بازگشت

اللحظات الحاسمة


بعد أن وضعت جنازة الإمام العسکري عليه السلام همّ أخوه جعفر للصلاة عليه فلم يمهله الإمام المهدي عليه السلام بأن باغته بالخروج والصلاة علي أبيه وتولي شؤون إمامته والاتصال بشيعته سراً، کما في الرواية التالية:

روي المجلسي: قال أبو الحسن علي بن محمد بن حباب: حدثنا أبو الأديان قال: کنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام [1] وأحمل کتبه إلي الأمصار، فدخلت إليه في علته التي توفي فيها صلوات الله عليه فکتب معي کتباً [2] و قال: تمضي بها إلي المدائن فإنک ستغيب خمسة عشر يوماً فتدخل إلي سرّ من رأي يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني علي المغتسل.

قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فإذا کان ذلک فمن؟ قال: من طالبک بجوابات کتبي، فهو القائم بعدي؟ فقلت: زدني، فقال: من يصلي عليّ فهو القائم بعدي، فقلت: زدني، فقال: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي.

ثم منعتني هيبته أن أسأله ما في الهميان؟ وخرجت بالکتب إلي المدائن وأخذت جواباتها ودخلت سرّ من رأي يوم الخامس عشر، کما قال لي عليه السلام، فإذا أنا بالواعية في داره وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار، والشيعة حوله يعزونه ويهنئونه.

فقلت في نفسي: إن يکن هذا الإمام فقد حالت الإمامة، لأني کنت أعرفه بشرب النبيذ، ويقامر في الجوسق، ويلعب بالطنبور، فقدمت فعزّيت وهنّيت، فلم يسألني عن شيء ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد کفّن أخوک فقم للصلاة عليه [3] فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمّان والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة.

فلما صرنا بالدار إذا نحن بالحسن بن علي عليه السلام علي نعشه مکفّناً، فتقدّم جعفر بن علي ليصلي علي أخيه فلمّا هم بالتکبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجذب رداء جعفر بن علي وقال: تأخر يا عمّ فأنا أحق بالصلاة علي أبي فتأخر جعفر، وقد اربدّ وجهه، فتقدّم الصبي فصلّي عليه، ودفن إلي جانب قبر أبيه.

ثم قال: يا بصري هات جوابات الکتب التي معک، فدفعتها إليه، وقلت في نفسي: هذه اثنتان بقي الهميان، ثم خرجت إلي جعفر بن علي وهو يزفر، فقال له حاجز الوشاء: يا سيدي مَن الصبي؟ ليقيم الحجة، فقال: والله ما رأيت قط ولا عرفته.

فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم، فسألوا عن الحسن بن علي فعرفوا موته فقالوا: فمن؟ فأشار الناس إلي جعفر بن علي فسلّموا عليه وعزّوه وهنؤوه، وقالوا: معنا کتب ومال، فتقول ممن الکتب؟ وکم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: يريدون منّا أن نعلم الغيب.

قال: فخرج الخادم فقال: معکم کتب فلان وفلان وهميان فيه ألف دينار، عشرة دنانير منها مطلية فدفعوا الکتب والمال، وقالوا: الذي وجّه بک لأجل ذلک هو الإمام.

فدخل جعفر بن علي علي المعتمد وکشف له ذلک فوجّه المعتمد خدمه، فقبضوا علي صقيل الجارية وطالبوها بالصبي، فأنکرته وادّعت حملاًَ بها لتغطي علي حال الصبي فسلّمت إلي ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد الله بين يحيي بن خاقان فجأة، وخرج صاحب الزنج بالبصرة، فشغلوا بذلک عن الجارية، فخرجت عن أيديهم والحمد لله رب العالمين لا شريک له. [4] .


پاورقي

[1] الملاحظ في أکثر الروايات أنها تذکر نسب الإمام المهدي عليه السلام أو نسب أبيه وذلک للتأکيد علي أنه هو الإمام المهدي المولود من الحسن العسکري عليهما السلام وليس أمراً آخر يدعيه بعضهم للتمويه علي غيبة الإمام المهدي وفلسفة ظهوره ووجوده بين ظهراني شيعته.

[2] لعل هذه إحدي القنوات التي کان الإمام الحسن العسکري عليه السلام يقيم بواسطتها اتصاله بشيعته ويأمرهم بأوامره ويفرض عليهم تکاليفهم عند غيبة الإمام المهدي عليه السلام وتعريفهم بأمر شهادته الوشيکة وغيبة ولده من بعده وشرح أحوال إمامته.

[3] تقدّم أن عقيد الخادم يعرف بولادة الإمام المهدي عليه السلام ولديه أسرار ولادته وغيبته ولعل دعوته جعفراً للصلاة علي الإمام عليه السلام مع علمه الحال محاولة من عقيد وغيره لفضح موقف جعفر وانکشاف الأمر الذي کان جعفر يحاول التغطية عليه والتمويه کذلک، هذا من جهة، ومن جهة أخري دقة أتباع أهل البيت(ع) من شيعتهم في التسليم لأمرهم وانتظار ما الله تعالي فاعله في إظهار الحق، لذا فهو لم يتردد في دعوة جعفر منتظراً أمر الله في تسديد وليه عليه السلام وبيان حجته، ولعل ذلک عهد الإمام الحسن العسکري(ع) لعقيد الخادم باتباع الأمور الطبيعية في معرفة أمر الإمام المهدي عليه السلام لدي الشيعة والنظام کذلک.

[4] بحار الأنوار:50/ 332.