الا ليعبدون..
ثمّة أمور لا يمکن تجاوزها فيما إذا أردنا البحث عن خلافة الله في الأرض، وهي ذاتها تدفعنا إلي التساؤل عن سبب خلقة الخلق من قبله تعالي، ولعل ذلک التساؤل الأول الذي يطرحه الإنسان ليس علي مستوي البحث فحسب، بل علي أساس معرفة علّة وجوده والغرض من تکامله وتدرجات رقيه کذلک.
ولم يغفل القرآن الکريم هذه الحقيقة التي ترافق الإنسان بکل وجدانياته وأحاسيسه وکنه معرفته لنفسه، ولهذا الکون الرحيب، لذا فقد أولي عنايته البالغة في الإجابة علي هذا التساؤل بما ورد فيه من تعليل الغرض الإلهي لهذا الخلق وما رافق ذلک من المعارف الأخروية والدنيوية، وما يترتب من جزاءٍ علي أعماله من ثواب وعقاب، وما تؤول إليه طاعته ومعصيته، وما يتوقف عليه الرضي والقبول، وما تتضمنه الأوامر والنواهي، إلي غير ذلک مما يکفل تنظيم علاقة الخلق بخالقه، ومعرفتهم لغرضه تعالي وتکليفهم بعد ذلک.
هذه التساؤلات رافقت الخلق منذ فطرته حتي صار ذلک الهمّ الأساس الذي يحمله الإنسان في ضميره، ولعل الإجابات التي طُرحت من قِبَلِ مختلفِ التنظيرات لم تکن قد استجابت إلي حقيقة هذا التساؤل بقدر ما کانت تلبّي نزعات التنظير، ورغبات هذه التشکيلات التي (تبرعت) للإجابة علي ذلک، إلاّ أنّ التساؤل لازال قائماً يحمل همّ الإنسان وتطلعاته إلي معرفة نفسه وعلة وجوده، ولم تکن الرسالات السماوية بمنئي عن هذه التطلعات حتي ضمنت الإجابة علي ذلک بما يتکفل تلبية الحاجة الإنسانية إلي تلک المعرفة، وکان القرآن الکريم في طليعة هذه (المحاولات) التي تکفلت إشباع الضمير المعرفي في تطلعاته ونزعاته، وکان قوله تعالي (وَما خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُون) [1] إجابة وافية (تستريح) من خلالها النزعة الإنسانية المتطلعة إلي معرفة ذاتها.
پاورقي
[1] الذاريات (51): 56.