بازگشت

النص علي الإمام


ولما کانت العصمة الواجبة في الإمام أمرٌ خفي لا يمکن معرفته والإطلاع عليه، وهي ملکة نفسانية يصعب معرفتها من خلال الظاهر، فإنّ ذلک موکول لمعرفته تعالي، فهو المطّلع علي خفايا النفوس ودواخلها.

ولما کان الأمر کذلک فلا يتسني للرعية اختيارهم الإمام، لأن الفرض أن يکون الإمام معصوماً والعصمة ملکة نفسية خفية لا يعلم توفرها إلا خلاقها وهو الله تعالي، فوجب أن يکون تعيين المعصوم من قبله تعالي، ولا مجال بعد ذلک للاختيار والبيعة من قبل الناس، فإنّ في اختيارهم مجازفةً في شرط العصمة التي يجب توافره لدي الإمام.

وهذا ما يطلق عليه نظرية النص التي تتبناها الإمامية موافقة للقرآن الکريم، ومن ثم العقل والوجدان، فإثبات وجوب العصمة لدي الإمام يستلزم معه سقوط نظرية الاختيار وإيکال الأمر إلي النص الإلهي الذي معه تضمن الأمة سلامة تعيين الإمام وواقعيته.

ولعلّ ما أجاب به الإمام المهدي عجل الله فرجه سعد بن عبد الله الأشعري القمي حين سأله عن سبب امتناع اختيار الإمام من قبل الأمة تُعد الإجابة الوافية في وجوب النص علي الإمام مستشهداً بالقرآن الکريم، وما حکاه عن قصة اختيار موسي عليه السلام من قومه لميقات ربّه. ففي أسئلته للإمام عجل الله فرجه سأل سعد بن عبد الله الأشعري الإمام عن العلة التي تمنع القوم من اختيار الإمام لأنفسهم؟

قال عليه السلام: مصلحٌ أو مفسد؟

فقلت (أي سعد بن عبد الله): مصلحٌ.

قال: هل يجوز أن يقع خيرتهم علي المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد.

قلت: بلي.

قال عليه السلام: فهي العلة أيدتها لک ببرهان يقبل ذلک عقلک. قلت: نعم.

قال عليه السلام: أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل عليهم الکتب، وأيدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الأمم، فاهدي إلي ثبت الاختيار ومنهم موسي وعيسي هل يجوز وفور عقلهما وکمال علمهما، إذ هما علي المنافق بالاختيار أن يقع خيرتهما وهم يظنان أنه مؤمن؟

قلت: لا.

قال: فهذا موسي کليم الله مع وفور عقله وکمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسکره لميقات ربه سبعين رجلاً ممن لم يشک في إيمانهم وإخلاصهم، فوقع خيرته علي المنافقين قال الله عز وجل:)وَاخْتارَ مُوْسَي قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لمِيقاتِنا..(فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعاً علي الأفسد دون الأصلح وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد، علمنا أن الاختيار لمن لا يعلم ما تخفي الصدور وما تکن الضمائر، وينصرف عنه السرائر وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء علي ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح.. [1] .

وبهذا تصلح نظرية النص التي تلتزمها الإمامية مشروعاً متکاملاً للإجابة علي تساؤلات يطرحها الواقع العلمي والعملي للإمامة.

وبإزاء ذلک تعد النظريات الأخري التي تتبناها الاطروحات غير الإمامية في الخلافة مسألة تسابقٍ سياسيٍ وتکالبٍ علي الحکم والرئاسة دون أن تکون لها واقعيتها الحقيقية. فالشوري والإجماع وأمثالهما من طرق اختيار الخليفة تبدو فرضيات تخفق علي المستوي التنظيري فضلاً عن الواقع العملي الذي يمارسه الإمام بما هو إمام، وترتطم هذه التنظيرات الوضعية في اختيار الخليفة مع حيثيات المنتخب الذي تتجاذبه نزعاته الخاصة وأهواؤه الشخصية، کما أنها تصطف في خانة التنظيرات المنطلقة من رؤية إنسانية ضيقة، في حين تنبثق نظرية النص علي الإمام وتعيينه من الاختيار الإلهي الذي يشخّص الواقع بکل أبعاده، وشتان بين الاختيارين بعد ذلک.


پاورقي

[1] الاحتجاج للطبرسي: 2274.