خاتمة في فضل الانتظار
تعرضت کثير من الأحاديث عن النبي صلي الله عليه وآله والأئمة الطاهرين عليهم السلام إلي فضيلة الانتظار.
ولعل هذه الأحاديث ليست علي سبيل الحصر، بل ذکرها أهل البيت عليهم السلام کأجلي مصاديق الانتظار وأوضحها، وإلاّ ففضائل الانتظار أکثر من أن تحصي، ويکفيها قولهم عليهم السلام: أفضل العبادة انتظار الفرج، فإن أرقي ما يصل إليه الإنسان من تکامل ورقي روحي وعملي کذلک هو بلوغه أرقي مقامات القرب إلي الله تعالي الذي تحققه عبادته، فکيف إذا وصف العمل بأنه أفضل العبادات؟ مما يعني أن الإنتظار يعد في أولوية حالات التکامل والنهوض بمستوي الفرد، ومن ثم مستوي المجتمع.
روي الصدوق بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من مات منکم علي هذا الأمر منتظراً له کان کمن کان في فسطاط القائم عليه السلام. [1] .
وبنفس إسناده عن أبي الحسن عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج من الله عز وجل. [2] .
وعن أبي عبد الله عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: المنتظر لأمرنا کالمتشحّط بدمه في سبيل الله. [3] .
وفي البحار عن عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: العبادة مع الإمام منکم المستتر في السر في دولة الباطل أفضل، أم العبادة في ظهور الحق ودولته مع الإمام الظاهر منکم؟
فقال: يا عمار الصدقة في السر والله أفضل من الصدقة في العلانية، وکذلک عبادتکم في السرّ مع إمامکم المستتر في دولة الباطل أفضل، لخوفکم من عدوّکم في دولة الباطل وحال الهدنة، ممن يعبد الله في ظهور الحق مع الإمام الظاهر في دولة الحق، وليس العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحق.
اعلموا أن من صلي منکم صلاة فريضة وحداناً مستتراً بها من عدوه في وقتها فأتمها کتب الله عز وجل له بها خمسة وعشرين صلاة فريضة وحدانية، ومن صلي منکم صلاة نافلة في وقتها فأتمها کتب الله له بها عشرين حسنة، ويضاعف الله تعالي حسنات المؤمن منکم إذا أحسن أعماله، ودان الله بالتقية علي دينه وعلي إمامه وعلي نفسه، وأمسک من لسانه، أضعافاً مضاعفة کثيرة، إن الله عز وجل کريم.
قال: فقلت: جعلت فداک رغبتني في العمل، وحثثتني عليه، ولکني أحب أن أعلم: کيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام منکم الظاهر في دولة الحق ونحن وهم علي دين واحد، وهو دين الله عز وجل؟
فقال: إنکم سبقتموهم إلي الدخول في دين الله وإلي الصلاة والصوم والحج وإلي کل فقه وخير، وإلي عبادة الله سراً من عدوکم مع الإمام المستتر، مطيعون له، صابرون معه، منتظرون لدولة الحق، خائفون علي إمامکم وحقکم في أيدي الظلمة، قد منعوکم ذلک واضطروکم إلي جذب الدنيا وطلب المعاش مع الصبر علي دينکم، وعبادتکم وطاعة ربکم والخوف من عدوکم، فبذلک ضاعف الله أعمالکم فهنيئاً لکم هنيئاً.
قال: فقلت: جعلت فداک فما نتمني إذاً أن نکون من أصحاب القائم عليه السلام في ظهور الحق، و نحن اليوم في إمامتک وطاعتک أفضل أعمالاً من أعمال أصحاب دولة الحق؟
فقال: سبحان الله أما تحبون أن يظهر الله عز وجل الحق والعدل في البلاد ويحسن حال عامة الناس ويجمع الله الکلمة ويؤلف بين القلوب المختلفة ولا يعصي الله في أرضه، ويقام حدود الله في خلقه، ويردّ الحق إلي أهله فيظهرون حتي لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق؟
أما والله يا عمار لا يموت منکم ميت علي الحال التي أنتم عليها إلاّ کان أفضل عند الله عز وجل من کثير ممن شهد بدراً وأحداً فأبشروا. [4] .
وروي عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: سيأتي قوم من بعدکم الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منکم، قالوا: يا رسول الله نحن کنا معک ببدر وأحد وصفين ونزل فينا القرآن! فقال: إنکم لو تحمّلوا ما حمّلوا لم تصبروا ما صبروا. [5] .
و عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: يأتي علي الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فيا طوبي للثابتين علي أمرنا في ذلک الزمان، إنّ أدني ما يکون لهم من الثواب أن يناديهم الباري عز وجل: عبادي آمنتم بسرّي وصدّقتم بغيبي، فأبشروا بحسن الثواب مني فأنتم عبادي وإمائي حقاً، منکم أتقبّل وعنکم أعفو، ولکم أغفر، وبکم أسقي عبادي الغيث، وأدفع عنهم البلاء، ولولاکم لأنزلت عليهم عذابي.
قال جابر: فقلت يا ابن رسول الله فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلک الزمان: قال حفظ اللسان ولزوم البيت. [6] .
غيبة النعماني بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال ذات يوم: ألا أخبرکم بما لا يقبل الله عز وجل من العباد عملاً إلّا به؟ فقلت: بلي، فقال: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً عبده، والإقرار بما أمر الله والولاية لنا والبراءة من أعدائنا، والتسليم لهم ـ يعني الأئمة خاصة ـ والورع والاجتهاد والطمأنينة والانتظار للقائم عليه السلام، ثم قال: إن لنا دولة يجيء الله بها إذا شاء، ثم قال: من سرّه أن يکون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده کان له من الأجر من أدرکه فجدّوا وانتظروا، هنيئاً لکم أيتها العصابة المرحومة. [7] .
هذه هي أسس حضارة جماعة الانتظار، أمکننا قرائتها مما ورد من أحاديثهم صلوات الله عليهم والاهتمام بأمر الانتظار والحثّ عليه ومدح المنتظرين.
جعلنا الله من المنتظرين لأمرهم والمتمسّکين بولايتهم والثابتين علي نهجهم، إنه سميع مجيب.
وصلي الله علي سيدنا محمّد وآله الطاهرين
پاورقي
[1] إکمال الدين وإتمام النعمة:2/ 584 باب ما روي في ثواب المنتظر للفرج.
[2] إکمال الدين وإتمام النعمة:2/ 584 باب ما روي في ثواب المنتظر للفرج.
[3] إکمال الدين وإتمام النعمة:2/584 باب ما روي في ثواب المنتظر للفرج.
[4] بحار الأنوار: 52/ 127.
[5] بحار الأنوار: 52/ 130.
[6] بحار الأنوار: 52/ 145.
[7] کتاب الغيبة للنعماني: 200.