بازگشت

وجوب الخليفة


ومعني ذلک أنّ تقديم الإجابة من خلال الآية لا يعني توقف کل شيء وإنهاء کل شيء، بل تنطلق المعرفة الإنسانية من خلال هذه الإجابة التي أشارت إلي أن الغرض الإلهي لهذا الخلق هو عبادته تعالي وأن تنفتح الآفاق المعرفية إلي رحابٍ واسع من البحث عن هذه العبادة وحدودها. وتلک الطاعة ورسومها، وهکذا تحتاج هذه المعرفة إلي من يتکفّل بيان ذلک وتوضيحه، وإيصاله وتبليغه، فکما أنّ القرآن فيه من المحکمات الواضحات، فانّ فيه من المجملات المبهمات، وکما فيه من الخصوص والتقييد، فانّ فيه من الإطلاق والعموم، وهکذا فانّ القرآن لائحة قانونية إلهية تنطوي علي معارف ومسائل تضمن تنظيم العلاقة بين الخالق وعباده، وتعزيز الوشائج بين العباد أنفسهم، وفيه کل شيء ومنه يؤخذ کل شيء، إلاّ أن ذلک لا يعني إمکانية فهمه وقراءته اعتماداً علي أفهام المکلفين وقراءتهم وحدهم دون اللجوء إلي حملة علومه وعارفي أسراره وهم الراسخون في العلم لقوله تعالي)هُوَ الّذي أنْزَلَ عَليکَ الکِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْکَماتٌ هُنَّ أمُّ الکِتابِ وَأخَرُ مُتَشابِهاتٌ فأمّا الّذينَ فِي قُلُوبِهمْ زَيْغُ فَيَتّبِعُونَ ما تَشابَه مِنْهُ ابْتغاءَ الفِتنَة وَابْتِغاءَ تَأويلِه وما يَعْلُمُ تَأويلَهُ إلاّ اللهَ والرّاسِخُونَ فِي العِلْمِ..) [1] فاتباع ما تشابه ابتغاء معرفته اعتماداً علي الفهم الاجتهادي الذي يؤدي بالإنسان إلي أن يختلط عليه الواقع منهي عنه، وقد أوجب القرآن أتباع أهل تفسيره ومعرفته وهم الراسخون في العلم. وهؤلاء الراسخون هم صفوة خلق الله وحججه علي عباده الذين اصطفاهم لمهمة التبليغ، وانتجبهم لأداء الرسالة بما ينسجم وواقعها وما يتفق ونفس المکلف ونزعاته، بل وتطلعاته کذلک.

من هنا ظهرت الحاجة إلي وجود الخليفة فهو المبلّغ لأحکامه، فقولُهُ تعالي)وإذْ قالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ أَنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَليفَة) [2] دلالةٌ علي وجوب وجوده قبل وجود الخلق، وان ابتداءه تعالي لخلق آدم دليل واضح أن الخلق لا يمکنهم الاستغناء عن الخليفة؛ لذا ابتدأ بخلقه قبل خلقهم، وبلّغه أحکامه وعلّمه شرائعه، فأقامه سفيراً بينه وبين خلقه، منه يأخذون واليه يرجعون، وهذا شأنه تعالي في لطفه بعباده إذ لابدّ أن يقيم عليهم الحجة ويوضح لهم المحجّة الواضحة، فله الحجة البالغة علي خلقه.

قال الصادق عليه السلام: الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق. [3] فضرورة وجود الحجة إذاً تنشأ من حتمية إقامة غرضه تعالي وهو عبادته من قبل خلقه.

وقد ورد عن علي عليه السلام بأسانيد معتبرة قوله: اللهم بلي لا تخلو الأرض من قائم بحجةٍ ظاهر مشهور أو باطن مغمور لئلا تبطل حجج الله وبيّناته. [4] .

وکان لآدم عليه السلام خلفاء أوصياء مؤتمنين علي مهمته، إذ من غير المعقول أن يترک الله عباده بعد موت آدم دون مبلّغ، فغرضه تعالي من الخلق عبادته، ومعلوم أن ذلک لا ينتهي بانتهاء أمر خليفته، فلابد من خليفةٍ يوصل أحکامه ويقيم سفارته، فجعل لآدم عليه السلام أوصياء خلفاء أمناء علي ما ائتمنه عليه تعالي.

وهکذا الحال لنبيّنا محمد صلي الله عليه وآله، فلئلا يترک أمته دون هادٍ ودليل فقد أوصي للخليفة من بعده ليؤدي مهمته ويقيم حجته فأوصي إلي علي بن أبي طالب ومن بعده ولده الأحد عشر صلوات الله عليهم أجمعين، وسيأتي تفصيل ذلک في محله ان شاء الله تعالي.


پاورقي

[1] آل عمران (3): 7.

[2] البقرة (2): 30.

[3] إکمال الدين وإتمام النعمة: 16.

[4] إکمال الدين وإتمام النعمة: 278.