من أين تنطلق نهضة الإمام؟
من أين ينطلق الإمام؟ هل من مکة المکرمة أم من الکوفة (العراق)؟ أم من المشرق؟ إن الشائع لدي الناس خروج الإمام من مکة المکرمة حسب بيان بعض الروايات ولکن هناک في المقابل روايات أخري عن أهل البيت عليهما السلام تتحدث عن الانطلاقة من المشرق ومن ثم الخروج من الکوفة أو إن الانطلاق من مکة المکرمة والخروج من الکوفة وقد ورد العديد من الروايات بهذا الخصوص وإليک بعضها:
1- کأني بالقائم علي نجف الکوفة قد سار إليها من مکة في خمسة آلاف من الملائکة, جبرائيل عن يمينه وميکائيل عن شماله, والمؤمنون بين يديه, وهو يفرق الجنود في البلاد-.
2- عن الصادق عليه السلام قال: - يا أبا حمزة, کأني بقائم أهل بيتي قد علا نجفکم, فإذا علا فوق نجفکم نشر راية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم , فإذا نشرها انحطت عليه ملائکة بدر-.
3- عن ابن مسعود عن الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم: - وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتطريداً وتشريداً حتي يجيء قوم من ها هنا -وأشار بيده إلي المشرق- أصحاب رايات سود، يسألون الحق فلا يعطونه -حتي أعادها ثلاثاً- فيقاتلون فينصرون.. فمن أدرکه منکم فليأته ولو حبواً علي الثلج...-.
4- عن ثوبان عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم: - إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فأتوها ولو حبواً علي الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي-.
5- عن الإمام السجاد عليه السلام: -... کأني بصاحبکم قد علا نجفکم بظهر کوفان في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً جبرئيل عن يمينه وميکائيل عن شماله وإسرافيل أمامه، مع راية رسول الله...-.
6- عن أبي بکر الحضرمي عن الإمام الباقر عليه السلام، في حديث يمتدح فيه الکوفة، وجاء في جانب منه: -... ومنها يظهر عدل الله وفيها يکون قائمه والقوّام من بعده...-.
7- وعن الإمام الباقر أيضاً عليه السلام: - کأني أنظر إلي القائم عليه السلام قد ظهر علي نجف الکوفة فإذا ظهر علي النجف نشر راية رسول الله...-.
8- عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث طويل: -... کأني انظر إلي القائم وأصحابه في نجف الکوفة...-.
9- وروي في يوم الخلاص: - ينزل القائم يوم الرجفة بسبع قباب من نور ولا يُعلم في أيها هو حتي ينزل الکوفة-.
10- وروي في الکافي خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام، جاء في ختامها: -... وأعلموا أنکم إن اتبعتم طالع المشرق سلک بکم منهاج الرسول صلي الله عليه و آله و سلم...-.
ويري البعض أن هذه الروايات أقرب إلي الواقع من تلک التي تتحدث عن الخروج من مکة المکرمة , لأن أکثر الموالين لأهل البيت متواجدون في العراق وفي مشرق الحجاز والعراق وأکثرهم شوقاً وانتظاراً لخروجه المبارک بخلاف مکة المکرمة فأکثر المتواجدين فيها من المخالفين لمذهب أهل البيت عليه السلام. وبما أن الإمام المهدي عليه السلام هو من الذرية الطاهرة من سلالة الرسول الأکرم فهو بلا شک أکثر ارتباطاً ومحبة لشيعتهم الأبرار.
وهذا لا يعني أن کل المنتمين لمذهب أهل البيت والذين يدّعون التشيَّع، بينما أعمال البعض منهم مخالفة للإسلام، وللرسول ولأهل البيت الأطهار يؤمنون بالإمام المهدي، بل قسم منهم يخالفون الإمام ويحاربونه ويتهمونه بالکذب، والافتراء وينفون عنه الإمامة والمهدوية، رغم ما يقدم الإمام لهم من المعاجز والآيات والبينات ولذا فالإمام يجرد سيفه ويقاتلهم ويقتل منهم عدداً کبيراً حسبما جاء في بعض الروايات.
ولکن علي الرغم من هذه المخالفة والمحاربة من بعض المدعين للولاء إلا أن الذين تمسکوا بأهل البيت حقا وآمنوا بإمامتهم قولاً وفعلاً هم من الأوائل الذين يستجيبون لنداء الإمام المهدي عليه السلام ويسلمون الأمر إليه ويستجيبون لندائه وبالأخص من الشعب العراقي.
والمعروف لدي الجميع أن ولادة الإمام في أرض العراق فهو عراقي المولد والمنشأ وإن کان حجازي الأصل.. بل قد يکون عراقي اللهجة أيضاً وهذا بحد ذاته بشارة عظيمة لأهل العراق الذين عانوا أشد أنواع الاضطهاد والظلم من طواغيت عصرهم، لم يشهد بمثله شعب آخر في القرن العشرين، ولذا فإن الله عز وجل يسعفهم بأعظم شخصية ربانية علي وجه الأرض ليحقق العدالة والمساواة علي أرجاء المعمورة. وليس ببعيد أن يکون الشعب العراقي الذي عاني من التشريد، والغربة، في أنحاء العالم يکونون دعاة للإمام المهدي وفي يوم ظهوره يکونون سفرائه في مختلف الأقطار والبلدان. وليس قولنا هذا حصرُ للقضية المهدوية في خانة العراق، بقدر ما هو بيان عن حمل قسم من الشعب العراقي راية الإمام الحجة عليه السلام ومعرفة قدرهم, وهي مع ذلک مسؤولية عظيمة ملقات علي عاتق جميع الشعوب الإسلامية المؤمنة بالإمام المهدي و بالأخص الشعب الإيراني المسلم والشعوب العربية والآسوية حيث جاء في حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: - ليخرجن رجلٌ من ولدي، عند اقتراب الساعة، حتي تموت قلوب المؤمنين کما تموت الأبدان، لما لحقهم من الضر والشدِّة في الجُوع والقتل، وتواتُر الفتن والملاحم العظام، وإمَاتَةِ السُّنن، وإحياء البِدع، وترکِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر فيحيي الله (ب) المهدي السُّنن التي قدم أميتت، ويسر بعدله وبرکته قلوب المؤمنين، وتتألف إليه عصب من العجم وقبائل من العرب...-.
کما أن هذا ليس بمعني أن جميع أفراد الشعب العراقي ينظوون تحت راية الإمام المهدي عليه السلام بل في داخل العراق فئات وجماعات حقودة وظالمة تخرج علي الإمام وتحاربه تلبس مسوح الإيمان والتدين وتحارب الدين والإسلام الأصيل وهم الخوارج في آخر الزمان فقد جاء في الحديث الشريف عن أبي عبد الله عليه السلام: - يا ابن أبي يعفور هل قرأت القُرآن؟ قال: قلت: نعم، هذه القراءة. قال: عنها سألتک ليس عن غيرها. قال: فقلت: نعم جعلت فداک، ولم؟ قال: لأن موسي عليه السلام حدث قومه بحديث لم يحتملوه عنه فخرجوا عليه بمصر، فقاتلوه، فقاتلهم، فقتلهم؛ ولأن عيسي عليه السلام حدّث قومه بحديث فلم يحتملوه عنه فخرجوا عليه بتکريت فقاتلوه، فقاتلهم، فقتلهم؛ وهو قول الله عز وجل: (فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَکَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَي عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (الصف،14)، وإن أول قائم يقوم منا أهل البيت يحدثکم بحديثٍ لا تحتملونه فتخرجون عليه برميلة الدسکرة فتقاتلونه، فيقاتلکم وهي آخر خارجة تکون-.
وروي المفيد في الإرشاد عن أبي الجارود عن الإمام الباقر عليه السلام، في حديث طويل: -... إذا قام القائم عليه السلام سار إلي الکوفة فيخرج منها بضعة عشر ألف نفس يدعون بالبترية (بالتبرئة) عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث أتيت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتي يأتي علي آخرهم ويدخل الکوفة فيقتل بها کل منافق مرتاب ويهدم قصورها ويقتل مقاتلها حتي يرضي الله عز وجل-.
وروي هذا الحديث في أصول الکافي بصيغة أخري، حيث جاء فيه: -... حتي ينزلوا النجف من ظهر الکوفة فيخرج بها بضعة عشر ألفاً يدّعون التَّبرئة منه ويقولون: ارجع من حيث أتيت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتي يأتي علي آخرهم فيقتل کل مرتاب ويقتل مقاتليه، ثم ينزل النجف-.
وهذا ليس مستغرباً، بل إن الروايات تشير إلي أن المخالفين للحجة عليه السلام يتأولون عليه القرآن ويحتجون به عليه.
وبالرغم من وجود الخوارج المعاندين للإمام المهدي عليه السلام في أرض الرافدين إلا أن الأکثرية الساحقة تنظوي تحت حکومته العادلة وتقاتل معه عساکر الکفر.
وقضية الإمام ليست قضية قومية أو قطرية أو طائفية، بل القضية أساساً إسلامية وعالمية فالذين يلتحقون بالإمام المهدي عليه السلام من أبدال الشام ونجباء مصر (وهم اليوم من أهل السنة) وأخيار العراق وعصائب الشرق (إيران وحواليها وهم اليوم من الشيعة) ومن ثم يذعن للإمام أهل المغرب والنصاري، وأهل المشرق - الصين والروس ومن لف حولهما- حتي ينتشر الإسلام الأصيل علي جميع أرجاء الکرة الأرضية فلا تري قرية من قري العالم إلا وهناک مأذنة تکبر لله وتشهد الشهادتين.
وهذا لا يتحقق إلا بعد تطهير الأرض من براثن الکفر والإلحاد وبعد معارک دامية مع رؤوس الضلالة والشرک تستمر أکثر من ثمانية أشهر متواصلة، بيد أن هذه المدة ليست طويلة قياساً بتلک المعارک التي وقعت بين الدول والتي استغرقت أعواماً کثيرة تجاوز بعضها عشرين سنة ولم تحقق أي من أهداف المهاجمين هذا بالنسبة لاحتلال بلد معين فکيف بالسيطرة علي أرجاء المعمورة کلها بهذه المدة القليلة - ثمان أشهر- تتم السيطرة علي جميع الدول العربية ومن ثم بسنين معدودة يمتد سيطرة الإسلام وحکومته إلي أرجاء العالم کله.
أليست هذه بحد ذاتها معجزة إلهية وهداية ربانية، لم يکن بالإمکان تحقيقها إلا بمعونة غيبية وبإمداد سماوي من الملائکة المسومين؟
أجل لم يکن بالإمکان تحقيق مثل هذا الانتصار إلا بتدخل سماوي غيبي مباشر حيناً وغير مباشر حيناً آخر إلا أنه يبقي الافتخار لمن ينال قصب السبق في الإيمان بالإمام المهدي عليه السلام قبل الآخرين وحمل السيف والقيام بالجهاد والتضحية و الفداء وهل يستوي الذين آمنوا قبل الفتح والذين آمنوا بعد الفتح؟ کلا فالقرآن الکريم يصرح بوضوح: (لاَ يَسْتَوِي مِنْکُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِکَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَکُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَي وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (الحديد:10).
تبقي هنا نقطة مهمة، لابد من الإشارة إليها، وهي إن ما ذکر من موارد وقوع الفتن التي جاءت في الروايات, ومن خروج الرايات من مناطق مختلفة ومن انطلاق الثورة المبارکة من مکة أو المشرق أو من الکوفة تبقي کلها تحت المشيئة الإلهية. فما شاء الباري سبحانه منه کان وما لم يشأ منه لم يکن، يفعل الله ما يشاء بقدرته ويحکم ما يريد بعزته. هذه حقيقة لا يمکن إنکارها، فلله عز وجل المشيئة والبداء، ذلک ما تحدث عنه أهل البيت عليه السلام:
1- عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: - إن لله عز وجل علمين؛ علماً مخزوناً مکنوناً لا يعلمه إلا هو من ذلک يکون البداء، وعلماً علمه ملائکته ورسله، فالعلماء من أهل بيت نبينا يعلمونه...-
2- عن أبي جعفر عليه السلام يقول: - من الأمور أمور محتومة جائية لا محالة، ومن الأمور أمور موقوفة عند الله يقدم منها ما يشاء، ويمحو ما يشاء، ويثبت ما يشاء، لم يطلع علي ذلک أحد - يعني الموقوفة - فأما ما جاءت به الرسل فهي کائنة لا يکذب نفسه، ولا نبيه، ولا ملائکته-.
3- وکما يقول أمير المؤمنين عليه السلام في إحدي خطبه التي أوردها الکليني في الکافي: -... وليس لأحد علي الله عز ذکره الخيرة بل لله الخيرة والأمر جميعاً...-.
4- وکما ورد عنه أيضاً عليه السلام في حديثه مع الأصبغ بن نباته عن الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف: -... ثم يفعل الله ما يشاء فإن له بداءات وإرادات وغايات ونهايات-.
5- ويقول الإمام الصادق عليه السلام: -... فإذا حدثناکم الحديث فجاء علي ما حدثناکم (به) فقولوا صدق الله وإذا حدثناکم الحديث فجاء علي خلاف ما حدثناکم به فقولوا صدق الله تؤجروا مرتين-.
ومعني هذا أنهم عليهما السلام لا يخبرون ويحدثون کذباً، حاشاهم بل يخبرون عن الله صدقاً، فإذا کان هناک تغيير فيما يقع أو تقديم أو تأخير، أو رفع وعدم وقوع لما أخبروا به، فإن ذلک يعود إلي المشيئة الربانية حيث (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْکِتَابِ) (الرعد:39)، وکما جاء في الأحاديث الشريفة فإنه لم يعبد الله ولم يعظم بشيء مثل البداء.
من هنا , فلا يحق لأحد أن يحتّم في علي القضايا المتعلقة بالإمام بشکل نهائي، ويقول: إن القضية الفلانية تقع هکذا وفي المنطقة الکذائية. وإن کانت فيها أحاديث وروايات وحتي الحتميات فهي معلقة بالإرادة والمشيئة الإلهية، ما عدي أصل القضية وهي خروج الإمام عليه السلام فإن خروجه وعد الهي لرسوله الأکرم بتحقيق ذلک من دون أدني شک والله لا يخلف الميعاد. هکذا جاءتنا الأحاديث المؤکدة لهذه الحقيقة الحتمية والوعد الإلهي المبرم.
فقد ورد في أحاديث شريفة عن الأئمة الأطهار أنه قد يلحق البداء من الله سبحانه بالأخبار الغيبية حتي ببعض الحوادث والقضايا الحتمية المتعلقة بقضية الإمام المهدي عليه السلام، تماماً کما جاء في هذه الرواية التي أوردها النعماني عن داود بن القاسم الجعفري قال: کنّا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام فجري ذکر السفياني وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر عليه السلام هل يبدو لله في المحتوم؟ قال: نعم. قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم؟! فقال: إن القائم من الميعاد والله لا يخلف الميعاد-.
وقد قال الإمام الصادق عليه السلام عندما سُئل عن قوله تعالي (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْکِتَابِ) ، قال: - وهل يمحو إلاّ ما کان ثابتاً وهل يثبت إلاّ ما لم يکن-.
ولکن السؤال لماذا إذن ذکرت الأخبار هذه الوقائع التي ربما تحدث قبل وأثناء ظهور الإمام وثورته المبارکة؟
في الحقيقة إن هذه الأمور والأحداث قد تقع بشکل کلي إجمالي لا بشکل تفصيلي دقيق وحتمي بل يمکن أن تتدخل المشيئة الإلهية لتغيير بعض الأحداث والوقائع وتقديم وتأخير الوقائع ومجريات الأمور أو إثبات أو محو ما يشاء منها سبحانه لأنه عز وجل يحکم ما يشاء بقدرته ويفعل ما يريد بعزته، فالمشيئة الإلهية هي الحاکمة علي الأمور وليس العکس.
ونحن بانتظار نهضة الإمام لکي يتم والتغيير علي يد رجل عظيم طالما انتظرته الأجيال المؤمنة بفارغ الصبر، فمتي يکون خروجه؟ وکيف يکون قيامه؟ ذلک کله راجع لحکمة الله ومشيئته وقد يکون الأمر أقرب مما نتصوره أليس کذلک؟. وما ذلک علي الله بعزيز.