بازگشت

المعتضد السفاح الثاني


لقد استرسلنا في رسم المشاهد حتي عام 263 أي حتي وفاة شخصية کبيرة لهانفوذها هي شخصية عبيدالله بن يحيي بن خاقان في حادث غامض جداً وهو قيامرشيق الخادم وهو غلام «الموفق» بافتعال حادث اصطدام بينما عبيدالله علي دابّتهفسقط عن الدابّة وتوفي بعد سويعات!!

وسنري رشيقاً هذا يعمل في جهاز المعتضد القمعي والاخير يحتاج لوحدهدراسة عميقة فهو الخليفة الذي لقب بالسفاح الثاني والذي حکم البلاد بقوة الحديدوالنار والذي وقعت في عهده حوادث تحتاج الي توقف ودراسة.

علي أننا سوف نؤشر بعض الحوادث قبل أن نستعرض ما حصل خلال حکومةالمعتضد التي استغرقت زهاء العقد من الزمن.

في الاعوام 264ه ـ 267ه وقعت حوادث کبري اءذ أغار الاسطول الاسلاميعلي مدينة البندقية فيما کانت الاشتباکات في جنوب العراق تزداد ضراوة، وفي مصرأعلن أحمد بن طولون تمرّده علي العاصمة وزحف بجيش جرّار علي دمشق فاستوليعليها.

وفي خراسان اجتاح الطاعون ليحصد آلاف الارواح فيما أغار الثوّار الزنوج عليمدينة واسط وارتکبوا فيها مذابح وحشية.

وشهدت بلاد الاندلس ثورة المولّدين واستيقظت مدينة سامراء علي فراررئيس الوزراء الحسن بن مخلد (نصراني وأسلم) الي بغداد بعد أن تناهي اليه عزمالقائد الترکي موسي بن بغا العودة الي سامراء فصودرت جميع ممتلکاته.

وشهدت مدينة اصفهان ثورة تم قمعها في مهدها، وثورة أخري في نيسابورالخاضعة لنفوذ الصفّار الذي توفي قبيل اندلاعها وثورة في مدينة حمص السورية،وأغار الاعراب علي مکّة المکرمة ونهبوا کسوة الکعبة المشرّفة وتعرّضت ديار ربيعةالي غارات وحشية شنّها الروم.

وفي هذا العام (267ه) توفي السفير الاول بعد أن أبلغ بعض رجالات الشيعةرسالة من الامام المهدي وهي رسالة تتعرض الي الشکوک التي بدأت تراود أذهانالبعض في عدم وجود حجة لله.

ويدور حوار حول السفير القادم بعد رحيل السفير الاول:

ـ مدّ الله في عمرک اذا کان الذي لابد منه فمن يخلفک في سفارتک؟

ـ محمد ابني.

ـ أنت أخترته؟!

ـ بل اختاره حجة الله.

في عام 268ه شرع «الموفق» باعادة تنظيم قواته استعداداً لبدء الهجوم العامخاصّة بعد نجاح «رشيق» بقطع طريق الامدادات التي تصل «المختارة» عاصمة التمرّدمن البادية العربية.

وقد عبرت الجيوش العباسية الانهار والمسطحات المائية وأصبح الهجوم العاموشيکاً.

وأسفرت العمليات الحربية عن تشديد الحصار علي المختارة التي شهدت تصدّعاًفي جبهتها الداخلية بسبب نفاد المؤن واضطرار البعض الي أکل لحوم الموتي بلوصلت انباء مروعة حول أکل لحوم الاطفال.

أما علي صعيد الوضع في سامراء فقد قرر المعتمد الذي وجد نفسه خليفة بلاخلافة الفرار من العاصمة واللجوء الي مصر فغادر سامراء بذريعة القيام برحلةللصيد، وتم ترتيب اتفاق مع أحمد بن طولون الذي شجع علي ذلک وارسل قواتعسکرية الي الرقة لاستقباله وعندما وصل الخليفة الموصل تم القاء القبض عليهوأعيد الي سامراء بالقوة.

واصدر الموفق أوامر بفرض الاقامة الجبرية علي أخيه وأصدر مرسوماً يقضيبتعيين ابن کنداج حاکم الموصل أميراً علي مصر فردّ أحمد بن طولون باعلانه خلعالموفق من ولاية العهد.

في عام 270ه بلغ الموفق ذروة مجده السياسي بقضائه التام علي ثورة الزنج التيأقلقت الرأي العام قرابة خمسة عشر عاماً.

وفي نفس العام توفي أحمد بن طولون فتسنم الحکم ابنه خمارويه کما توفي أيضاًمؤسس الدولة العلوية في طبرستان الحسن بن زيد.

وفي عام 271ه انخفض منسوب المياه في النيل فانتهز الموفق الفرصة ودفعبالجيوش العباسية لاسترداد مصر لکنها تمني بهزيمة ساحقة في منطقة الرملة بفلسطينبعد اشتباکات دامية.

في عام 272ه وقعت في بغداد حوادث شغب وعنف استهدفت السکانالنصاري وهاجم الناس الدير العتيق ودمّروا بعض جدرانه مما استدعي تدخلالشرطة بأمر من حاکم بغداد واعادة بناء ما تهدم.

وفي نفس العام اندلعت الحرب مرة أخري بين الدولة وقوات الصفاريين لتستمرحتي عام 274ه.

وخلال ذلک تم الاعتراف رسمياً بولاية خمارويه علي مصر والشام والمناطقالحدودية المتاخمة لدولة الروم التي توفي امبراطورها باسيل الاول وشهد عام 273ثورة الزنوج في مصر ثم قمعها بوحشية، فيما کان الاندلس يشهد ثورة في مدينةطليطلة وفي أثناء ذلک توفي العالم الفلکي عباس بن فرناس بعد فشل أول محاولةبشرية للطيران نفذت من فوق مئذنة قرطبة.

وفي هذا العام تعرضت سامراء الي غارات اللصوص وکان الخليفة المعتمد قدغادرها الي بغداد وحل في قصر بوران بنت الحسن بن سهل وزوجة المأمون.

وتوترت الاجواء في بغداد سنة 275ه بعد اقدام الموفق علي توقيف ابنه أبيالعباس الذي سيعرف في سنة 279ه ب «المعتضد» فاندلعت حوادث شغب أثارهااتباعه الذين تجمعوا في جسر الرصافة، ولم يذکر التاريخ بواعث هذا الاجراء ولکنالموفق التقي المشاغبين وجاء في حديثه معهم:

ـ أترونکم أشفق مني علي ابني؟! هو ولدي واحتجت الي تقويمه.

اننا نذکر هذه التفاصيل لنرسم صورة للمشهد العام الذي أسفر بشکل وآخرعن صعود الخليفة الدموي المعتضد سنة 279ه.

في سنة 276ه انتهي الصراع مع الصفاريين بتعيين محمد بن الليث الصفار قائداًلشرطة بغداد وکُتب اسمه علي الاعلام.

وفي أواخر عام 277ه اصيب الموفق بداء النقرس فعاد من ايران الي العراقعلي سرير يحمله أربعون حمالاً ووصل بغداد مطلع صفر سنة 278ه.

وأصبحت بغداد مسرحاً للشائعات حول وفاته فيما کان ابنه ما يزال سجينا.

أما المعتمد فقد کان في المدائن مع اسرته خليفة بالاسم فقط ينتظر مصيره.

وبرز أبو الصقر أحد کبار القادة العسکريين ففرض سيطرته علي بغداد، وعندمااشتدّت الشائعات حول وفاة الموفق اندفع انصار ابنه الي السجن وحطموا الاقفالوأخرجوا «المعتضد» وانطلقوا به الي منزل والده الذي دخل في غيبوبةالموت.

وفي 9 صفر وصل المعتمد وأفراد اسرته بغداد وقد تدهورت صحة الموفق.

وتلبدّت الاجواء في بغداد، ومالبث الفوضي أن اندلعت فجأة وهوجمت بعضقصور القادة خاصة قصر أبي الصقر ونهبت حتي غدت قاعاً صفصفاً.

وکسرت أبواب السجون حتي سجن المطبق الرهيب وتصدّي أبو العباس«المعتضد» فعين غلامه بدر قائداً لشرطة بغداد فأعاد اليها الهدوء في منتصفصفر.

وفي يوم الاربعاء 22 صفر اعلن عن وفاة الموفق وفي يوم الخميس أعلن أيضاًعن تعيين أبي العباس ولياً للعهد بعد المفوض ولي العهد الرسمي وفي يوم الجمعة سمعأهل بغداد بلقب أبي العباس «المعتضد».

وفي 26 صفر ألقي القبض علي أبي الصقر وصودرت جميع ممتلکاته وممتلکاتأقاربه الذين اختفوا عن الانظار وفي يوم الثلاثاء 27 صفر أعلن عن تنصيب عبيداللهبن سليمان بن وهب رئيساً للوزراء..

وشم الناس عهداً يفوح برائحة الدم.. لقد بدأ عصر الارهاب من جديد، وأنمسلسل الرعب الذي عاشته بغداد في عهد أبي العباس السفاح والمنصور سيعود فيعهد أبي العباس المعتضد.

وفي مطلع سنة 279ه منع منعاً باتاً جلوس أي حکواتي لسرد القصص کما منعبيع وتداول الکتب الکلامية والفلسفية.

وفي 22 محرم اعلن عن خلع ولي العهد المفوّض، واعتبار المعتضد ولي العهدالرسمي الوحيد وابلغت جميع الاقاليم الاسلامية بهذا الاجراء فاسقط المفوض عنالخطب الاسبوعية.

وفي تشرين الثاني سنة 892م 17 رجب 271 أقام الخليفة المعتمد احتفالهالترفيهي مساءً في حدائق قصر الحسني المطلّة علي دجلة.. وراح يکرع کؤوسالخمر، مع شرائح اللحم المشوي.. وفيما کانت أصوات الموسيقي والمطربين تملاالفضاء سقط المعتمد فجأة.. وتضاربت الشائعات حول سبب الوفاة وتناقل الناسشرهه في الطعام تلک الليلة وانه مات مبطوناً فيما أکد بعضهم أنه اغتيل بوضع السم فياللحم أو في الخمر!!

وفي يوم الثلاثاء 18 رجب اعلن عن بيعة الخليفة الجديد المعتضد.. وجلسعلي دست الحکم وله من العمر ثلاثون سنة..

وبدأ عصر الارهاب الشامل.. فالخليفة الجديد سفاک للدماء مع رغبة شديدةفي تعذيب ضحاياه باساليب بشعة.

تسکن روحه حمي الشهوات شبق جنسي وميل جارف لبناء القصورالفخمة.

کان أول شيء قام به صلحه مع «خمارويه» الذي ارسل اليه عارضاً ابنته «قطرالندي» زوجة لابن الخليفة..

فوافق الخليفة علي أن تکون زوجة له شخصياً، وبدأ العمل في بناء قصر الثرياالمنيف استعداداً لاستقبال «قطر الندي».

وفي عام 280ه القي القبض علي محمد بن الحسن بن سهل شقيق بوران مالکةالقصر الحسني الذي يسکنه الخليفة حالياً والذي اصبح قصر الخلافة..

وقد عثر في منزله علي جرائد تضم اسماء أشخاص يبايعون رجلاً علوياً لميصرّح باسمه..

وکشفت التحقيقات عن وجود خطة لاغتيال المعتضد وقلب نظام الحکم.

ودوهمت منازل بعض الذين وردت اسماؤهم في الجرائد وسيقوا، جميعاً اليالقصر وتعرضوا للتعذيب فاعترفوا انهم لا يعرفون الرجل العلوي وأنهم يعرفون«شميلة» فقط!

تساءل المعتضد متوجساً وهو ينظر الي عبيدالله بن وهب.

ـ من يکون شميلة؟!

أجاب رئيس الوزراء:

ـ انه محمد بن الحسن نفسه فهو معروف بشميلة.

أصدر المعتضد أحکام الاعدام بحقهم فاعدموا فوراً، أما شميلة فقد ظل رهنالتحقيق، وکان المعتضد يأمل منه أن يکشف عن اسم الرجل العلوي الذي سيقودالثورة في قلب بغداد!

وفي قصر الحسني بدأت أولي حفلات التعذيب المعتضدية سبقها استجوابطويل.. حاول المعتضد اغراءه بالمال ولکن الرجل اظهر اءباءً فراح يهدد بالويلوالثبور.. فردّ شميلة متحدّياً:

ـ لو شويتني علي النار فلن تسمع مني اءقراراً.. أتريدني ادلّک علي رجل اعتقدباءمامته وادعو الناس الي طاعته؟!

اشتعلت عينا الخليفة بالشرر.. وقال وهو يصرّ علي أسنانه بغيظ:

ـ سوف اشويک بالنار کما قلت!

ـ اصنع ما تشاء.

برقت في اعماقه المظلمة فکرة رهيبة في أن يجعله بين ثلاثة رماح ثم يشويبالنار «ويشوي کما يشوي الدجاج»!!

ونفذت الفکرة علي الفور وراح الجلاوزه يشوون الانسان وکان المعتضد ينظربتلذذ الي آلام الانسان ولم يبد عليه أنه قد اکترث لرائحة شواء لحم بشري!!

واستمر المشهد المهول الي أن تفرقع جسم الضحية ولفظ انفاسه.. وعندها أمر«خليفة المسلمين» أن يصلب الجسد بين الجسرين علي الجانب الغربي!

وظل اسم الرجل العلوي المجهول هاجساً مخيفاً يراود ذهن الخليفة الذي يعجّبالاوهام والوساوس.

تري من يکون ذلک الرجل العلوي الذي يعدّ للثورة في بغداد؟!! وباح الخليفةلرئيس وزرائه الذي لا يقل عنه وحشية وسفکاً للدماء.. باح له بهواجسه..

وبدأت کلاب السلطة مهامها في التجسس والبحث عن الرجل أو الحصول عليمعلومات تساعد في القبض عليه.

ولم تمض سوي اسابيع حتي بدأت التقارير السرّية ترد علي القصر وتفيد بوجودمجموعة من الوکلاء مهمتهم استلام أموال تأتي الي أشخاص أو شخص له القابعديدة.. فهو مرّة «الحجة» أو «صاحب الزمان» أو «الغريم»، ولا يوجد اسمصريح يمکن التعرف عليه!

وأعدّت لرئيس الوزراء عبيدالله بن سليمان بن وهب قائمة تضم مجموعة منرجال الشيعة يقومون بمهمة الوکالة في استلام أموال ترد لرجل علوي مجهول..

واتخذت التقارير مساراً اکثر خطورة عندما راحت تشير الي منزل الامامالراحل الحسن العسکري في سامراء، ولم يضع المعتضد وقتاً في معالجة الموقف واتخاذالقرار بأسرع وقت.

لقد انقدحت في ذهنه المتوقد أن يکون الرجل المجهول هو المهدي!!

واصبح من المؤکد وجود سفير له بل ووجود وکلاء يستلمون الاموال بالنيابةعنه!

تورد المدونات الشيعية ان عبدالله بن سليمان بن وهب اخفق في القبض علي أيمن وکلاء المهدي بعد فشل الجاسوس الذي دسته الحکومة في کسب ثقة أي منهم..لقد قابل کثيراً من الشخصيات وتظاهر بأنه من شيعة الامام المهدي وأن لديه أموالاًيريد تأديتها کحقوق شرعية، ويبدو ان ابن وهب قد اقتنع تماماً وتبدّدت شکوکه أماالمعتضد فقد تظاهر بذلک فقط.

فهو کسياسي شبهه التاريخ بأبي العباس السفاح لا يريد أن يثير مسألة حساسةمثل مسألة المهدي ويجعل منها قضية مادامت التقارير السرّية تؤکد عدم وجودها.

کما أن مهمة القاء القبض علي المهدي أو تعبئة الوضع بهذا الاتجاه أمر يضرّبسمعة الدولة.

ولذا سنري الخليفة السفاح يکلّف «رشيق» الخادم بمهمة غاية في السرّية وهيمهمة غامضة وسريعة: ثلاثة رجال وستة خيول حتي لا تکون هناک فرصة لالتقاطالانفاس في قطع مسافة 120کم، واقتحام منزل عنوانه واضح جداً هو منزل الامامالهادي في درب الحصا في سامراء.

والرواية يسردها رشيق بعد وفاة المعتضد الذي سبق وأن هدّدهم بالموت اذا ماتفوهوا بها ولکنه يسردها بعد وفاة الخليفة الدموي کجزء من ذکرياته.

وأول شيء يثير الانتباه هو فشل المهمة لسبب مدهش وهو يري حوضاً مليئاًبالمياه فالحجرة التي أراد الرجال الثلاثة اقتحامها مفروشة بالمياه وهناک في اقصاهاشاب يصلّي، حاول أحدهم العبور اليه لکنه فوجيء بعمق المياه فارتد علي أعقابه،ومنظر کهذا لابدّ وأن يربک الرجال خاصّة وأن منظر انسان يصلّي في مکان عجيبيفترض أن يکون مبلطاً أو مفروشاً.

وفي ضوء ما ورد من مواصفات المنزل يمکن تفسير وجود هذه الحجرة الزاخرةبالمياه، والرواية أهملت التاريخ الدقيق ويحتمل أن يکون قد حصل ذلک في موسميرتفع فيه منسوب المياه في دجلة فتتدفق المياه بيسر عبر الکهاريز أو القنواتالجوفية، بل اءن اعداد هذه الغرفة ليس له ارتباط وثيق بتاريخ محدد أو موسم معين.

ولا نريد التوقف أکثر من هذا أمام هذه الحادثة لکننا سنتفهم الموضوع باثارةحادثتين أخريين مع الاشارة الي بعض الوقائع التي لا تبدو هامّة اءلاّ بعد وضعها فياطار عام منها وصول «قطر الندي» بنت خمارويه وهي أميرة صغيرة اقترح أبوها أنتکون زوجة لابن الخليفة ولکن المعتضد يستأثر بها ويبني لها قصر الثريا الکبير.

وما لبثت الانباء أن وصلت باغتيال خمارويه في مصر! کما سادت بغداد أجواءمتوتره بعد تجدد الاشتباکات واشتعال الحرب مع الدولة العلوية في طبرستان. فيماکانت التقارير ترد القصر بوصول مبالغ کبيرة من محمد بن زيد العلوي زعيم الدولةالعلوية الي رجل يدعي محمد بن ورد العطار لتوزيعها علي العلويين في بغداد والکوفةفألقي القبض عليه وسيق الي قصر «بدر» غلام المعتضد.

في مطلع عام 284ه قرر المعتضد لعن معاوية بن أبي سفيان والطغمة الامويةعلي المنابر، واستخرج من خزانة الدولة کتاباً في لعن معاوية کان الخليفة المأمون قدأعدّه في خلافته، وتم اعداد کتاب موجز أخذ من جوامع کتاب المأمون، وتناقلأهل بغداد اخبار عن الموعد المقرّر لقراءة الکتاب والذي سيکون 11 جمادي الاخرة.

وکان المعتضد مصمماً علي ذلک لولا أن حذّره القاضي يوسف بن يعقوب منالعواقب الوخيمة قائلاً:

ـ اءني أخاف أن تضطرب العامّة عند سماعها هذا الکتاب.

قال المعتضد:

ـ اذا تحرکت العامّة أو نطقت وضعت سيفي فيها.

قال القاضي محذراً من خطر العلويين:

ـ يا أمير المؤمنين فما تصنع بالطالبيين الذين يثورون في کل ناحية؟ وکثير منالناس يميلون اليهم لقرابتهم من الرسول ومآثرهم؟ وفي هذا الکتاب اطراء لهم..فاذا سمع الناس هذا الکتاب کانوا اليهم أميل، وکانوا هم أبسط ألسنة واثبت حجةمنهم اليوم.

وأطرق المعتضد والتزم الصمت، ولکن الکتاب انتهي أمره ولم يقرأ بالرغم منان التاريخ حفظه بالتفصيل.

الحادثة الاولي:

في منتصف شعبان وقع حادث غريب عندما ظهر تحت جنح الظلام شخصمسلّح في قصر الثريّا الذي انتقل اليه المعتضد رسمياً منذ زفاف «قطر الندي» وعندماأراد أحد الخدم أن يتعرف علي هوّيته ضربه الشخص بالسيف فقطع حزام الخادمالذي فرّ مذعوراً..

ثم تواري الشخص المجهول في حدائق القصر! وشعر المعتضد بالرعب وهويصدر أوامره الي الحرس بالبحث خلال الاشجار واستمر البحث حتي مطلع الفجرولکن لم يعثر له علي أثر!!

ثم ظهر ثانية بعد ليالي أخري.

وعُزّزت أسوار القصر بمادة هشّة تحسباً من استخدام کلاليب التسلّق.. کما أمرالخليفة بأحضار من في السجن من اللصوص ليناقشهم في امکانية الدخول الي القصرتسلّقا أو نقباً؟!

وتناقل الناس حکايات حول هذا الشخص وأنه ربما کان من الجن ظهر للخليفةبسبب ايغاله في سفک الدماء.. وانه ربما کان شيطاناً أو من مؤمنيّ الجنّ.

وکان الجواسيس ينقلون اليه بعض ما يتناقله الناس ولکن المعتضد يبدو قدصدّق حکاية الخادم الذي وقع في هوي اءحدي جواري القصر وانه يتناول بعضالعقاقير الخاصة فلا يدرک بحاسة البصر!

وعمد المعتضد الي تعذيب بعض الخدم والجواري حتي الموت والقي في السجنآخرين.

وکان المعتضد تشتد هواجسه وقلقه عندما يحل المساء الخريفي ففي منتصف الليلعاود ذلک الشبح ظهوره مرّة أخري في رمضان وکانت الابواب تفتح وتغلق..

وکان المعتضد يرکض کالمخبول في أروقة القصر فکان يراه مرّة في صورة راهبذي لحية بيضاء وتارة في صورة شاب حسن الوجه بلحية سوداء وتارة في صورةشيخ يرتدي زي التجار وتارة أخري بيده سيف مسلول.

وأصبح المعتضد فيما يبدو في حالة نفسية متدهورة حتي أنه أمر باحضارالمجذوبين والمجانين والمعزّمين فاحضروا وکانت فيهم امرأة.

ان أحداً لا يدري هل کان الشبح الذي کان يراه الخليفة حقيقة أم ان ما يراه لايعدو أن يکون أشباح ضحاياه تتراءي له في قلب الظلام..

لقد کان الخليفة يشرف شخصياً علي مختلف الطرق في التعذيب الوحشي..فکانت مشاهد التعذيب البشعة مما لا يمکن احتمالها لدي انسان فيه بقيا منالانسانية.

وسيبقي ما رآه الخليفة في قصر الثريا لغزاً من ألغاز التاريخ!

ونختتم عهد المعتضد الدموي بالاشارة الي وفاة الاميرة قطر الندي سنة 287ولما تناهز العشرين بعد!!

وفي عام 288 شهد الشمال الافريقي ظهور رجل يدّعي أنه المهدي وفي عام 289توفي المعتضد ليتولّي الخلافة بعده ابنه «المکتفي» وبدأ رعب القرامطة الذي أقلق العالمالاسلامي.

الحادثة الثانية:

وقبل أن نوردها نشير الي اعتقال الحلاّج سنة 301ه بتهمة الزندقة والالحادعلماً بأنّه متهم أيضاً بادّعائه السفارة للامام المهدي وقد فضحه الزعيم والعالم الشيعيأبو سهل بن اسماعيل النوبختي، والذي يمت برابطة نسب الي الشيخ الحسين بن روحالنوبختي السفير الثالث للامام المهدي.

في عام 314ه کانت بغداد تتابع بقلق بالغ تحرکات القرامطة الذين يثيرونالرعب في کل مکان يقتربون منه.

فقد فرّ أهل مکة الي الطائف عندما سمعوا بزحف «أبي طاهر القرمطي» اليهاولکن سرعان ما وصلت الاخبار أنه في طريقه الي العراق.. وأنّ هدفه الاولسيکون الکوفة..

کتب الخليفة الي يوسف ابن أبي الساج الذي يرابط في مدينة واسط أن يتحرکبسرعة صوب الکوفة.. وأخبره بان أطنانا من المؤن بما في ذلک القمح والشعيربانتظاره.

ويشاء القدر أن تسقط هذه المؤن بيد أبي طاهر وعندما وصل الجيش العباسيفي الثامن من شوّال وجد الطريق الي الکوفة قد سقط بأيدي القرامطة.

کان الجيش العباسي يفوق قوّات القرامطة اضعافاً مضاعفة، ولذا شعر ابن أبيالساج بالغرور وأمر باعداد کتاب الفتح قبل أن تبدأ العمليات الحربية؟

ونشبت المعرکة في ضحي يوم السبت 9 شوال واستمرت حتي الغروب، وقادأبو طاهر هجوماً مدمّراً حطم فيه خطوط الجيش العباسي الذي انهار فجأة، ووقعيوسف في أسر القرامطة ووکل أبو طاهر طبيباً يعالج جراحه.

وصلت فلول المنهزمين بغداد حفاة عراة وکان لمنظرهم المأساوي الاثر الرهيبفي بث الرعب في المدينة واصدر «نازک» قائد الشرطة العام أمراً بمنع التجول ليلاً ونفذالاعدام بالمتخلفين.

وبدأ سکان بغداد يعدّون العدّة للفرار من المدينة الي همدان في ايران، فيماوصلت انباء مؤکدة ان القرامطة في طريقهم الي الانبار.

استدعي الخليفة القائد العسکري مؤنس المظفر لمواجهة القرامطة، فحرّکخمسمئة زورق مشحون بالجنود لصدّ القرامطة اذا حاولوا عبور نهر الفرات.

حرّک القائد قطعات من قواته الي الانبار لتعزيز دفاعات المدينة التي قام أهلهابقطع الجسر.

وعسکر القرامطة في الجانب الغربي من النهر، وفي عملية سريعة قام القرامطةبالافادة من السفن الموجودة في مدينة «حديثة» التي سقطت في أيديهم فعبر ثلاثمئةمحارب الي الانبار وسرعان ما فرّ جنود الخليفة، فعقد الجسر مرّة أخري وعبرتقوّات القرامطة لتدخل الانبار دخول الفاتحين.

وفي غمرة الرعب الذي عمّ بغداد ألقي القبض علي رجل قرمطي اتهم بمراسلتهلابي طاهر وتسريبه أخبار ومعلومات هامّة وسيق الرجل الي قصر رئاسة الوزراءحيث تم استجوابه.

ـ هل تقرّ بذلک؟

ـ نعم!

ـ لماذا؟

ـ لانني أري أبا طاهر علي الحق، وأنت وخليفتک کفار تأخذون ماليس لکم..

وسکت لحظات ليقول:

ـ ولابدّ لله من حجة في أرضه.. واءمامنا المهدي محمد بن أحمد بن عبدالله بنمحمد بن اسماعيل بن جعفر الصادق المقيم ببلاد المغرب!!

اءننا لسنا کالرافضة ولا الاثني عشرية الذين يقولون بجهلهم اءن لهم اماماًينتظرونه ويکذب بعضهم لبعض.. فيقول رأيته وسمعته وهو يقرأ.. ولا ينکرونبجهلهم وغباوتهم أنه لا يجوز أن يعطي من العمر ما يظنونه..

سکت رئيس الوزراء ثم قال:

ـ أنت تعرف أشياء کثيرة عن عسکرنا فمن فيهم علي مذهبک.

نظر الرجل وأفتر عن ابتسامة ساخرة وقال:

ـ أنت بهذا العقل تدير الوزارة.. کيف تظنني أسلم قوماً مؤمنين الي قوم کافرينيقتلونهم؟ لن أفعل ذلک!!

شعر رئيس الوزراء بالغيظ لهذه الاهانة واصدر أوامر بتعذيبه وعدم تقديمالطعام والشراب اليه فظل ثلاثة أيام ثم مات.

واءفادات الرجل وما ورد في وقائع المحاکمة تشير الي ان مسألة المهدي مسألة

جادّة حتي انها استغلت في تأسيس دولة قوية علي انقاض دولة الادارسة في الشمالالافريقي کما أن الاثني عشرية وفقاً لافادته يطرحون منذ البداية مسألة الغيبة والعمرالطويل مع ان عمر الامام وقت المحاکمة يناهز الثامنة والخمسين عاماً.

کما أن مسألة وجوب وجود حجة لله قد ولجت في أذهان کثيرين ممن يناهضونالحکم القائم.

ونختتم هذا الفصل باثارة ما اثبته الدکتور عبدالسلام الترمانيني في موسوعتهالتاريخية.. وفي عمود الوفيات في سنة 275ه الذي جاء تحت عنوان اختفاء «محمدبن الحسن العسکري»: «هو محمد بن الحسن العسکري بن علي الهادي. أبو القاسم.آخر الائمة الاثني عشر عند الشيعة الامامية، وهو المعروف عندهم بالمهدي المنتظروالحجة وصاحب السرداب.

ولد بسامرّاء ومات أبوه وله من العمر خمس سنين، ولمّا بلغ التاسعة عشرة منعمره دخل سرداباً في دار ابيه بسامرّاء ولم يخرج منه».

وقد اعتمد الدکتور المؤرخ مصدرين هما:

وفيات الاعيان لابن خلکان وفيه: «.. وذکر ابن الازرق في تاريخ ميّافارقين»أن الحجة المذکور ولد تاسع شهر ربيع الاول سنة 258ه، وقيل في ثامن شعبان سنةست وخمسين وهو الاصح، وأنه لما دخل السرداب کان عمره أربع سنين، وقيلخمس سنين وقيل أنه دخل السرداب سنة خمس وسبعين ومائتين.. وعمره سبععشر سنة والله أعلم أي ذلک کان، رحمه الله تعالي».

کما اعتمد الاعلام للزرکلي وقد ورد فيه:

«محمد بن الحسن العسکري (الخالص) بن علي الهادي، أبو القاسم آخر الائمةالاثني عشر عند الامامية. وهو المعروف عندهم بالمهدي وصاحب الزمان والمنتظروالحجة وصاحب السرداب. ولد في سامراء، ومات أبوه وله من العمر نحو خمسسنين. ولما بلغ التاسعة أو العاشرة أو التاسعة عشرة دخل سرداباً في دار أبيهبسامراء ولم يخرج منه».

وقد ذکرنا من قبل نبأ اعتقال المعتضد بأوامر من والده (الموفق) وشغب أتباعهمع اننا لا نعلم سبباً واضحاً للاعتقال لکنه يکشف بجلاء أن المعتضد کان له جهازارهابي کوّنه منذ وقت مبکّر وان «رشيقاً» وغيره اعضاء في ذلک الجهاز واءلاّماتوترت الاجواء في بغداد سنة 275ه واندلاع حوادث شغب اثارها اتباع المعتضدوتجمعهم في جسر الرصافة؟

وتذکر مدونات الامامية أن المعتضد ارسل قوات لاعتقال الامام وانه کان فيالسرداب يتلو القرآن وأنه خرج من السکّة التي علي باب السرداب.

والرواية تورد اسم المعتضد صراحة لکنها لا تحدد تاريخاً للهجوم ولذا فمنالمحتمل أن يکون ذلک قد حدث سنة 275ه.

وبهذا يکون اختفاء الامام المهدي في السرداب طبيعياً جداً وقد أشرنا الي واقعةاختفاء زوجة المتوکل بعد الاطاحة بابنها الخليفة (المعتز) سنة 255ه ولم يعثر لها علياثر بعد أن فرّت من نفق سرّي بين مخدع نومها ونقطة خارج أسوار القصر.

وتؤيد المدونات الشيعية هذا الاختفاء باعتبار الهجوم علي دار الامام في عهدالمعتضد هو آخر محاولة من الدولة للقبض عليه، ولعلّه قد غادر سامراء نهائياً بعدأن أخذت بالاضمحلال لعودة الخليفة الي العاصمة الکبري بغداد، وهناک رواياتتشير الي ان الامام کان يدخل بغداد بزيّ التجار.