بازگشت

الاستقرار النفسي لجماعة الانتظار


لعل أهم ما يميز أتباع أهل البيت عليهم السلام المتطلعون لانتظار اليوم الموعود هو حالة الاستقرار النفسي الذي يميزهم عن غيرهم.

وهذا الاستقرار ناشئ من حالة الاطمئنان المنبعثة من التطلع إلي مستقبل مشرق ترتسم صورته في ذهنية المنتظِر ـ بالکسرـ من خلال فلسفة الانتظار التي يدين بها إلي الله تعالي، فحالات الإحباط الناشئة من ظروف سياسية تحيط بأتباع أهل البيت عليهم السلام لم تعد ذات أثر علي مستقبل وجودهم، بل وحتي علي ما يتطلع إليه هؤلاء الأتباع من بناء هيکلتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية کذلک، وهذا راجع إلي ما تحمله فلسفة الانتظار من آمال تعقدها النفسية الشيعية علي قيام دولة المنتظَر ـ بالفتح ـ فعلي المستوي الفردي يشعر الفرد وهو يعيش حالة الانتظار بالأمل الکبير في تحقق أهدافه تحت ظل الدولة المهدوية المبارکة.

فالإحباطات النفسية لأسباب متعددة يمکن للفرد أن يتفاداها بما يعقده من آمال علي تلک الدولة القادمة التي تبسط العدل والسلام في ربوع هذه الأرض المقهورة، فإذا لم يتحقق هدفه عاجلاً فإنّ مستقبله في الآجل سينجزه ذلک الإمام الموعود، وبذلک فإنّ هذا الفرد سيکون في حالة أمل دائم وترقب متفاءل يصنع من خلاله غده السعيد، وبذلک فإنّ الاستقرار النفسي الذي يعيشه المنتظِر هو إحدي خصوصياته، وهذا الاستقرار سيکون سبباً في الإبداع ومن ثم التکامل الذاتي.

أما علي المستوي الجماعي فإنّ جماعة الانتظار تطمح إلي تحقيق برامجها في ضوء الآمال المعقودة علي ترقب الدولة المهدوية، وهذه الجماعة تستشعر معايشة قائدها معها في کل الأحوال، وتقطع أن نجاح ما تصبو إليه يکون مرهوناً بتسديد هذا القائد الإلهي ورضاه، وهو مصداق قوله تعالي:)وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللهُ عَمَلَکُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) [1] قال الصادق عليه السلام: والمؤمنون هم الأئمة، [2] وهذا ما يناسبه سياق الآية.

ومن غريب ما فسرته بعض المذاهب الإسلامية أن المقصود من قوله تعالي: (و المؤمنون) هم جماعة المؤمنين، وهذا من غريب ما وقع به هؤلاء دفعاً لمحذور الاعتراف بمقامات الأئمة الأطهار عليهم السلام التي يقررها القرآن الکريم وتقتضيه شؤون خلافة الله في أرضه ـ في بحث ليس هنا محل ذکره، علي أن الخطاب في الأمة للمؤمنين، فکيف يکون بعد ذلک قول الحکيم حکيماً حينما يکون المخاطب المکلف هو نفس الشاهد علي عمله؟! وما إلي غير ذلک من خروقات الرؤية السياسية التي تتدخل في التفسير القرآني والحديث النبوي من أجل استحصال حالات التأييد لمواقفها المناهضة لأهل البيت عليهم السلام.

و علي کل حال فإن نجاح جماعة الانتظار يکمن في تفاؤلها الطموح بقيام دولة الحق والعدل، وهي تسعي دائماً إلي صياغة أعمالها علي أساس ذلک، لذا فهي في حيوية دائمة غير مشلولة نتيجة الإحباطات السياسية المحيطة بجماعة الانتظار، فضلاً عن أن هذه الجماعة تحقق نجاحها في خضم تحديات تواجهها دائماً.

وعلي هذا فأي نجاح مهما تکون درجته سيکون له معناه في ظل هذه التحديات وهو مکسب مهم وقضية خطيرة في ظل ذلک.

ومقابل هذا فإن أي تعثر في عمل هذه الجماعات سوف لن يسلمها إلي اليأس والتردد طالما هناک البديل الذي يحققه قيام الدولة المهدوية المبارکة.

وعلي هذا الأساس فإن جماعة الانتظار تعيش دائماً طموحاتها الواقعية، متحدية بذلک الصعاب والإحباطات التي تواجهها في ظل ظروف تتکالب علي هذه الجماعة سعياً لإنهائها وتصفيتها.

هذه الحالة من التفاؤل التي تعيشها جماعة الانتظار تبعث علي الأمل في تحقيق برامجها وبناء حضارتها والسعي من أجل التکامل في کل الميادين.

من هنا علمنا دواعي العمل الدائم الحثيث لجماعة الانتظار، وأسباب نجاحها علي کل الأصعدة بالرغم من کل ماعانته وتعانيه من ظروف قاهرة يصعب معها الإبداع، فضلاً عن البقاء، لولا ذلک الأمل الذي يحدو جماعة الانتظار.

وعلمنا في الوقت نفسه إمکانية تأسيس حضارة تعيش طموحاتها هذه الجماعة في ظل فلسفة الانتظار.

إلي جانب ذلک، يعيش الفرد البعيد عن حالة الانتظار حالات التوجس من الفشل وهاجس الخوف علي مستقبله المجهول، فأية قضية يواجهها هذا الفرد تودي بکل طموحاته وتشل قدراته، فهو يحاول أن يحقق مکسبه عاجلاً لغياب حوافز البديل فيما لو أخفق علي صعيد عمله، فإن خسارته هذه ستکون فادحة فيما إذا هو أحس بعدم تعويضها بالبديل.

والانتظار حالة أملٍ وطيد يعيشه المنتظِر ـ بالکسرـ فإذا غابت عن الإنسان هذه الرؤية فلابد أن تحيط ذاته هواجس الخوف، وبذلک سيکون مهزوماً دائماً، غير جدير بإمکانية مواجهة الصعاب والمحن التي تعصف به في کل حين من خلال ظروف عالميةِ متقلبة وإقليمية غير مستقرة، وبذلک فلم يکن مثل هذا الفرد جديراً في بناء حضارة أو السعي لتکامل ذاته وبناء شخصيته.


پاورقي

[1] التوبة (9): 105.

[2] تفسير العياشي: 2/ 109.