بازگشت

مظاهر الکمال


أردت أن أتحدّث عن هذه المظاهر بتفصيل أکبر، لکن وللأسف الشديد أنّ الوقت أخذني وأدرکني، وأنا سوف أتحدّث عن مظاهر هذا الکمال، وکيف نلاحظ هذا الکمال بما يسعفني به الوقت.

التکامل يشمل التکامل العضوي والتکامل الروحي، فکما هناک تکامل روحي هناک تکامل عضوي.

هذه النظريّة تحتاج إلي تفصيل، بحث طويل حول أن تکون العلاقة العضويّة والروحيّة متکافئة أو تکون بينهما حالة تبادل في الکمال، يعني أثر الجانب الروحي علي الجانب العضوي، وکيف يمکن الإنسان إذا ترقّي روحيّاً يمکنه أن يؤثّر حتّي علي قوته ـ بنوع ما من التأثير ـ علي جسمه، هذا الکمال الجسمي، بحيث قواه أيضاً تملک نوعاً من أنواع الکمال.

الآن هذا الموضوع جدّاً مهم، فإن هذا الموضوع حاليّاً يطرح علي عدّة مستويات سواء علي مستوي الفلسفات الشرقيّة، التي هي معروفة بالبوذيّة وغير البوذيّة، أو الفلسفات الجديدة في الغرب وهي الفلسفات الروحيّة، هذا الموضوع مهم، وهو الذي يعبّر عنه الباراسايکولوجي ويتحدّثون عن أثر القوي الخفيّة التي توجد في واقع الإنسان علي الجانب العضوي في الإنسان، ليس فقط السکيلوجي وإنّما الجانب العضوي في الإنسان.

هناک أثر حقيقي موجود في الواقع، هذا الأثر کيف يوجد وکيف يمکننا أن نتوصّل إليه، فهذا يحتاج إلي حديث مختصّ به.

ولکن هناک عندما نقرأ الروايات عن إنسان دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه نجد هذا الإنسان يملک من القوي العضويّة مالا يملکه الإنسان الآخر..أعطيک مثالاً: العاهات والأمراض والعلل التي تصيب الإنسان، عندنا في رواياتنا عن أهل البيت عليهم السلام، وهذه الروايات موجودة أيضاً في کتب العامّة من اخواننا السنّة کما هي موجودة في کتب الشيعة، هذه الروايات لم نختص بروايتها وإنّما موجودة في کتب جميع المسلمين، تقول هذه الروايات أنّ الإنسان ـ إنسان دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه ـ يبرأ من العاهة، ويبرأ من الضعف البدني، ويبرأ هذا الإنسان من الأمراض والعلل.

کيف يمکن لهذا الإنسان أن يبرأ من هذه العاهات وهذه النواقص البدنيّة في جسمه؟! هذا يوجد له عدّة تفاسير.

ربّما الإنسان يفسّره علي أساس غيبي، فيقول أنّ هناک أمراً إعجازياً أو أمراً ربّانياً، شاء الله تبارک وتعالي ـ المشيئة وهي الإرادة التکوينيّة فيه ـ أن يکون هذا الإنسان المعاصر للمهدي عجل الله فرجه بهذا المستوي من القدرة والقوّة البدنية، هذا هو التفسير الأول.

لکن هذا التفسير لا نهضمه، لسبب هو أن الله تعالي أجري قانون الطبيعة في حياة الإنسان في زمان النبي صلي الله عليه وآله وقبله وبعده، ولم تذکر الروايات أنّ هذه الحالات التي سوف يتوصّل إليها الإنسان في دولة الإمام بسبب أمر غيبـي.

مثلاً: من جملة تلک الروايات ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام: «من أدرک قائم أهل بيتي من ذي عاهة برئ ومن ذي ضعف قوي» [1] تلاحظ الرواية تتحدّث أنّ من له عاهة جسميّة قبل دولة صاحب الأمر فإنها في دولة صاحب الأمر تبرأ بشکل غير إعجازي، بشکل تکويني، شکل طبيعي، شکل تجريبي داخل تحت التجربة وداخل ضمن قوانين الطبيعة، وکذلک في الضعف. هذه رواية من الروايات.

الرواية الأخري عن الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه عن علي بن الحسين عليه السلام أنّه قال: «إذا قام القائم أذهب الله عن کل مؤمن العاهة وردّ إليه قوّته» [2] وهذه بقوّة الرواية السابقة.

تلاحظ هذه روايات زوال الضعف وزوال العاهات والبرء من العلل والبرء من الأمراض قد يقال بالوضع التجريبي أنّ المجتمع المهدوي يصل بالتطوّر العلمي في شتّي وسائل، أو في شتّي مجالات العلوم يصل المجتمع المهدوي إلي مستويً کبير من التطوّر والتقدّم التکنلوجي وغير التکنلوجي بحيث تزول تلک العلل.

ولتوضيح هذه الفکرة نقول: الآن لو أنّ مجتمعنا يعيش في هذا القرن بدايات القرن الواحد والعشرين لو قسناه إلي مجتمع قبل سبع قرون نلاحظ نسبة العاهات ونسبة الأمراض ونسبة العلل والظواهر اللاّصحيّة التي کانت موجودة في تلک المجتمعات بنسبة کبيرة جدّاً وظاهرة للعيان، ولذلک الأوبئة کانت تنتشر بشکل سريع وکل سنة يتخوّف الناس في مواسم ـ خصوصاً مواسم الحر ـ من ظهور الأوبئة والأمراض مثل الکوليرا أو ما إلي ذلک، أمّا الآن فبالتطوّر العلمي خفت هذه الظواهر اللاّصحيّة بسبب التقدّم، وإن کان الإنسان توصّل لاکتشاف خريطة الجسم ـ فرضاً ـ التي يکتشف منها الأمراض المستقبليّة في الإنسان أو اکتشف أکثر هذه الخريطة للجسم استطاع أن يکتشف تلک الأمراض والأوبئة.

وهکذا في زمان الإمام سوف يتطوّر الإنسان وتظهر، کما عندنا إحدي الروايات أنّ الإمام المهدي إذا جاء نشر العلم [3] وکل علم ولا يختص فقط في علم الدين، وإنّما کل العلوم سوف تنتشر وتکون في أعلي مستوي في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه، ولذلک سوف تختبئ هذه الأوبئة، يعني بشکل طبيعي بدون حاجة إلي الإعجاز.

وهذا يؤيّده مجموعة من الروايات:

من جملة تلک الروايات التي تحدّثت عن قوي الإنسان الکامل في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في صفة أصحاب القائم، ويقصد أصحاب القائم المجتمع الکامل الذي يحققه الإمام المهدي عجل الله فرجه، يقول الإمام الصادق عليه السلام: «وإنّ الرجل منهم ليعطي قوّة أربعين رجلاً وأنّ قلبه لأشد من زبر الحديد ولو مروّا بجبال الحديد لقلعوها». [4] .

هذه القوّة التي تعطي للجسم، قد الآن أنا وأنت بما نملک من وسائل تجريبيّة ما استطعنا أن نوفّر هذا المستوي من الطموح في رقيّ الإنسان وتکامل الإنسان، ولکن لو نلاحظ أنّ الإنسان يمکنه أن يقوي ونجد الأسباب في قوّته الجسميّة ونجد الأسباب في ضمور عضلاته، إذا افترضنا أن المقصود من هذه القوّة هو فقط القوّة الجسميّة، علماً أنه يوجد احتمال آخر، هو أن تکون له وسائل قدرة کالرشاشات ـ فرضاً ـ بل أکثر وأرقي وأقوي من هذه القوي بالنسبة للإنسان.

هذه الروايات التي تحدّثت عن هذا الإنسان في زمان الإمام المهدي عجل الله فرجه تحدّثت عن الإنسان الذي سوف يتغيّر روحياً وسوف يتغير جسميّاً، هذا التغيّر الروحي والتغيّر الجسمي نحو الکمال، الکمال المنشود الذي يتناسب مع طموح الشريعة وطموح الأنبياء والأئمة عليهم السلام في تکميل الإنسان في أرقي المستويات.

الموضوع فيه تفاصيل کثيرة والوقت أدرکنا، نکتفي بهذا المقدار.

نسأل الله سبحانه وتعالي التوفيق لنا ولکم.

وبالنهاية أشکر العمادة، عمادة کليّة الطب علي هذه الفرصة، وأشکر مرکز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام، والذي هو برعاية آية الله العظمي السيد السيستاني حفظه الله، والذي بإشراف أخينا سماحة حجّة الإسلام السيد محمد القبانجي.

أسأل الله أن تتهيأ فرصة أخري نوفق فيها لتکملة البحث، لأن الوقت قد أدرکنا قبل إکمال البحث بجوانبه المهمة.

والحمد لله ربّ العالمين


پاورقي

[1] الخرائج والجرائح للراوندي: 2/ 839، بحار الأنوار: 52/ 335 الحديث 68.

[2] کتاب الغيبة للنعماني: 317 الحديث 2 من الباب 21.

[3] الخرائج والجرائح للراوندي ج2 ص841 ح 59.

[4] إکمال الدين وإتمام النعمة: 673 الحديث 26 من الباب 58.