بازگشت

حديث الاصلاح


المنتظر متواتر عند کثير من أهل الشرائع الأولي، وأحاديث المهدي متواترة عن نبي الإسلام علي ألسنة طوائف المسلمين، وليس بعد هذا مساغ لنقد أسانيد الروايات کما يحاوله الدکتور؛ ويحاوله العلامة ابن خلدون من قبله، لأن صحة السند لا تشترط في الأحاديث المتواترة، هذا من الوجهة الفنية، أما مخالفة هذه الأحاديث للعقل، أو لهوي نفسي يسميه الدکتور أحمد أمين عقلا ً فهو شيء نبحث عنه في الآتي القريب.

أقول: أحاديث المهدي متواترة عند فرق المسلمين، لأن الذين رووا هذه الأحاديث طوائف کثيرة من أئمة المنقول، وحفاظ السنة، ودونها الأکثر منهم، وأفردها کثير منهم بالتأليف، وأشار إلي مضامينها البعض الآخرون.

ويقول العلامة ابن خلدون في الفصل الذي عقده في الفاطمي المنتظر من مقدمته «اعلم أن في المشهور بين الکافة من أهل الإسلام علي ممر الإعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت...» وفي هذا القول شهادة صريحة بشهرة الفکرة بين المسلمين علي ممر الإعصار وفيه إيماء تواترها، وإن کان هذا الإيماء من طرف خفي علي ما يقول المتقدمون.

ولکنه يعرض في فصله لأحاديث الفکرة فيتناولها بالنقد ولا يسلم عنده من أسانيدها إلا القليل؛ کأن صحة السند تعتبر في الخبر المتواتر؛ وکأنه أحاط بأخبار الفکرة جميعها، فإذا نقدها فقد خلت الفکرة من الدليل، ولو تتبع قليلا ً لعلم أن الفکرة أرفع من هذه المحاولات،وإن أدلتها غني عن تصحيح الأسانيد، وإلي القارئ قائمة صغيرة بعدد الأحاديث التي دونها الثقاة من رجال المنقول والتي عرضت لي أثناء بحثي القصير.

أربعون حديثا ً خرجها الحافظ أبو نعيم في کتابه (ذکر نعت المهدي) وقد رواها الأربلي في کتاب کشف الغمة بحذف الأسانيد0

ثمانية وثلاثون حديثا ً ذکرها ابن خلدون في مقدمته لينقد أسانيدها0

سبعون حديثا ًخرجها الحافظ محمد بن يوسف الکنجي في کتاب البيان 0 مائة وعشرة أحاديث رواها صاحب کتاب کشف المخفي في مناقب المهدي، وجميع رواة هذه الأحاديث من رجال المذاهب الأربعة ولو أردنا أن نضيف إلي تقدم الأعداد الصغيرة التي يذکرها المحدثون في مختلف أبواب الحديث لأصبح العدد ضخما ً جدا ً، وأي معني لتواتر الحديث إذا لم يکن منه هذا العدد الکبير. [1] .

ومن الحق أن نستثني من هذا العدد الأحاديث التي کررت بمتونها وأسانيدها، ولست أظن أنها تتجاوز الثلاثين وقد جمع في کتاب غاية المرام من هذا العدد مائة وخمسة وستين حديثا ً، وأورد في کتاب ينابيع المودة ما يتجاوز المائتين، ولنغمض عما ترويه الشيعة بطرقها الخاصة، فإن لهذه الروايات حسابا ً خاصا ً وهذه الأحاديث وإن لم

تشترک في لفظ واحد، إلا أنها تعبر عن فکرة واحدة.

أما العلماء الذين شهدوا بتواتر الحديث عن الفکرة فهم کثيرون جدا ً، وهذا جدول صغير بأسماء بعضهم.

1ـ افظ محمد بن يوسف الکنجي المتوفي سنة 658 في کتاب البيان.

2ـ أبو الحسين الآبري علي ما نقله ابن حجر في الصواعق ص99.

3ـ السيد مؤمن الشبلنجي في کتاب نور الأبصار ص231.

4ـ زيني دحلان المتوفي سنة 1304 في کتاب الفتوحات الإسلامية ص322.

5ـ ونقله هو في هذه الصحيفة عن السيد محمد بن رسول البرزنجي المتوفي سنة 1103.

6ـ السيد جمال الدين عطاء الله ابن السيد فضل الله الشيرازي المتوفي سنة 1000 نقله عن أکثر أهل الرواية.

7ـ أحمد بن محمد بن الصديق في رسالته إبراز الوهم المکنون.

8ـ الإمام الشوکاني المتوفي سنة 1250 في کتاب التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح، وقد نقل التواتر عن هذين الأخيرين الدکتور أحمد أمين في المهدي والمهدوية.

ولو ألقي الدکتور نظرة بسيطة علي صحيحي البخاري ومسلم، أو علي بعض الکتب الأخري التي تحدث عنهما لَعَلِمَ أن الإمامين قد خرجا بعض الأحاديث في المهدي کما خرجها الثقاة الآخرون، ولما شهد لهما بالفخار في صحيفة 41 لأنهما لم يرويا من هذه الأحاديث شيئا ً.

فقد حدّث الحافظ أحمد بن حجر الشافعي [2] عن مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجة، والبيهقي، وآخرين من علماء الحديث قول النبي وآله (المهدي من عترتي، من ولد فاطمة).

وخرج مسلم في باب نزول عيسي حاکما ً قول النبي وآله «کيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيکم وإمامکم منکم» ونقل الکنجي الشافعي في کتاب البيان مثل هذا عن البخاري أيضا ً، وروي مسلم «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون علي الحق ظاهرين إلي يوم القيامة، قال فينزل عيسي بن مريم فيقول أميرهم تعالي صل لنا، فيقولا لا إن بعضکم علي بعض أمراء تکرمة الله هذه الأمة»، وخرّج مسلم أحاديث الخليفة الذي يحثو المال حثوا ً في آخر الزمان.

وإذا کان بعض هذه الأحاديث لا يحمل اسم المهدي فإنه يذکر من صفاته ونعوته ما يرفع اللبس ويزيل التوهم.

والدکتور قد اعتمد في شهادته هذه علي بحث العلامة ابن خلدون للموضوع، لأنه لم يروَ للإمامين حديثا ً صريحا ً، ونقد أحاديث مسلم في الخليفة الذي يحثو المال حثوا ً بأنها لم يقع فيها تصريح بذکر المهدي، ولا دليل يقوم علي أنه هو المراد من هذا الخليفة.

ومن الإحصاء المتقدم نعلم مقدار الجهد الذي بذله ابن حجر إحصاء روايات المهدي حين وجدها نحو الخمسين، ونعلم أيضا ً أن لفظة المهدي ولفظة المنتظر ليستا من مؤسسات الشيعة، ولا من مخترعات المختار ابن أبي عبيد کما يراه الدکتور وهذا رأي قد لا يوافقه عليه ابن خلدون، ولکن الدکتور يحاول أن يخضع الحقائق لرأيه الخاص ثم يعتذر عما يقول بأنه من المؤرخين وأن الفرق واضح بين باحث يبحث المسائل من حيث تاريخها، وبين داع يخطب في تأييد مذهب أو نقده علي أن التأريخ يأبي له هذا الاستنتاج أيضا ً وسنينه فيما بعد.

والناظر في الصحيفة المتقدمة من کتاب المهدي والمهدوية، يقرأ فيها تهمة جريئة يوجهها الأستاذ إلي حفاظ السنة وأکابر المنقول من رجال الصحاح والجوامع التي لا يختلف في توثيقها أهل السنة.

ولعل هذا النوع من اتهام کتب الحديث خطوة يخطوها الأستاذ إلي التجدد الذي يذکره في بعض فصول الکتاب، وإن کان في خطوته هذه من المحافظين علي ما يظهر لأنه يشهد بالفخار للصحيحين.

وقد تسرّبت هذه الطريق الفنية من النقد إلي کثير من کتاب الجيل, وهم يقصدون بهذا تسهيل طريق الإنکار إذا ألجأتهم الضرورة إلي إنکار بعض الحقائق.

وقد رأينا مثل هذه الطريقة للعلامة ابن خلدون في فصله المتقدم، ولعل هذه الحرية في ابن خلدون هي التي حببت إلي الدکتور متابعته في کثير مما کتب حتي في هذه التفرقة البسيطة بين المؤرخ والداعي الخطيب، والدکتور علي ما يظهر شديد الاتصال بروح العلامة بروح العلامة ابن خلدون، وشدة الاتصال هذه تثمر وحدة في الرأي تسمي موافقة في الطبقة العالية من الأدباء، وتسمي تقليدا ً في الأدباء الآخرين، وکأن کتاب المقدمة هو المصدر الأول للدکتور، حتي فيما ينسبه إلي الشيعة من العقائد.

وخلاصة ما تقدم أن أحاديث المصلح المنتظر متواترة عند أهل الشرائع الأولي وأحاديث المهدي المنتظر متواترة بين فرق المسلمين کافة، ومتواترة عند فرقة الشيعة خاصة.

وبعد هذا کله فإن الشيعة الإثني عشرية لم تأخذ عقيدتها بوجود المهدي من هذه الأحاديث فقط، وإن کانت متواترة، والتواتر من أهم أسباب اليقين.

ولکن الشيعة الإثني عشرية تعتقد بوجوده وبضرورة بقائه لأدلة قطيعة أخري وراء الأحاديث المتواترة، وهذا ما نعرض له في الفصول اللاحقة.


پاورقي

[1] لاحظنا في تعداد الأحاديث اختلاف المتن أو السند ولو ببعض الوسائط إذا کان هذا الاختلاف يصحح جعلها روايتين، وقد رأينا الحافظ أبا نعيم يروي بعض الأحاديث بطرق کثيرة تتجاوز الخمسين طريقا ً ويروي بعضها بثمانية طرق وبعضها عن جمّ غفير.

[2] انظر صحيفة 97 من کتاب الصاعق المحرقة.