بازگشت

کيف ننتظر الفرج؟


هل لأنتظار الفرج هناک قيمة أساسية في الإسلام؟

وهل يشکل الانتظار عملاً مهماً في استمرارية الحرکة الإسلامية؟

وهل له تأثير نفسي في روحية المجاهدين العاملين؟

إن الأحاديث التي تطرقت إلي موضوع الانتظار تشحن همم المجاهدين وترفع من معنويات المنتظرين، واليک بعضها:

عن أمير المؤمنين عليه السلام عن الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم: - أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج-.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: - انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإن أحبّ الأعمال إلي الله عز وجل انتظار الفرج..-.

وعن الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم: - سلوا الله من فضله فإن الله عز وجل يحب أن يسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج-.

علي ضوء هذه الأحاديث نتساءل: کيف يکون انتظار الفرج من أفضل الأعمال؟ وکيف يکون من أحب الأعمال إلي الله تعالي؟ وکيف يکون من أفضل العبادة؟.

قبل الإجابة علي هذه الأسئلة لابد لنا من معرفة معني (انتظار الفرج) وحقيقة الأنتظار، فهل انتظار الفرج هو الوقوف أمام المشاکل والمآسي والمظالم مکتوفي الأيدي حتي يتحقق الفرج من قبل الله عز وجل؟ أم أن الانتظار له معني صحيحاً علي خلاف ما تصوّره البعض خطأ؟

في الحقيقة إننا لا نستطيع أن نعرف معني الانتظار إلا من خلال التعامل والفهم العرفي لهذه الکلمة. فالناس حينما ينتظرون قدوم ضيف عزيز لهم يبادرون إلي تهيئة المکان وشراء أفضل المأکولات والمشروبات فرحة بقدومه، وتلبية لحاجاته.. وليس مجرد وضع اليد علي الأخري من دون تحريک ساکن. هذه هي حقيقة الانتظار عرفاً ومن هنا إذا رأينا الأحاديث تتحدث عن فضل الانتظار بأنه أحب الأعمال إلي الله سبحانه وأفضلها، فهي تعني الانتظار من باب الاستعداد وتهيئة الأرضية لاستقبال الإمام، وليس بمعني السکوت والجمود، والخمول، وذلک لأن الانتظار إذا کان بمعني السکوت والوقوف أمام المفاسد والمظالم في حالة من التفرج إلي أن تعم العالم کله.. فهذا لا يعتبر عملاً وحرکة مبارکة، بل هو استسلام للواقع المتردي، وتفرج علي الوضع المأساوي، فکيف يکون هذا من أفضل الأعمال ومن أحبها إلي الله عز وجل؟! بل هو في الحقيقة ليس بعمل أصلاً حتي يکون (أفضل الأعمال)؟.

إن هذا الأمر لا يقبله العقل ولا يرتضيه الوجدان، فهل يکون مقبولاً لدي الشارع الإسلامي المقدس؟

هذا أمر مستحيل، بل هو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً لأنه کيف يکون مقبولاً في الإسلام، في الوقت الذي يحرّض فيه القرآن الکريم علي الجهاد وقتال الأعداء، ويأمر المسلمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، وضرورة القيام بالعمل الصالح (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللَّهُ عَمَلَکُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة:105)..

بل کيف يرتضي الدين الإسلامي التفرج علي ظلم الظالمين وجولات الفاسقين وطغيان الطواغيت... في حين أن الله سبحانه يبين في قرآنه الحکيم وعلي لسان نبيه الکريم حقيقة التمسک بحبل الله ألا وهو الکفر بالطاغوت والإيمان بالله، بحيث أصبح رفض الطاغوت مقدمة لحقيقة الإيمان بالله عز وجل)فَمَنْ يَکْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَکَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَي لا انْفِصَامَ لَهَا ) (البقرة:256) وهو الآمر في کتابه العزيز بوجوب القتال في سبيله والدفاع عن المستضعفين: (وَمَا لَکُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِن لَدُنْکَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِن لَدُنکَ نَصِيراً) (النساء:75)

من خلال هذه الآيات المبارکة الکثيرة من أمثالها في الکتاب العزيز يتضح کاملاً فساد العقلية التي تؤمن بأن معني الانتظار هو السکوت علي الجرائم والمظالم والقبول بالواقع الفاسد واختيار الصمت المطلق تجاه جرائم المجرمين والمفسدين. فالانتظار عبارة عن تهيئة الظروف وترتيب الأمور بانتظار قدوم المولي.

فالانتظار لا يتحقق إلا إذا کان الفرد جاداً في إصلاح نفسه وتغير ذاته بما يحبه المولي حين قدومه إليه کما وأن الفرد لا يصدق عليه بأنه منتظر إلا إذا کان منهمکاً في إصلاح مجتمعه وأمته کما يريده الإمام عليه السلام. فللانتظار معني أعلي وأسمي مما فهمه المتخاذلون والمتکاسلون، فالانتظار يعني انتظار نجاح العمل بعد البدء في مباشرته والاستمرار في مواصلته برغم المشاکل والمصاعب، والانتظار أيضاً هو الأمل في الفوز مع الاجتهاد في التضحية والفداء. وانتظار الفرج اسم علي حقيقة القيام بالعمل الدؤوب بأمل انفراج الأزمات، وانکشاف الظلمات وانجلاء الکربات بالأعمال والتضحيات والإصرار علي المواجهة، فلا تنفرج الأزمات إلاّ بالجد والاجتهاد ولا تنجلي الأحزان والکربات إلاّ بمواصلة الاجتهاد في الدفاع عن حريم الإسلام، وأن الواقع المأساوي للأمة لا يتغير إلاّ أن تغير الأمة من واقعها المتخلف، وإرادة التغيير والإصرار في مواصلة المهمة والانطلاق للقيام بواجب الجهاد والعمل وترک التکاسل والإتکالية حتي يتحقق الأمل المنشود وقد صرّح القرآن الکريم بذلک قائلاً: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (الرعد:11).

ومن الطبيعي أن الفرج لا يأتي إلاّ بعد مصارعة الأهواء ومقاتلة الأعداء والعمل بجد واجتهاد، وعدم اليأس من نصر الله جل جلاله، ولذا يکون انتظار الفرج هو (أفضل الأعمال) لأنه يعطي الأمل للناس، ويدفع بالإنسان إلي القيام بأداء الواجبات والفرائض والوظائف علي أحسن وجه بأمل الفوز والانتصار.

ولذا فالانتظار (عمل) وليس صمتاً، وهو جهاد وليس تفرجاً علي المآسي، وإلاّ لکان في هذا المعني السلبي للانتظار عند البعض إحباط لمعنويات المجاهدين وتشجيع في التراجع عن القيام بالواجبات والفرائض وإفساح المجال لکل المجرمين والظالمين بارتکاب المفاسد والجرائم.

إذن فالانتظار ليس بمعني السکوت والتفرج بل هو انتظار للنتائج بعد أداء الأعمال والواجبات تماماً کما يقوم المزارع بالحرث والبذر والسقي والمحافظة علي زراعته بانتظار بلوغ الثمار وحصد حاصل زرعه. وإذا ذَکّرت في بعض الروايات بضرورة التقية وعدم القيام بحرکة اليد والرجل فهو ليس بمعني عدم العمل والقيام بالفرائض والواجبات الإسلامية من الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنکر بشکل مطلق وفي کل زمان ومکان، بل المراد من ذلک هو توقيف العمل العلني من الجهاد والدفاع عن المقدسات الإسلامية في تلک الحالات الخانقة بشکل مؤقّت حيث الظروف تقتضي التستر في القيام بالأعمال، من هنا نعرف أن النهي الذي جاء من قبل أهل البيت عليهما السلام بعدم القيام بالثورة والجهاد المسلح إنما هو حالة استثنائية في ظروف صعبة وحالات خاصة، لأن لکل زمان ومکان متطلباته وواجباته الشرعية، فقد يتطلب في عصر من العصور القيام بالثورة والانتفاضة، وفي عصر آخر التقية والتستر في العمل والتحرک. وهذا لا يعني عدم العمل والقيام بالواجبات بشکل عام، بل المراد منه القيام بالمهام والواجبات بشکل سري في ظروف سيطرة الطغاة والظالمين حين بطشهم وفورة طغيانهم، وهذا أمر نستطيع أن نعرفه من حياة أهل البيت عليهما السلام وأصحابهم المخلصين حيث کانوا يؤدّون الأعمال بشکل علني ويقومون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنکر بصورة مکشوفة ويخوضون الصراع من أجل إعلاء کلمة الإسلام والقيام بالنهضة والثورة المسلحة في زمان مناسب کما في عهد سيد الخلق رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وفي عهد سيدنا ومولانا أمير المؤمنين عليه السلام، وعصر الإمام الحسين عليه السلام... وفي زمان آخر کانت الظروف والأزمات الخانقة تفرض عليهم القيام بالواجبات الرسالية بشکل سرّي بعيداً عن أعين الظلمة وجواسيسهم، کما هو الملاحظ في الظروف التي کانت سائدة في عهد الإمام زين العابدين والإمام الکاظم والإمامين العسکريين عليهما السلام. فأهل البيت عليهما السلام کانوا يمارسون أعمالهم بأحسن وجه ولکن في سرية مطلقة.

إذن فالتقية والانتظار ليس بمعني الکف عن العمل واختيار الصمت المطلق والسکوت المميت عن جرائم الظالمين والتراجع عن هداية الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنکر والدفاع عن المستضعفين، فمن خلال تاريخ أهل البيت نلاحظ أنهم کانوا يقومون مع أتباعهم المخلصين بهذه الواجبات ولکن في غاية الخفاء والسرية التامة.

فالإنسان بحاجة إلي أمل النجاح، وانتظار الفرج حين القيام بالواجبات، وکلما ازدادت الظروف صعوبة والأزمات شدة، فعلي المرء أن يقاوم اليأس والقنوط الذين طالما يراودانه إذا طال الأمد، وعليه أن يربط انتظاره للفرج بالقيام بأداء الأعمال علي أمل انفراج الأزمات، وتغير الظروف والأحوال، وبهذا الأمل يواصل المرء مسيرته النضالية وتحرکاته الرسالية ونشاطاته الإيمانية رغم کل الظروف والأحوال السيئة ورغم کثافة ونوعية المشاکل والأزمات.

فانتظار الفرج وعدم اليأس من تغير الأوضاع السيئة وانتظار التغيير وعدم القنوط من روح الله، هو في حد ذاته أکبر دافع للإنسان لمواصلة مسيرته الجهادية وتحرکاته الإيمانية، وقد أمر الله عز وجل المؤمنين بمواصلة العمل حيث قال عز وجل: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللّهُ عَمَلَکُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة:105) وفي آية أخري في بيان الفائزين برضوان الله وبالجنان ويقول عز وجل: (وَالْعَصْرِ - إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) (العصر1-3). فالعمل والنشاط والحرکة لها نتائجها الحسنة في المجتمع حيث أن کل الأعمال بمرأي ومسمع من الله سبحانه والرسول الأکرم وأهل البيت الأطهار عليهما السلام، فهي تعطي نتائجها کل حين بإذن الله تعالي. وانفراج الأزمات تکون کلما اشتدت الأمور ضيقاً، وقد حذر الله سبحانه بشدة الذين ينتابهم اليأس من التغيير والقنوط من الانفراج، نتيجة تردي الأوضاع واشتداد الأزمات، واعتبر سبحانه الذين ييأسون من رحمته هم الکافرون، لأن اليأس لا يدخل في قلب المؤمن بالله وبرسوله. (إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الکَافِرُونَ) (يوسف:87).

والقنوط لا يقتحم إيمان المرء المسلم بالتغيير حتي لو أطبقت الدنيا عليه شدة وخناقاً وحتي لو احتشدت عليه عساکر الأعداء، فإيمان المسلم بالله وبنصره وبروحه أقوي من بطش الأعداء وأعلي من کل شدة، وانتظار التغيير والتبديل أمله الذي يحدو به إلي العمل والجد والنشاط وهو يعلم مسبقاً أن ليس عليه إلاّ العمل ومواصلة النضال في کل الظروف والأحوال أما سراً أو جهراً فالفرج من الله والنصر من عنده وما علي المؤمنين إلاّ التوکل عليه سبحانه والجهاد في سبيله والتضحية والفداء لمرضاته.

ولهذا کان الانتظار أفضل الأعمال وأحبها إلي الله عز وجل، لأنه بانتظار الفرج يسهل للإنسان اقتطاف ثمار جهاده في الدنيا والسعادة في الآخرة لنيل ثواب أعماله وتضحياته. وهناک أمل عظيم يحدو بالإنسان المجاهد ألا وهو الفوز الحقيقي في آخر المطاف، حيث سيکون للمؤمنين نصر عظيم في الدنيا علي جميع الظالمين والمجرمين وستکون لهم دولة کبيرة تحکم الکرة الأرضية بقيادة أعظم شخصية من آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ألا وهو الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه وليس عبثاً أن سمّي الإمام الغائب بالمنتظر لأنه عليه السلام يشارک المؤمنين بانتظار الفرج الإلهي أيضاً. فالکل بانتظار الرحمة السماوية والإذن الإلهي بما فيهم الإمام المعصوم عليه السلام، وهذا وعد رباني محتوم لا خلف فيه ولا تبديل، فالمنتظر لأمر الله وهو يقوم بأداء واجباته الشرعية کالمتشحط بدمه في سبيل الله لأنه في حالة أداء مهامه وفرائضه في أحلک الظروف وأصعب الحالات، وکما قال الإمام الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام: -... والمنتظر لأمرنا کالمتشحط بدمه في سبيل الله-.

ومن هنا يُمتحن الشيعة في فترة الغيبة بمدي صبرهم وانتظارهم للفرج، ولذا سميت الفئة المناضلة المجاهدة في سبيل الله الصابرة علي المصاعب والمشاکل المتحملة للشدائد والآلام، سميت في الروايات بالعصابة أو العصبة، لأنها حقاً متعصبة ومشدودة للعمل لا تصرفها المطامع والأهواء ولا تزحزحها المصاعب والأزمات بل تعتبر الفتن والمشاکل اختبارات وامتحانات، وعليهم أن يتحملوها لبناء أنفسهم أولاً ولنيل الدرجات في الآخرة ثانياً.

وفي حال تسلط الفجار والطغاة علي المتقين المؤمنين، وسيطرتهم علي الناس، فعلي الموحدين أن لا ييأسوا من تغير الظروف وتبدل الأحوال، وإن کانت الظلمات تعم الکرة الأرضية من الفجور والطغيان. فأمل حدوث تبدد الظلمات وتغير الحالات وحدوث الانقلابات في النفوس والقلوب أمر ممکن وقوعه في أي لحظة بإذن الله ما دام هناک جهاد ونضال وأمل في التغيير وانفراج للأوضاع بنصر من الله عز وجل، وهذا النصر سيأتي حتما والفرج سيحدث يقيناً بمشيئة الله سبحانه، وهذا وعد الهي لا تبديل فيه ولا خلف وان طال ليل الظلمات وحکومة الطغاة، ولکن علي المؤمنين العمل الدؤوب والجهاد المتواصل بانتظار هذا الفرج العظيم کما بشرنا به القرآن الکريم (وَلَقَدْ کَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء:105). وبشرنا به أهل البيت المطهرون عليهما السلام في أحاديثهم الشريفة التي نورد فيما يلي بعضاً منها وهي تبين فضيلة انتظار الفرج وکيف أنها من أفضل الأعمال وأحبها إلي الله سبحانه: