بازگشت

الفرق بين المعجزة و السحر


من هذا المنطق وعلي ضوء هذا البيان نتساءل کيف يمکن لنا أن نعرف المعجزة؟ وکيف نستطيع أن نميز بين المعجزة والسحر؟ وبعبارة أخري؛ ما هو الفرق بين المعجزة والسحر حتي نعرف الحقيقة علي وجهها؟

قبل الإجابة علي هذا السؤال علينا الإجابة علي السؤال التالي: هل المعجزة هو الإتيان بشيء يجذب الأنظار ويسحر العيون والأفکار؟! إذا کان الأمر هکذا فإن السحر يقوم بنفس هذا الدور کما قال الله عز وجل في القرآن الکريم عن سحرة فرعون: (قَالَ أَلْقُوا فَلَمّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) (الاعراف:116).

أم أن المعجزة أمر عظيم خارق للعادة وللطبيعة ولا يمکن أن يقاس بالسحر، والشعوذة وخطف الأبصار. فهما من واديان متفاوتان؟!

إنهما أمران مختلفان تماماً بل هما أمران متناقضان وذلک لأن المعجزة لها حقيقة وواقع بخلاف السحر والشعوذة حيث لا واقع لهما علي أرض الحقيقة. صحيح إن السحر والشعوذة يسحران العقول والأبصار إلا أنهما لا ينطلقان من أرض الواقع والحقيقة بل يقومان بتسخير العقول بطريقة الاستيلاء علي تخيلات الناس وتصوراتهم کما يقول عز وجل: (قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعَي) (طه:66). ولکن علي أرض الواقع ليست هناک حرکة ذاتية للحبال والعصي بل هناک تخيل للحرکة بواسطة الاستفادة من الزيوت والزئبق وأشعة الشمس في إظهار شکلية للحرکة والسعي، هذا أولاً.

وثانياً: إن المعجزة تحقيق أمر في الخارج بقوة إلهية خارقة للعادة بحيث لا يستطيع أحد من البشر القيام بها من دون المشيئة الإلهية کإعطاء الروح لهيکل طير مصنوع من الطين ثم جعله يطير في الهواء کبقية الطيور من دون اختلاف معها في واقع الطيران والحياة وهذا ما يحدثنا به القرآن الکريم عن معجزة النبي عيسي عليه السلام حينما صنع من الطين کهيئة الطير فنفخ فيه فکان طيراً بإذن الله تقول الآية الکريمة: (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ کَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَکُونَ طَيْراً بِإِذْنِي) (المائدة:110)

وقد تکون المعجزة بأعظم من هذا حيث أستخرج النبي صالح عليه السلام من الصخور والأحجار المتراصة بعضها علي بعض ناقة عظيمة لها الحياة والحرکة تعطي لأهل المدينة اللبن ما يکفيهم ليوم واحد في مقابل ما تأخذ منهم شرب ماء ليوم واحد.

فهل يمکن للسحرة والمشعوذين القيام بهذه المهمة العظيمة التي تفوق جميع قدرات السحرة من ذلک اليوم وإلي قيام الساعة؟ وهذه الحقيقة يستعرضها الکتاب المجيد في الآيات التالية: (وإِلَي ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا لَکُمْ مِن إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْکُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَکُمْ ءَايَةً فَذَرُوهَا تَأْکُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَکُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الاعراف:73)

وفي سورة الشعراء يتحدث القرآن عن الکافرين حيث قالوا لنبيهم صالح عليه السلام

(قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ الْمُسَحَّرِينَ - مَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِايَةٍ إِنْ کُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ - قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَکُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) (الشعراء 153-155).

(فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن کُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (الاعراف:77)

ثالثاً: إن المعجزة قد تتحقق في الخارج من دون أن يکون هناک عصا او طين أو جبل، بل تکون المعجزة من أمر لا وجود مادي کثيف له، بل المعجزة تستخرج من العدم إلي الوجود ومن لا شيء إلي شيء تماماً مثل ما أوجد الإمام الرضا عليه السلام أسدين مفترسين حين أمر بصورتهما المنقوشة علي الجدار أن يفترسا ذلک المشعوذ الذي کان يسخر من الرضا عليه السلام علي مائدة الطعام بخطف أقراص الخبز والطعام من أمام الإمام کلما قدم الإمام يده عليها في محاولة للاستهزاء به وبمقامه الرباني حتي أغضب الإمام، فأمر صورة الأسدين أن يخرجا إلي الواقع ويأکلا هذا المشعوذ الساخر، فخرجا أسدين مفترسين بإذن الله فأکلا المشعوذ عن بکرة أبيه حتي لحسا دمه من الأرض ثم ردهما الإمام إلي واقعهما بإذن الله کصورتين منقوشتين علي الجدار.

فهذه المعجزة التي حققها الإمام، أمام جميع الحاضرين الذين بلغت قلوبهم الحناجر خوفاً ورعباً من مشاهدة الأسدين الضاريين يفترسان المشعوذ ويلحسان دمه ثم عودتهما کصورتين عاديتين، هذا المنظر بهتهم وأرعبهم بل خرّ البعض مغشياً عليه وظل البعض الآخر مدهوشاً أمام هذا المنظر الرهيب وبدأت الأسئلة تدور في مخيلتهم:

کيف تحولت الصورة إلي حقيقة وواقع؟! وکيف تحولت الحقيقة إلي صورة منقوشة مرة ثانية؟ وأين ذهب الأسدان الحقيقيان؟ وأين ذهبت أشلاء الرجل حينما رجع الأسدان علي رسم الصورة؟ واللطيف في الأمر إنه عندما طلب المأمون العباسي من الإمام أن يرد الرجل المشعوذ إلي الحياة أجاب الإمام بما مضمونه أنه إذا ردت عصي موسي حبال سحرة فرعون رد الأسدان الرجل إلي وضعه السابق في بيان صريح للإمام بأن القضية حقيقية وليست شعوذة کما يفعله المشعوذون والسحرة، حيث يخيلون للناس أفعالهم ثم يظهر إنها تصوير وشعوذة وتظهر الأمور کما کانت سابقاً ولکن المعجزة حقيقة وواقع لا تلاعب ولا تسخير للأعين والأبصار فيها، وبعبارة أخري من العدم إلي الوجود ومن الوجود إلي العدم.

فمعجزة النبي موسي عليه السلام کانت لها حقيقة وواقع کذلک أکل الأسدين للرجل له حقيقة وواقع. فالعصي والأسدان من واقع واحد ومن لباب الحقيقة فهما من مصدر واحد تحقق بإذن الله لأنهما من مشيئة الله جل جلاله تحققت أحدهما علي يد نبي من أنبيائه والثانية علي يد وصي نبي آخر الزمان محمد صلي الله عليه و آله و سلم وهما معجزة إلهية وهذه المعجزة تتحقق کلما تعلقت بها المشيئة الإلهية في أي مکان وزمان لأن الله إذا أراد لشيءٍ أن يتحقق تحقق من دون أدني توقف (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ کُن فَيَکُونُ) (يس:82).

ومن هنا نعرف الفرق بين الحقيقة والسحر وبين المعجزة والشعوذة. فالمعجزة أمر من أمر الله عز وجل تتحقق بإذنه جل جلاله.

رابعاً: إن المعجزة تبقي علي تحديها إلي الأبد، فليس باستطاعة البشر القيام بمثلها إلي آخر لحظة من حياة الدنيا.

فالمعجزة هي ما تعجز البشرية جمعاء إلي آخر الدهر عن الإتيان بمثلها. فهل استطاع أحد أن يأتي بمثل ما أتي به النبي عيسي عليه السلام يخلق من الطين طيراً حقيقياً أو کالنبي صالح عليه السلام يستخرج ناقة من الجبل الأصم أو کالنبي موسي عليه السلام في تحويل العصي حية تسعي تأکل ما تشتهي أو کالإمام الرضا عليه السلام بإيجاد أسدين مفترسين من الصورة أو کالرسول العظيم محمد صلي الله عليه و آله و سلم بإتيان کتاب من الحروف العربية المتداولة ما يعجز البلغاء والعظماء أن يأتوا بمثله من تلک الفترة إلي الان بل وإلي قيام الساعة؟؟

فالمعجزة إذن، إعجاز أبدي لکل البشر بخلاف السحر والشعوذة. فکل ما قام به السحرة في السابق ممکن الإتيان به في الوقت الراهن، بل وحتي التطور العلمي والتفوق التکنولوجي الذي وصل إليه البشر في عصر الذرة والصاروخ يمکن الإتيان بمثله لبقية الناس، في ما إذا تتبعوا الأسباب والمسببات وحصلوا علي الإمکانيات والوسائل، فإذا أصبحت دولة کأمريکا مثلاً متطورة ومتفوقة علي بقية الدول وصنعت ما صنعت من الطائرات والصواريخ والقنابل والمصانع إلاّ أنها تبقي في حالة يمکن أن تصل إليها بقية الدول بل استطاعت دولة محتلة من قبل أمريکا نفسها ان تتقدم في بعض الأمور عليها وان تصنع أجهزة أکثر تطوراً وأفضل کيفية وتعقيداً کاليابان.

إذاً، التقدم العلمي ليس بمعجزة يعجز الآخرون من الإتيان بمثله. ولو بعد حين، أما المعجزة فهي ما کانت تعجز الناس عن الإتيان بمثله والقيام علي شاکلته.

خامساً: المعجزة تصرف في الکون وقهر للأسباب والمسببات يرفعها کيفما شاء وفي أي وقت شاء. أما التطور العلمي، والسحر، والشعوذة، فهذه الأمور هي في الحقيقة تجري وفق الأسباب والمسببات والاستفادة من السنن الکونية الموجودة. فالطيران هو استفادة من الهواء الموجود في الفضاء للتحليق واستعمال السنن في تطوير الأشياء وتسخيرها. أما المعجزة فهي قهر واضح للسنن فتحويل النار الملتهبة المحرقة إلي جنة خضراء عليلة الهواء بديعة الجمال قهر حقيقي للنار وتحويل قهري لها إلي برد وسلام، وسلب طبيعتها الحرارية الملهبة بجعلها تعطي البرودة والسلام، مع إنها لم تتغير حقيقتها النارية ومع ذلک فهي لا تحرق، ولا تلهب، بل تحتضن وتحافظ وتبرد وتنعش. وهذا أمر إعجازي لأنه قهر للحقيقة الملتهبة المحرقة وقهر للأسباب والمسببات فإذا کانت النار هي سبب في الإحراق کيف تتحول إلي سبب للبرودة والإنعاش، أليس هذا تصرف في حقيقة النار وقهر للأسباب والمسببات؟

أجل هکذا تکون المعجزة أنها قهر للأسباب والمسببات ويتحدث القرآن الکريم عن هذا القهر الإلهي للأسباب في قصة النبي إبراهيم عليه السلام حينما أمر سبحانه وتعالي النار أن تکون برداً وسلاماً علي إبراهيم عليه السلام: (قُلْنَا يَانَارُ کُونِي بَرْداً وَسَلاَماً عَلَي إِبْرَاهِيمَ) (الانبياءِ:69)

فالخطاب جاء من العلي الأعلي إلي النار أن تتحول إلي جنة خضراء وإلي برد وسلام من دون أن يسلب منها حقيقتهما الذاتية کنار مشتعلة.

فهذه خمسة علائم ممکن تقديمها لمعرفة المعجزة عن غيرها ونحن نستطيع أن نعرف الإمام المهدي عليه السلام حينما يأتي إلي الناس بما يأتي من المعاجز والآيات التي يعجز الناس أن يأتوا بمثلها، ولو ادعي البعض أن معاجزه عليه السلام سحر وشعوذة، مثلما ادعي فرعون أن معجزة النبي موسي سحر وکما ادعي الطواغيت أن معاجز الأنبياء هي السحر والشعوذة، وکما ادعت قريش أن معجزة الرسول الأکرم (القرآن الکريم) بأنها کلمات ساحر اکتتبها فهي تملي عليه بکرة وأصيلاً، أو اقتبس بعض آياتها من کتب اليهود والنصاري.. إلا أن الحقيقة تبقي ساطعة رغم أبواق الظالمين وتبقي المعجزة خالدة رغم صرخات المنافقين وتهريج المهرجين وافتراءات المکذبين.

ويبقي القرآن يتحدي البشرية والعرب بالخصوص علي الإتيان بمثله منذ أکثر من ألف وأربعمائة سنة من نزوله.

وبقي السؤال الأخير: ما هي معجزة الإمام المهدي - عجل الله فرجه-؟ لأنه لاشک إن لکل نبي وإمام معجزة للدلالة علي مدعاه بأنه مرسل من قبل الله فما هي معجزة الإمام المهدي عليه السلام أنه هو الإمام حقاً؟ إن للإمام معاجز کثيرة بل جاء في أحاديث عديدة أنه يأتي بمعاجز الأنبياء کلها لتثبت إمامته ورسالته وأنه الإمام المنتظر حقاً في محاولة واضحة لدحض أکاذيب الأعداء والمنافقين الذين ينکرون رسالته وزعامته إلا أن الظالمين يتهمونه بالسحر والشعوذة کلما أتي ببرهان وبمعجزة کما اتهموا الأنبياء والمرسلين. ومعاجز الإمام المهدي الذي يأتي شاب ابن أربعين سنة کما جاء في أحاديث أهل البيت عليه السلام تلک المعاجز أکبر دليل علي أنه الإمام رغم افتراءات علماء السوء عليه ورغم الأکاذيب والإفتراءات التي تطلق علي شخصيته المقدسة من قبل الفساق والفجار وإن يکن البعض منهم علي شاکلة رجال الدين فالإمام يحاربهم کما حارب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الخوارج. وقد جاء في أحاديث کثيرة عن أهل البيت عليهما السلام: إن هناک خوارج في آخر الزمان تخرج علي الإمام المهدي عليه السلام وبعضهم من وعاظ السلاطين الذين يفترون علي الإمام بمختلف التهم والأکاذيب، ويسخرون منه کما سخروا من قبل بجده المصطفي وأبيه المرتضي، وبابائه الأئمة الأطهار عليهما السلام.

إلاّ أنه - عجل الله فرجه- لا يعطي لهم مجالاً للإفساد وتضليل أفکار الناس فيسرع إلي مواجهتهم بالسيف بعد أن رفضوا منطق الحق والحقيقة فلا يعطيهم إلاّ السيف، ولن يکون هناک ملجأ لجاحد ولا منجي لمعاند، بل يقضي عليهم بشکل کامل فلا تقوم لهم بعد ذلک قائمة، وقد ورد ذکر هؤلاء الأعداء والخوارج في أحاديث أهل البيت عليهما السلام منها:

1- عن الإمام الباقر عليه السلام: -... فبينا صاحب هذا الأمر قد حکم ببعض الأحکام وتکلم ببعض السنن، إذ خرجت خارجة من المسجد يريدون الخروج عليه، فيقول لأصحابه انطلقوا فيلحقوا بهم في التمارين فيأتونه بهم أسري ليأمر بهم فيذبحون، وهي آخر خارجة تخرج علي قائم آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم -.

2- وعنه أيضاً عليه السلام: - إذا قام القائم عليه السلام سار إلي الکوفة فيخرج منها بضعة عشر ألفاً يُدعون التبرئة عليهم السلاح فيقولون له: ارجع من حيث جئت (فلا حاجة) لنا في بني فاطمة، فيضع السيف فيهم حتي يأتي علي أخرهم ثم يدخل الکوفة فيقتل فيها کل منافق مرتاب...-.

3- وعنه أيضاً عليه السلام: - إذا قام القائم عرض الإيمان علي کل ناصب فإن دخل فيه بحقيقة، وإلاّ ضرب عنقه أو يؤدي الجزية کما يؤديها اليوم أهل الذمة...-.

4- وعنه أيضاً عليه السلام: -... ويأمر الله الفلک في زمانه فيبطئ في دوره حتي يکون اليوم في أيامه کعشرة من أيامکم والشهر کعشرة أشهر والسنة کعشر سنين من سنينکم، ثم لا يلبث قليلاً حتي يخرج عليه مارقة الموالي برميلة الدسکرة عشرة آلاف شعارهم: يا عثمان يا عثمان، فيدعو رجلاً من الموالي فيقلده سيفه فيخرج إليهم فيقتلهم حتي لا يبقي منهم أحد...-.

5- وعن أمير المؤمنين عليه السلام، لمّا مرَّ بأهل النهروان وهم صرعي، فقال: - لقد صرعکم من غرکم. قيل من غرهم؟ قال: الشيطان وأنفس السوء. فقال أصحابه: قد قطع الله دابرهم إلي آخر الدهر. فقال: کلا والذي نفسي بيده، وإنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء، لا تخرج خارجة إلاّ خرجت بعدها مثلها، حتي تخرج خارجة بين الفرات ودجلة مع رجل يقال له الأشمط، يخرج إليه رجل منّا أهل البيت فيقتله، ولا تخرج بعدها خارجة إلي يوم القيامة-.

إذن هناک فئات من الناس من لا تذعن لدليل ولا لمعجزة فهم يرفضون الإمام - عجل الله فرجه- مهما کانت الحجج والمعاجز التي يقدمها لهم علي أنه المهدي المنتظر، لذلک تؤکد عشرات الأحاديث الشريفة علي شدة المهدي عليه السلام مع أعدائه وقتله الظلمة والمشرکين والمنحرفين.

أما الأدلة والمعاجز التي عنده عجل الله فرجه، والتي لا تدع لأحد من الناس أي مجال للطعن والتشکيک في إمامته عليه السلام، فهي عديدة، أشارت إليها أحاديث أهل البيت عليهما السلام، وهذا لا يعني أنه - عجل الله فرجه- سيقدم المعجزة تلو الأخري حسب أهواء الناس وطلبات هذا وذاک من الجهال والمعاندين، فمثل هذا الأمر لم يکن حتي مع الأنبياء والرسل، لأن المعاجز تتحقق بإذن الله تعالي لإلقاء الحجة علي المعاندين حسب إرادة الباري عز وجل لا حسب ما يريد ويشتهي بعض الناس. وکثيراً ما جاء الأنبياء والرسل بمعاجز کثيرة، مثلما طلب أقوامهم، ولکن مع ذلک بقي أولئک الأقوام علي کفرهم ورفضهم وتشکيکهم بتلک المعاجز واستهتارهم برسلهم بما أوجب نزول البلاء عليهم. أما ما يحدث للمعاندين والمستهزئين بالإمام فالعقاب الصارم من أنصار الإمام ومن ملائکة العذاب لا يتخطاهم لأن الحجة قد تمت عليهم بما ذکر من أوصاف الإمام عليه السلام وصفاته بشکل لا يمکن أن تجتمع تلک الأوصاف أو تکون في أحد غيره عليه السلام. کما أنه لا يمکن لأحد أن يأتي بمثل ما يقدّم من المعاجز والبينات.

والأحاديث في هذا الصدد کثيرة نذکر جملة منها:

1- عن الإمام الصادق عليه السلام: - ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء إلاّ ويُظهر الله تبارک وتعالي مثلها في يد قائمنا لإتمام الحجة علي الأعداء-.

2- عن الإمام الباقر عليه السلام: -... وإنما سُمّيَ المهدي مهدياً لأنه يهدي إلي أمرٍ خفي، ويستخرج التوراة وسائر کتب الله عز وجل من غار بأنطاکية، ويحکم بين أهل التوراة بالتوراة وبين أهل الإنجيل بالإنجيل وبين أهل الزبور بالزبور وبين أهل القرآن بالقرآن...-.

3- عن الإمام الصادق عليه السلام: لمّا سُئل عن الحجة علي من يَدّعي هذا الأمر، فقال: - يُسأل عن الحلال والحرام -ثم قال-: ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد إلاّ کان صاحب هذا الأمر: أن يکون أولي الناس بمن کان قبله، ويکون عنده السلاح، ويکون صاحب الوصية الظاهرة...-.

وبما أن الحجة - عجل الله فرجه- إمام معصوم وهو خليفة الله سبحانه فإنّه يکون له من العلم ما يُعجز العلماء والفقهاء وهو ملهم ومحَدَّث من الملائکة ومعه ميراث النبي وأهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين ومواريث الأنبياء من الکتب المنزلة، وعن ذلک يقول الإمام الصادق عليه السلام: - علمنا غابر ومزبور، ونکت في القلوب، ونقر في الأسماع، وإن عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض ومصحف فاطمة عليهاالسلام، وإن عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس إليه. فسئل عن تفسير هذا الکلام فقال: أما الغابر فالعلم بما يکون، وأما المزبور: فالعلم بما کان، وأما النکت في القلوب: فهو الإلهام، والنقر في الاسماع: حديث الملائکة نسمع کلامهم ولا نري أشخاصهم، وأما الجفر الأحمر: فوعاء فيه سلاح رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ولن يخرج حتي يقوم قائمنا أهل البيت، وأما الجفر الأبيض، فوعاء فيه توراة موسي وإنجيل عيسي وزبور داود وکتب الله الأولي، وأما مصحف فاطمة عليهاالسلام: ففيه ما يکون من حادث وأسماء کل من يملک إلي أن تقوم الساعة، وأما الجامعة: فهي کتاب طوله سبعون ذراعاً أملاه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، من فَلْقِ فيهِ وخط علي بن أبي طالب عليه السلام بيده، فيه والله جميع ما يحتاج الناس إليه إلي يوم القيامة، حتي أنَّ فيه أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة-.

4- عن المفضل بن عمر عن الإمام الصادق عليه السلام: - إن لصاحب هذا الأمر غيبتان، إحداهما يرجع منها إلي أهله، والآخري يقال: مات أو هلک في أي وادٍ سلک. قلت: کيف نصنع إذا کان کذلک؟ قال: إن ادّعاها مدعٍ فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله-.

ومن المعاجز التي يعطيها الله سبحانه للقائم، تسخير قوي الطبيعة له عليه السلام کما جاء في الروايات:

5- عن الإمام الباقر عليه السلام: -... يدعو الشمس والقمر فيجيبانه، وتطوي له الأرض، فيوحي الله إليه فيعمل بأمر الله-.

6- عن الإمام الباقر عليه السلام: - إن ذا القرنين کان عبداً صالحاً ناصح الله سبحانه فناصحه وسخّر له السحاب وطويت له الأرض وبُسط له في النور فکان يبصر بالليل کما يبصر بالنهار، وأن أئمة الحق کلهم قد سخر الله تعالي لهم السحاب وکان يحملهم إلي المشرق والمغرب لصالح المسلمين ولإصلاح ذات البين، وعلي هذا حال المهدي عليه السلام، ولذلک يسمي (صاحب المرئي والمسمع) فله نور يري به الأشياء من بعيد کما يري من قريب ويسمع من بعيد کما يسمع من قريب، وأنه يسيح في الدنيا کلها علي السحاب مرة وعلي الريح أخري وتطوي له الأرض مرة فيدفع البلايا عن العباد والبلاد شرقاً وغرباً-.

ومن مواريث الأنبياء التي يرثها الإمام عجل الله فرجه، بالإضافة إلي الکتب المقدسة، والتي ستکون من المعاجز التي يأتي بها عليه السلام، حجر وعصي موسي وخاتم سليمان.

7- عن الإمام الباقر عليه السلام: - کان (کانت) عصي موسي لآدم فصارت إلي شعيب ثم صارت إلي موسي بن عمران وإنها لعندنا وإن عهدي بها آنفاً وهي خضراء کهيئتها حين انتزعت من شجرها وإنها لتنطق إذا استنطقت، أُعدّت لقائمنا ليصنع بها کما کان موسي يصنع بها، وإنها لتروّع وتلقف...-.

8- وعنه أيضاً عليه السلام: - إذا قام القائم بمکة وأراد أن يتوجه إلي الکوفة نادي مناديه ألا لا يحمل أحد منکم طعاماً ولا شراباً، ويحمل حجر موسي بن عمران وهو وقر بعير، ولا ينزل منزلاً إلاّ انبعث عين منه فمن کان جائعاً شبع ومن کان ظمآن روي، فهو زادهم حتي نزلوا النجف من ظهر الکوفة-.

9- وفي رواية أخري عن الإمام الباقر عليه السلام: - إذا ظهر القائم عليه السلام ظهر براية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، وخاتم سليمان، وحجر موسي وعصاه... -.

10- وعن الإمام الصادق عليه السلام: - عصا موسي قضيب آس من غرس الجنة أتاه بها جبرئيل عليه السلام لمّا توجه تلقاء مدين، وهي وتابوت آدم في بحيرة طبرية، ولن يبليا ولن يتغيرا حتي يخرجهما القائم عليه السلام إذا قام-.

ومن المعاجز والقدرات العظيمة التي ستکون معه - عجل الله فرجه- ان الله يؤيده بالملائکة والجن الصالحين إضافة إلي أصحابه والمؤمنين به عليه السلام، ويؤيده بالرعب، حيث يخرج براية جده المصطفي صلوات الله عليه وآله وسلم، وکفي بها من معجزة حيث يکون النصر والإعجاز حليف هذه الراية المبارکة التي تسمي (الراية المغلّبة) فلا يهوي بها إلي شيء إلاّ أهلکته.

11- عن الإمام الباقر عليه السلام: - إن الملائکة الذين نصروا محمداً صلي الله عليه و آله و سلم يوم بدر في الأرض ما صعدوا بعد ولا يصعدون حتي ينصروا صاحب هذا الأمر وهم خمسة آلاف-.

12- عن الإمام السجاد عليه السلام: -... کأني بصاحبکم قد علا فوق نجفکم بظهر کوفان في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، جبرئيل عن يمينه وميکائيل عن شماله وإسرافيل أمامه، معه راية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، قد نشرها، لا يهوي بها إلي قوم إلاّ أهلکهم الله عز وجل-.

13- عن الإمام الباقر عليه السلام: - فکأني أنظر إليهم - يعني القائم عليه السلام وأصحابه- مصعدين من نجف الکوفة ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً کأن قلوبهم زبر الحديد، جبرئيل عن يمينه وميکائيل عن يساره، يسير الرعب أمامه شهراً وخلفه شهراً أمدّه الله بخمسة آلاف من الملائکة مسومين...-.

14- وعنه أيضاً عليه السلام: - أن القائم منا منصور بالرعب مؤيد بالنصر تطوي له الأرض وتظهر له الکنوز کلها...-.

15- وعنه أيضاً عليه السلام: -... کأني بقائم أهل بيتي قد أشرف علي نجفکم هذا -وأومأ بيده إلي ناحية الکوفة- فإذا أشرف علي نجفکم نشر راية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فإذا نشرها انحطت عليه ملائکة بدر. قلت: وما راية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ قال: عمودها من عمد عرش الله ورحمته وسايرها من نصر الله، لا يهوي بها إلي شيء إلاّ أهلکته...-.

16- عن أمير المؤمنين عليه السلام: -... يأتيه الله ببقايا قوم موسي عليه السلام ويجيء له أصحاب الکهف ويؤيده الله بالملائکة والجنّ وشيعتنا المخلصين...-.

کما وأن للإمام الحجة عليه السلام معاجز وبراهين کثيرة غير ما أوردناه نذکر بعضها -علي سبيل المثال لا الحصر- منها ما أشرنا إليه في مبحث (الإمام المهدي في القرآن) کمعجزة تجمع أصحابه عليه السلام علي غير ميعاد لمبايعته وما يُعطون من القدرة والقوة العظيمة، وکذلک إعطاء الإمام عليه السلام وأصحابه نعمة التوسم، حيث يعرفون عدوهم من أوليائهم، والصالح من الطالح والمؤمن من المشرک والمنافق، بما يعطيهم الله سبحانه من قدرة التوسم.

وکذلک أشرنا في المبحث ذاته إلي معجزة النداء باسم القائم عليه السلام، ولکون هذه العلامة من المعاجز الواضحة التي تشخص بوضوح أن القائم - عجل الله فرجه- هو الإمام المنتظر حقاً بشخصه الکريم، لا غيره من الناس أو المدّعين لهذا الأمر بحيث يکون النداء حجة دامغة علي المعاندين المنحرفين وعلي الناس أجمعين، لذا نورد فيما يلي نماذج أخري من الأحاديث الشريفة حول موضوع النداء.

17- عن الإمام الباقر عليه السلام: -... فيجمع الله عليه أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ويجمعهم الله له علي غير ميعاد قزعاً کقزع الخريف وهي يا جابر الآية التي ذکرها الله في کتابه (أَيْنَ مَا تَکُونُوا يَأْتِ بِکُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلَي کُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:148). فيبايعونه بين الرکن والمقام ومعه عهد من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وقد توارثته الأبناء عن الآباء، والقائم يا جابر رجل من ولد الحسين يصلح الله أمره في ليلة فما أشکل علي الناس من ذلک يا جابر فلا يشکل عليهم ولادته من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ووراثته العلماء عالماً بعد عالم فإن أشکل هذا کلّه عليهم فإنّ الصوت من السماء لا يشکل عليهم إذا نودي باسمه واسم أبيه وأمّه-.

18- عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام -... إن قدام هذا الأمر خمس علامات أولهن النداء في شهر رمضان... ولا يخرج القائم حتي ينادي باسمه من جوف السماء في ليلة ثلاثٍ وعشرين (في شهر رمضان) ليلة جمعة. قلت بم ينادي؟ قال: باسمه واسم أبيه: ألا أن فلان بن فلان قائم آل محمد فاسمعوا له وأطيعوه، فلا يبقي شيء خلق الله فيه الروح إلاّ يسمع الصيحة فتوقظ النائم ويخرج إلي صحن داره وتخرج العذراء من خدرها، ويخرج القائم ممّا يسمع وهي صيحة جبرئيل عليه السلام -.

وقد أکدت أحاديث أهل البيت عليهما السلام أن الآية الرابعة من سورة الشعراء هي في القائم - عجل الله فرجه- والنداء باسمه من السماء، وهي (إِن نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِنَ السَّمَاءِ ءَايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) (الشعراء:4).

19- عن الإمام الباقر عليه السلام: - نزلت في قائم آل محمد صلوات الله عليهم ينادي باسمه من السماء-.

20- وعن الإمام الصادق عليه السلام: - تخضع رقابهم يعني بني أمية وهي الصيحة من السماء باسم صاحب الأمر-.

21- عن الإمام الصادق عليه السلام: - أما إن النداء من السماء باسم القائم في کتاب لله لبين... إذا سمعوا الصوت أصبحوا وکأنما علي رؤوسهم الطير-.

22- وعنه أيضاً عليه السلام: - إن القائم لا يقوم حتي ينادي منادٍ من السماء يُسمع الفتاة في خدرها ويُسمع أهل المشرق والمغرب...-.

إذن المعاجز والآيات التي تکون للإمام المهدي عليه السلام عديدة وکثيرة وواضحة وبها تتم الحجة علي الأعداء، وعلي جميع الناس. فمع آية النداء باسمه الشريف، وإتيانه بالکتب المقدسة التي أنزلها الله تعالي علي الأنبياء والرسل، وعلمه الراسخ بها وبأحکامها، وحمله لمواريث الأنبياء والرسل وخاصة رسالة جدّه المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم، بل والمعاجز التي کانت للأنبياء والأوصياء من قبل الله تعالي، کما مرّ في حديث آنف الذکر، کل هذا وغيره تجعل من القدرات والمؤهلات والعلوم التي يحملها الإمام - عجل الله فرجه- شيئاً معجزاً وخارقاً لا يمکن أن يحملها إنسان غيره.

ولعل من هذا المنطلق يکون احتجاجه عليه السلام علي الناس حين يعلن دعوته ويدعو إلي نفسه ويبين أحقيته في أمر الإمامة والدعوة إلي الهدي والحق والعدل، ومدي استعداده وقدرته الخارقة في الإجابة عن أي سؤال أو استفهام من أي شخص وتقديم الأدلة القانعة أو المفحمة إليه، لذا ورد في الأحاديث أنه عليه السلام حين يقوم يخاطب الناس بأولويته بالأنبياء عن غيره بما اصطفاه الله عز وجل شارحاً ومبيناً منزلته وشرفه وعلمه وإثباتاً لصدق خلافته للأنبياء والرسل والأوصياء وأنه هو الإمام المهدي الموعود حقاً وصدقاً، فيقول عليه السلام: -... يا أيها الناس إنّا نستنصر الله فمن أجابنا من الناس؟ فإنّا أهل بيت نبيکم محمد ونحن أولي الناس بالله وبمحمد صلي الله عليه و آله و سلم، فمن حاجني في آدم فأنا أولي الناس بآدم ومن حاجني في نوح فأنا أولي الناس بنوح ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولي الناس بإبراهيم ومن حاجني في محمد عليه السلام فأنا أولي الناس بمحمد صلي الله عليه و آله و سلم، ومن حاجني في النبيين فأنا أولي الناس بالنبيين، أليس الله يقول في محکم کتابه: (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَي ءَادَمَ وَنُوحاً وءَالَ إِبْرَاهِيمَ وءَالَ عِمْرَانَ عَلَي الْعَالَمِينَ - ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (آل عمران:33-34)؟ فأنا بقية من آدم وذخيرة من نوح ومصطفي من إبراهيم وصفوة من محمد صلي الله عليهم أجمعين.

- ألا فمن حاجني في کتاب الله فأنا أولي الناس بکتاب الله، ألا ومن حاجني في سنّة رسول الله فأنا أولي الناس بسنّة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم...-.

ولذلک وصفه الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم بأنه وارث کل علم والمحيط به وأنه المخبر عن الله والمنتقم من الظالمين وغيرها من الأوصاف والخصائص المعجزة التي لن تکون إلاّ في هذه الشخصية الربانية العظيمة، حيث يقول صلي الله عليه و آله و سلم:

- معاشر الناس؛ النورُ من الله عز وجل فيَّ مسلوک، ثم في علي، ثم في النسل منه إلي القائم المهدي الذي يأخذ بحق الله وبکل حق هو لنا، لأن الله عز وجل قد جعلنا حجّة علي المقصرين والمعاندين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين. ألا إن خاتم الأئمة منا القائم المهدي، ألا إنه الظاهر علي الدين.ألا إنه المنتقم من الظالمين. ألا إنه فاتح الحصون وهادمها. ألا إنه قاتل کل قبيلة من أهل الشرک. ألا إنه مدرک بکل ثار لأولياء الله. ألا إنه الناصر لدين الله. ألا إنه الغراف في بحر عميق. ألا إنه يسم کل ذي فضل بفضله، وکل ذي جهل بجهله. ألا إنه خيرة الله ومختاره. ألا إنه وارث کل علم والمحيط به. ألا إنه المخبر عن ربّه عز وجل والمنبه بأمر إيمانه. ألا إنه الرشيد السديد. ألا إنه المفوض إليه. ألا إنه قد بشر به من سلف بين يديه. ألا إنه الباقي حجة ولا حجة بعده، ولا حق إلاّ معه، ولا نور إلاّ عنده. ألا إنه لا غالب له ولا منصور عليه. ألا إنه ولي الله في أرضه، وحکمه في خلقه، وأمينه في سره وعلانيته...-.

وبالمهدي من آل محمد والقائم من أهل بيت الرسول الأکرم وبالمعاجز التي يجريها الله عز وجل علي يديه تتم الحجة علي الناس، فمن آمن کان من الآمنين، ومن کفر کان من الهالکين فلا يبقي لأحد حجة بعد هذه الأدلة والمعاجز.

فهل هناک بعد هذا البيان من کلام؟ وهل هناک بعد هذه المعاجز من أعذار؟

وهل هناک بعد الهدي إلا الضلال؟ فماذا ينتظره المشککون؟ وماذا يعتذر به المکذبون؟!، وبأي وجه يقف المفترون عليه أمام الله والرسول يوم القيامة بعد هذا البيان والمعاجز والبراهين؟ وبأي کيفية يعتذر منه المنافقون والمکذبون يوم تنصب فيه الموازين بالقسط؟

فهل يقولون أنهم کانوا يشکون في شخصيته الرسالية لأن الإمام کان رجلاً عادياً يأکل مما يأکلون ويشرب مما يشربون ولم يتحققوا أنه الإمام المهدي حقاً رغم ما قدم من البراهين والأدلة؟!، أم تراهم يقولون أنهم کانوا في شک مما يدعوهم إليه؟ أو أنه جائهم بأمور لم يکونوا قد ألفوها وأعتادوا عليها من قبل؟ فهل ينفعهم بعد هذه الأدلة والمعاجز کل هذه الأقاويل والأعذار؟!