بازگشت

السعادة في ظل العدالة الشاملة


بماذا تتحقق السعادة؟ هل تتحقق السعادة للأمة، بالثروة والمال، أم بالأمن والرفاه، أم بالعدالة والتطور والکمال؟

من الواضح إن السعادة لا تتحقق لأي فرد أو أمّة بالمال والثروة ولا بالصحة والعافية فقط، ولا حتي بالأمن والرخاء وحسب، نعم لا تتحقق السعادة عبر کل تلک المفردات وإن کانت من الجوانب والوجوه المعبرة عنها، فهذه الجوانب الجزئية تعتبر نتائج مرتبطة کلياً بتحقيق هدف أساسي يسبق کل هذه الوجوه بل لا يمکن تحقيقها بشکل عام وشامل لجميع طبقات المجتمع من دون قيام هذا الرکن الأساسي الذي يحقق السعادة الحقيقية الکاملة، ألا وهو العدالة الشاملة.

فالسعادة حقيقة لا يمکن الوصول إليها إلاّ بالعدالة الشاملة الکاملة مع التطلع نحو التقدم والکمال وذلک لأن تحقيق العدالة الشاملة يوجب الأمن والاستقرار في المجتمع، وبها توزع الثروات والمقدرات بشکل متساوٍ بين الناس مما يؤدي إلي الوفرة المالية والأمن الاقتصادي والاجتماعي والغني المطلوب لجميع الطبقات، وبذلک يتحقق جانب أساسي من وجوه السعادة وبواسطتها يتحقق الرفاه والرخاء في المجتمع.

ولکن السؤال المهم هو: ما هي العدالة؟ هل العدالة أجراء الحدود بصرامتها علي المتجاوزين علي الفقراء والمساکين، أم العدالة إجراء الحدود علي الجميع من دون تمييز وتطبيق الأحکام والشرع علي أفراد المجتمع علي حد سواء، وإعطاء الحقوق للناس وفرض الواجبات من دون تمييز بين الضعيف والقوي والغني والفقير ودون تمييز طبقي أو عرقي؟...

في الحقيقة إن العدالة حقيقة تتکامل بجميع أبعادها حينما تتحقق في المجتمع علي أرض الواقع بما تحمل في طياتها من معان.

وهنا نتساءل: هل تحققت هذه العدالة المتکاملة الشاملة في المجتمعات البشرية في العصر الراهن؟ وهل استطاع أحد أو فئة أو دولة أن تطبقها في أمة من الأمم؟ أن الجواب يأتيک بسرعة بالنفي قطعاً. إذن متي تتحققت هذه العدالة؟ فهل هي أمنية يتغني بها المستضعفون في الأرض دون إمکانية الحصول عليها، أم أنها ستتحقق فعلاً في المجتمعات البشرية، ولکن متي؟.

إن العدالة الشاملة لا يمکن لأحد أن يقوم بتطبيقها من دون الهداية الإلهية المباشرة، لأن تطبيقها تستلزم التجرد من الهوي والشهوات النفسية والترفع عن الروابط العائلية والعشائرية والقومية فلا تأخذه هوي المحبة علي أن يحکم لصالح قرابته أو عشيرته أو جماعته إنما الحق والعدل يکونان أساس حکومته وهذا لا يکون إلا باصطفاء إلهي لشخصية ربانية حتي تتحقق العدالة الشاملة علي يده، وقد وَعَدَ الله تعالي البشرية بتحقق هذه العدالة عبر أعظم شخصية ربانية مصطفاة ألا وهو الإمام المهدي عجل الله فرجه حيث إن هذه العدالة ستتحقق بکامل أبعادها المختلفة في عهد حکومته المثالية التي بشر بها الله سبحانه الأنبياء والمرسلين في العصور الغابرة.

وستحقق هذه العدالة الرفاهية والخير للجميع وتريح بالهم وتوفر لهم الأمن الروحي قبل الأمن الاجتماعي، وهذه العدالة الشاملة أصلها ثابت في الشريعة الإسلامية وفروعها تظلل علي رؤوس البشرية کلها دون تمييز بين الأفراد أو المجتمعات ولا تقتصر في أجرائها علي القضايا الجزئية أو علي نطاق محدود بل ستکون في جميع المجالات وعلي کل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية...، ولجميع القوميات والطوائف وأتباع الأديان المختلفة، ولن تستثني فرداً أو جماعة وما شابه علي أسس طبقية أو عرقية وغير ذلک من المسميات الجاهلية الظالمة التي تسود المجتمعات البشرية اليوم.

فالعدالة في زمن الإمام المهدي عليه السلام کالهواء الطلق الذي يدخل کل رئة وکالحر والبرد اللذان يدخلان کل دار، کذلک تدخل عدالة الإمام المهدي(عج) في کل بيت فلا يستثني أحداً ولن يفلت منها أحد، هذا ما أوضحته الأحاديث الشريفة التي نسردها لاحقاً بإذن الله.

من هنا يتضح أن العدالة حقيقة متکاملة لا يمکن تجزئتها، کما لا يمکن اختصاصها أو حکرها علي أمة أو طائفة دون أخري، إذ أن العدالة بالمفهوم الضيق الذي عرفه البعض لا يُوفر الأمن والرفاه والسعادة للمجتمعات البشرية وأکبر دليل علي ذلک ما نشاهده في عصرنا الحاضر من الظلم والفساد بل العدالة بکامل أبعادها هي التي تتضمن المعاني الإنسانية العليا التي توصل البشرية إلي شواطئ الأمن والاستقرار والرفاهية والتقدم والکمال... وتلک هي السعادة الحقيقية التامة. ولکن کيف يمکن تحقيق ذلک؟ في الوقت الذي لا تجد أذناً صاغية للحق ولا عقولاً متفهمة للعدل، فهل يخترع الإمام أسلوباً يغير المقاييس ويبدَّل النفوس ويصلح العقول لکي تتهيأ وتستجيب لهذه الدعوة الربانية وتستقبل هذه العدالة الشاملة؟ أجل إن الأسلوب الذي يستخدمه الإمام في أول عملية إصلاحية هي أن يضع يده علي رؤوس الناس فتکتمل عقولهم. بمعني إن هذه العدالة الفريدة لا يمکن إجرائها إذا لم تتکامل العقول البشرية لتستوعب متطلبات وموجبات هذه العدالة وضرورتها، ولعل الأحاديث الشريفة التي تشير إلي هذا الأمر تعني أنه حينما يضع الإمام عليه السلام يده علي عقول الناس فإنها تتکامل وتستجيب لنداء الحق والعدل وتتسارع في الخيرات وتجابه الشر والمنکرات فتحيي في رفاهية من العيش والأمن والسلام والسعادة، يقول الإمام عليه السلام في ذلک: - إذا قام قائمنا وضع الله يده علي رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وکملت به أحلامهم-.

وهذه العبارة (بوضع اليد علي الرؤوس) بيان عن السيطرة والسيادة والقدرة علي الهداية والإرشاد بحيث تکون کلماته وتوجيهاته عليه السلام لها أکبر الأثر في تغيير النفوس وترقية العقول نحو التقدم والکمال في جميع الميادين يضحي الايمان والعدالة أمنية کل إنسان وهمة کل فرد.

وفيما يلي نستعرض جانباً من الروايات المُبشرِة بجنة العدالة الربانية التي ستعم الکرة الأرضية علي يد الإمام المهدي بإذن الله تعالي.

1- فقد أکد الرسول الأکرم هذه الحقيقة حينما قال: - بنا فتح الأمر وبنا يختم، وبنا استنقذ الله الناس في أول الزمان، وبنا يکون العدل في آخر الزمان-.

2- کما وشدّد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام توکيد هذه الحقيقة مقسماً بلفظ الجلالة: - والله ليدخلن عدل المهدي جوف بيوت مقاتليه کما يدخل الحرّ والقرّ- وفي رواية أخري -... أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم کما يدخل الحرّ والقرّ-.

3- وفي تأکيد آخر قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: - يخرج رجل من أمتي يواطئ اسمه اسمي وخلقه خلقي فيملؤها عدلاً وقسطاً کما ملئت ظلماً وجوراً-.

ولکي يکون ملکه وعدله شاملاً للبشرية جمعاء يرسل الله ملائکة مسومين في دعم الإمام القائم عجل الله فرجه لتثبيت أرکان حکومته العالمية وبث العدل والرخاء في ربوع الکرة الأرضية.

4- عن الإمام الحسن عليه السلام: -... حتي يبعث الله رجلاً في آخر الزمان وکلب من الدهر وجهل من الناس، يؤيده الله بملائکته ويعصم أنصاره وينصره بآياته ويظهره علي الأرض حتي يدينوا طوعاً وکرهاً، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً وبرهاناً، يدين له عرض البلاد وطولها لا يبقي کافر إلاّ آمن به ولا طالح إلاّ صلح، وتصطلح في ملکه السباع وتخرج الأرض نبتها وتنزل السماء برکتها وتظهر له الکنوز...-.

5- وعن الإمام الباقر عليه السلام -... إذا قام قائمنا فانه يقسم بالسوية ويعدل في خلق الرحمن البرّ منهم والفاجر فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصي الله...-.

6- عن الإمام الصادق عليه السلام: - أما أن قائمنا لو قد قام لقد أخذ بني شيبة وقطع أيديهم وطاف بهم وقال: هؤلاء سراق الله...- وفي رواية أخري - القائم يهدم المسجد الحرام حتي يرده إلي أساسه ومسجد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إلي أساسه ويرد البيت إلي موضعه وأقامه علي أساسه وقطع أيدي بني شيبة السراق وعلقها علي الکعبة-.

6- وعنه أيضاً عليه السلام، وقد سئل يوماً عن المساجد المظللة، أتکره الصلاة فيها؟ فقال: - نعم ولکن لا تضرکم الصلاة فيها ولو قد کان العدل لرأيتم کيف يصنع في ذلک، إذا نزل القائم الکوفة أمر بهدم المساجد الأربعة (الکوفة والسهلة وصعصعة وزيد) حتي يبلغ أساسها ويصيرها عريشاً کعريش موسي وتکون المساجد کلها جمّاء ولا شُرف لها کما کان علي عهدالرسول صلي الله عليه و آله و سلم ويوسع الطريق الأعظم (أي الطرقات العامة) ويهدم کل مسجد علي الطريق! ويکسر کل جناح (أي شرفة) ويسد کل کوّة (أي نافذة) إلي الطريق (لأنها تهتک ستر بيوت الجيران).. ويهدم کل جناح وکيفٍ وميزاب إلي الطريق...-.

8- وعن الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم: - يبلغ من ردّ المهدي المظالم حتي لو کانت تحت ضرس إنسان شيء أنتزعه حتي يردّه-.

بمثل هذه الإجراءات الصارمة تجري تطبيق العدالة التي لا تتساهل ولا تتغافل عن التجاوزات والمظالم مهما صغرت، وعلي کل فرد من کان ورائها من الجهات والشخصيات حيث ستأخذه يد العدالة أخذ عزيز مقتدر وتقطع تلک الأيادي السارقة دون مبالاة بمکانتها الاجتماعية والسياسية. فالعدالة فوق الجميع وستجري بشکل کامل ومتساوٍ علي الجميع وفي کل مکان. فالإمام القائم عجل الله فرجه يمضي قدماً في إجراء العدالة وتحقيق الأمن والسلامة لکل أفراد المجتمع،حيث لا يعطي للميول والأهواء مجالاً في حکومته بحيث يعطف الهوي علي موازين الحق والهدي ويضرب بيد من حديد علي کل من يقف في طريقه يريد الدفاع عن أهوائه وآرائه، حتي لو أقام أمثال هؤلاء الحرب عليه عجل الله فرجه فهو لا يتراجع عن واجباته وأهدافه المقدسة، بل يقوم کما قال أمير المؤمنين عليه السلام: - يعطف الهوي علي الهدي إذا عطفوا الهدي علي الهوي، ويعطف الرأي علي القرآن إذا عطفوا القرآن علي الرأي... حتي تقوم الحرب بکم علي ساق، بادياً نواجذها مملؤة أخلافها حلواً رضاعها علقماً عاقبتها، ألا وفي غد-وسيأتي غد بما لا تعرفون- يأخذ الوالي من غيرها عمّالها علي مساوئ أعمالها وتخرج له الأرض أفاليذ کبدها وتلقي إليه سلماً مقاليدها فيريکم کيف عدل السيرة ويحيي ميّت الکتاب والسنّة-.

9- وسُئل الإمام الباقر عليه السلام: عن القائم عجل الله فرجه إذا قام بأي سيرة يسير في الناس؟ فقال: - بسيرة ما سار به رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حتي يظهر الإسلام. قال الراوي: وما کانت سيرة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ قال: أبطل ما کان في الجاهلية واستقبل الناس بالعدل، وکذلک القائم عليه السلام إذا قام يبطل ما کان في الهدنة مما کان في أيدي الناس ويستقبل بهم العدل-.

10- وعن أمير المؤمنين عليه السلام: -... يخرج في آخر الزمان يقيم اعوجاج الحق....

ولعل من مصاديق استقبال الناس للعدل سواء في الجاهلية الأولي، أو الجاهلية الحديثة (فترة الهدنة) کما يقول الحديث، محاربة الطبقية التي ابتليت بها المجتمعات قديماً وحديثاً، فالإقطاعيون المحتکرون وحواشيهم من المتنفذين الطبقيين لن يکون لهم دور أو نفوذ عند قيام الإمام المهدي عجل الله فرجه، بل سيقضي علي الطبقيات القائمة علي الظلم، مثلما فعل جده الرسول الأکرم وجده أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليهما حيث حرّما ومنعا تلک الممارسات الجاهلية الظالمة وهکذا سيفعل سليلهما العظيم الإمام القائم عجل الله فرجه.

11- عن الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم: - إذا قام قائمنا اضمحلت القطائع فلا قطائع-.

وهکذا تطال العدالة جميع أوجه الحياة ودقائقها، في محاربة الظلم وتجاوزات المتکبرين والمتنفذين، ومتبعي الأهواء والآراء الباطلة، وشيوع الباطل وعدم المساواة، والطبقيات... وما إلي ذلک من أحکام وتصرفات الجاهلية الظالمة. وتتسع يد العدالة لتشمل أيضاً القضاء والأحکام والعلوم وانتشارها الواسع في المجتمع، حتي أن الإمام القائم عجل الله فرجه يقضي دون الحاجة إلي بينة، أو يمين فالحقائق والخفايا ظاهرة عنده ولا يحتاج إلي شهود وأدلة خارجية، بل الأمور مکشوفة لديه من قبل الله تعالي، فيحکم بحکم داود، لما أعطي من الإذن الإلهي له لتحقيق العدالة الکاملة ليبين الله بذلک للناس أن العدالة الشاملة لا يستطيع أحد من البشر تحقيقها إلاّ بإذنه سبحانه عبر شخصية ربانية عظيمة کالإمام المهدي عليه السلام.

بل الإمام عجل الله فرجه يحکم بين أهل الأديان حکم الحق والعدل کل حسب دينه وکتابه، وهذا ربما ليبين لهم الحق فيما اختلفوا فيه بعد ما جاءتهم البينات من ربهم عبر رسلهم وکتبهم، أمّا المحصلة النهائية فإن الجميع يدينون بالإسلام والإقرار بنبوة الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم وإمامة الأئمة الأطهار عليهما السلام... وتتسع دائرة العدل والعلم إلي درجة أن المرأة لتقضي بکتاب الله وهي في بيتها.

12- عن الإمام الباقر عليه السلام: -... ويستخرج التوراة وسائر کتب الله عز وجل من غار بأنطاکية ويحکم بين أهل التوراة بالتوراة وبين أهل الإنجيل بالإنجيل وبين أهل الزبور بالزبور وبين أهل القرآن بالقرآن-.

13- عن الإمام الصادق عليه السلام: - إذا قام قائم آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم حکم بين الناس بحکم داود عليه السلام لا يحتاج إلي بيّنة-.

14- عن الإمام الباقر عليه السلام: -... يعمل بکتاب الله، لا يري فيکم منکراً إلاّ أنکره-.

15- وعنه أيضاً عليه السلام: -... فيوحي الله إليه فيعمل بأمر الله-.

16- وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: - دَمَان في الإسلام حلال من الله لا يقضي فيهما أحد حتي يبعث الله قائمنا أهل البيت فإذا بعث الله عز وجل قائمنا أهل البيت حکم فيهما بحکم الله لا يريد عليهما بينّة؛ الزاني المحصن يرجمه ومانع الزکاة يضرب عنقه-.

17- وقال عليه السلام: - إذا قام قائم آل محمد عليه السلام حکم بحکم داود لا يحتاج إلي بينّة، يلهمه الله تعالي فيحکم بعلمه ويخبر کل قوم بما استبطنوه ويعرف وليّه من عدوه بالتوسم، قال الله سبحانه: (إِنَّ فِي ذَلِکَ لآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ - وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) (الحجر:75-76)..

وعن دقة قضائه وغاية عدله جاء في الحديث إن الإمام القائم عجل الله فرجه ينادي مناديه: - أن يسلم صاحب النافلة لصاحب الفريضة الحجر الأسود والطواف-.

وذلک هو الغاية في احترام وتطبيق أوامر وأحکام الشرع، والاهتمام بشؤون وحقوق الناس، حيث يقدم من يؤدي حجة الإسلام الواجبة علي من يحج استحباباً وتقرباً إلي الله تعالي.

18- وعن الإمام الباقر عليه السلام: -... وتؤتون الحکمة في زمانه حتي أن المرأة لتقضي في بيتها بکتاب الله تعالي وسنة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم -.

19- وعنه أيضاً عليه السلام: - إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في کل إقليم رجلاً يقول: عهدک في کفک فإذا ورد عليک أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلي کفک واعمل بما فيها..-.

20- عن الإمام الحسين عليه السلام: - يُظهر الله قائمنا فينتقم من الظالمين...-.

21- عن الإمام الباقر عليه السلام: - يهدم ما کان قبله کما صنع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ويستأنف الإسلام جديداً-.

هذا جانب من قضائه وأحکامه وشدته علي الأعداء والظالمين، أمّا نتائج سيرته وعدله، عجل الله فرجه، فهي الرفاهية والأمن والسعادة التي قل نظيرها في الدنيا، والبرکات العظيمة التي تنزلها السماء وتظهرها الأرض للعباد في أيام حکومته المبارکة، وکما أشارت الأحاديث الشريفة عن ذلک حيث (تزيد المياه في دولته وتمد الأنهار وتضاعف الأرض أکلها لا تدخر شيئاً، وتذهب الشحناء من القلوب ويذهب الشر، ويبقي الخير)، فهل هناک نعيم وراحة أکبر من هذا؟ وهل هناک جنة أبهي من جنة المحبة والوفاق؟

طبعاً لا يحدث هذا إلاّ بعد أن يقضي الإمام عليه السلام علي کل فتنة وفساد فيؤلف بين القلوب بعد عداوة الفتنة والضلال، فهو عجل الله فرجه کما يقول الحديث - المهدي محبوب في الخلائق يطفئ الله به الفتن الصماء-. کيف لا وهو يؤدي الحقوق إلي أصحابها مهما دقت ومهما بلغت، وکما جاء في الأخبار - أول ما يبتدئ المهدي عليه السلام أن ينادي في جميع العالم: ألا من له عند أحد من شيعتنا دين فليذکره، حتي يرد الثومة والخردلة، فضلاً عن القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والأملاک فيوفيه إياه-.

وبذلک يعم الأمن والسلام وتأمن الطرق والبلدان، وبذلک تحدّثت الروايات الشريفة: - حتي تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدميها إلاّ علي نبات وعلي رأسها زنبيلها لا يهيجها سبع ولا تخافه- وتأمن به الأرض حتي أن المرأة لتحج في خمس نسوة ما معهن رجل، لا يتقين شيئاً.

ولمعرفة مدي السعادة التي ينعم بها الناس، والرخاء والنعمة، في عصر إمام العدل والحق عجل الله فرجه، وفي ظل حکومته الربانية العادلة، يکفي أن نلقي نظرة علي جانب من أحاديث أهل البيت عليهما السلام التي بشرت بذلک النعيم وتلک السعادة، وفيما يلي بعض من تلک الأحاديث الشريفة:

1- عن الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم: - تنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم ينعموا مثلها قط، ترسل السماء عليهم مدراراً ولا تدع الأرض شيئاً من النبات إلاّ أخرجته، والمال کدوس، يقوم الرجل فيقول: يا مهدي أعطني، فيقول: خذ-.

2- وعنه أيضاً صلي الله عليه و آله و سلم: - يتمني في زمن المهدي، الصغير أن يکون کبيراً، والکبير أن يکون صغيراً-. وذلک لکي يلتذّ ويستفيد من کل هذا النعيم الرباني أکثر فأکثر.

3- وعنه أيضاً صلي الله عليه و آله و سلم: - يرضي عنه ساکن السماء وساکن الأرض، لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلاّ صبته مدراراً، ولا تدع الأرض من مائها شيئاً إلاّ أخرجته، حتي يتمني الأحياء الأموات-. بالخروج من مراقدهم ليتنعموا بما يشاهدونه من الرفاهية والسعادة.

4- وعنه أيضاً صلي الله عليه و آله و سلم: -... فيملأ الأرض عدلاً کما ملأها من کان قبله جوراً، وتخرج له الأرض أفلاذ کبدها ويحثوا المال حثواً ولا يعده عدّاً...-.

5- وعنه أيضاً صلي الله عليه و آله و سلم: - إذا خرج المهدي ألقي الله تعالي الغني في قلوب العباد حتي يقول المهدي: من يريد المال؟ فلا يأتيه أحد إلاّ واحد يقول أنا فيقول: أحث، فيحثي، فيحمل علي ظهره، حتي إذا أتي اقصي الناس قال: ألا أراني شر من ها هنا، فيرجع فيرده إليه، فيقول: خذ مالک لا حاجة لي فيه-.

6- وعنه أيضاً صلي الله عليه و آله و سلم: - تصدقوا فإنه يوشک أن يخرج الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها-.

7- وعنه أيضاً صلي الله عليه و آله و سلم: - علامة المهدي أن يکون شديداً علي العمال جواداً بالمال رحيماً بالمساکين-.

8- عن الإمام الباقر عليه السلام: -... إذا قام قائم أهل البيت قسم بالسوية وعدل في الرعية فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصي الله... وتجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها فيقول للناس: تعالوا إلي ما قطعتم فيه الأرحام وسفکتم فيه الدماء الحرام ورکبتم فيه ما حرّم الله عز وجل، فيعطي شيئاً لم يعطه أحد کان قبله ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً کما ملئت ظلماً وجوراً وشراً-.

9- وعن الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم: - المهدي کأنما يلعق المساکين الزبد- بيان عن مدي الخير والرفاهية التي تعم البشرية وبالأخص الفقراء والمساکين.

10- عن الإمام الصادق عليه السلام: -...سبحان الله أما تحبون أن يظهر الله تبارک وتعالي الحق والعدل في البلاد ويجمع الله الکلمة ويؤلف الله بين قلوب مختلفة ولا يعصون الله عز وجل في أرضه وتقام حدوده في خلقه ويرد الله الحق إلي أهله...-.

11- عن الإمام الحسن عليه السلام: -... يملؤ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً وبرهاناً، يدين له عرض البلاد وطولها لا يبقي کافر إلاّ آمن به وطالح إلاّ صلح، وتصطلح في ملکه السباع وتخرج الأرض نبتها وتنزل السماء برکتها وتظهر له الکنوز...-.

ولا تقتصر النعمة والسعادة في ظل حکم الإمام المهدي عليه السلام علي کثرة الأموال والخيرات والنعم المادية فقط، بل تشمل جميع مناحي الحياة المادية والمعنوية أيضاً، فلا رعب يبقي في القلوب، ولا الأمراض تنهش في الأبدان حيث تذهب العاهات عن المؤمنين، ويدفع الله تعالي بالمهدي عجل الله فرجه البلايا عن العباد والبلاد، وتکمل عقولهم ويستتب الأمن والسلام والراحة في المجتمعات لکل الخلائق وليس للبشر وحسب.

12- عن الإمام السجاد عليه السلام: - إذا قام القائم اذهب الله عن کل مؤمن العاهة وردّ إليه قوته-.

13- عن الإمام الباقر عليه السلام: - إن الله تعالي يلقي في قلوب شيعتنا الرعب، فإذا قام قائمنا وظهر مهديّنا کان الرجل أجرأ من ليث وأمضي من سنان-.

14- وعنه أيضاً عليه السلام: -... فله نور يري به الأشياء من بعيد کما يري من قريب ويسمع من بعيد کما يسمع من قريب وأنه يسيح في الدنيا کلها... فيدفع البلايا عن العباد والبلاد شرقاً وغرباً-.

وهکذا يعم السلام وتشمل السعادة والطمأنينة الجميع بعد کفاح شاق، وجهاد مرير وجهود مضنية يبذلها الإمام عليه السلام وأصحابه وأعوانه المخلصون، ويتم تثبيت أرکان الحکم في ظل عدالة القيادة الربانية للإمام المهدي عليه السلام، وعن ذلک يقول الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم: - تأوي إليه أمته کما تأوي النحلة (إلي) يعسوبها، يملأ الأرض عدلاً کما ملئت جوراً، حتي يکون الناس علي مثل أمرهم الأول، لا يوقظ نائماً ولا يهرق دماً-.

ولا عجب في ذلک، فالإمام المهدي عليه السلام قائد العدالة الشاملة التي طالما انتظرتها البشرية جمعاء علي مرّ العصور والأزمان، وهذا فعل الحق والعدالة في الحياة إذا ما طبقت کما أرادها الله سبحانه، والإسلام هو دين المحبة وقمة العدالة، والإمام المهدي عليه السلام رائد العدالة وسلطانها الرّباني وحارسها الذي لا يغفل ولا يجور.

عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: - الإسلام والسلطان العادل أخوان لا يصلح وأحد منهما إلاّ بصاحبه، الإسلام أُس، والسلطان العادل حارس، وما لا أُس له فمنهدم وما لا حارس له فضايع..-

فالشريعة الإسلامية هي دستور لحفظ الأمة من الانحراف عن جادة الحق والعدل وحفظها من السقوط في مستنقع الکفر والشرک، وأهل البيت عليهما السلام هم أمناء الله في الأرض علي رسالته، فإذا استلم السلطة المهدي من آل محمد عجل الله فرجه کانت النتيجة واضحة ألا وهي السعادة الشاملة لکل الناس والأمن والخيرات في الأرجاء، فهل هناک سعادة وأمن وعدالة أفضل من حکومة الحق والعدل؟