بازگشت

المصلح المنتظر في أحاديث الأديان


لا يشک أحد أن فکرة الإصلاح المنتظر قديمة بقدم الزمان، وإنها ليست من متفردات دين الإسلام، ولا من مؤسسات نبي الإسلام (ص) لأنا نجد الأديان السماوية التي سبقت الإسلام في الزمن تبشر بهذه الفکرة، وإن لم تُسمّ المصلح المنتظر مهديا ً ولا دعوته الإصلاحية مهدوية.

ولسنا نشترط عليها ذلک بعد أن علمنا أن لکل أمة عرفا ً، ولکل لغة مصطلحات ولا تزال هذه الفکرة باقية فيما بقي من فرق هذه الأديان؛ فَفِرق اليهود، وطوائف النصاري لا تختلف في ذلک.

وقد سَرَت هذه الفکرة إلي غيرهم من الأديان الأخري کالزرادشتية، والبرهمية، والدکتور يعترف ببعض ذلک في کتابه [1] وإن کانت أُمم الشرق أکثر تمسکا ً بالفکرة لأن الشرقيين أکثر أملا ً، والغربيين أکثر عملا ً، کما يقول الدکتور في مقدمته ولذلک فلا يمکننا التصديق بأن هذه الفکرة وليدة الضغط الشديد الذي واجهته الشيعة من الحکومات القائمة، ولا يسعنا أن نقول أن تأريخ الفکرة متأخرة عن تاريخ الإسلام کما يحاوله الأستاذ.

والنتيجة المنطقية لما تقدم: أن فکرة الإصلاح المنتظر کانت مألوفة قبل مجيء الإسلام، وأن نبي المسلمين إذا صحّت أحاديث المهدي أحد المبشرين بهذه الحرکة الإصلاحية الموعودة، وأن کان أشدّهم صلة بها، وأکثرهم حبا ً لها، من ناحية أخري، من حيث أنها ثمرة کاملة لغرسه، ونتيجة تامة لمقدماته.

أقول هذا، لأن دين الإسلام قد أحال أن يکون بعده دين جديد.

وإذا تطابقت هذه الأديان علي التحدث بهذه الفکرة وإذا کانت مرتقبة عند أُمم الشرق وأُمم الغرب کان الحديث عنها متواترا ً يقينا ً، وإذا صح للتواتر معني يستمد عليه العقلاء [2] وهو يجوز لنا أن نحکم علي هذه الأمم جميعا ًإنها تواطأت علي الکذب، وهذا ما لا يقبله عقل، ولا يحتمله عاقل، ولم يشترط أحد في الخبر المتواتر أن يکون نبأ ًعن الماضي [3] ولتکن هذه الفکرة موافقة لميول الناس العامة أو مخالفة لها، لأن موافقة الميول لا يمکن أن تجعل دليلا ص علي کذب فکرة أو صدقها، ولا برهانا ً علي وضع الأحاديث فيها، ولا يعد هذا من أساليب النقد العلمي، إلا أن تکون للنقد موازين أخري لا يعرفها العلم.


پاورقي

[1] انظر صحيفة 6 وصحيفة 20 من المهدي والمهدوية وانظر صحيفة 5 و 6 و81 من الترجمة الفارسية لکتاب (المهدي في ثلاثة عشر قرنا ً) تأليف المستشرق الفرنسي الأستاذ (خاورشناس دار مستتر).

[2] التواتر شيوع في الخبر، واستفاضة في نقله، إذا أدت هذه الاستفاضة إلي اليقين بصدق الخبر، وأحال العقل تواطؤ المخبرين علي الکذب فيه، والعقلاء يعتقدون أن التواتر من أهم أسباب اليقين بالأشياء، ويدّون الخبر المتواتر من الضروريات التي يصدقها العقل بنظرته الأولي، وإذا نظرنا أهم الوقائع في التأريخ وجدنا أن العلم بها إنما يحصل لنا من الخبر المتواتر، ولکن من الحق أن نشترط لحصول العلم من الخبر المتواتر شرطا ً آخر وراء ما تقدم، وهو أن يکون ذهن السامع خاليا ً من عقيدة أو شبهة تناقض الخبر؛ ولذلک قد لا يحصل لنا العلن بواقعة من وقائع التأريخ، وإن کانت متواترة بين المؤرخين.

ومن أمثلة ذلک تشکيک الدکتور طه حسين بوجود بعض الشخصيات الأدبية، وإن أصرّ علي وجودها المؤرخون والواجب في مثل هذا أن ينظر الناقد مقدار قيمة تلک الشبهة أو العقيدة من البرهان العلمي.

[3] يقول العلامة (علي نب أبي علي بن محمد الأمدي) المتوفي سنة 631 هجرية في الجزء الثاني من کتابه

(الأحکام في أصول الأحکام) ص44 «شرطت الشيعة وابن الراوندي وجود المعصوم في خبر المتواتر، حتي لا يتفقوا علي الکذب وهو باطل...» ومن حق الشيعة أن تسأل العلماء الذين يشهدون للآمدي بالوثاقة ويصفونه بالتثبت عن مصدر هذه النسبة، أي کتب الشيعة يشترط هذا الشرط، وعن أي علمائهم ينقل؛ أنها نسبة کاذبة من دون ريب، والشيعة تشترط وجود المعصوم في حجية الإجماع، والإجماع غير الخبر المتواتر، ولکن الآمدي رحمه الله (أضاع ثقب الدعاء) کما يقول المثل الفارسي.