بازگشت

علاقة الأمة بالإمام


فقد رأينا الموقف العام في سر من رأي بعد شياع خبر وفاة الإمام، حيث ضج الناس: (مات ابن الرضا) کما في تعبير الرواية، (وکان ذلک اليوم شبيهاً بيوم القيامة)، کما في تعبير آخر، (وعطّلت الأسواق) کما في صورتها الثالثة.

وهکذا فإنّ علاقة الأمة بالإمام عليه السلام تدفع النظام إلي ازدياد حذره ومخاوفه من هذه العلاقة الروحية بين الإمام وبين الأمة بمختلف توجهاتها الفکرية والعقائدية، وهذا الحب سيشکّل فيما بعد علاقة (رسمية) تنطلق منها معارضة حقيقية للنظام، فالالتفاف الذي تبديه الأمة حول الإمام عليه السلام سيثير حفيظة النظام الذي يرغب في عزل الأمة عن الإمام والخوف من کون هذا الولاء هو تعبير عن هيکلةٍ لقاعدة معارضة تنشأ فيما بعد.

لذا فابتعاد الإمام عليه السلام عن القواعد سيشکل ضمانة اطمئان للنظام ـ علي أقل تقدير ـ لکيلا تشکّل هذه القواعد خطرها المحسوب علي السلطة.

إنّ هذا الحب الذي تکنه الأمة لا ينشأ أغلبه من فهم أطروحة الإمامة، وأن الأمة تتعامل مع الإمام کونه إمام، بل هي تتعاطف مع الإمام عليه السلام علي أساس ما تراه من حسن سيرته وروعة سلوکه التي عجز الخليفة وغيره عن إبدائها والتحلي بها، وتري الأمة في شخص الإمام حالة الرشد الرسالي الذي تمثله امتداداًَ للسيرة النبوية المقدّسة بکل کمالاتها.

کل هذه التصورات في ذهن الأمة سيکون بمعزلٍ عن الاعتقاد بکون الإمام إماماً مفترض الطاعة تتعاطي معه الأمة علي أساس تکليفها الشرعي، بل الأمة تتعاطي مع الإمام علي أساس العاطفة ومشاعر الحب، وهو غير التکليف الذي يحمله المؤمن في تعاطيه مع الإمام، ومعلوم أن مشاعر العاطفة لا تعني بالضرورة حالات تأييد وتضحيةٍ وولاء يمکن للإمام استثمارها لتنفيذ أطروحته الإلهية.

هذا ما دعي الإمام المهدي عليه السلام إلي تغييب شخصه عن الأمة بکل فصائلها، وانعزاله عن قواعده المؤمنة والاتصال معهم عن طريق سفرائه الأربعة بعد ذلک.