بازگشت

القرآن الکريم و عصمة الإمام


علي أن عصمة الإمام ليست أمراً عقلياً فحسب، بل أکدها القرآن الکريم في کثيرٍ من آياته, مؤيداً بذلک ما ذهبت إليه الإمامية من وجوب عصمة الإمام وتنزيهه عن الخطأ أياً کان، خلافاً لما اختارته المذاهب الأخري من عدم وجوب عصمته منطلقةً من کون الإمامة منصباً دنيوياً شأنه شأن القيادات الوضعية الناشئة من الغلبة والانتخاب والشوري، إلي غير ذلک من الاطروحات التنظيرية الأخري.

وسنأتي علي بعض الآيات الموجبة لعصمة الإمام مقتصرين علي بيانٍ مقتضبٍ موجز.

الأولي: قوله تعالي: (إنَّ اللهَ اصْطَفي آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلي العالمَينَ). [1] .

والاصطفاء بمعني الاختيار والاجتباء، والله تعالي لا يختار لرسالاته من يمارس الخطيئة ويرتکب ما ينافي الحکمة من رسالاته، بل الله تعالي يختار لرسالاته من هو مطهّرٌ من أدناس المعصية وأدران الفساد، وإلاّ يکون تقريراً لعباده، وتعالي الله عن کل قبيح.

قال الطوسي في البيان: والآية تدل علي أنّ الذين اصطفاهم معصومون منزهون، لأنه لا يختار ولا يصطفي إلاّ من کان کذلک، ويکون ظاهره وباطنه واحداً، فإذاً يجب أن يختص الاصطفاء، بآل إبراهيم وآل عمران من کان مرضياً معصوماً سواء کان نبياً أو إماماً. [2] .

والي ذلک يذهب البيضاوي في تفسيره بقوله: الاصطفاء بالرسالة والخصائص الروحانية والجسمانية، ولذلک قووا علي ما لم يقو عليه غيرهم.. [3] .

فالاختيار إذن لا يکون بعيداً عن العصمة، والخليفة الذي يصطفيه الله هو من خيرة عباده, لطفاً منه بهم فهو لا يختار من تاقت نفسه للمعصية وجُلبَ علي ارتکاب الفاحشة والخطيئة.

الثانية: قوله تعالي: (قُلْ إنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْکُمُ اللهُ). [4] .

فالإتباع للرسول والإمام واجب, ولا يمکن أن يکون من أمرنا بمتابعته فاسقاً أو مرتکباً للخطيئة، إذ کيف يکون وجوب المتابعة علي الخطيئة والمعصية؟ وهذا دليل علي کون الإمام المتبَع معصوماً مطلقاً.

الثالثة: قوله تعالي: (لَقَدْ کانَ لَکُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ کانَ يَرْجُوُ اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَکَرَ اللهَ کَثيراً). [5] .

وهذه تدل کذلک علي وجوب عصمة النبي والإمام, إذ القدوة المتّبع لا يکون مرتکباً للذنوب ولا تصدر منه المعصية إقتداءً من الأمة به وإتباعا له.

الرابعة: قوله تعالي: (إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْکُمُ الرّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَکُمْ تَطْهِيراً). [6] .

أجمعت روايات الفريقين علي نزولها في النبي صلي الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وکون الرجس هو مطلق الذنب، فإنّ الله تعالي أخبر أنّهم منزهون عمّا يشينهم من الذنوب والمعاصي والعيوب.

الخامسة: قوله تعالي (وَما أَتاکُمُ الرّسُوُلُ فَخُذُوهُ وَما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا). [7] .

وهو الحث علي متابعة الرسول، فکلما أمرکم به فخذوه، وکل ما نهاکم عنه فاترکوه، وهذا لا يتوفر إلاّ في المعصوم الذي لا يرتکب ما يخالف الشرع سواء قبل بعثته أم بعدها، فإنّ بعد البعثة واضح بل هو الإجماع عليه، أما قبل البعثة فلئلا يکون الرسول أو الإمام قد ارتکب أمراً أو جاء بمعصيةٍ ينهيان عنها بعد بعثتهما، وهو ما تستقبحه النفوس وتنفر عنه الأذواق.

السادسة: قوله تعالي: (يا أيّها الّذينَ آمَنُوا صَلّوا عَليْهِ وَسَلّمُوا تَسْلِيماً). [8] .

فالتسليم والانقياد والمتابعة لا تتم إلاّ للمعصوم الذي لا يمکن أن يرتکب الخطأ ويأتي بالمعصية, وقد مر الکلام في ذلک.

السابعة: قوله تعالي: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ کُلّ شَيءٍ فَسَأَکْتُبُها لِلّذينَ يَتَّقُونَ وَيُؤتُونَ الزّکاةَ وَالّذينَ هُمْ لِفَرُوجِهِمْ حافِظُونَ وَالّذينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الأُمّي). [9] .

والکلام کما سبق في وجوب المتابعة والتسليم.

فهذه الآيات الکريمة کما أنّها تثبت العصمة للنبي، فإنها تثبتها للإمام لوحدة الغرض من مهمتهما.


پاورقي

[1] آل عمران (3): 33.

[2] البيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي:2 / 441.

[3] تفسير البيضاوي: 1 / 156.

[4] آل عمران (3): 31.

[5] الأحزاب (33): 21.

[6] الأحزاب (33): 32.

[7] الحشر (59): 9.

[8] الأحزاب (23): 59.

[9] الأعراف (7): 156.