بازگشت

الاشعاع الاخلاقي


من الطبيعي أن تفرز النبوءات التي حملتها الکتب المقدسة والرسالات الالهيةحالة من الانتظار والترقب.

وهذه الظاهرة التي ولجت الضمير الانساني وواکبت تاريخه الطويل تتأثر دائماًبالاطار البيئي، النفسي والتربوي، وسنلاحظ ان الانتظار يفرغ من محتواه الايجابيليشل حرکة الانسان في ضوء الاشعاع الفکري الذي يقعد بالانسان عن القيام بأيخطوة للتغيير بانتظار الذي يأتي وينهض بمهمة الاصلاح، فهذه حالة من الانتظارالسلبي تسلب المرء ارادته ومبادرته، فيما نري اشعاعاً ايجابياً لفکرة الانتظار تنطويعلي أمل مشرق يلوح في الافق وينعش حالة التحرک نحو تحقيق الهدف وبلوغ الغايةالمنشودة.

فالوعد الالهي الذي يشع من الاية الکريمة في قوله تعالي: (وَلَقَدْ کَتَبْنَا فِيالزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الاَْرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) والذي جذّره النبي صلي الله عليه و آله و سلم بوضوح أکثر في قوله: «أبشرکم بالمهدي يُبعث في أمتي علي أختلاف من الناسوزلازل فيملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً» هذا الوعد يرسم فيالضمير الاسلامي النقي أفقاً مشرقاً يزخر بالامل الاخضر والخلاص ونهاية مسلسلالعذاب الذي يواکب حرکة التاريخ البشري الطويل.

ومع هذا فان الانتظار اءذا لم يلج الوجدان الانساني بنقاء فانه يفرز حالة سلبيةلا تبعث علي الحرکة فحسب بل وتقضي علي أي مخزون للطاقة في التحرک والسعيوالتغيير وسيکون له دور اصطدامي مع آيات قرآنية صريحة المدلول کقوله تعالي:(اءِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُوا مَا بِاَنفُسِهِمْ).

اما الاتجاه الايجابي في الانتظار فانه ينطوي علي قيمة حضارية کبري انطلاقاًمن وجود أمل کبير في حتمية تحقق الهدف النهائي والمنشود.

فالانتظار کظاهرة اجتماعية کانت تتأرجح بين کونها عاملاً في الحرکة والسعيوالتغيير، وبين صيرورتها أغلالا تکبل ارادة الانسان وتدفعه الي الترقب السلبي وهوانتظار خاو لا ينطوي علي أي طاقة حضارية.

والانتظار بشکل عام ولّد تجربة نفسيه غنية تعد «من أوسع التجارب النفسيةواکثرها عموماً بين أفراد الانسان».

فالانتظار الذي ينهض علي ايمان عميق بمستقبل أخضر للبشرية سيتفجّر عنهينبوع الامل اءذ يتعدي حالة العزاء الي ما هو أبعد.. الي صيرورته طاقة حرکية تمدّعملية التغيير الاجتماعي بالروح والقوّة والصبر.

ولعل استقراءً لظاهرة الانتظار يقودنا الي اعتبارها نزوعاً فطرياً مغروساً فيوجدان البشر، فحتي المارکسية الغارقة في تفکيرها المادي لم تتجاوزها يقول برتراندراسل: «الانتظار لا يخص الاديان فحسب، بل المدارس والمذاهب أيضاً تنتظر منقذاًينشر العدل» فهو يکاد يوازي النزوع الوجداني للايمان.