بازگشت

عصمة الخليفة


إذن فوجود المبلّغ علي هذا المستوي من التکامل إحدي مقومات نجاح الرسالة أداءً وتطبيقاً، وهذا التکامل المفترض في المبلّغ سنطلق عليه مصطلح العصمة التي هي ملکة في نفس المبلّغ المعصوم تعصمه عن الخطأ في التبليغ والقصور في الأداء فضلاً عن عصمته من ارتکاب الذنوب صغيرها وکبيرها تحقيقاً لغرض الخلافة التي تناسب أن يتصف الخليفة بصفة العصمة، وخلافها يوجب تخلّفه عن أداء الرسالة ومهمة التبليغ في شرحٍ ليس هنا محل بيانه.

هذه العصمة إذن هي مواصفات ينبغي توافرها في المبلّغ الذي هو خليفة الله في أرضه وهو النبي علي مستوي بعثته ومهامه والإمام علي مستوي وصيته ونيابته، فکما أن النبي المبلّغ لأحکام ربّه لابدّ من عصمته، فالإمام کذلک؛ لوحدة الغرض في المهمة، إذ کيف نتصور أن يکون الخليفة غير معصوم ما لم يرتکب الخطأ في مهمته وإسقاطه عن أعين الناس فيما لو افترضنا عدم عصمته لقبيح ارتکاب ما ينافي مقامه کالکذب والسرقة والزنا وغير ذلک من منافيات مقام الخلافة، أضف إلي أن الإمام لو لم يکن معصوماً لترتبت عليه محاذير عدم عصمته، وهو احتياج الإمام إلي رعيته في شؤون إمامته، فربما احتاج إلي من هو الأعلم منه أو الأتقي أو الأفضل، وهذا ـ لعمري ـ خلاف العقل إذ کيف يمکننا تصور إمام محتاج إلي رعيته؟ ألا يکون ذلک غبناً للأفضل حين تقدّم المفضول عليه؟

علي أن غير المعصوم نتوقع منه الخطأ في التبليغ والاشتباه في إيصال الأحکام إلي المکلفين فيکون قوله وفعله غير حجة، بل يجب علي رعيته أن يأمروه بالمعروف وينهوه عن المنکر، فإنّ غير المعصوم يمکن وقوعه في المعصية واشتباه الأمر عليه، وهذا من أقبح القبائح أن يحتاج الإمام إلي من يسدّده وينهاه، والمفروض أن تکون الرعية مسددة من قبل الإمام متبعةً له وليس العکس، وهکذا يحتاج الإمام إلي إمام آخر، وکل إمام يحتاج معه إلي إمام دون انقطاعٍ لهذا التسلسل. کما أن غير المعصوم يمکن أن يقيم الحد علي غير مستحقه ويترک من استحق إقامة الحدّ عليه, فيختل النظام وتنتفي الحاجة إلي إمام يمارس مهمة هداية الناس وتنظيم شؤونهم، بل تبطل عند ذلک الحاجة إلي الرسالة والغرض من البعثة.

وإذا کان الغرض من البعثة هو التکامل الإنساني ورقي الفرد إلي أعلي مراتب الکمال، فإنّ النبي وکذلک الإمام يجب أن يکون في مرتبة من الرقي والکمال بما يمکنهما من تربية الأمة وما ينسجم واللطف الإلهي بعباده من أجل وصولهم إلي مراقي التکامل.

وهذا التکامل في النبي والإمام نطلق عليه العصمة، وهي حالة الکمال التي يبلغها الإمام في جميع تصرفاته وسلوکياته.

فالعصمة إذن ليس أمراً خيالياً أو ميتافيريقياً ـ کما تصورته الاطروحات الأخري ـ لا يمکن تناوله نظرياً وتطبيقياً، أو تصوره مع الحالة الإنسانية التي يتصف بها النبي والإمام، بل هي إحدي ضرورات القيادة الروحية التي يسعي إليها الإسلام من أجل الوصول إلي خلق مجتمعٍ متکاملٍ يقوده إمامٌ معصوم تخطّي حدود النفس الإنسانية المشوبة بنزعاتٍ خاصة تحول دون الرقي بشخص الإمام فضلاً عن مجتمعٍ يقوده حينذاک.