عظمة الإمام المهدي
بماذا تتحقق العظمة؟ هل تتحقق العظمة للإنسان بسيطرته علي الحکم وأخذ زمام الأمور؟ أم بکثرة جمعه للأموال والثروات وحصوله علي متاع الدنيا من الحرث والأنعام؟ أم أن العظمة تحصل للإنسان بقدر نيله للکمالات الروحية والفضائل الخلقية، وبکثرة تحقيقه للإنجازات الإصلاحية وتغيير أمته الفاسدة المتخلفة إلي أمة حضارية إيمانية متقدمة؟.
في الحقيقة إن الکمال الحقيقي للإنسان لا يکون إلاّ بالعلم والإيمان وبالأخلاق والإصلاح، ومن دون تحقيق ذلک يبقي النقص والتدهور ينخر بحياة الإنسان، فلا عظمة إلاّ بتحقيق تلک الکمالات وإيجاد تلک الخصائص والحصول علي تلک الدرجات العالية ولکن هناک عظمة تفوق عظمة تلک الکمالات الأخلاقية والعلمية بدرجات عالية جداً، ألاّ وهي عظمة القرب من الله عز وجل، والحصول علي مرضاته والوصول إلي المقامات والدرجات العظيمة عنده عز وجل. وليست العظمة في الوصول إلي المناصب الدنيوية، بل وحتي الدينية وإن کانت تملأ عيون الناس، کما وليست العظمة في کسب الثروة والمال والحصول علي متاع الدنيا من الحرث والأنعام.
إن العظمة الحقيقية في الحصول علي الملاکات الروحية والقوة النفسية بحيث يستطيع المرء أن يقف أمام عنفوان شهواته وأهوائه، ويملک غضبه وسخطه، ولا يتعدي حدود الله جلا وعلا. فالقوي من غلب هواه کما قال أمير المؤمنين عليه السلام، والشديد من ملک غضبه.
وبعبارة أخري إن العظمة في الوصول إلي المقامات الإيمانية، والدرجات العلمية والفضائل الخلقية، وکلما ارتقي المرء في درجات العلم والإيمان وتحلي بالأخلاق الرفيعة والملکات الروحية، ارتقت درجة عظمته وسمو نفسه وجلالة قدره.
وعلي ضوء هذا البيان نستطيع أن نعرف عظمة الرسول الأکرم وأهل بيته الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فالأنبياء العظام لما ارتقوا إلي معالي المقامات والدرجات السامية من العلم والإيمان، والزلفي عند العلي الأعلي کانت ترتفع درجة عظمتهم وتسموا مقاماتهم في أرقي درجات الکمال والسمو وفي أعلي درجات الجنان والعلو. ومن هنا نستطيع أن ندرک عظمة الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر عليه السلام بيد أنه لا يمکن الإحاطة بجميع أبعاد عظمة شخصية المبارکة لأن ذلک يستلزم معرفة جميع خصائصه وصفاته کما ويستلزم معرفة أبعاد تلک المقامات ودرک سمو تلک المنازل. بيد أننا نستطيع أن نتحدث عن جوانب ثلاث في شخصيته المبارکة، ألا وهي الجانب الأخلاقي، والجانب الإصلاحي، والجانب الرباني.
إن الإمام المهدي عليه السلام رغم عظمة شخصيته المبارکة إلاّ أنه في منتهي التواضع لکسب المعارف والحکم، فقد جاء في الحديث الشريف عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في بيان عظمة الإمام: - قد لبس للحکمة جُنتها وأخذها بجميع أدبها من الإقبال عليها والمعرفة بها والتفرغ لها، وهي عند نفسه ضالته التي يطلبها وحاجته التي يسأل عنها فهو مغترب إذا اغترب الإسلام وضرب بعسيب ذنبه-.
أجل، إن الإمام عليه السلام رجل عظيم، تلبس للحکمة جُنّتها... فهو يبحث عن الحق والحقيقة وعن الحکمة، فهو يسأل عنها ليقتطفها ويسبق الآخرين في العمل بها، فالحکمة ضالته المنشودة، حيث يترصد لها کل شاردة وواردة، بعکس ما يفعله الجاهلون، فالحکمة وعلي الرغم من أهميتها إلاّ أنها مهملة لا يعير الغافلون لها بالاَّ، فهي کالدرر المتناثرة بين أيديهم لا يعرفون قيمتها غير أنها ثمينة جداً لدي العلماء العارفين.
والإمام المهدي عليه السلام رغم ما عنده من المعارف والعلوم لا يغفل عن الحِکَم المودعة في الحياة وفي المخلوقات والمحکية علي الألسن والأعمال، فهو الإمام الهادي والولي المرشد، ورغم ذلک فهو لا يري نفسه فوق السعي نحو الحکمة، والمعارف والحِکَم الربانية، فهو الطالب لها والآخذ العامل بها، کما وهو المرشد لها والهادي إليها.
فالإمام هو النموذج المتکامل للحکم والمعارف، وهو الإمام المقتدي، فحياته وسلوکه وأقواله وأعماله وتصرفاته،کلها دروس للناس يتخذونها مشاعل للهداية ودساتير للسعادة. فإذا کان الإمام رغم ما لديه من المعارف الإلهية فهو أول الباحثين عن الحکمة والناشدين لها، فکيف يجب علي بقية الناس أن يتعاملوا مع الحکم والمواعظ؟ وکيف يلزم عليهم أن ينشدوها ويبحثوا عنها ويأخذوا بها؟
وحينما يتحدث الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عن الإمام المهدي - عجل الله فرجه- أنه الباحث عن الحکمة بحيث تکون ضالته المنشودة رغم ما لدي الإمام من المقامات والکرامات والمعارف والعلوم، فهو في الحقيقة يرشدنا في نفس الوقت إلي الأهمية القصوي لهذه الجوهرة الثمينة، المهملة عند الجهّال والغالية الثمينة لدي الأئمة والعلماء العارفين، فما أعظم هذا الدرس وما أبلغ هذه الموعظة، حقاً لو کانت الحکمة ضالة کل إنسان، ورجاء کل باحث، لکانت الحياة البشرية کلها حياة سعادة وأمن ورفاه. من هنا لم يکن حديث الله تعالي في القرآن إلاّ تأکيداً لهذا، حينما بيّنً عن أهمية الحکمة لمن ينالها في قوله تعالي: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ أوتِيَ خَيْراً کَثِيراً) (البقرة:269).
وإلي جانب التواضع والبحث عن الحِکَم فإن المقامات الأخلاقية السامية للإمام المهدي -عجل الله فرجه- تمثل امتداداً وتجسيداً حيّاً للخُلق المحمدي الرفيع، وقد تواترت الأحاديث الشريفة عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم وأهل بيته الأطهار عليهما السلام، بأن الإمام القائم - عجل الله فرجه- أشبه الناس بالرسول صلي الله عليه و آله و سلم - خلقاً وخُلقاً...
1- عن الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم: - يخرج رجل من أمتي يواطئ اسمه اسمي وخلقه خلقي فيملؤها عدلاً وقسطاً کما ملئت ظلماً وجوراً-.
2- وعن أمير المؤمنين عليه السلام: - ألا أنه أشبه الناس خلقاً وخلقاً وحُسناً برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم..-.
3- وعن الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم: - القائم من ولدي اسمه اسمي وکنيته کنيتي وشمائله شمائلي...-.
4- وعن الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم: - المهدي من ولدي اسمه اسمي وکنيته کنيتي أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً...-.
إتضح جلياً من خلال هذه الأحاديث الشريفة عن شمائل الإمام القائم - عجل الله فرجه- وأخلاقه السامية وسيرته المبارکة. ولکي تتضح لنا أبعاد هذه الشخصية المبارکة نقتطف بعضاً من مدي تأثير ذلک في مسيرة حرکته المبارکة والتفاف الناس حوله لما يرون من عطفه وعدله وشجاعته وجوده ووقوفه بوجه الظالمين وشدته في تطبيق الحق وإقامة العدل، وبالتالي فهو القاسم بالسوية والعادل في الرعية والمحقق للناس الأمن والسعادة والرفاهية.
ومن تلک الأحاديث المثنية والکاشفة عن عطف الإمام عليه السلام وکرمه وعدله ورحمته وشجاعته وتواضعه وخشوعه لله تعالي وغيرها من الشمائل والأخلاق المحمدية السامية، هذه النماذج العطرة:
1- عن الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم: - أبشرکم بالمهدي يبعث في أمّتي علي اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً، يرضي عنه ساکن السماء وساکن الأرض، يقسم المال صحاحاً... بالسوية بين الناس... ويملأ قلوب أمة محمد صلي الله عليه و آله و سلم غني ويسعهم عدله...-.
2- عن الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم - تأوي إليه أُمته کما تأوي النحلة (إلي) يعسوبها...-.
3- وعنه أيضاً صلي الله عليه و آله و سلم: - المهدي کأنما يُلعقُ المساکين الزبد-.
4- وعنه صلي الله عليه و آله و سلم: - علامة المهدي عليه السلام أن يکون شديداً علي العمال، جواداً بالمال، رحيماً بالمساکين-.
5- وعن أمير المؤمنين عليه السلام وهو ينسب الإمام المهدي - عجل الله فرجه- ويصفه: -... من بني هاشم، من ذروة طود العرب وبحر مغيضها إذا وردت، ومخفر أهلها إذا أتيت، ومعدن صفوتها إذا اکتدرت، لا يجبن إذا المنايا هکعت، ولا يخور إذا المنون اکتنعت، ولا ينکل إذا الکماة اصطرعت، مشمر مغلولب، ظفر ضرغامة... أوسعکم کهفاً وأکثرکم علماً وأوصلکم رحماً...-.
6- وعن الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم: - يبلغ من ردّ المهدي المظالم حتي لو کان تحت ضرس إنسان شيء انتزعه حتي يرده-.
7- وعنه أيضاً صلي الله عليه و آله و سلم: - إذا قام قائمنا اضمحلت القطائع فلا قطائع-.
8- وعن أمير المؤمنين عليه السلام، في حديث طويل تضمن في جانب منه الخصال التي يشترطها الإمام (المهدي عجل الله فرجه) علي أصحابه لقبول مبايعتهم له حيث يقول(عج): -... إنّي لست قاطعاً أمراً حتي تبايعوني علي ثلاثين خصلة تلزمکم لا تغيرون منها شيئاً، ولکم عليّ ثمان خصال... أنا معکم علي أن لا تُولوا ولا تسرفوا ولا تزنوا ولا تقتلوا مُحرّماً ولا تأتوا فاحشة ولا تضربوا أحداً إلاّ بحقه ولا تکنزوا ذهباً ولا فضة ولا تبراً ولا شعيراً ولا تأکلوا مال اليتيم ولا تشهدوا بغير ما تعلمون ولا تخربوا مسجداً ولا تقبحوا مسلماً ولا تلعنوا مؤاجراً إلاّ بحقه، ولا تشربوا مسکراً، ولا تلبسوا الذهب ولا الحرير ولا الديباج، ولا تبيعوها ربا، ولا تسفکوا دماً حراماً ولا تغدروا بمستأمن ولا تبقوا علي کافر ولا منافق وتلبسون الخشن من الثياب وتتوسدون التراب علي الخدود وتجاهدون في الله حق جهاده، ولا تشتمون، وتکرهون النجاسة وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنکر، فإذا فعلتم ذلک فعليّ أن لا أتخذ حاجباً ولا ألبس إلاّ کما تلبسون ولا أرکب إلاّ کما ترکبون وأرضي بالقليل وأملأ الأرض عدلاً کما ملئت جوراً وأعبد الله عز وجل حق عبادته وأوفي لکم وتفوا لي...-.
ولکي نطلع علي جوانب أخري من حياة الإمام - عجل الله فرجه- ودوره الفذ نلاحظ عظمة أخري تتلألأ في هذه الشخصية المبارکة، ألا وهي المسؤولية الکبيرة الملقاة علي عاتقه، وهي مهمة الإصلاح العالمي التي سيقوم بإنجازها، وهذا إن دل علي شيء فإنما يدل علي وجود خصائص وصفات عالية وفريدة في هذه الشخصية النادرة التي مکنته من تحمل هذه المسؤولية الکبيرة، ولولا وجود هذه الخصائص والصفات السامية في شخصيته المبارکة لما کانت هذه المهمة الصعبة توضع علي عاتقه، حيث أن هذه المهمة صعبة وشاقة تتطلب شخصية عظيمة بقدرها، ولولا وجود مثل هذه الشخصية لمثل هذه المهمة الکبيرة لما استطاع أحد القيام بهذا الدور الکبير ولهَوت البشرية نحو السقوط الجهنمي والنهاية المأساوية الفجيعة والتي هي النتيجة الطبيعية للعالم الذي تحکمه الأهواء والمصالح المتضاربة للدول والأنظمة المتصارعة للسيطرة علي المنابع والثروات. ولذا ادّخر الله وليه الأعظم لمثل ذلک اليوم العصيب قبل أن تدمّر الأسلحة الشاملة الفتاکة أرجاء المعمورة کلها لتخلص البشرية من النهاية المرعبة وتنقذ بقية المخلوقات والجمادات التي تنتظر الرحمة الإلهية من ذلک اليوم المروع الذي تسال الدماء في الشوارع والأزقة وتسقط الاشلاء علي جوانبها ويتحرک الطاعون يوزع غازاته السامة القاتلة ليصطاد الأحياء، عند ذاک يوحي الله تعالي لوليه الأعظم بالقيام بالنهضة المبارکة في أکبر مهمة إصلاحية، يقوم بها مصلح رباني عالمي لم يشهد التاريخ له مثيلاً من قبل إلاّ حينما بعث الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم قبل أربعة عشر قرناً.
فکما فتح الله تعالي لرسوله الأکرم حصون الشرک، يختتم سبحانه وتعالي بوليّه الأعظم عجل الله فرجه، معالم رسالته بتطهير العالم من آثار الشرک والفساد، وبهذا يتحقق مقالة الرسول الأکرم حينما قال: - بنا فتح الأمر، وبنا يختم، وبنا استنقذ الله الناس في أول الزمان، وبنا يکون العدل في آخر الزمان، وبنا تملأ الأرض عدلاً کما ملئت جوراً، ترد المظالم إلي أهلها برجل اسمه إسمي-
إذن فشخصية الإمام المنتظر -عجل الله فرجه- شخصية عظيمة تقترن بدور خطير ومهمة إصلاحية عالمية ثقيلة الحمل والمسؤولية بهدف إعادة البشرية إلي جادة الحق والهدي والصواب، وإنقاذها من براثن الفتن والفساد ومن السقوط في الهاوية الحتمية التي تسير نحوها بسرعة هائلة مدفوعة بمطامع الأهواء والشهوات وزيغ الأفکار والنظريات.
ولتسليط الضوء علي جوانب من هذه المهمة الکبيرة لهذه الشخصية المبارکة نقتطف باقة عطرة من الأحاديث الشريفة لأهل البيت عليهما السلام بهذا الخصوص.
1- عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: قلت يا رسول الله المهدّي منا أئمة الهدي أم من غيرنا؟ قال صلي الله عليه و آله و سلم: - بل منّا، بنا يختم الدين کما بنا فتح وبنا يستنقذون من ضلالة الفتنة کما استنقذوا من ضلالة الشرک وبنا يؤلف الله بين قلوبهم في الدين بعد عداوة الفتنة کما ألف الله بين قلوبهم ودينهم بعد عداوة الشرک-.
2- وعنه أيضاً عليه السلام،قال: - لما نزلت علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) (النصر:1) قال لي: يا علي إنه قد جاء نصر الله والفتح.. بل منّا، بنا يفتح الله وبنا يختم الله، وبنا ألف الله بين القلوب بعد الشرک وبنا يؤلف الله بين القلوب بعد الفتنة...-.
3- عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم: - …... لو لم يبقي من الدنيا إلاّ يوم واحد لطول الله ذلک اليوم حتي يبعث رجلاً صالحاً من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً کما ملئت ظلماً وجوراً-
4- عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم: -... ومنّا والذي نفسي بيده مهدي هذه الأمة الذي يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً-.
5- عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم: -... يقوم بالدين في آخر الزمان کما قمت به في أول الزمان، ويملأ الأرض عدلاً کما ملئت جوراً-.
6- وعنه أيضاً صلي الله عليه و آله و سلم: - لا تقوم الساعة حتي تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً. قال: ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي يملؤها قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً-.
7- عن أمير المؤمنين عليه السلام: -... يخرج في آخر الزمان يُقيم اعوجاج الحق..-.
8- عن الإمام الحسين عليه السلام: - مِنّا اثنا عشر مهدياً أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وأخرهم التاسع من ولدي وهو القائم بالحق، يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحق علي الدين کله ولو کره المشرکون...-.
9- عن الإمام الحسن عليه السلام: -... يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً وبرهاناً، يدين له عرض البلاد وطولها لا يبقي کافر إلاّ آمن به ولا طالح إلاّ صلح، وتصطلح في ملکه السباع وتخرج الأرض نبتها وتنزل السماء برکتها وتظهر له الکنوز...-.
10- عن الرسول الأکرم عليه السلام: - الأئمة بعدي اثنا عشر، أولهم أنت يا علي وآخرهم القائم الذي يفتح الله عز وجل علي يديه مشارق الأرض ومغاربها-.
11- عن أمير المؤمنين عليه السلام: - يعطف الهوي علي الهدي إذا عطفوا الهدي علي الهوي ويعطف الرأي علي القرآن إذا اعطفوا القرآن علي الرأي... يأخذ الوالي من غيرها عمّالها علي مساوئ أعمالها وتخرج له الأرض أفاليذ کبدها وتلقي إليه سلماً مقاليدها فيريکم کيف عدل السيرة ويحيي ميّت الکتاب والسنة-.
12- عن الإمام الباقر عليه السلام: - إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلي أمرٍ جديد کما دعا إليه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وإن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً کما بدأ فطوبي للغرباء-.
13- وعنه أيضاً عليه السلام: - يهدم ما قبله کما صنع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ويستأنف الإسلام جديداً-.
14- وعنه أيضا عليه السلام عندما سُئل عن القائم - عجل الله فرجه- بأي سيرة يسير، فقال: - بسيرة ما سار به رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حتي يظهر الإسلام... أبطل ما کان في الجاهلية واستقبل الناس بالعدل، وکذلک القائم عليه السلام إذا قام يُبطل ما کان في الهدنة مما کان في أيدي الناس ويستقبل بهم العدل-.
15- وعنه أيضاً عليه السلام: -... يعمل بکتاب الله، لا يري فيکم مُنکراً إلاّ أنکره-.
16- عن الإمام الحسن عليه السلام: - يُظهر الله قائمنا فينتقم من الظالمين..-.
17- عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم: - هو رجل من عترتي يقاتل علي سنّتي کما قاتلت أنا علي الوحي-.
18- وعنه أيضاً صلي الله عليه و آله و سلم: - يقفو أثري لا يخطئ-.
من خلال هذه الأحاديث الشريفة يتضح أن الإمام القائم - عجل الله فرجه- شخصية فذة وعظيمة وفريدة في خصائصها ونادرة في صفاتها وقدراتها ليس لها مثيل من نوعها، لذلک أُنيطت مهمة إنقاذ البشرية والإصلاح علي مستوي العالم أجمع بشخصيته المبارکة کما وتتجلي عظمة منقذ البشرية في آخر الزمان ومکانته السامية عند الله سبحانه، فالإمام عليه السلام ليس مجرد شخصية إصلاحية منقذة للعالم وحسب، بل انه شخصية ربانية عظيمة عند الله تعالي يأتي لتحقيق الوعد الإلهي باعتباره يمثل خلاصة الرسالات السماوية ومجسد حي وواقعي لدين الله عز وجل ليعلي کلمة الله سبحانه في الأرض، ومحقق لهدف کل الأنبياء في إنقاذ الناس من الضلالات والفتن والمهالک والمفاسد ويوصلهم إلي شواطئ الأمن والسعادة والرفاه في ظل حکومة الحق والعدل.
ولعل هذه المنزلة والمکانة المقدسة التي نالتها هذه الشخصية الربانية الفذة لم ينلها أحد من الأولين والآخرين، حيث اجتمعت في شخصيته المبارکة عظمة الدنيا والآخرة، وهذا ما لم يجتمع لأحد من العالمين في طول التاريخ من الرجال الربانيين ما عدي النبيَّين سليمان وذي القرنين، ومما لا شک فيه أن القائم - عجل الله فرجه- يعتبر أفضل وأسمي مقاماً منهما عند الله وإذا کانت عظمة الرسول الأکرم وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والسبطين والأئمة الأطهار (عليهم صلوات الله وسلامه) لم تنکشف في الدنيا لکل العالمين ولن تنکشف أبعادها الحقيقة إلاّ في الآخرة... إلاّ أن منزلة وعظمة الإمام المهدي - عجل الله فرجه- تظهر وتنکشف في الحياة الدنيا قبل عالم الآخرة، وهي ميزة تميز بها الإمام عن الأنبياء والرسل والأئمة الأطهار عليهما السلام، فتحقيق النصر الإلهي لدين الله سبحانه والوعد الإلهي باستخلاف المؤمنين والمستضعفين في الأرض وإتمام کلمة الله تعالي وإظهار دينه علي الدين کله ولو کره المشرکون وإقامة العدل والقسط... کل ذلک لم يتحقق بشکل کامل علي يد أي نبي أو رسول أو إمام أو وصي... ولن يتحقق إلاّ علي يد الإمام القائم - عجل الله فرجه- لما خصه الله تعالي من جلالة القدر وعظيم الشأن إجلالاً للرسول صلي الله عليه و آله و سلم وتکريماً لنسله المبارک من الأئمة الطاهرين وتتويجاً وتکريماً لجهوده الجبارة التي بذلها في سبيل إعلاء کلمته العليا، فهل هناک عظمة تتصور بأعلي من هذه العظمة بعد عظمة الرسول الأکرم وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والسبطين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؟
ولکي نعرف جانباً من إبعاد هذه الشخصية الربانية الفريدة نفرد بعض الأحاديث الشريفة عن أهل البيت عليهما السلام حتي نعرف سبب أفضلية الإمام علي باقي الأنبياء والأوصياء ما عدا الرسول الأکرم وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسن والحسين عليهم أفضل الصلاة والسلام.
1- فعن الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم: - ليلة اسري بي السماء قال لي الجليل جل جلاله: آمن الرسول بما انزل إليه من ربه، قلت: والمؤمنون. قال: صدقت يا محمد. قال: من خلفت في امتک؟ قلت: خيرها. قال: علي بن أبي طالب. قلت: نعم يا رب. قال: يا محمد إني اطلعت علي الأرض اطلاعة فاخترتک منها وشققت لک اسماً من أسمائي فلا اذکر في موضع إلاّ ذکرت معي فأنا المحمود وأنت محمد ثم اطلعت الثانية فأخترت منها علياً وشققت له اسماً من أسمائي فأنا الأعلي وهو علي. يا محمد إني خلقتک وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده من سنخ نوري وعرضت ولايتکم علي أهل السموات أهل الأرض فمن قبلها کان عندي من المؤمنين ومن جحدها کان عندي من الکافرين. يا محمد لو أن عبداً من عبيدي عبدني حتي ينقطع أو يصير کالشن البالي ثم أتاني جاحداً لولايتکم ما غفرت له حتي يقر بولايتکم. يا محمد تحب أن تراهم. قلت: نعم يا رب. فقال لي: التفت عن يمين العرش فألتفت فإذا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسي بن جعفر وعلي بن موسي ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهدي في ضحضاح من نور قياماً يصلون، وهو في وسطهم (يعني المهدي) کأنه کوکب دري. وقال: يا محمد هؤلاء الحجج، وهو الثائر من عترتک وعزتي وجلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي-.
2- عن الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم -... واختار من الحسين حجة العالمين تاسعهم قائمهم أعلمهم أحکمهم-.
3- عن الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم عن الله سبحانه وتعالي: -... وبالقائم منکم اعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتکبيري وتمجيدي وبه أطهر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائي وبه أجعل کلمة الذين کفروا بي السفلي وکلمتي العليا وبه أحيي عبادي وبلادي بعلمي وله (وبه) أظهر الکنوز والذخائر بمشيتي وإيّاه أظهره علي الأسرار والضمائر بإرادتي وأمدّه بملائکتي لتؤيده علي إنفاذ أمري وإعلان ديني، ذلک وليي حقاً ومهدي عبادي صدقاً-.
ان منزلة القائم - عجل الله فرجه- رفيعة وعظيمة لدرجة أن شخصية کبيرة مثل النبي موسي عليه السلام تتمني أن تکون لها هذه المنزلة وهذا الدور الرسالي العظيم فقد جاء في الحديث الشريف أنه - نظر موسي بن عمران في السفر الأول إلي ما يعطي قائم آل محمد من التمکين والفضل فقال موسي: رب اجعلني قائم آل محمد. فقيل له إن ذاک من ذرية أحمد. ثم نظر في السفر الثاني فوجد فيه مثل ذلک فقال مثله، فقيل له مثل ذلک. ثم نظر في السفر الثالث فرأي مثله فقال مثله، فقيل له مثله-.
فالإمام المهدي شخصية عظيمة مختارة من قبل الله عز وجل ليوم عظيم يجري الله علي يديه العدالة الإسلامية بحذافيرها ولا يستطيع أحد أو جماعة أو أمة أن تحقق العدالة والإصلاح علي وجه الکرة الأرضية بشکل شامل وکامل من دون تمييز وتفريق کما يقوم بها الإمام عليه السلام. فالإمام المهدي شخصية فريدة ومنتخبة من قبل السماء وسيشاهد العالم عن قريب - إن شاء الله - هذا الإصلاح العالمي الکبير الشامل لکل نواحي الحياة الإصلاح يکون بکل ما تحمل کلمة الإصلاح والعدالة والسعادة من معني وهذا ما يتمناه کل المستضعفين في الأرض، وإلي ذلک اليوم فالجميع بانتظار الرحمة الإلهية والعدالة الربانية علي يد المصلح العالمي الإمام المهدي القائم من آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم.