قوله تعالي: (لاَ يَمَسُّهُ اءِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ)وآية آخري تشهد لاهل البيت بالطهارة: (اءِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَالْبَيْتِ وَيُطَهِّرَکُمْ تَطْهِيراً).
فالسيرة الجديدة التي يظهر فيها الامام المهدي تمثل استئنافاً لسيرة النبي صلي الله عليه و آله و سلم،يقول صلي الله عليه و آله و سلم عن الاءمام المهدي: «هو رجل من عترتي يقاتل علي سنتي کما قاتلت أناعلي الوحي».
ويقول عليه الصلاة والسلام: «يقفو أثري لا يخطيء».
وهذا يشير الي أن سنة النبي صلي الله عليه و آله و سلم سيطالها التغييب والتعطيل والاقصاء، ولعل
هذا يحصل وربما من المؤکد علي أيدي الفقهاء «فقهاء ذلک الزمان شر فقهاء تحت ظلالسماء، منهم خرجت الفتنة واليهم تعود» کما روي عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «سيجيءُأقوامٌ فِي آخرِ الزَّمَن وجُوهُهُم وجوهُ الادميين وقلوبُهُم قلوبُ الشياطين... السُّنَّةُفيهِم بِدْعَةٌ والبِدْعَةُ فِيهم سنَّةٌ، فَعِنْدَ ذَلِکَ يُسَلِّطُ اللهُ عَلَيْهِم شِرَارَهُمْ، فَيَدْعُو خِيارُهُمْفَلايُستجَابُ لَهُم».
«وذم العلماء بلحاظ مالهم من قدرة علي التأثير في الناس من جهة ومن حيثقدرتهم علي التلاعب في التشريعات، کما حصل هذا الشيء في برهات عديدة منتاريخ الشريعة الاسلامية لقد دون التاريخ نماذج عديدة من علماء الدين الذين باعوادينهم بدنياهم وبرروا جرائم ومجازر الطغاة بتبريرات دينية واعتبروا مواقف هؤلاءالطغاة جزء من الدين وسلوکهم تطبيقا لما انزل الله.
اضافة الي هذا اننا لا نشک بوجود البدع والاضافات علي الشريعة الاسلاميةالاصلية؛ وان ظاهرة البدعة بدرجة من الرواج قلما يخلو منها مذهب وهي ظاهرةمارستها المذاهب عمداً للتمييز بينها وبين باقي المذاهب تارة وقصوراً وجهلاً تارةاخري.
ان الاختلاف بين المذاهب الاسلامية يصل تارة الي مستوي التناقض والتضادوهو امر يجعلنا نطمئن بسقم واحد من الرأيين المتناقضين ولا يمکن الحکم بصحة کلمن الرأيين المعتمدين في کلا المذهبين.
کما ان الروايات التي تحکي قتال المهدي عليه السلام علي سنة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم مثل الروايةالتالية: «هو رجل من عترتي يقاتل علي سنتي کما قاتلت علي الوحي» کما تحتمل
قتاله ونضاله لاجل احياء السنة المندثرة تحتمل قتاله لاجل تصحيحهاوتقويمها».
وتطال خطوة التجديد دائرة القضاء والتي تأتي بعد فترة النضال وتثبيت دعائمالحکم العادل.
يقول الامام الصادق عليه السلام: «يحکم بحکومة آل داود لا يسأل عن بينة يعطي کلنفس حکمها».
«اذا قام قضي بين الناس بعلمه کقضاء داود عليه السلام لا يسأل البينة».
ويحتمل «أن المعروف بقضاء داود قضاء يعتمد آلية علمية متقدمة لم يکتشفبعد، ويکتشف بعد الظهور من حيث تطور العلوم آنذاک علي يد الامام عليه السلام، وعلياساس هذا التطور يتمکن القضاة آنذاک ـ ولو کانوا غير معصومين ـ الکشف عنالحقائق مستغنين في ذلک عن الادلة الظنية مثل الشهود والبينات وغير ذلک.
ولا يبعد هذا، حيث ان الاليات والتقنيات المستعملة في الوقت الحاضر لکشفالجرائم ومعرفة الحقائق بدرجة کبيرة من الدقة بحيث قلما يصعب علي العاملين فيهذا المجال معرفة آثار المجرمين فکيف بها اذا تطورت بتطور العلوم اضعافا مضاعفة.
ان الاعتماد علي بصمات الاصابع والکلاب البوليسية والميکرسکوب والمختبرات و الکامبيوتر و... هذه کلها تقنيات تمکن المحقق من الوصول الي الحقيقة في الوقتالحاضر رغم ان العلم لم يبلغ الکمال بعد، وهناک مشوار طويل لم يجتزه العلم لبلوغالکمال؛ فکيف اذا کمل وبلغ قمته؟! طبيعي أن يتطور کل شي ومنه ما يتعلق بالقضاءوالبحث الجنائي».
وفي العصر الجديد تتجلي العدالة في ربوع العالم وينشر الامان اجنحته البيضاءوتشهد الانسانية ثورة علمية تؤتي ثمارها حلوة في خدمة البشر جميعاً وعندها«يرضي عنه ساکن السماء، وساکن الارض، لا تدع السماء من قطرها شيئاً اءلاّ وهبته
ولا الارض من نباتها اءلاّ أخرجته، حتي يتمني الاحياء الاموات».
وتستحيل الارض التي أحرقتها الحروب علي مرّ الزمن الي أرض خضراءمعطاء.
وتشهد الانسانية تکاملاً عقلياً وأخلاقياً علي درجة کبيرة من الرقي والحضارةوالتقدم: «اذا قام قائمنا وضع الله يده علي رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم وکملتبه أحلامهم».
وتتحقق يومئذ کل الطموحات الانسانية والخيالات التي داعبت أحلامهموتطلعاتهم: «العلم سبعة وعشرون جزءً جميع ما جاءت به الرسل جزءان، فلميعرف الناس حتي اليوم غير الجزءين، فاذا قام القائم أخرج الخمسة والعشرينجزءً، فبثها في الناس وضم اليها الجزءين، حتي يبعثها سبعة وعشرين جزءً».
ولا شک أن هذا النجاح الذي يحرزه المهدي في تنفيذ العدالة مردّه الي ان النظامالاداري الذي سيعتمده سيکون علي درجة عالية من الرقي والدقة والنزاهة، مايجعلنا نتصور نظاماً اخلاقياً يبلغ درجات غاية في السمو والنقاء.
ولنا أن نتصور عناء الانسانية من الويلات والحروب والدمار وتعسّف النظمالادارية وبطش الحکومات واستعباد الشعوب، ثم اذا بالسماء تنفتح علي الارضبأمطار الخير والبرکات.. أمطار غزيرة تحيي الارض بعد موتها هذه الامطار التيتجعل الناس يتطلعون بأمل الي الخلاص في وجود من يفکر باستثمار هذا الفيضالسماوي بدلاً من العدوان وشن الحروب وتغذية الصراعات الدامية.
يقول الامام الصادق عليه السلام: «اذا آن قيامه، مطر الناس في جمادي الاخرة وعشرةأيام من رجب مطراً لم ير مثله».
وقد أورد الشيخ المفيد مجموعة من العلامات الدالّة علي الظهور تُختتم بهطول:«أربع وعشرين مطرة تتصل فتحيا بها الارض بعد موتها وتعرف برکاتها».
وقد اثبت «التلمود» ملامح مذهلة عن عالم المستقبل خاصّة في الميدان الزراعيحيث الاشجار المثمرة تهب ثمارها کل شهرين فيما تهب الحقول حبوبها کل اسبوعينمرّة وتدفق الينابيع.
وستشرق شمس العدالة».
علي أن السعادة التي يبشر بها التلمود ستعني فقط بني اسرائيل اتباع دينموسي، وعندما «يأتي الوثنيون لاعتناق دين يهود فأنهم سيطردونهم».
وهذه النظرة العنصرية ينضح بها الفکر اليهودي حيث الحقد علي الامموالشعوب والتخطيط لدمارها مبثوث في التلمود الذي يتمتع بالقداسة لديهم أکثر منالتوراة.