بازگشت

مقدمة المرکز


الحمد لله ربّ العالمين, والصلاة والسلام علي خير خلقه أجمعين محمّد وآله الطيبين الطاهرين, واللّعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين..

أمّا بعد:

فقد أولي الدين الإسلامي الحنيف بعض الأفکار والقضايا العقائدية اهتماماً خاصاً وأولوية مميّزة, ولعلّنا لا نبالغ ولا نذيع سرّاً إذا قلنا بأنّ الثقافة المهدوية تعدّ من أوائل تلک القضايا ترتيباً من حيث الأهمية والعناية التي أولاها المعصومون عليهم السلام من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً, وقد سبقهم إلي ذلک الرسول الأکرم صلي الله عليه وآله, فکان ينتهز المناسبة تلو الأخري ليطبع في ذهن الأمّة وتفکيرها مصطلحات ثقافة انتظار القائد المظفّر الذي سيرسم ملامح القسط والعدل علي ربوع الأرض بعد أن تغرق في غياهب الظلم والجور, محقّقاً بذلک الحلم السرمدي الذي نامت البشرية حالمة به علي مرّ العصور, والذي کان هو الأمل الأکبر الذي سعي إليه الأنبياء کافة.

وإذا کانت مقاييس الأهمّية والرفعة والخطر الذي تحظي به کل القضايا تتمثل بطرفين هما مبدأ ومآل کل قضية. فإنّ قضيتنا المقدّسة ـ التي نحن بصدد الحديث عنها ـ لا تدانيها قضية في الفکر الإسلامي.

فلو تحقّقنا في مبدأ هذه القضية وأصلها لوجدنا أنّ النبي الأعظم صلي الله عليه وآله يعادل بينها وبين مجموع رسالة السماء المبارکة الخالدة التي حملها إلي البشرية, فقد ورد عنه صلوات الله وسلامه عليه وعلي آله أنّه قال: (من أنکر القائم من ولدي فقد أنکرني)، [1] ولا نجد أنفسنا بحاجة إلي مزيد من التوضيح لأهمية فکرة يعدّ إنکارها إنکاراً لخاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليه وعلي آله الطاهرين.

بل يمکن القول بأنّ عدم الإيمان بهذه العقيدة يوازي عدم الإيمان بکل رسائل الأنبياء, وهو الذي عبّر عنه بالضلالة عن الدين, فقد ورد في الدعاء في زمن الغيبة: اللّهم عرّفني نفسک فإنّک إن لم تعرّفني نفسک لم أعرف نبيّک, اللّهم عرّفني رسولک

فإنّک إن لم تعرّفني رسولک لم أعرف حجّتک, اللّهم عرّفني حجّتک فإنّک إن لم تعرّفني حجّتک ضللت عن ديني , ومن واضحات الأمور نوع العلاقة والارتباط بين عدم معرفة الحجّة وبين الضلالة عن الدين, إذ أنّ هناک ثوابت ورواسخ لا يمکن أن تنفک بحال من الأحوال عن قاموس الفکر العقائدي الشيعي, بل الإسلامي بکل أطيافه, منها أنّ الذي يموت دون أن يعرف إمام زمانه, أو دون أن تکون في عنقه بيعة لإمام زمانه يموت ميتة جاهليّة کما ورد في الأحاديث الشريفة التي تناقلها المحدّثون من کافة الطوائف الإسلامية, وأي تعبير أفصح وأصرح من التعبير بالميتة الجاهلية عن بيان الضلالة في الدين؟!

هذا بالنسبة إلي الطرف الأوّل من طرفي مقياس أهمّية القضايا, والذي هو مبدأ هذه القضية وأصلها والإيمان بها.

وأمّا بالنسبة للطرف الثاني لهذه الفکرة المقدّسة التي حرص النبي والأئمّة من أهل بيته عليهم السلام علي غرسها في صميم أفکار الفرد المسلم, وهو المآل الذي تؤول إليه أو الثمرة التي تنتجها, فإنّ فيها تحقيق حلم الأنبياء وهدفهم الذي سعوا لأجله علي مرّ العصور, والأمنية التي رافقت العقل البشري منذ اليوم الأوّل لترعرعه, لأنّ هذا القائد المؤمّل هو الذي سينزع عن البشرية قيود الظلم والعبودية, وهو الذي سيخلع عليها حلّة العدل والإنصاف, فإنّه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.

وليس بعيداً عن توقّع کل عاقل أنّ مثل هذه القضية التي تحمل بين طيّاتها کل هذا المقدار من الأهمية والخطورة ستتعرّض ـ حالها في ذلک حال کل مفاهيم العدالة الربّانية ـ إلي وابل من سهام الغدر والعداوة, حيث أنّها تمثّل الخط العقائدي الإسلامي الأصيل الذي رسم ملامحه الناصعة نبي الرحمة صلي الله عليه وآله وواکبه علي ذلک الأئمّة المعصومون عليهم السلام. فلقد أبت القوانين الدنيوية إلاّ أن تضع بإزاء کل حق باطلاً ينازعه ويناوئه, فتکالب أعداء الحقيقة من کل حدب وصوب ليوجّهوا نبال التشويه والتشکيک, وکل أنواع المحاربة لهذه العقيدة التي هي من مسلّمات العقل الإسلامي, الذي تعامل مع هذه الفکرة منذ أعماق تأريخه علي أنّها أمر لا يمکن الغفلة عنه أو التنکّر له.

وهذا واحد من أهم الأسباب التي حفّزت فينا الشعور بعظم المسؤولية الملقاة علي عاتقنا في الحفاظ والدفاع عن هذه العقيدة المبارکة التي حظت بهذا المقدار العظيم من الرعاية الإلهية. هذا الأمر هو الذي دفعنا للنهوض لتحمّل جزء من أعباء هذه المسؤولية وإنجاز هذا التکليف الذي لا مناص من تحمّله, وإيصال ما يمکن إيصاله إلي المؤمنين المهتمّين بشؤون دينهم وعقائدهم, وذلک بعون الباري عزّ وجل, ورعاية من المرجع الديني الأعلي سماحة آية الله العظمي السيّد علي الحسيني السيستاني دام ظلّه الوارف, فکان تأسيس مرکز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف, وقد عني هذا المرکز بالاهتمام بکل ما يرتبط بالإمام المنتظر عجّل الله فرجه, ومن هذه الاهتمامات:

1 ـ طباعة ونشر الکتب المختصّة بالإمام المهدي عليه السلام, بعد تحقيقها.

2 ـ نشر المحاضرات المختصّة به عليه السلام من خلال تسجليها وطبعها وتوزيعها.

3 ـ إقامة الندوات العلمية التخصصية في الإمام عجّل الله فرجه, ونشرها من خلال التسجيل الصوتي والصوري وطبعها وتوزيعها في کتيّبات أو من خلال وسائل الإعلام وشبکة الانترنيت.

4 ـ إصدار مجلّة شهرية تخصّصية باسم (الانتظار).

5 ـ العمل في المجال الإعلامي بکل ما نتمکّن عليه من وسائل مرئية ومسموعة, بما فيها شبکة الانترنت العالمية من خلال الصفحة الخاصّة بالمرکز.

6 ـ نشر کل ما من شأنه توثيق الارتباط بين الأطفال وإمامهم المنتظر عليه السلام.

وقد سعي مرکزنا بکافة ما يملک من طاقات لأن يعمل علي أداء ما يقع علي عاتقه من مهام ضمن هذه المحاور من العمل.

فکان من بين ما وفقنا الله لإنتاجه سلسلة من الکتب المتخصّصة في ما يتعلّق بالإمام المهدي عجّل الله فرجه, أسميناها: (سـلسـلة اعرف إمامک), نقـدّم بين يديک ـ عزيزي القارئ ـ هذا الکتاب کحلقة من هذه السلسة التي نسأل الباري عز وجل أن يوفّقنا للتواصل في العمل بها لتوفير کل ما يمکن أن يخدم إخواننا المؤمنين وإعطائهم ما يحتاجون في رفد أفکارهم العقائدية المرتبطة بالإمام الغائب عجّل الله فرجه.

وکان العمل التحقيقي في هذا الکتاب يتضمّن تقطيع العبارات وإظهارها بالشکل المناسب الذي يضمن المساعدة في توضيح الفکرة المرادة من الکتاب وراحة القارئ الکريم, ثمّ استخراج المصادر والمآخذ للأحاديث والأقوال بشکل مختصر, والتخلّص من الأخطاء والاشتباهات, ثمّ إخراج الکتاب بالشکل المناسب له.

ولا بدّ في نهاية المطاف من تقديم الشکر الجزيل والثناء الجميل للأخوة الأفاضل في المرکز کافة, الّذين لم يألوا جهداً في العمل علي إظهار هذه السلسلة بشکلها اللائق.

والحمد لله ربّ العالمين

مرکز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) ذو الحجة 1424هـ.


پاورقي

[1] منتخب الأثر: 492.