بازگشت

وصول الامام الهادي الي سامراء


لعل من الافضل مواکبة بعض الاحداث التي قد تلقي ضوءً کشّافاً يفيد في تفسيرحوادث أخري في صميم البحث.

قد يعجز الباحث عن اماطة اللثام عن الظروف التي مهدت الطريق الي صعودالمتوکل فقد کان قبل ليالي موضعاً لتأنيب أخيه الواثق واحتقار رئيس الوزراءالزيات بسبب شعره الطويل وظهوره في هيئة أقرب الي المخنثين منه الي الامراء، ولذاقام رئيس الوزراء بقصّ شعره وضرب بها وجهه وطرده.

ان من يطّلع علي تفاصيل تلک الفترة خاصّة فترة احتضار الواثق وانعقاد مجلس ضم شخصيات الدولة سيکتشف نفوذ الضباط الاتراک.

لقد حاول الزيات المستحيل في ترشيح ابن الخليفة الطفل ولکن دون جدويفقد فرض ايتاخ وبغا ووصيف رأيهم في انتخاب جعفر (المتوکل).

ومن الملفت للنظر ان جعفر کان حين تداول مسألة مصير الخلافة جالساً في الجناح الخاص بالحرس مع بعض الشبان الاتراک.

وقد حمل القائد بغا حلّة الخلافة اليه، وفي لحظات رأي نفسه الحاکم المطلق لبلاد تمتد من غرب افريقيا الي تخوم أرمينيا والي شواطيء المحيط الهندي.

وأول شيء نطالعه هو التقارير التي رفعت الي المتوکل مباشرة في خطورة الامام علي الهادي. يقول المسعودي: «وکتب بريحة العباسي صاحب الصلاة بالحرمين اليالمتوکل: اءن کان لک في الحرمين حاجة فاخرج علي بن محمد منها، فانه قد دعا الينفسه واتبعه خلق کثير».

ونجد أن زوجة المتوکل تؤکد علي زوجها ذلک، وکما ذکرنا أنها کانت جارية ثماصبحت زوجته الاولي عرفت بحسنها الباهر ولم يذکر التاريخ سوي انها من أصليوناني وانها استحوذت علي قلب المتوکل واسمها غير معروف لکنها اشتهرت باسم«قبيحة» من باب تسمية الشيء بضده.

وقد استدعي ذلک أن يکذّب الامام التقارير في رسالة الي سامراء لکن ذلک لميبدد هواجس المتوکل فصدرت عن القصر أخيراً رسالة موجهة للامام تدعوه اليالحضور وقد سطر الرسالة الکاتب العربي البليغ ابراهيم الصولي فجاءت مهذبة اليحدٍّ کبير.

ويذکر الطبري وصول الامام الهادي الي سامراء في سنة 234ه فيما تشيرمدونات الامامية ان رسالة الصولي موقعة بتاريخ 243ه ولعل في کتابة التاريخ الاخيرخطأ في تقديم وتأخير عدد الاحاد والعشرات.

وکجملة اعتراضية نسجل ظهور تيارات فکرية تبتعد وبنسبة ما عن جوهرالتوحيد الذي جاء به النبي صلي الله عليه و آله و سلم.

فهناک داخل الکيان الشيعي تفکير انحرافي يحاول طرح الائمة کأرباب أو عليالاقل ان الله سبحانه فوضهم قدرة الخلق والرزق وهو تيار حاربه الامام علي الهاديبکل ما أوتي من قوّة.

کما تصدّي لتيار المجسمة الذي يصوّر الله بصورة البشر له جسم وأطراف.

والتيار الاخير سيکون تحت مظلّة الاتجاه الفکري الذي تدعمه الدولة الجديدة بعد اقصاء المذهب المعتزلي.

ان طريقة استقبال المتوکل للامام الهادي تکشف حقيقة ونوايا السلطات ازاءه فقد تعمد المتوکل عدم استقباله بالرغم من اطلاعه علي وصوله واضطرّ الامام ليمضيليلة وربّما اکثر في خان الصعاليک، بل ان الرواية التاريخية التي سجلت ذلک تشيربقوّة الي أن نزول الامام في خان الصعاليک کان بأمر من المتوکل، فالامام لا يعدموجود شيعي يستقبله في منزله، وربّما يمکنه العودة الي بغداد فهي ليست بعيدة ولکنالامام في جميع الاحوال لم تکن لديه خيارات.

ونحن نذکر ذلک لنثبّت من الان سياسة رهيبة سوف تتطور من سيء الي أسوأوأن حياة الامام الهادي لم تکن عادية علي الاطلاق بل تحکمها قوانين الاقامة الجبريةوالحصار والجو الجاسوسي والتآمر ومحاولات دنيئة للانتهازيين من الذين يهمهمالارتقاء والاثراء ولو علي جماجم الاحرار والابرياء.

وعلي أية حال حصل اللقاء المرتقب ودار فيه هذا الحوار:

قال المتوکل:

ـ ما يقول أبناء علي في العباس؟

أجاب الامام:

ـ ماذا تريدهم يقولون في رجل أمر الله الناس باطاعة أولاده وينتظر من أولاده أن يطيعوا الله!