بازگشت

حياة الامام الحسن.. أشعة الغروب


من المفيد أيضاً أن نرسم مشهد الليلة الاخيرة من حياة الامام الحسن عليه السلام فيضوء ما أوردته المدوّنات الشيعية:

لا أحد يدري ما الذي حصل فجأة!! وفيما کانت شمس الخريف تقرض منازل سامراء بأنوارها الباهتة.. شعر الامام بحالة من الضعف الشديد والنحول اضطرتهالي ملازمة الفراش..

وبطريقة تدعو الي التساؤل والدهشة وصل النبأ الي مسامع رئيس الوزراءعبيدالله بن يحيي بن خاقان!!

هل کانت هناک محاولة لاغتيال الامام؟!

ولماذا يبادر ابن خاقان للاجتماع بالخليفة شخصياً ويطلب منه ارسال مجموعةمن رجال القصر لملازمة منزل الامام؟ واذا کان الهدف من ذلک تقديم الرعاية للامامفما هو المسوّغ في ارسال «حرير الخادم» سجّان الامام الذي سمعت تهديداته للامامذات يوم وهو يقول: «والله لارمينّه للسباع»!

هل هناک أسرار وراء ما يجري؟ هل وصلت البلاط تقارير حول وجود صبياُحيطت ولادته بالکتمان؟ وهل ولد المهدي حقّا؟

ماهي بالضبط مهمّة موظفي القصر؟! لقد أصبح منزل الامام مشحوناًبالخطر.. ولماذا تتخذ الحکومة مثل هذا الاجراء تراقب وفاة الامام ومن أين لها علمباءنَّ الامام علي حافّة الموت وهو ما يزال في ريعان الشباب ولم يبلغ الثلاثينبعد؟!..

مرّت ثلاثة أيام من ربيع الاول وقد انتکست حالة الامام الصحية، فأصدررئيس الوزراء أمراً باحضار فريق من الاطّباء لاجراء فحوصات وتقييم حالة الاءمامالصحية..

أجري الاطباء فحوصاتهم وتبادلوا نظرات ذات معني! لقد دُسّ اليه السم مافي ذلک من شک! وليس هناک من وسيلة للعلاج.

واستقرّ رأيهم علي أن حالة الامام ميأوس منها.. وأنه يموت ومع ذلک فقدأصرّ رئيس الوزراء علي بقائهم في منزل الامام!!

کما استدعي ابن خاقان رئيس سلطة القضاء وطلب منه انتخاب عشرة رجاليعملون في سلک القضاء، ومن ثم ارسالهم الي منزل الامام!

وأصبح عدد موظفي الدولة خمسة عشر غير الاطباء!! تري ماذا يجري؟!ماهو الهدف من وراء کل هذه الاجراءات العجيبة؟!

هل هناک محاولات للکشف عن وجود وريث للامام؟.. وهل هي محاولةللتنصل من مسؤولية اغتيال الامام؟ أو مواجهة الشائعات التي قد تنتشر حولاسباب وفاة ابن الرضا وهو ما يزال شاباً؟! لا أحد يدري!!

مشاعر خليطة من الحزن والقلق والتوتر تخيم علي أجواء المنزل، الذي بداوکأنه قلعة يحاصرها الاعداء..

وبالرغم من تردّي حالة الامام الصحية اءلاّ أنه کان في کامل وعيه وکانت شؤونالمنزل تمضي حسب برنامج دقيق باءستثناء جعفر الذي بدأ يتصرّف وکأنه ربّ البيتوالسيّد المطاع.

الزمن يمرّ متوتراً.. الاءمام في حجرته راقد في فراش المرض زوجته السيدةنرجس في حجرة أخري.. ماريا ونسيم في حجرة مستقلة.. کافور وعقيد يعملانبصمت وحزن تري أين الصبي؟! هل کان مختبئاً في مکان ما من السرداب؟!

هل کان في منزل السيدة حکيمة؟!

رجال القصر وموظفوه محشورون في الرواق المؤديالي غرفة الاءمام وفي قبالذلک حجرة السيدة نرجس، أما السرداب فيوجد اسفل الغرفتين حيث يوجد بابصغير يؤدي الي سلّم ومنه الي السرداب..

اليوم هو 7 ربيع الاول 260ه 31 کانون الاول 873م وسامراء مقبلة علي ليلشتائي طويل.

تسرّبت أنباء مرض الامام الي أوساط الناس وأصبح ذلک محوراً في أحاديثالشيعة.. وظهرت تساؤلات حول مستقبل الامامة وهوّية الامام الجديد!

وفي تلک الليلة الطويلة تمکن الامام من کتابة مجموعة من الرسائل الهامّة کجزءمن خططه لابلاغ الامّة وجود الامام الغائب الذي اضطرته الظروف الي عدم الاعلانعن ولادته واخفائه عن أعين الجواسيس..

کانت ظلمات الليل تشتد حلکة وقد خامر الموظفين في الرواق التعبوالنعاس.. الليل البهيم يتجه الي الفجر والنجوم تشتد سطوعاً في سماء اکتنفتها غيوممتناثرة.. وکان عقيد الخادم ينظر بأسي الي الشباب کيف يذوي کشمعة تخبو فيقلب ليالي الزمهرير.

طلب الامام بصوت خافت من عقيد أن يحضر اناءً فيه ماء مغلي بالمستکي..کان الامام يشعر ببرودة الموت تزحف الي خلايا جسده التي فتک بها السم..

جاءت السيّدة نرجس تحمل الاناء، وقد غمرتها حالة من الفجيعة.. انزوجها الطاهر علي وشک الرحيل.. سوف ينهدّ عمود خيمتها وستعوي من حولهاآلاف الذئاب..

مدّ الشاب يداً ترتجف من برودة الموت الزاحف کليل الشتاء.. الليل في لحظاتالرحيل والفجر علي وشک الانفلاق..

أراد أن يرتشف من الاناء ولکن ارتطم باسنانه وازداد ارتجاف يده.. قالبصوت واهن مخاطباً عقيداً:

ـ سوف تجده يصلّي في الحجرة.. ليأت اليّ.

وفي هذه اللحظة هبّت السيدة نرجس الي الحجرة.. ان ابنها يصلّي فمکثت غيربعيد وجاءت به.. وفي غمرة لحظات السحر الاخير مرق الصبي الي حجرة أبيه العظيم..

جلس عنده وقد غمره حزن واحساس بالفجيعة يلوح في وجهه کسماء تکتنفهاغيوم رمادية..

دمعت عينا الاب من أجل ابنه.. من أجل کل المحن التي سيواجهها خلالالزمان المرير... همس بحبّ:

ـ يا سيد أهل بيته أعطني شربة!

أخذ الصبي الطاهر الاءناء وأدناه من فيه وارتشف الامام شربة منحته قليلاً منالدفء..

قال الاب:

جهزني للصلاة!

أخذ الصبي منديلاً ونشره علي صدر أبيه وراح يساعد والده علي اسباغالوضوء واستغرق الامام في الصلاة بعد أن يمم وجهه تلقاء المسجد الحرام والبيت العتيق..

والتفت الي ابنه وقد انفلق عمود الفجر الصادق.

ـ بني الحبيب! أنت صاحب الزمان.. أنت المهدي الذي بشّر بک الرسول..وأخبر بک اسمک اسمه وکنيتک کنيته.. وهذا هو عهد آبائي قد جاء..

وفي تلک اللحظات النديّة بالدموع شعر الصبي بأنّ قلبه يضيء بنور قادم منقلب السماوات..

سوف تواجهک المحن يابشارة الانبياء.. وسوف تطاردک رياح الزمهريرکفراشة جاءت تبشر بالدفء وبالربيع... آه أيها الامل القادم من رحم النبوّات الغابرة!!

کانت السيدة نرجس تبکي بصمت کسماء تمطر علي هون.. زوجها يودّعالحياة، وابنها الوحيد تبحث عنه ذئاب مجنونة.. وأصغت الي کلمات زوجها يوصيابنه وآخر الائمة الاطهار:

ـ يا بني: اءنّ الله جلّ ثناؤه لم يکن ليخلي أرضه، وأهل الجدّ من طاعته وعبادتهبلا حجة يستعلي بها واءمام يؤتمّ به، ويقتدي بسبيل سنّته ومنهاج قصده..

وأرجو يا بني ان تکون أحد من أعدّه الله لنشر الحق وطيّ الباطل، واءعلاءالدين، واطفاء الضلال.

وسکت لحظات ليقدّم الي ولده الحبيب آخر نصائحه:

ـ فعليک يا بني بلزوم خوافي الارض وتتبّع أقاصيها، فاءن لکل وليّ من أولياءالله عدوّاً مقارعاً، وضدّا منازعاً.. فلا يوحشنّک ذلک..

اسکن يا بنيّ في البراري البعيدة.. وفي الجبال الوعرة ليحرسک الله يا بني!

ودمعت عينا الاب.. کان يستنشق أنفاسه الاخيرة في هذه الحياة.. وکانتکلمات الصلاة تنساب من بين شفتيه قبل أن يغمض عينيه ويغفو اغفاءة الرحيل..

وفي تلک اللحظات وقد هيمن صمت ثقيل سمع صوت عواء قادم من بعيد..

نهضت السيدة نرجس وهي تشعر بالبرد وأخذت بيد ولدها وانسحبت منالمکان.. لقد بدأ فصل مثير في حياة ابنها الوحيد.