بازگشت

التوصية


التوصية الاول:

أنّ الحاسم للشبهة والقاطع للريب في صيحات أدعياء حرکة الظهور هو الصيحة السماويّة والنداء من السماء باسم المهدي عجل الله فرجه، والأنباء بأنّه قد ظهر، وخروج السفياني واستيلاءه علي الشام.

التوصية الثانية:

عدم ترشيح الروايات الواردة عنهم عليهم السلام في اليماني أو الحسني أو شعيب بن صالح؛ لکونهم يحملون صفة نيابة خاصّة أو تمثيل رسمي من قِبل الإمام عجل الله فرجه، عدا ذو النفس الزکيّة وتمثيله عن الحجّة عجل الله فرجه هو بعد الصيحة وخروج السفياني، وفي غضون خمس عشرة ليلة. فهذه توصيتان بالغتان في الأهمّية، وهناک توصيات اُخر في مجال الظهور تشير إليها الروايات الواردة عنهم عليهم السلام.

التوصية الثالثة:

أنّ هناک سلسلة ومجموعات سوف تنتحل وتتقمّص اسم المهدويّة والأسماء المشارکة في حدث الظهور، وظاهر الروايات أنّ الانتحال تارة بنحو الاسم العلمي، واُخري الاسم النعتي والوصفي، منها:

ما رواه الصدوق في إکمال الدين بسند معتبر عن المفضّل بن عمر الجعفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «إيّاکم والتنويه، أما والله ليغيبنّ إمامکم سنيناً من دهرکم، وليمحّص حتّي يقال مات أو هلک، بأيّ وادٍ سلک، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، ولتکفأنّ کما تکفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه، وکتب في قلبه الإيمان، وأيدّه بروح منه، ولترفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يدري أيّ من أيّ»، قال: فبکيت، فقال لي: «ما يبکيک يا أبا عبد الله؟»، [1] فقلت: وکيف لا أبکي وأنت تقول: ترفع اثنتا عشر راية مشتبهة لا يدري أيّ من أي، فکيف نصنع؟ قال: فنظر إلي شمس داخلة في الصُّفّة، فقال: «يا أبا عبد الله، تري هذه الشمس؟»، قلت: نعم، قال: «والله! لأمرنا أبين من هذه الشمس». [2] .

ورواه الطوسي في الغيبة بسنده أيضاً، [3] والنعماني بطريقين آخرين، [4] ومفاد الرواية ظاهر بيّن في نشوء حرکات ترفع شعار الإصلاح، وتتقمّص مشروع المهدويّة اسماً أو وصفاً، ومن ثمّ يشتبه الحال والأمر فيها، إلاّ أنّه (عليه السلام) حدّد ضابطة في استعلام نهضتهم عليهم السلام، وهو ظهور المهدي عجل الله فرجه هو وضوحها وعدم حصول الالتباس فيها، وذلک لتقاربها مع العلامات الإلهيّة والآيات، کالصيحة السماويّة، والخسف بالبيداء لجيش السفياني بعدما يستولي السفياني علي الشام، کما أنّ الرواية تنذر بوقوع الامتحان والتمحيص في أتباع أهل البيت عليهم السلام في عصر الغيبة، وأنّه لن يبقي علي ولايتهم عليهم السلام إلاّ من کتب الله تعالي له الاستقامة.

ومنها: ما رواه الشيخ الطوسي في الغيبة في المعتبر عن أبي خديجة، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لا يخرج القائم حتّي يخرج اثني عشر من بني هاشم، کلّهم يدعو إلي نفسه». [5] .

ورواه المفيد في الإرشاد أيضاً. [6] .

ولا غرابة في نهوض حرکات يقودها إصلاحيون منتسبون إلي بني هاشم، إلاّ أنّ واقع مسيرتهم هي للقبضة والسيطرة علي الحکم، کما حصل من قبل من بني العبّاس، فإنّهم منتسبون إلي بني هاشم، وکان شعارهم هو الرضا من آل محمّد عليهم السلام، أي مقاومة الظلم الجاري علي أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم، إلاّ أنّهم لمّا سيطروا علي الحکم أصبحت حاکميّتهم ونظام حکمهم هو المحور والمدار والهدف الأقصي، ولا يتقدّم علي أهمّيته أيّ شيء آخر. ومن المفارقات العجيبة أن يشاهد أنّ المنصور الدوانيقي العبّاسي ـ المعروف بالفتک والبطش بالعلويّين وبأهل البيت عليهم السلام لخوفه من نفوذهم الذي يضعف حکومته ونظامه السياسي ـ ينادي بشعار نصرة المهدي من أهل البيت عليهم السلام، ويقوم بنشر علائم ظهوره، فقد روي الطوسي في الغيبة، والمفيد في الإرشاد، والکليني في الکافي بطرقهم عن إسماعيل بن الصباح، قال: سمعت شيخنا يذکره عن سيف بن عميرة، قال: کنت عند أبي جعفر المنصور، فسمعته يقول ابتداءً من نفسه: «يا سيف بن عميرة، لا بدّ من منادٍ ينادي باسم رجل من ولد أبي طالب من السماء»، فقلت: يرويه أحد من النّاس؟

قال: «والذي نفسي بيده، لسمع اُذني منه يقول: لا بدّ من منادٍ ينادي باسم رجل من السماء»، قلت: يا أمير المؤمنين، إنّ هذا الحديث ما سمعت بمثله قطّ، فقال: «يا سيف، إذا کان ذلک فنحن أوّل من يجيبه، أما إنّه أحد بني عمّنا»، قلت: أي بني عمّکم؟ قال: «رجل من ولد فاطمة عليها السلام»، ثمّ قال: «يا سيف، لولا أنّي سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ يحدّثني به ثمّ حدّثني به أهل الدنيا ما قبلت منهم، ولکنّه محمّد بن عليّ». [7] .

فتري المنصور العبّاسي مع استبداده في حکمه السياسي يتقمّص شعار أنصار الظهور.

وروي الکليني بسند معتبر عن الحسين بن أبي العلاء، قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنّ عندي الجفر الأبيض»، قال: قلت: فأيّ شيء فيه؟ قال: «زبور داود، وتوراة موسي، وإنجيل عيسي، وصحف إبراهيم (عليه السلام)، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أنّ فيه قرآناً، وفيه ما يحتاج النّاس إلينا، ولا نحتاج إلي أحد حتّي فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة، وأرش الخدش، وعندي الجفر الأحمر»، قال: قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر؟ قال: «السلاح؛ وذلک إنّما يفتح للدم، يفتحه صاحب السيف للقتل»، فقال له عبد الله بن أبي يعفور: أصلحک الله، أيعرف هذا بنو الحسن؟ فقال: «إي والله! کما يعرفون الليل إنّه ليل، والنهار إنّه نهار، ولکنّهم يحملهم الحسد، وطلب الدنيا علي الجحود والإنکار ولو طلبوا الحقّ بالحقّ لکان خيراً لهم». [8] .

والظاهر أنّ المراد من قول السائل: «أيعرف هذا بنو الحسن»، الإشارة إلي أنّ المهدي عجل الله فرجه هو صاحب النهضة المسلّحة العسکريّة للإصلاح، وأنّهم إذا کانوا يعرفون، فلماذا يتقمّصون ويرفعون شعار المهدويّة کما ادّعي ذلک بعضهم في ثورته المسلّحة التي قام بها ضدّ حکومة العبّاسيّين، وادّعي بعضهم أنّه ذو النفس الزکيّة أيضاً، وهو ممّا يرتبط بالظهور للمصلح الموعود الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، مع أنّ بني الحسن أقرب رحماً في بني هاشم لأهل البيت عليهم السلام من بني العبّاس، وقال (عليه السلام): ولکنّهم مع معرفتهم بذلک طلبوا الحقّ، وهو مقاومة ظلم بني العبّاس، وطلبوا الإصلاح بغير الحقّ، أي بطريق خاطئ بغير الاُسلوب الذي رسمه أهل البيت عليهم السلام لهم، بل أخذوا يتقمّصون دور المهدي عجل الله فرجه.

ونظير الرواية المتقدّمة التي رواها الطوسي في الغيبة والمفيد في الإرشاد ما رواه المفيد في الإرشاد أيضاً في موضع آخر في علائم الظهور: «وخروج ستّين کذّاباً کلّهم يدّعي النبوّة، وخروج اثنا عشر من آل أبي طالب، کلّهم يدّعي الإمامة لنفسه». [9] .

وروي النعماني في الغيبة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: «لا يقوم القائم (عليه السلام) حتّي يقوم اثنا عشر رجلاً کلّهم يجمع علي قول إنّهم قد رأوه، فيکذِّبهم»، [10] أي يکذّبهم القائم عجل الله فرجه بعد قيامه، والتعبير بـ «يقوم اثنا عشر رجلاً»، أي ينهضون بحرکات إصلاحيّة متقمّصة لدعوة التنسيق والارتباط مع المهدي عجل الله فرجه. نعم في البحار [11] روي المجلسي الرواية عن النعماني بلفظ «فيکذِّبوهم»، أي فيکذّب النّاس دعوي هؤلاء الرجال الاثني عشر الذين يقومون بحرکات أنّهم مرتبطون في برنامج حرکتهم بنهوض المهدي (عليه السلام) الإصلاحي للعالم البشري.

وفي رواية النعماني معتبرة عن أبي خالد الکابلي، قال ـ في حديث سؤاله عن أوصاف المهدي عجل الله فرجه ـ قال له محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام): «فتريد ماذا يا أبا خالد؟» قلت: أُريد أن تسمّيه لي حتي أعرفه بإسمه؟ فقال: «سألتني يا أبا خالد سؤال مجهد، ولقد سألتني عن أمر ما کنت محدّثاً به أحداً، ولو کنت محدّثاً به أحداً لحدّثتک، ولقد سألتني عن أمر لو أنّ بني فاطمة عرفوه حرصوا علي أن يقطعوه بضعة بضعة». [12] .

التوصية الرابعة:

الواردة في روايات الظهور: النهي عن التوقيت، وتکذيب من يوقّت، وأنّ وقت الظهور هو من الغيب المستور، بل إنّ في جملة من الروايات الاُخري أنّ العلامات الحتميّة أيضاً ممّا قد يقع فيها البداء، أي وإن وقعت فقد لا تکون علامة موقتة لظهوره بخلاف أصل ظهور المهدي عجل الله فرجه، فإنّه لا بداء فيه لأنّه من الميعاد.

وهذا ممّا يبطل شعار أدعياء فرسان الظهور، ويحبط دجل المتقمّصين لأسماء مسرح الظهور؛ إذ التوقيت وضرب الموعد من الاُمور المحرجة لمن يدّعي تلک الأسماء؛ إذ بتوسّط فخّ التوقيت يصطاد السذّج، ويطلي الحيلة علي المغفّلين، وبذلک يوقع المدّعي نفسه في الفخّ.

منها: ما رواه النعماني بسند معتبر عن محمّد بن مسلم، قال: قال: أبو عبد الله (عليه السلام): «يا محمّد، من أخبرک عنّا توقيتاً فلا تهابنّ أن تُکذّبه، فإنّا لا نوقّت لأحد وقتاً». [13] .

وروي عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: «أبي الله إلاّ أن يُغلق وقت الموقّتين». [14] .

وعن ابن أبي بکر الحضرمي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنّا لا نوقّت هذا الأمر». [15] .

ومنها: ما رواه أيضاً عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: جعلت فداک، متي خروج القائم (عليه السلام)؟ فقال: «يا أبا محمّد، إنّا أهل بيت لا نوقّت، وقد قال محمّد صلي الله عليه وآله: کذّب الوقّاتون، يا أبا محمّد، إنّ قدّام هذا الأمر خمس علامات: أولاهن النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني، وقتل النفس الزکيّة، وخسف بالبيداء،... ولا يخرج القائم حتّي ينادي باسمه من جوف السماء في ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان ليلة جمعة»، قلت: بِمَ ينادي؟ قال: «باسمه واسم أبيه، ألا إنّ فلان ابن فلان قائم آل محمّد، فاسمعوا له وأطيعوه، فلا يبقي شيء خلق الله فيه الروح إلاّ يسمع الصيحة، فتوقظ النائم ويخرج إلي صحن الدار، وتخرج العذراء من خدرها، ويخرج القائم ممّا يسمع، وهي صيحة جبرئيل (عليه السلام)». [16] .

وصريح هذه الرواية کما هو صريح الروايات المستفيضة بأنّ عدم التوقيت لظهور المهدي عجل الله فرجه من الاُمور الثابتة في مذهب أهل البيت عليهم السلام، وأنّ تحديد الظهور منحصر بالعلامات الحتميّة للظهور فقط، وأبرزها الصيحة السماويّة، وخروج السفياني في الشام.

وروي النعماني عن اُستاذه الکليني في المعتبر عن عبد الرحمن بن کثير، قال: کنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه مهزم فقال له: جعلت فداک، أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظره متي هو؟ فقال: «يا مهزم، کذّب الوقّاتون، وهلک المستعجلون، ونجا المسلمون». [17] .

وعن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: لهذا الأمر وقت؟ فقال: «کذب الوقّاتون، کذب الوقّاتون. إنّ موسي (عليه السلام) لمّا خرج وافداً إلي ربّه واعدهم ثلاثين يوماً، فلمّا زاده الله علي الثلاثين عشراً قال قومه: قد أخلفنا موسي، فصنعوا ما صنعوا، فإذا حدّثناکم بحديث فجاء علي ما حدّثناکم به فقولوا: صدق الله، وإذا حدّثناکم بحديث فجاء علي خلاف ما حدّثناکم به فقولوا: صدق الله، تؤجروا مرّتين». [18] .

وذيل الرواية ظاهر في إمکان حصول البداء في العلامات الحتميّة کوقت للظهور، ونظير هذه الرواية ما رواه النعماني أيضاً في الغيبة بسنده عن داود بن أبي القاسم، قال: کنّا عند أبي جعفر محمّد بن عليّ الرضا (عليه السلام) فجري ذکر السفياني وما جاء في الرواية من أنّ أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر (عليه السلام): هل يبدو لله في المحتوم؟ قال: «نعم»، قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم، قال: «القائم من الميعاد». [19] .

التوصية الخامسة:

لزوم الثبات والاستقامة في أدوار التمحيص والامتحان في الغيبة: منها: ما رواه النعماني بسنده عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ (عليه السلام) يقول: «والله! لتميّزنّ، والله لتمحّصنّ، والله لتغربلنّ کما يغربل الزؤان من القمح»، [20] والزّؤان هو الحبّ الذي يشبه الحنطة ويصغر عنه حجماً ينبت بين الحنطة.

وروي عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه سمعه يقول: «ويل لطغاة العرب من شرّ قد اقترب»، قلت: جعلت فداک، کم مع القائم من العرب؟ قال: «شيء يسير»، فقلت: والله إنّ من يصف هذا الأمر منهم لکثير، فقال: «لا بدّ للنّاس من أن يمحّصوا ويميّزوا ويغربلوا ويخرج من الغربال خلق کثير». [21] .

وفي رواية اُخري لمّا قيل له: إنّ شيعته کثير، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «أما لو کملت العدّة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر کان الذي تريدون، ولکنّ شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه، ولا شحناؤه بدنه، ولا يمدح بنا معلناً، ولا يخاصم بنا قالياً، ولا يجالس لنا عايباً، ولا يُحدِّث لنا ثالباً، ولا يحبّ لنا مبغضاً، ولا يبغض لنا محبّاً»، فقلت: فکيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنّهم يتشيّعون؟ فقال: «فيهم التمييز، وفيهم التمحيص، وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنون تفنيهم، وسيف يقتلهم، واختلاف يبدّدهم، إنّما شيعتنا من لا يهرّ هرير الکلب، ولا يطمع طمع الغراب، ولا يسأل النّاس بکفّه، وإن مات جوعاً» ـ الحديث. [22] .

وهذه الرواية حاسمة في بيان علامة الاستقامة علي ولاية أهل البيت عليهم السلام، والرواية تنبأ عن مروق کثير من الشيعة من التشيّع لتولّيهم المخالفين ومعاداتهم للموالين تحت شعارات خدّاعة، وعناوين ملتبسة تنطوي علي شرائح کثيرة لا تبصر الحقيقة من الدجل.

التوصية السادسة:

التحذير عن الخفّة والانزلاق وراء أدعياء الإصلاح المواکب للإصلاح الشامل المهدوي.

فقد مرّت رواية العيّاشي عن جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) يقول: «إلزم الأرض لا تحرّکنّ يدک ولا رجلک أبداً حتّي تري علامات أذکرها لک في سنة» ـ ثمّ ذکر العلامات المحتومة مع تفاصيل کلّ منها، وقال: ـ «وإيّاک وشذاذ من آل محمد عليهم السلام، ولا تتّبع منهم رجلاً أبداً حتّي تري رجلاً من ولد الحسين معه عهد نبيّ الله ورايته وسلاحه...». [23] .

وروي النعماني بإسناده عن عمر بن سعد، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا يقوم القائم حتّي تفقأ عين الدنيا، وتظهر الحمرة في السماء، وتلک دموع حملة العرش علي أهل الأرض، وحتّي يظهر فيهم قوم لا خلاق لهم، يدعون لولدي وهم براء من ولدي تلک عصابة رديئة لا خلاق لهم، علي الأشرار مسلّطة، وللجبابرة مفتنة، وللملوک مبيرة» ـ الحديث. [24] .

وروي النعماني أيضاً بسنده عن جابر، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «يا جابر، إلزم الأرض ولا تحرّک يداً ولا رجلاً حتّي تري علامات أذکرها لک إن أدرکتها»، ثمّ ذکر (عليه السلام) العلامات الحتميّة للظهور. [25] .

وروي النعماني بسنده عن أبي خالد الکابلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: «کأنّي بقوم خرجوا بالمشرق، يطلبون الحقّ فلا يعطونه، ثمّ يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلک وضعوا سيوفهم علي عواتقهم، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتّي يقوموا، ولا يدفعونها إلاّ إلي صاحبکم، قتلاهم شهداء، أما إنّي لو أدرکت ذلک لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر». [26] .

والظاهر من هذه الرواية انطباقها علي خروج الحسني الخراساني حيث إنّه يظهر من المشرق من خراسان أو الديلم، کما في ألسنة الروايات المختلفة، وهو الذي يسلّم الراية، أي راية وقيادة جيشه، إلي المهدي عجل الله فرجه في الکوفة، کما في روايات اُخري، وأنّ في جيش الخراساني بعض أصحاب القائم في بعض الروايات، وأنّه يصفّي الأرض التي يمرّ بها من الظلم إلي أن يصل إلي الکوفة، کما في روايات اُخري مرّت الإشارة إليها، لکن مع ذلک يوصي (عليه السلام) بالإبقاء علي النفس والمحافظة عليها لنصرة المهدي عجل الله فرجه نفسه، أي تجنّب المشارکة في جيش الحسني الخراساني، وقد بيّنت بعض الروايات الاُخري أنّ في جيشه شريحة من الزيديّة وصفاً وسلوکاً لا اسماً، يستعصون عليه في التسليم والانقياد للمهدي عجل الله فرجه ممّا يدلّل علي أنّ المسار العام لجيش الحسني هو تبنّي الإمامة لمن يتصدّي علناً لتدبير الاُمور وإصلاحها، ويدلّ علي ذلک أيضاً ما مرّ في بعض الروايات أنّ راية اليماني أهدي؛ لأنّ اليماني يدعو إلي صاحبکم، أي المهدي عجل الله فرجه، أي أنّ اليماني تبنّي أنّ الإمامة بالنصّ المحدودة بالاثني عشر، بخلاف مسار ومرام الحسني فإنّه يتبنّي أنّ الإمامة بالتصدّي لإصلاح الاُمور والوضع العامّ، ومن ثمّ کنّي عن ذلک بوجود الزيديّة في جيشه أي مرام وسلوک الزيديّة لا التسمّي بذلک الاسم.

وروي النعماني بسنده عن يونس بن يعقوب، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إذا خرج السفياني يبعث جيشاً إلينا وجيشاً إليکم، فإذا کان فائتونا علي صعب وذلول»، [27] ومفاد الرواية کالتي سبقت في حصر النهوض المسلّح وادّخار النصرة العسکريّة لشخص المهدي عجل الله فرجه.

ومثل الروايتين ما رواه أيضاً عن خلاّد الصائغ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: «السفياني لا بدّ منه، ولا يخرج إلاّ في رجب»، فقال له رجل: يا أبا عبد الله، إذا خرج فما حالنا؟ قال: «إذا کان ذلک فإلينا». [28] .

وروي في البحار عن کتاب سرور أهل الإيمان بإسناده عن أحمد بن محمّد الأيادي، رفعه إلي بريد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «يا بريد، اتّق جمع الأصهب»، قلت: وما الأصهب؟ قال: «الأبقع»، قلت: وما الأبقع؟ قال: «الأبرص، واتّق السفياني، واتّق الشريدين من ولد فلان يأتيان مکّة، يقسمان بها الأموال، يتشبّهان بالقائم (عليه السلام)، واتّق الشذاذ من آل محمّد». [29] .

قال المجلسي في ذيلها: قلت: ويريد بالشذاذ الزيديّة؛ لضعف مقالتهم، وأمّا کونهم من آل محمّد لأنّهم من بني فاطمة.

وعلي أي تقدير، فيظهر من الروايات أنّ الحرکات التي تقوم بالشام من الأصهب والسفياني تحمل وترفع شعارات برّاقة منادية للإصلاح والرشاد في ظاهر حالها ممّا يوجب الانخداع والاغترار بها، هذا فضلاً عمّن يقوم بالحرکات الاُخري التي تضمّن في شعاراتها مزاعم الصلة بحرکة المهدي عجل الله فرجه الإصلاحيّة.

وروي أيضاً بإسناده عن سدير، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) «يا سدير، إلزم بيتک، وکن حلساً من أحلاسه، واسکن ما سکن الليل والنهار، فإذا بلغ أنّ السفياني قد خرج فارحل لينا ولو علي رجلک». [30] .

ومثلها ما رواه عن الحضرمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ وفي ذيله: ـ «فإذا ظهر علي الأکوار الخمس ـ أي السفياني ـ يعني کور الشام، فانفروا إلي صاحبکم». [31] .

وروي الکليني بسنده عن الفضل الکاتب، قال: کنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فأتاه کتاب أبي مسلم، فقال: «ليس لکتابک جواب، اخرج عنّا»، فجعلنا يسارّ بعضنا بعضاً، فقال: «أي شيء تسارّون يا فضيل؟ إنّ الله عزّ ذکره لا يعجل لعجلة العباد، ولإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملک لم ينقض أجله»، ثمّ قال: «إنّ فلان ابن فلان» ـ حتّي بلغ السابع من ولد فلان ـ قلت: فما العلامة فيما بيننا وبينه جعلت فداک؟ قال: «لا تبرح الأرض يا فضيل حتّي يخرج السفياني، فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا ـ يقولها ثلاثاً ـ وهو من المحتوم»، [32] والرواية تستعرض مسرح أحداث حرکة أبي مسلم الخراساني المروزي الذي قاد الثورة علي الأمويّين وتوافق مع العبّاسيّين بعد أن راسل الصادق (عليه السلام) وبني الحسن، فآيس من إجابتهم لدعوته.

وروي النعماني بسنده عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له (عليه السلام): أوصني؟ فقال: «اُوصيک بتقوي الله، وأن تلزم بيتک، وتقعد في دهماء هؤلاء النّاس، وإيّاک والخوارج منّا، فإنّهم ليسوا علي شيء ولا إلي شيء، واعلم أنّ لبني اُميّة ملکاً لا يستطيع النّاس أنّ تردعه، وأنّ لأهل الحقّ دولة إذا جاءت ولاّها الله لمن يشاء منّا أهل البيت، فمن أدرکها منکم کان عندنا في السنام الأعلي، وإن قبضه الله قبل ذلک خار له. واعلم أنّه لا تقوم عصابة تدفع ضيماً أو تعزّ ديناً إلاّ صرعتهم المنية والبليّة حتّي تقوم عصابة شهدوا بدراً مع رسول الله صلي الله عليه وآله لا يواري قتيلهم، ولا يرفع صريعهم، ولا يداوي جريحهم»، قلت: مَن هم؟ قال: «الملائکة». [33] .

وروي النعماني بسنده عن جابر، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام)، قال: «مثل خروج القائم منّا أهل البيت کخروج رسول الله صلي الله عليه وآله، ومثل مَنْ خرج منّا أهل البيت قبل قيام القائم مثل فرخ طار فوقع من وکره فتلاعبت به الصبيان». [34] .

ومن مجموع هذه الوصايا التي أمروا عليهم السلام بها، يتبيّن تأکيدهم عليهم السلام علي عدم الاغترار وراء الحرکات والنهضات المتشدّقة بشعارات الإصلاح التي هي شعار الإصلاح المهدوي عند ظهوره، وأنّه لا نيابة خاصّة للأسماء اللامعة في سنة الظهور.

وأنّ العلامة الأکيدة الحتميّة لانقطاع الغيبة ولمبدأ ظهوره في المدينة المنوّرة، ومن ثمّ ظهوره الأکبر العلني العالمي في مکّة المکرّمة هو الصيحة السماويّة لجبرئيل، وهو النداء من السماء، وقد حدّد في الروايات في شهر رجب وفي بعضها في شهر رمضان، وأنّه بعبارات متعدّدة.

والعلامة الثانية المحتّمة هي تحرّک السفياني في بلاد الشام واستيلائه عليها، وإرساله سرّية من جيشه إلي العراق، واُخري إلي المدينة المنوّرة لمواجهة المهدي عجل الله فرجه، فيخسف بذلک الجيش في بيداء المدينة.

وإنّ توقيت ظهور المهدي عجل الله فرجه بغير ذلک من التحديد الزماني ما هو إلاّ خداع وتحايل علي السذّج والبسطاء تغريراً بهم لاستمالتهم ولتسخيرهم حطباً ووقوداً لإنجاز مآرب الأدعياء المتقمّصين يصلون بهم إلي رئاستهم الباطلة.

وإنّ اللازم علي الموالين المؤمنين في عصر الغيبة المتطاولة حتّي الظهور هو الثبات علي الاعتقاد بإمامة الأئمّة الاثني عشر، أي إمامة المهدي الحيّ الحاضر الشاهد لأحداث البشريّة والتدين بولايته الفعليّة وتولّي الموالين لأهل البيت عليهم السلام، والتبرّي القلبي، وفي النموذج السلوکي العملي من أعداءهم، والتمسّک بالثوابت من أحکام أهل البيت عليهم السلام، وعدم الافتتان بالشعارات البرّاقة الخدّاعة المؤدّية إلي التخلّي عن التولّي والتبرّي وللمروق من معالم أحکام فقه أهل البيت عليهم السلام ومعارفهم.

والحمد لله رب العالمين


پاورقي

[1] وهي کنية للمفضّل بن عمر الجعفي أيضاً.

[2] کمال الدين/ الصدوق: 347/ باب 33/ ح 35، بحار الأنوار: 52/281 و282.

[3] الغيبة/ الطوسي: 338/ 285.

[4] الغيبة/ النعماني: 152/ باب 10/ ح 10.

[5] الغيبة/ الطوسي: 437/ 428، بحار الأنوار: 52/209.

[6] الإرشاد/ المفيد: 2/ 372.

[7] الغيبة/ الطوسي: 433/ 423، الإرشاد/ المفيد: 2/ 370، الکافي/ الکليني: 8/ 255، بحار الأنوار: 52/288 و300.

[8] الکافي: 1/240/ ح 3.

[9] الإرشاد/ المفيد: 2/ 368، بحار الأنوار: 52/220.

[10] الغيبة/ النعماني: 277/ باب 14/ ح 58.

[11] بحار الأنوار: 52/244.

[12] الغيبة/ النعماني: 289/ باب 16/ ح 2.

[13] الغيبة/ النعماني: 289/ باب 16، ح 3.

[14] المصدر المتقدّم/ ح 4.

[15] المصدر المتقدّم/ ح 5.

[16] المصدر المتقدّم/ ح 6.

[17] الغيبة/ النعماني: 294/ باب 16/ ح 11.

[18] المصدر المتقدّم/ ح 13.

[19] الغيبة/ النعماني: 302/ باب 18/ ح 10، بحار الأنوار: 52/250.

[20] الغيبة/ النعماني: 205/ باب 12/ ح 10.

[21] الغيبة/ النعماني: 204/ باب 12/ ح 6.

[22] الغيبة/ النعماني: 203/ باب 12/ ح 4.

[23] تفسير العياشي/ 1: 64/ ح 117، بحار الأنوار: 52/222 - 224.

[24] الغيبة/ النعماني: 140/ باب 10/ ح 5، بحار الأنوار: 52/226.

[25] الغيبة/ النعماني: 279/ باب 14/ ح 67، بحار الأنوار: 52/237.

[26] الغيبة/ النعماني: 273/ باب 14/ ح 50، بحار الأنوار: 52/243.

[27] الغيبة/ النعماني: 306، باب 18/ ح 17، بحار الأنوار: 52/253.

[28] الغيبة/ النعماني: 302، باب 18/ ح 8، بحار الأنوار: 52/249.

[29] بحار الأنوار: 52/269.

[30] بحار الانوار: 52/271.

[31] بحار الأنوار: 52/272.

[32] روضة الکافي: 8/274/ ح 412.

[33] الغيبة/ النعماني: 194/ باب 11/ ح 2.

[34] الغيبة/ النعماني: 199/ باب 11/ ح 14.