القيام بالسيف
قال الإمام الصادق عليه السلام: - کلنا قائم بأمر الله واحد بعد واحد حتي يجيء صاحب السيف، فإذا جاء صاحب السيف جاء بأمرٍ غير الذي کان-.
السؤال الذي يدور في الأذهان هل يرفع الإمام المهدي -حين خروجه- راية الصلح والسلام، أم يقوم بالسيف ليطهر الأرض من الظالمين والفاسقين، ويحقق الحق والعدل علي ربوع الکرة الأرضية و يأخذ بحقوق المظلومين من الظالمين ويعطي لکل ذي حق حقه؟
وهل ينتصر الإمام المهدي عليه السلام بالخطب والمواعظ الإرشادية أم ينتصر بقوة الحق والحجة مقرونة بقوة الحديد والنار؟
وهل يستخدم الإمام منطق النصح والإرشاد مع المجرمين والطغاة أم لغة السيف والنار والتي طالما تکلموا بها مع شعوبهم المستضعفة طوال عهود حکمهم الغاشم؟
وأخيراً وليس أخراً هل الإمام هو داعية الصلح والسلام مع الظالمين، أم داعية الجهاد والانتقام من الطغاة والظالمين؟
إذا کان المجرمون لا يفهمون غير لغة القوة، وإذا کان الظالمون لا يکفون عن طغيانهم إلاّ بالرعب والقتل, و إذا کان الطغاة لا يتورعون من الاعتداء علي حقوق الناس إلاّ إذا رأوا السيف علي رؤوسهم. وإذا کان المجرمون لا يکفون عن القيام بجرائمهم اليومية بحق ضحاياهم إلاّ إذا شاهدوا قوة الحديد والقصاص ينال منهم نيلاً عظيماً خصوصاً إذا رأوا ولي الدم واقفاً علي رؤوسهم وبيده السيف حينذاک لا يتجرأ أحد بالاعتداء علي حقوق الآخرين.
إذا کانت الأرض مدنسة بالفساد وبمجون الفاسقين، فهل يمکن تطهيرها بأحاديث الوعظ والإرشاد وحسب؟ وماذا يمکن أن تفعل المواعظ وخطب الإرشاد في القلوب القاسية والنفوس المجرمة؟ وماذا يمکن أن تفعل کلمات الهداية في أناس استحوذت عليها الشياطين فأنستها ذکر الله عز وجل؟
لو کانت المواعظ تنفع و خطب الهداية تؤثر في القلوب القاسية والعقول المتحجرة والنفوس المريضة، ما کان الله يًنزل الحديد فيه بأس شديد، و ما کان الله عز وجل يأمر بالجهاد ويًشرع القصاص، وما کان يأمر المؤمنين بإعداد أنفسهم وجمع کل ما اوتوا من قوة ومن رباط الخيل لإلقاء الرعب في قلوب الأعداء والکافرين، وما کان الله يأمر بالقتال والجهاد وسفک دماء المجرمين وضرب أعناقهم من دون هوادة (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ کُلَّ بَنَانٍ) (الأنفال:12).
وإذا کانت هناک روايات تشير إلي أن الإمام المهدي عليه السلام يسير بسيرة أمير المؤمنين عليه السلام بالمن والکف مع الأعداء، أو الأخذ بسيرة جده الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم في ذلک فان ذلک ربما يأتي بعد الانتصارات الساحقة التي يحققها علي أعداء الله والرسول وبعد استتباب الأمور له هذا أولاً، وثانياً إن مثل هذه الروايات بالإضافة إلي کونها قليلة جداً فهي تتعارض تماماً مع عشرات الروايات التي تظافرت بل ويصل بعضها إلي حدّ التواتر، والتي تبين بوضوح سيرة الإمام المهدي عليه السلام وکيفية مواجهته للأعداء حيث يخوض معارک ضارية ضد المجرمين وينتقم منهم اشد الانتقام لأن الأعداء لا يروق لهم ثورته العارمة ضد الظلم والطغيان، وأنه وأصحابه المخلصين يخوضون معارک ضارية ضد المجرمين، ويحملون السيف علي عواتقهم ثمانية أشهر ويقاتلون بلا هواد، وبلا رحمة علي أعداء الله والرسول وذلک بعهد من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إليهم ولا يخافون في الله لومة لائم مؤيدين بنصر الله وملائکته سبحانه، حتي تستتب لهم الأمور وتستقر أرکان الدولة المهدوية الربانية في جميع أنحاء العالم، وتعلو کلمة الله، ويظهر الإسلام علي الدين کله ولو کره المشرکون.
فالإمام أمير المؤمنين عليه السلام سار بالکف والمن في بعض معارکه لعلمه بأن أصحابه سيُسيَطر عليهم الأعداء من بعده، ولذا أراد حفظ أصحابه من أياديهم الغاشمة لئلا يتعرضوا للانتقام، والرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم سار بالمن والکف في مواطن معينة حيث کانت بداية الدعوة والانتشار للدين الإسلامي الحنيف فکان مأموراً بتأليف القلوب وهداية القبائل في عصر الجاهلية، إلاّ أن الإمام المهدي عجل الله فرجه ليس مقيداً بهذه المخاوف کما وأنه يعلم إنما جاء لتحقيق الوعد الإلهي بظهور الإسلام علي الأديان کلها وأنه المسيطر والمهيمن علي الأمور کلها وهو وعد وبشارة من الله والرسول وأهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين. فهو القائم بالسيف والحق والمنتقم من الظالمين وهو عليه السلام يعلم أن الأعداء والطغاة زائلون بعد خروجه وثورته، وأنهم لن يسيطروا ثانية علي شيعته فلابد من إقامة حکم الله في أعداء الله ولا بد من الانتقام من الظالمين والمجرمين، وهذا الانتقام من الظالمين مما وعده الله أنبيائه ورسله والمظلومين عبر العصور الغابرة کما تقوله الآيات المبارکة: (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ) (السجدة:22))وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الاَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ - وَنُمَکِّنَ لَهُمْ فِي الاَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا کَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص: 5-6)
هذا بالإضافة إلي ما تؤکد الأحاديث والأخبار:
1- عن الإمام الصادق عليه السلام: - لما التقي أمير المؤمنين عليه السلام وأهل البصرة نشر الراية، راية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فزُلزلت أقدامهم، فما اصفرت الشمس حتي قالوا: آمنّا يابن أبي طالب، فعند ذلک قال: لا تقتلوا الأسري ولا تجهزوا علي الجرحي، ولا تتبعوا مُوليّا، ومن ألقي سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن، ولمّا کان يوم صفّين سألوه نشر الرّاية فأبي عليهم فتحمّلوا عليه بالحسن والحسين وعمار بن ياسر رضي الله عنه، فقال للحسين: يا بني إنّ للقوم مدّة يبلغونها وإنّ هذه راية لا ينشرها بعدي إلاّ القائم صلوات الله عليه-.
وهکذا کفّ ومَنّ أمير المؤمنين عليه السلام في حرب الجمل وکفّ ومنّ أيضاً في صفين برفضه نشر الراية المغلبة وهي راية الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم، وأعلن أن هذه الراية لن ينشرها بعده إلاّ الإمام المهدي عجل الله فرجه، وهي الراية التي لا يهوي بها الإمام عجل الله فرجه علي شيء إلاّ أهلکته کما سيتبين من الأحاديث الشريفة لاحقاً. إذن فإن أمير المؤمنين عليه السلام أعلن أن ابنه القائم عجل الله فرجه لن يکف عن الأعداء بل سينشر الراية الظافرة العظيمة تلک، وسيهلک ويقتل الأعداء والطواغيت الظلمة وينتصر عليهم، بل الإمام أمير المؤمنين يعلن بصراحة في رواية أخري قائلاً: - کان لي أن أقتل المولّي وأُجهز علي الجريح، ولکني ترکت ذلک للعاقبة من أصحابي، إن جُرحوا لم يقتلوا، والقائم له أن يقتل المولّي ويجهز علي الجريح-.
وهذا التصريح يبين سبب کفّه في القضاء علي الأعداء وذلک لمصلحة أصحابه في المستقبل من بعده إذا ما تسلط الظلمة عليهم، ولکن ذلک لن يتکرر مع القائم الذي سوف يظهر الإسلام علي جميع الأديان في آخر الزمان، فلن يتسلط الظلمة علي أصحابه وشيعته کما کان في العصور الغابرة.
2- عن الإمام الباقر عليه السلام: -...إن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سار في أمته بالمنّ، کان يتألَّف الناس، والقائم يسير بالقتل، بذاک أمر في الکتاب الذي معه أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً، ويل لمن ناواه-.
3- وتصريح أخر کما نقله المجلسي في البحار عن رفيد مولي أبي هبيرة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداک يابن رسول الله، يسير القائم بسيرة علي بن أبي طالب عليه السلام في أهل السواد؟ فقال: - لا يا رفيد؛ إن علي بن أبي طالب عليه السلام سار في أهل السواد بما في الجفر الأبيض وأن القائم يسير في العرب بما في الجفر الأحمر. قلت: جعلت فداک وما الجفر الأحمر؟
قال الراوي: فأمرَّ الإمام إصبعه علي حلقه فقال: هکذا، يعني الذبح...-.
4- عن الحسين بن هارون بياع الإنماط قال: کنت عند أبي عبد الله الحسين بن علي جالساً، فسأله المعلي بن خنيس أيسير المهدي عليه السلام إذا خرج بخلاف سيرة علي عليه السلام؟ قال عليه السلام: - نعم، وذلک أن علياً عليه السلام سار باللين والکفّ لأنه علم أن شيعته سَيُظهر عليهم من بعده وأن المهدي إذا خرج سار فيهم بالبسط والسبي وذلک لأنه يعلم أن شيعته لا يُظهر عليهم من بعده أبداً-.
يتضح جلياً من هذه الأحاديث أن الإمام القائم عليه السلام يقاتل قتالاً شديداً لا يرحم الظالمين والطغاة بل يقضي علي اولئک قضاءاً کاملاً، لأن الذي سار به الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم من المنّ والکفّ، وحصراً في بعض المواقع والأحداث إنما کان من أجل تأليف القلوب. أمّا بشکل عام فأن الرسول الأکرم أيضاً قام بالسيف وسار في الجهاد وقتال الأعداء والکفرة والإمام المهدي عليه السلام يقوم أيضاً بالسيف کجده الأکرم غير أنه لا يستتيب أحداً لأن الوقت ليس وقت تأليف القلوب، فهو لا يرحم الطغاة والمجرمين بل يقاتلهم حتي يقولوا لو کان هذا من ولد فاطمة لرحمنا. وهذا ما تتحدث عنه الروايات الکثيرة والتي منها:
5- عن الإمام الصادق عليه السلام: - لا يخرج القائم عليه السلام حتي يکون تکملة الحلقة... عشرة آلاف، جبرئيل عن يمينه وميکائيل عن يساره، ثم يهز الراية ويسير بها فلا يبقي أحد في المشرق ولا في المغرب إلاّ لعنها وهي راية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، نزل بها جبرئيل يوم بدر.. نشرها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يوم بدر ثم لفّها ودفعها إلي علي عليه السلام، فلم تزل عند علي عليه السلام حتي إذا کان يوم البصرة نشرها أمير المؤمنين عليه السلام ففتح الله عليه، ثم لفّها وهي عندنا هناک لا ينشرها أحد حتي يقوم القائم، فإذا هو قام نشرها فلم يبق أحد في المشرق والمغرب إلاّ لعنها، ويسير الرعب قدامها شهراً ووراءَها شهراً وعن يمينها شهراً وعن يسارها شهراً.. إنه يخرج موتوراً غضبان أسفاً لغضب الله علي هذا الخلق، يکون عليه قميص رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الذي کان عليه يوم أحد وعمامته السحاب ودرعه (درع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم) السابغة، وسيفه (سيف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم) ذو الفقار، يجرد السيف علي عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجاً...-.
إن مضامين هذا الحديث الشريف والإشارة فيه إلي أن القائم عليه السلام - يضع السيف علي عاتقه ثمانية أشهر- ويقتل أعدائه من الظلمة والمعاندين تکررت علي لسان أهل البيت عليهم في أکثر من حديث، ومنها علي سبيل المثال:
6- عن أمير المؤمنين عليه السلام: - يُفرّج الله الفتن برجل منّا، يسومهم خسفاً، لا يعطيهم إلاّ السيف، يضع السيف علي عاتقه ثمانية أشهر هرجاً حتي يقولوا: والله ما هذا من ولد فاطمة، لو کان من ولدها لرحمنا، يغريه الله ببني العباس وبني أمية-.
7- وفي رواية أخري عنه أيضاً عليه السلام: -... يسومهم خسفاً ويسقيهم کأساً مصبّرة ولا يعطيهم إلاّ السيف هرجاً، فعند ذلک تتمني فجرة قريش لو أن لها مفاداة من الدنيا وما فيها ليُغفر لها، لا يکف عنهم حتي يرضي الله-.
8- عن الإمام الحسين عليه السلام: -... صاحب الأمر الطريد الشريد الموتور بأبيه، المکنّي بعمّه، يضع سيفه علي عاتقه ثمانية أشهر-.
ومع تکرر الإشارة إلي أنه عجل الله فرجه يضع السيف علي عاتقه ثمانية أشهر تؤکد الأحاديث الشريفة الآتية إلي ان الإمام القائم عليه السلام لا تأخذه في البداية الرحمة للظلمة والأعداء، بل يقتلهم حتي يرضي الله إلي ان يلقي الله في قلبه الرحمة، وکذلک تشير هذه الأحاديث إلي أنه يسير کجدّه الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم في أعدائه بالجهاد والقتل، والخروج والقيام بالسيف، وإن يکن الرسول الأکرم قد سار بالمنّ والکفّ فإنها کانت في مواضع معينة حينما إستتبت له الأمور ولا تشکل الصورة الکلية لسيرته ودعوته التي بعمومها کانت قياماً بالسيف والقتال.
9- عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول: -.. إذا قام سار بسيرة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إلاّ أنه يبين آثار محمدٍ ويضع السيف علي عاتقه ثمانية أشهر هرجاً هرجاً حتي يرضي الله. قلت: فکيف يعلم رضا الله؟ قال: يلقي الله في قلبه الرحمة-. وفي رواية أخري: - في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء... وأما من محمد صلي الله عليه و آله و سلم فالسيف-. وفي رواية: -... وسنّة من محمد صلي الله عليه و آله و سلم في السيف يظهر به-. وفي رواية: -.. وأما شبهه من محمد فالسيف-.
10 - عن مفضل بن عمر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالي:
(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَي دُونَ الْعَذَابِ الأَکْبَرِ) (السجدة:21). قال: الأدني غلاء السعر، والأکبر المهدي بالسيف.
11- وروي في إلزام الناصب عن أمير المؤمنين عليه السلام: - ألا إنّ في قائمنا أهل البيت کفاية للمستبصرين وعبرة للمعتبرين ومحنة للمتکبرين لقوله تعالي (وَأَنذِرْ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ) (إبراهيم:44). هو ظهور قائمنا المغيب، لأنه عذاب علي الکافرين وشفاء ورحمة للمؤمنين-.
12- عن عبد العظيم الحسني قال: قلت لمحمد بن علي بن موسي عليهما السلام: إني لأرجو أن تکون القائم... فقال عليه السلام: - يا أبا القاسم، ما منّا إلاّ وهو قائم بأمر الله عز وجل، وهادٍ إلي دين الله، ولکن القائم الذي يطهّر الله عز وجل به الأرض من أهل الکفر والجحود ويملأها عدلاً وقسطاً، هو الذي تخفي علي الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه ويحرم عليهم تسميته وهو سميّ رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وکنيّه والذي تطوي له الأرض ويذل له کل صعب (و) يجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض، وذلک قول الله عز وجل (أَيْنَ مَا تَکُونُوا يَأْتِ بِکُمْ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَي کُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:148). فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره، فإذا کمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عز وجل، فلا يزال يقتل أعداء الله حتي يرضي الله عز وجل. فقلت له: يا سيدي وکيف يعلم أن الله عز وجل رضي؟ قال: يلقي في قلبه الرحمة...-.
13- وروي المجلسي في البحار عن الإمام الصادق عليه السلام: - يقتل القائم عليه السلام حتي يبلغ السوق. قال: فيقول له رجل من ولد أبيه: إنک لتجفل الناس إجفال النعم، فبعهد من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أو بماذا؟ وليس في الناس رجل أشد منه بأساً، فيقوم إليه رجل من الموالي فيقول له: لتسکتن أو لأضربن عنقک. فعند ذلک يخرج القائم عهداً من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم -.
14- وقد جاء في أحاديث عديدة أخري تؤکد قيام الإمام بالسيف وقتل الظالمين والمجرمين ومن يقف معهم حتي لا تکون هناک فتنة وهذا ما أکده الإمام الباقر عليه السلام في تأويل الآية المبارکة: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّي لاَ تَکُونَ فِتْنَةٌ وَيَکُونَ الدِّينُ کُلُّهُ لِلَّهِ) (الأنفال:39). فقال عليه السلام: - لم يجيء تأويل هذه الآية بعد، إن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم رَخَّصَ لهم لحاجته وحاجة أصحابه، فلو قد جاء تأويلها لم يُقبل منهم، لکنهم يُقتلون حتي يوحَّد الله عز وجل وحتي لا يکون شرک-.
15- عن محمد بن الحسن عن الصفار عن عباد بن سليمان عن محمد بن سليمان عن أبيه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام قول الله عز وجل: (هَلْ أَتَاکَ حَدِيثُ
الْغَاشِيَةِ) (الغاشية:1). قال: يغشاهم القائم بالسيف... إلي أن قال: قلت: (تَصْلَي نَارًا حَامِيَةً) (الغاشية:4). قال: تصلي ناراً الحرب في الدنيا علي عهد القائم عليه السلام وفي الآخرة نار جهنم.
16- الحسين بن محمد الأشعري عن معلي بن محمد عن الوشاء عن أحمد بن عايد عن أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سُئِلَ عن القائم, فقال: - کلنا قائم بأمر الله واحد بعد واحد حتي يجيء صاحب السيف , فإذا جاء صاحب السيف جاء بأمر غير الذي کان-.
فلا تهاون ولا رحمة مع الظالمين الجاحدين، بل شدة وانتقام جزاءً بما اقترفوه من الطغيان والفساد، لذا فمن أسماء القائم - عجل الله فرجه - المنتقم، فهو ينتقم لله ولرسوله ولأهل بيته الطاهرين وللمستضعفين في الأرض، کما وهو المنتقم بشکل خاص لجدّه الإمام الحسين الشهيد المظلوم عليه السلام.
17- عن الإمام الصادق عليه السلام: -... ما لِمَنْ خالفنا في دولتنا من نصيب، إن الله قد أحلّ لنا دمِاءَهُم عند قيام قائمنا، فاليوم محرمٌ علينا وعليکم ذلک، فلا يغرنک أحد، إذا قام قائمنا إنتقم لله ولرسوله ولنا أجمعين-.
18- عن الإمام الحسين عليه السلام: - يُظهر الله قائمنا فينتقم من الظالمين...-.
19- روي عن الإمام الصادق عليه السلام: - إذا تمني أحدکم القائم فليتمنه في عافية فإن الله بعث محمداً صلي الله عليه و آله و سلم رحمة ويبعث القائم نقمة-.
وقد جاء هذا المعني أيضاً في الأحاديث القدسية، وأن الله ادّخر الإمام المهدي عليه السلام للانتقام من أعدائه سبحانه وتطهير الأرض منهم.
20- عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث أخذ الله تعالي الميثاق من الأنبياء للمهدي عجل الله فرجه: -... ألا أني ربکم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي، وأن المهدي أنتصر به لديني وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي...).
21- عن الإمام الباقر عليه السلام: -... لمّا قُتل جدّي الحسين عليه السلام ضجت عليه الملائکة إلي الله تعالي بالبکاء والنحيب... فأوحي الله عز وجل إليهم: قِرّوا ملائکتي فو عزتي وجلالي لأنتقمن منهم ولو بعد حين. ثم کشف الله عز وجل عن الأئمة من ولد الحسين عليه السلام للملائکة، فسُرّت الملائکة بذلک، فإذا أحدهم قائم يصلي فقال الله عز وجل: بذلک القائم أنتقم منهم-.
22- عن الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم عن الله سبحانه: -... وبالقائم منکم أعمِّر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتکبيري وتمجيدي، وبه أُطهّر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائي وبه اجعل کلمة الذين کفروا بي السفلي وکلمتي العليا...-.
23- روي عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم في أحد أحاديث المعراج، عن الله سبحانه وتعالي: -.. ولأطهرنّ الأرض بآخرهم من أعدائي ولأُمکننه مشارق الأرض ومغاربها ولأسخرن له الرياح ولأذللن له السحاب الصعاب ولأرقينه في الاسباب فلأنصرنه بجندي ولأمدنّه بملائکتي...-.
24- عن الإمام الصادق عليه السلام، في قوله تعالي (فَمَهِّلِ الْکَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) (الطارق:17) قال: - وأملهم رويداً لوقت بعث القائم عليه السلام فينتقم لي من الجبارين والطواغيت من قريش وبني أميّة وسائر الناس-.
ولو أردنا أن ندلل أکثر علي أن الإمام المهدي عليه السلام يقوم بالسيف، ويقتل أعداء الله ورسوله ويسوم الظالمين بالعذاب والذل، فإن هناک العشرات من الأدلة المتواترة علي ذلک، منها إن الرعب يسير مع الإمام ورايته وجيشه، وأنه عليه السلام مؤيد بالنصر، منصور بالرعب وبالملائکة والجن وشيعته المخلصين.
25- روي عن الإمام الباقر عليه السلام: -... وأنّه ينصر بالسيف والرعب، وأنه لا ترد له راية...-.
26- عن الإمام الباقر عليه السلام: -... لو قد خرج قائم آل محمد عليهما السلام لنصره الله بالملائکة المسومين والمردفين والمنزلين والکروبيين. يکون جبرئيل أمامه وميکائيل عن يمينه وإسرافيل عن يساره، والرعب يسير مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله... يقوم بأمر جديد وسنّة جديدة وقضاء جديد علي العرب شديد، ليس شأنه إلاّ القتل ولا يستتيب أحداً ولا تأخذه في الله لومة لائم-.
27- عن أمير المؤمنين عليه السلام: -... ويؤيده الله بالملائکة والجنّ وشيعتنا المخلصين...-.
28- عن الإمام السجاد عليه السلام: -... کأني بصاحبکم قد علا فوق نجفکم بظهر کوفان في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، جبرائيل عن يمينه وميکائيل عن شماله وإسرافيل أمامه، معه راية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد نشرها، لا يهوي بها إلي قوم إلا ّأهلکهم الله عز وجل-.
29- عن الإمام الباقر عليه السلام: -... وأما شبهه من جدّه المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم، فخروجه بالسيف وقتله أعداء الله وأعداء رسوله صلي الله عليه و آله و سلم، والجبّارين والطواغيت وأنّه يُنصر بالسيف والرعب، وأنّه لا تُردّ له راية-.
30- عن الإمام الباقر عليه السلام: -... حتي تقوم عصابة شهدوا بدراً مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، لا يواري قتيلهم ولا يُرفع صريعهم ولا يداوي جريحهم، قلت: من هم؟ قال: الملائکة-.
31- وعنه أيضاً عليه السلام: - إن الملائکة الذين نصروا محمداً صلي الله عليه و آله و سلم يوم بدر في الأرض ما صعدوا بعد ولا يصعدون حتي ينصروا صاحب هذا الأمر وهم خمسة آلاف-.
32- عن الإمام الصادق عليه السلام: - إنّ القائم منّا منصور بالرعب مؤيد بالنصر...-.
إذن لن تکون المهمة للإمام سهلة ولا الطريق له مفروشاً بالورود کما يتصور البعض، ولن يکون عنده(عج) هناک تهاون وصفح عن الانحرافات والمظالم... بل عدل مطلق وقوة في تطبيق الحق دون محاباة أو خشية من أحد، يستخدم السيف ضد کل معاند جاحد ظالم، لذا يتفاجأ أولئک الناس ممن ألفوا وعاشوا ومارسوا الباطل والطغيان والفتنة وأماتوا روح الکتاب والسنة وأحيوا الضلالة والبدعة... ولشدة المفاجأة يقول أولئک عن الإمام القائم عجل الله فرجه لو کان من آل محمد لَرَحِمَ.
33- عن الإمام الباقر عليه السلام: - لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحبّ أکثرهم ألاّ يروه، ممّا يقتل من الناس، أما إنّه لا يبدأ إلاّ بقريش فلا يأخذ منها إلاّ السيف ولا يعطيها إلاّ السيف، حتي يقول کثير من الناس ليس هذا من آل محمد ولو کان من آل محمدٍ لرحم-.
34- في خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام، في نهج البلاغة: -... ليس فيها منار هديً ولا علم يُري، نحن أهل البيت منها بمنجاة ولسنا فيها بدعاة، ثم يفرّجها الله عنکم کتفريج الأديم بمن يسومهم خسفاً ويسوقهم عنفاً ويسقيهم بکأس مُصبّرة، لا يعطيهم إلاّ السيف ولا يحلسهم إلاّ الخوف فعند ذلک تودّ قريش بالدنيا وما فيها لو يرونني مقاماً واحداً ولو قدر جَزرِ جزور لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه فلا يعطوني-.
علي ضوء ما مرَّ من الأحاديث السابقة يتبيّن أن الإمام المهدي عليه السلام يقوم بالسيف والانتقام لله ورسوله والمؤمنين، وإقامة العدل والحق والانتقام من الظالمين واتباعهم، وما ذلک إلاّ عهد ووعد بشر به جدّه المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم، وعد وعهد من الله سبحانه، فکيف للإمام عليه السلام، إن يتخطي ذلک ويلغيه؟!
اذ لا يمکن له عجل الله فرجه أن يغض الطرف ويکف عن المجرمين والطغاة وأشياعهم المفسدين.. وهو مأمور بتطهير الأرض منهم وتصفيتهم والقضاء علي کل وجود لهم في الدنيا.
والاّ فأين تذهب کل هذه الأحاديث الشريفة التي تتحدث عن الانتقام والثأر من الظالمين والکفرة والمفسدين وإقامة العدل وإحياء ميت الکتاب والسنّة؟ وأين يذهب دعاء الأئمة والمؤمنين المستضعفين علي مرّ العصور إلي الله تعالي بالفرج ومجيء المنقذ المنتقم لدم الحسين عليه السلام ولدماء الأنبياء وأبناء الأنبياء، الهادم لأبنية النفاق والشرک.
الا تقرأ في دعاء الندبة: -...أين المُعدّ لقطع دابر الظلمة أين المنتظر لإقامة الأمت والعوج أين المُرتجي لإزالة الجور والعدوان أين المُدَّخر لتجديد الفرائض والسنن أين المُتخيّر لإعادة الملّة والشريعة أين المؤمّل لإحياء الکتاب وحدوده أين محيي معالم الدين وأهله أين قاصم شوکة المعتدين أين هادم أبنية الشرک والنفاق أين مبيد أهل الفسوق والعصيان والطغيان أين حاصد فروع الغيّ والشقاق أين طامس آثار الزيغ والأهواء...، أين الطالب بذحول الأنبياء وأبناء الأنبياء أين الطالب بدم المقتول بکربلا...-.
فإذا قيل إن الإمام عليه السلام ليست مهمته الحرب والقتل والانتقام، بل مهمته تحقيق العدل والسلام وإظهار الدين، نقول أجل إن الإمام يحمل راية الحق والهدي والعدل والسلام، ولکن السلام من دون إقامة العدل والحق إقرار للظلم علي المظلومين وإجحاف بحق المستضعفين، فکيف يتحقق السلام والحق دون إجراء العدالة بين الناس والانتقام من المجرمين والظالمين وأشياعهم. فليس عصر الإمام عصر هدنة وسکوت علي الطغاة والمفسدين، بل هو عصر تحقيق الوعد الإلهي بالانتقام منهم أجمعين، وإرجاع الحقوق لمن سلبت منهم، ونصر المستضعفين وإنصافهم، وجعلهم أئمة وارثين في الأرض تحقيقاً للوعد الإلهي لهم بذلک، والله تعالي لا يخلف الميعاد إذ بشر بذلک فقال عز وجل: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص:5).
وقال تعالي: (وَلَقَدْ کَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء:105).
وفي تفسير هذه الآية المبارکة يقول المفسرون: - الکتب کلها ذکر، وأن الأرض يرثها عبادي الصالحون. قال: القائم عليه السلام وأصحابه-.
وفي تفسير الآية المبارکة: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا..(يقول أمير المؤمنين عليه السلام: - هم آل محمد يبعث الله مهديهم بعد جهدهم، فيعزهم ويذل عدوهم-.
ولکي يرث الصالحون والمستضعفون الأرض، ويقيموا حکم کتاب الله وسنة نبيّه، وينشروا العدل والهدي، لا يمکن لهم ذلک إلاّ بمواجهة کل رموز الضلالة والجحود، وهدم أساس الجور والباطل والفساد، ويسترجعوا الحقوق لأصحابها من غاصبيها، ولن يکون ذلک إلاّ بالانتقام من المجرمين وإنزال الجزاء العادل بحق المنحرفين الطاغين، وهل نتوقع أن يتم کل ذلک الجهد العظيم وتتحقق هذه الأهداف المقدسة من دون جهاد وقتال ومواجهة صارمة تستأصل شأفة الطغاة والجبابرة المفسدين الجاحدين؟
ونختم هذا البحث بجواب عن هذا السؤال: کيف يتعامل الإمام مع الظالمين وکيف ينتصر علي الأعداء؟ وهل تستتب له الأمور سلماً؟ بما قاله الإمام الباقر عليه السلام لبشير النبّال عندما قال للإمام عليه السلام: إنهم يقولون إن المهدي لو قام لاستقامت له الأمور عفواً ولا يهريق محجمة دم؟ فقال عليه السلام: - کلا والذي نفسي بيده، لو استقامت لأحد عفواً لاستقامت لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، حين أدميت رباعيّته وشبحَّ في وجهه. کلا والذي نفسي بيده، حتي نمسح نحن وأنتم العرق والعلق، ثم مسح جبهته).
وإذا کان طريق الرسول شائکاً في سبيل هداية الناس إلي الإسلام، کيف لا يکون طريق الإمام صعباً وشائکاً في سبيل استقرار حکومة الإسلام؟ فإذا کان لابد من الجهاد والتعب والنصب حتي يهتدي الناس إلي الحق کيف لا تکون سيرة الإمام القيام بالسيف حتي يرغم أنوف الظالمين والمنحرفين والظالمين بالعمل بالحق والعدل؟ أجل فکلا الطريقين شائک وکلا المهمتين صعب وخطير ولکن لا بد من بذل أقصي الجهود وتقديم المال والنفوس لکسب رضي المعبود والوصول إلي المقصود وإن استلزم إراقة العرق والعلق-.