بازگشت

الامر بالمعروف والنهي عن المنکر من خصوصيات حضارة الانتظار


علي أن ما يميز جماعة الانتظار هو حالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، وهذه الحالة تساعد علي تمتين أواصر العلاقة بين أعضاء هذه الجماعة، إذ هي تشير إلي حالة الشعور بالمسؤولية دائماً اتجاه ذات الفرد ومن ثم اتجاه مجتمعه.

فملاحقة حالات الخرق للمجتمع الملتزم تتکفل إصلاحه قابلية أفراد المجتمع علي متابعة المنکر المرتکب من قبل الأفراد أو الجماعات، لتقف بوجه الخطر الناشئ عن هذا الخرق المرتکب، والمحافظة علي حدود الشريعة بالتذکير الدائم والرقابة المستمرة لعدم تجاوز حيثيات الالتزام الديني.

ومن جهته يسعي هذا المجتمع بکل شرائحه وفصائله إلي تميتن العلاقة بينه وبين إقامة الواجبات الدينية، وکذلک المستحبات التي يرغب الشارع في مزاولتها من قبل المکلفين.

فإذا تمت هذه الحالات واستطاع المجتمع من المداومة عليها ورعاية حقوقها، أمکن لهذا المجتمع من بناء شخصيته الحضارية المتميزة بالأمن والسلام، وذلک بتجنب المنکر المنهي عنه من قبل أفراده، إضافة للعدل والمعروف بکل مصاديقه لعناية أفراد المجتمع بإتيانه والأمر به.

وهکذا سوف تکون لحضارة جماعة الانتظار حضورها الدائم وشخصيتها المتميزة.

فقد حث أئمة أهل البيت عليهم السلام شيعتهم علي التزام هذه الفريضة وکونها إحدي ميزاتهم التي ترکها غيرهم ولم يتحلوا بها، ثم بيّنوا ما لهذه الفريضة من آثار وضعية فضلاً عن إسقاط التکليف بالعمل بها وعدم العقوبة عند إتيانها.

عن أبي جعفر عليه السلام قال: يکون في آخر الزمان قوم ينبع فيهم قوم مراؤون... إلي أن قال: ولو أضرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها کما رفضوا أسمي الفرائض وأشرفها، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، هنالک يتم غضب الله عز وجل عليهم فيعمّهم بعقابه فيهلک الأبرار في دار الأشرار، والصغار في دار الکبار، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر سبيل الأنبياء، ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحل المکاسب، وترد المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر... الحديث. [1] .

والحديث يبين أسس البناء الحضاري عند مراعاة الفريضة، فبها تقام الفرائض أي يشيّد مجتمع إسلامي تکون معالمه أحکام الشريعة، ويطبق من خلال ذلک النظام الإسلامي الذي يطمح إليه الجميع.

کما أنّ قوله عليه السلام: (وتأمن المذاهب) فإن استتباب الأمن والسلام مرهون بتطبيق هذه الفريضة.

وقوله عليه السلام: وتحل المکاسب، فإنّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنکر يتم تشييد البنية الاقتصادية وهيکلة النظام المعاشي، وذلک من خلال استتباب الأمن وإمکانية تنشيط دور القطاعات العاملة والرساميل التي يمتلکها أصحابها.

وقوله عليه السلام: (وترد المظالم) فإن الحقوق المدنية تتحقق في ظل نظام أمني مستقر، وبغياب ذلک لا يمکن القيام بأية مهمة من شأنها تحقيق ضمانة النظام الإنساني.

وقوله عليه السلام: و (تعمر الأرض) فإن الإصلاح الاقتصادي يمکن القيام به عندما يتعاهد ذلک نظام يحفظ الحقوق ويشجّع علي استثمارات اقتصادية تتکفل بنظام اقتصادي رشيد، وإعمار الأرض لا يقتصر علي استصلاحها زراعياً أو معدنياً، فلعل ذلک إشارة إلي إصلاح الأرض وما عليها من نظام سکاني يلازم صلاحية الأرض لاحتواء التجمعات البشرية حينئذ ٍ.

وقوله عليه السلام: و (ينتصف من الأعداء) فإن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنکر حين يستتب الأمن بسببهما يمکن من خلال ذلک إيجاد قوة دفاعية ترد کيد الأعداء، أو هجومية تعين جماعة الانتظار علي حفظ حقوقهم والحصول علي مکاسبهم المشروعة اتجاه القوي الأخري.

وقوله عليه السلام: (ويستقيم الأمر) فهو محصلة هذه الجهات التي يمکن تحققها في ظل القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر.

کما أن اللهجة التي يستخدمها الأئمة عليهم السلام في مراعاة هذه الفريضة والوجوب بإتيانها لهجة تتعدي أسلوب الحث والترغيب إلي أسلوب الإنذار والتهديد، وحلول اللعنة التي يحذّر الإمام عليه السلام أتباعه منها بسبب ترک الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، أسلوب يشدده الأئمة عليهم السلام في استتباب هذه الفريضة بين جماعة الانتظار.

فعن محمد بن مسلم قال: کتب أبو عبد الله عليه السلام إلي الشيعة: ليعطفن ذوو السن منکم والنهي علي ذوي الجهل وطلاب الرئاسة، أو لتصيبنّکم لعنتي أجمعين. [2] .

علي أن من مهام التغيير هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، فإن ذلک سبب في بناء حضاري وتکامل ذاتي.

فعن الحسن عن أبيه عن جده قال: کان يقال: لايحل لعين مؤمنة تري الله يعصي فتطرف حتي تغيره. [3] .

فإنّ النزعة التغييرية لدي جماعة الانتظار مبنية علي محاولة الإصلاح والارتباط بالله تعالي وتطبيق شريعته.


پاورقي

[1] وسائل الشيعة: کتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر: الباب 1 وجوب الأمر بالمعروف الحديث 6.

[2] وسائل الشيعة:کتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر: الباب 1 وجوب الأمر بالمعروف الحديث 8.

[3] وسائل الشيعة: کتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر: الباب 1 الأمر بالمعروف: الحديث 8.