الدائرة الاسلامية
ان وجود اسرائيل في قلب العالم الاسلامي يؤکد الحالة المرضية التي تعيشهاامتنا، کما أن غطرستها ومحاولاتها في فرض هيمنتها علي الصعيدين السياسيوالاقتصادي يکشف عن ضعف شديد في البنية الاجتماعية لدي المسلمين والعربخصوصاً.
هذا الوجود الذي يجعل من الجمل العربي لعبة بيد صبي يهودي معتوه!
ومن المفيد أن نعرف أن مجموع الاخبار الواردة حول خطوة المهدي الاصلاحيةتشير اءلي أن جهوده «في أول ظهوره تکون مبذولة علي الامة الاسلامية أکثر من أيأمة أخري يصنع منها في فترة قصيرة أمة قائدة للعالم ورائدة للحق».
وهناک ما ينبغي قوله في سطور هذا الفصل وهي أن الوعي الامامي ونعني وعياتباع هذا المذهب هو کأي وعي بشري ينمو ويتبلور ويتکامل ويتأثر بحرکة التاريخوالزمن، ويکون للتجارب دورها في مساره، وهو يمتاز عن غيره بما أفرده من منزلةکبري للعقل، فالفکر الامامي يمجد العقل الانساني ويرفعه الي أعلي ذروة يمکن أنيبلغها ومن غير المنطقي أن يرکن الي اساطير يخلقها وينحتها ويجمد عليها.
ومن اللافت للنظر في أدبيات مسألة المهدي وجود روايات تذکر صراحة اندولة المهدي هي آخر الدول:
عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام أنه قال: «ما يکون هذا الامر حتي لا يبقي صنفمن الناس اءلاّ وقد ولّوا علي الناس حتي لا يقول قائل: اءن ولّينا لعدلنا، ثم يقومالقائم بالحق والعدل».
وعن الامام الباقر عليه السلام قال: «دولتنا آخر الدول، ولا يبقي أهل بيت لهم دولةاءلاّ ملکوا قبلنا، حتي لا يقولوا اذا رأوا سيرتنا: اذا ما ملکنا سرنا مثل سيرة هؤلاء،وهو قول الله عز وجل: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)».
فليس هناک استثناء لاي من نظريات الحکم مهما بلغت من نقائها وقوّتها،ومسألة تشکيل الحکومة الاسلامية في عصر الغيبة يجب اءلاّ تنطلق في مشروعيتهاعلي أساس نيابة المعصوم في غيابه فقط بل علي وجوب تطبيق شريعة الله وعليضرورة الحکومة في ادارة الحياة الاجتماعية.
وأدبيات المسألة تتضمن تأکيداً علي فشل واخفاق وبمستويات مختلفة نظرياتالحکم التي تعد ارهاصات سابقة تهييء الارضية المناسبة للنجاح النهائي.
فالنضج الفکري في التنظير والتطبيق لا يحدث فجأة، بل أنه عملية تبلور تتمببطء وهدوء، والانسانية تتعلم من تجاربها الطويلة وترقي شيئاً فشيئاً سلم الرشدوالکمال، فالربط بين مسألة المهدي وأي من نظريات الحکم في حقانيتهاومشروعيتها هو ربط فيه تعسّف لامبرر له.
اءنّ أية دراسة للحرکات الاسلامية في البحث عن جذور نشوئها ومبرراتاستمرارها لابد وأن تخلص في التحليل الي عنصرين: الاول الخطاب القرآني الصريحفي وجوب اقامة الصلاة، وجوب الجهاد، وسائر الواجبات الفردية والاجتماعية التيلا يمکن أداءها اءلاّ من خلال نظام سياسي واجتماعي واءداري.
والعنصر الثاني: هو بداهة وضرورة وجود نظام الحکم لادارة دفة الحياةالاجتماعية وأي محاولة لاقامة نظام اسلامي انما تکتسب مشروعيتها القانونية في هذاالاطار بغض النظر عن الفاصلة التي تبعدها وتقربها من الصوابية.
ولذا سيکون من العدوان والظلم الهجوم علي مشروعية نظرية للحکم الاسلاميانطلاقاً من التشکيک في ولادة الامام المهدي وغيبته، لان مسألة ميلاد الامام وغيابهمسألة مستقلّة تماماً عن أي من نظريات الحکم مهما بلغت الذروة في النقاء النظري،ذلک أن اسباب الاخفاق لا تنحصر في الخطأ النظري وانما تتعداه الي الخطأ والخلل فيالتطبيق، والامام الشهيد محمد باقر الصدر الذي نهض بمسؤوليته کثائر يهدف اليتطبيق واقامة حکم اسلامي فذ وشريف يعلن صراحة: ان العلم لا يصنع حقيقةانما يکشف عنها، وأنه لا يحل مشکلة انما ينبه لها فقط.
بل اننا نجد عاملاً ثالثاً في الاخفاق لا يعود الي خلل في النظرية أو تعثر فيالتطبيق وانما الي غياب الظروف المواتية التي تساعد علي النجاح.
فالخطة الاقتصادية التي نهضت بالاقتصاد الالماني من تحت أنقاض حربمدمّرة فشلت فشلاً ذريعاً في أول محاولة لتطبيقها خارج بيئتها الاصلية لان ظروفالمانيا العامّة تختلف جوهرياً عن ظروف البلدان الاخري.
وفي عالم الطبيعة کم هي البذور الکامنة في الارض غافية تترقب المناخ الملائمللانبات حتي اءذا توفرت الظروف المواتية اهتزت وتحرکت جذورها، ثم ظهرتأوراقها لتنمو وتنشر ظلالها الوارفة وتؤتي أکلها ولو بعد حين.