بازگشت

لماذا قلة الأنصار؟


ما هو السبب في قلة أنصار الإمام المهدي عليه السلام بالرغم من کثرة من يدعي أنه من أنصار الإمام ومحبيه؟

فالمسلمون اليوم بلغوا أکثر من مليار نسمة، وهم في الأغلب يؤمنون بالمهدي الموعود. ولکن بالرغم من هذه الکثرة الهائلة فأصحاب الألوية للإمام الحجة عليه السلام، من الضباط وقادة الفرق والمجموعات کلهم لا يتجاوزون ثلاثمأة وثلاثة عشر فرداً وجيشه ليس أکثر من خمسة عشر ألف جندي!! طبعاً هذا في بداية خروجه للقتال ضد الطغاة.

فعن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: -... فيجمع الله عليه أصحابه ثلاثمائة وثلاث عشر رجلاً-.

وعن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: -.. فيجمع الله قوماً کقزع السحاب، يؤلف الله بين قلوبهم، لا يستوحشون إلي أحد ولا يفرحون بأحد يدخل فيهم، علي عدة أصحاب بدر، لم يسبقهم الأولون ولم يدرکهم الآخرون، وعلي عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر-.

وأما عن جيشه فيقول أمير المؤمنين عليه السلام: -.. يخرج رجل من أهل بيتي في ثلاث رايات، المکثر يقول: خمسه عشر ألفاً، والمقل يقول: إثنا عشر ألفاً..-.

وفي رواية أخري يقول عليه السلام: - يخرج في اثني عشر ألفاً إن قلوا، أو وخمسة عشر ألفاً إن کثروا...-.

ولکن السؤال لماذا هذه القلة في الأعوان والأنصار؟!!

هذا سؤال کبير يحيّر الألباب، أليس الإمام صاحب المعاجز والکرامات؟

أليس الإمام شخصية ربانية ادخرها واعدّها الله لليوم الموعود؟

أليس الإمام شخصية عالمية تنتظرها البشرية منذ قديم الزمان؟ أليس الجميع يدعي أنه بإنتظار قدومه وخروجه ليکون من أنصاره وأعوانه؟!

هذه الأسئلة تطرح نفسها بقوه کلما شاهدنا الروايات التي تتحدث عن قلة الأنصار والأعوان إلي درجة أن يترحم المؤمنون علي أنصار الإمام الحجة ويعتقد بعضهم بشکل جازم أن هذه المجموعة من الأنصار وجلهم من الشباب سينتهون في أول مواجهة مع الأعداء المدججين بالسلاح والعتاد.

يحدثنا الإمام الباقر عليه السلام عن ذلک فيقول: - يبعث الله قائم آل محمد في عصبة لهم (أدق) في أعين الناس من الکحل، فإذا خرجوا بکي لهم الناس، لا يرون إلاّ أنهم يختطفون، يفتح الله لهم مشارق الأرض ومغاربها، ألا وهم المؤمنون حقاً، ألا إن خير الجهاد في أخر الزمان-.

ويقول أمير المؤمنين عليه السلام عن أصحاب القائم عجل الله تعالي فرجه: - إن أصحاب القائم شباب لا کهول فيهم إلاّ کالکحل في العين أو کالملح في الزاد، وأقل الزاد الملح-.

لماذا هذه القلة وما هي الأسباب؟!

يبدو أن السبب الحقيقي يتلخص في أمرين:

الأمر الأول: إن الإمام الحجّة عليه السلام يأتيهم بخلاف ما کانوا يتصورون عنه ويعتقدون به حيث إن تصوراتهم لا تنطبق مع حقيقة الإمام المهدي الواقعي الذي ادخّره الله لإصلاح العالم کما جاء في أکثر من مصدر عن الإمام الصادق عليه السلام - وإن من أعظم البلية أن يخرج إليهم صاحبهم شاباً وهم يحسبونه شيخاً کبيراً-.

وقد أکّد علي ذلک أيضاً الإمام الحسين عليه السلام حيث جاء في الباب الثالث من عقد الدرر ص41-42 قوله عليه السلام: - لو قام المهدي لأنکره الناس، لأنه يرجع إليهم شاباً موفقاً، وإن أعظم البلية أن يخرج إليهم صاحبهم شاباً وهم يظنونه شيخاً کبيراً-.

لذا فهم يواجهون الشخصية الحقيقية مخالفة لتصوراتهم السابقة فيواجهونه بمختلف التهم والافتراءات ويکذبون مقالته بأنه هو الحجة القائم عليه السلام تماماً کما کذب المشرکون واليهود رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وافتروا عليه وأهانوه وأثاروا الناس عليه إلي درجة أفرغوا کرشة الشاة علي رأسه الشريف وهو ساجد يصلي في بيت الله الحرام ولم يؤمنوا به لأنه جاء علي خلاف تصوراتهم واعتقاداتهم السابقة، بسبب التحريف والتزييف وقد يکون نکرانهم للإمام من جهة أخري حيث أنهم يرون أنفسهم أفضل جاهاً وأعلي مقاماً من هذا الذي يدعي الإمام فلماذا يستجيبون لندائه ويخضعون لأوامره وکأن التاريخ يعيد نفسه ألم يقل وجهاء مکة حينما شاهدوا النبي الکرم يتيماً من بني هاشم يدعي النبوة (لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَي رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) وهؤلاء أيضاً يتکبرون علي الإمام عندما يرون مجموعة قليلة من الشبّان يتبعونه وليس معه أحد غيرهم خصوصاً وأنه أتي بدين جديد لم يعهدوا به فيفترون عليه ويتهمونه بالکذب والدجل!! وهذا هو نفس الامتحان الإلهي الذي جري علي الإمم السابقة وسيجري علي الأمة الإسلامية أيضاً وقد بين الله ذلک في محکم کتابه العزيز: (وَکَذَلِکَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاَءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاکِرِينَ) (الأنعام،53).

الأمر الثاني: إن غالبية الناس ليسوا صادقين في أقوالهم, وادعاءاتهم، فهم يطلقون شعارات التضحية والفداء في سبيل مبادئهم وقيمهم ولکن عندما يرون أن القضية تتطلب بذل المال أو النفس فعلاً فسرعان ما يتراجعون ويتهربون.

فادعاء التدين والتمسک بالقيم أحاديث يتحدثون بها حينما تکون الأمور تسير علي ما يرام، ولکن إذا ضاقت عليهم الحياة وتطلب الأمر الجهاد والصمود فلا تري أحداً في الميدان إلاّ القليل. وإلي هذه الحقيقة أشار الإمام الحسين عليه السلام قائلاً - الناس عبيد الدنيا والدين لعق علي ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم فإذا محّصوا بالبلاء قلَّ الديانون-.

ومثلما تخلي الناس عن الإمام الحسين عليه السلام في واقعة کربلاء کذلک لا يستجيب أحد لدعوة الإمام الحجَّة عند نهضته المبارکة إلا القليل من الذين أمنوا به في عالم الميثاق وذلک بسبب کثرة الأعداء والمکذبين له.

1- يقول الإمام الرضا عليه السلام: - إن ممن يتخذ مودتنا أهل البيت، لمن هو أشد فتنة علي شيعتنا من الدجّال-، حيث يکون علماء السوء هم أشد فتنة.

2- ويقول الإمام الصادق عليه السلام: -... وإن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه کتاب الله ويقاتلونه عليه-.

3- وجاء في (بشارة الإسلام) و(إلزام الناصب) و(يوم الخلاص) و(نور الأنوار) و(بيان الأئمة) و(ينابيع المودة) و(علائم الظهور) وغيرها من المصادر، أن -... أعداءه الفقهاء المقلَّدون، يدخلون تحت حکمه خوفاً من سيفه وسطوته ورغبة فيما لديه-.

4- وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: - إن قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشد مما استقبله رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من جهالة الجاهلية. قلت: وکيف ذلک؟ قال: إن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أتي الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوته، وإن قائمنا إذا قام أتي الناس وکلهم يتأول عليه کتاب الله، يحتج عليه به...-.

وواضح إن موقف الناس هذا تابع لموقف بعض ادعياء العلم من علماء السوء بدلالة (کلهم يتأول عليه القرآن). فالتأويل والاحتجاج بالقرآن علي الإمام عجل الله تعالي فرجه لا يکون إلا من قبل أدعياء العلم أما عامة الناس فهم في الحقيقة تتبع موقف أدعياء العلم أولئک وهم يتصورون أن علمائهم يقولون الحقيقة والواقع. ومن هنا يکون موقف کثير من الناس معادياً للإمام تبعاً لاولئک، ولذا يکون عدد أصحابه وخواصه قليلاً جداً ومعظمهم من الشباب. وبما أن هذه القلة تکون معرضة للإبادة تتدخل السماء مباشرة حتي لا تتکرر واقعة کربلاء من جديد وتنزل الملائکة لنصرته مع الملائکة الذين نزلوا من قبل لنصرة الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم في معرکة بدر (هَذَا يُمْدِدْکُمْ رَبُّکُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنْ الْمَلاَئِکَةِ مُسَوِّمِينَ) ، ويتسارع نجباء الجن والملائکة في تقديم العون والمساعدة للإمام عليه السلام وأصحابه، ويُقلبون الوضع علي الأعداء، وبذلک ينتصر الإمام في أغلب المعارک التي يخوضها، حيث إن الله سبحانه ينصره بأصحابه القلة وجيشه الصغير وبالملائکة والرعب الذي يسير بين يديه (عجل الله تعالي فرجه) بشهر.

جاء في الفصل الأول من الباب الرابع في الصفحة 65 من کتاب عقد الدرر، عن الإمام الباقر عليه السلام، في ظهور القائم (عجل الله تعالي فرجه) ومبايعته بين الرکن والمقام، قال عليه السلام: - وجبرائيل عن يمينه وميکائيل عن يساره-. وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: - يخرج في اثني عشر ألفاً إن قلوا أو خمسة عشر ألفاً إن کثروا، يسير الرعب بين يديه، لا يلقاه عدو إلا هزمهم بإذن الله، شعارهم أمت أمت، لا يبالون في الله لومة لائم...-.

وعنه أيضاً عليه السلام قال: - يفرج الله الفتن برجل منّا يسومهم خسفاً، لا يعطيهم إلا السيف، يضع السيف علي عاتقه ثمانية أشهر هرجاً، حتي يقولوا: والله ما هذا من ولد فاطمة، لو کان من ولدها لرحمنا...-.

وعنه أيضاً عليه السلام قال: -... يمدّه الله بثلاثة آلاف من الملائکة، يضربون وجوه من خالفهم وأدبارهم، يبعث وهو ما بين الثلاثين والأربعين-.

وعن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم قال: - فلو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطول الله ذلک اليوم حتي يأتيهم رجل من أهل بيتي تکون الملائکة بين يديه ويظهر الإسلام-.

وهکذا ينتصر الإمام بعد جهاد مرير ومعاناة شديدة، وبعد أن يستتب الأمر له (عجل الله تعالي فرجه) يتسابق الناس إلي الإيمان به ويدخلون في دين الله أفواجاً، ويستوجب الشکر علي الإمام وأنصاره کما استوجب الشکر علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وأنصاره، حيث يقول عز وجل: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ - وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ کَانَ تَوَّابًا) .

إلا أن هذا الانتصار هو أعظم بکثير من أي انتصار آخر في التاريخ، إنه يوم عظيم من أيام الله بل هو اليوم الموعود الذي وعد الله به الرسول الأکرم والأنبياء السابقين وبذلک يفرح المؤمنون بنصر الله إنه الانتصار الکبير والفوز العظيم.