بازگشت

التمهيد


هذا التغيير الذي يقوم به الإمام يبتدئ من العراق، ولذلک يحتاج هذا الدور إلي تمهيد، وهي المرحلة الثانية: مرحلة التمهيد، يأخذ العراق دوراً کبيراً قبل أن يتحرک الإمام وقبل أن يظهر الإمام.

لابدّ لهذا المجتمع الذي خرج من الامتحان ناجحاً، لابد أن يکون له دور الممهّد لظهور الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه.

هناک روايات تتحدث عن الممهدين للمهدي سلطانه وعن الموطّئين ـ الذين تعبّر عنهم الروايات: الموطئون للمهدي سلطانه [1] ـ هؤلاء ينطلقون بحرکتهم من العراق إلي خراسان، يعني هذه حرکة متواصلة، ولا أريد أن أتحدّث عن الجانب الجغرافي لوجود هذه الحرکة المتّصلة؛ العراق خراسان والمناطق الأخري، إنّما أتحدّث عن هذا الجانب في هذه المحاضرة وهو: أنّ العراق جزء من الموطّئين والممهّدين للإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه.

هناک روايات متنوّعة تحدّثت عن هذا التمهيد، من جملة الروايات التي تحدثّت عن أن هناک قوي بمستوي الوعي وبمستوي الإدراک وبمستوي المسؤولية للتغيير الشمولي للدنيا في العراق قبل الظهور، إقرأ هذه الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام:

قال: ­«يدخل الکوفة ـ يعني الإمام المهدي عجل الله فرجه ـ وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له، ويدخل حتّي يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البکاء». [2] .

لاحظ شيئين:

الشيء الأوّل: أنّه يأتي العراق، فلو کان العراق لا يملک التأهيل المناسب لاستمرار ثورته لانتقلت حرکة الإمام إلي منطقة أخري، مثلاً: إلي الشام أو إلي خراسان أو إلي اليمن أو إلي مصر، لکنه تجاوز کل تلک المناطق وإنما بمجرّد أن نجح في مکّة والمدينة ـ کما تقول الروايات ـ توجّه إلي العراق.

الجهة التي يتحرّک وينطلق منها إلي الدنيا هو أن يأتي إلي العراق فيؤسّس الدولة المهدويّة في العراق، ثمّ بعد ذلک ينطلق إلي الدنيا، عندما يأتي إلي العراق.

لا يتصوّر البعض في حرکة الإمام الجانب السلبي الذي سمعناه وقرأناه في کثير من المرّات، حيث تحدّثت عن العراق بشکل سلبي فقط، وإنما سوف يکون للعراق دور إيجابي، هذا الدور الإيجابي فيه ثلاث رايات.

بعض الروايات تقول فيها: راية الحسني وراية الحسيني وراية الخراساني هذه ثلاث رايات، رايات هديً، يعني القوي الحاکمة في المنطقة قويً لها امتداد عميق في الأمّة، قويً تشکل براياتها الثلاث ـ والراية تمثل عملاً إيجابياً ـ قوي مسلّحة أو قوي غير مسلحة عسکرياً، ولکن تملک الجمهور الذي يساند، هذه الراية وهذه القوي هي الموطّئة والممهّدة.

عندما يأتي المهدي تکون هذه القوي قد فرغت العراق له، ولذلک لم نقرأ في الروايات أن هناک حرب تجري في العراق بين الإمام المهدي وبين أهل العراق، لا توجد أي رواية إلاّ رواية البتريّة التي تحدّثت عن أولئک الاثني عشر ألف الذين يخرجون ويسمّون البتريّة يقولون عندما يظهر الإمام: ما لنا ولک يابن فاطمة ارجع لا شأن ولا شغل لنا معک فيضع السيف فيهم. [3] .

أولئک البتريّة قوم غرباء عن العراق، البترية لم يکونوا من الشيعة، قوم غرباء عن العراق غرباء عن التشيع غرباء عن شخصيّة هذا المجتمع العراقي، تکون الحرب في الأرض العراقية ولکن الشعب لم يکن شعباً عراقياً ولم يکن مجتمعاً عراقياً، الذي يقاتل هؤلاء هو الإمام المهدي بالرايات الثلاث: راية الحسني وراية الحسيني وراية الخراساني التي تکون قد نشرت.

الشيء الثاني: الاضطراب الذي تذکره الرواية يکون في معنيين: معنيً من معاني الاضطراب إذا اهتزت لشدة وکثرة الجمهور والقواعد التي تحمل تلک الراية، يعبّر عنها قد اضطربت.

وهناک تفسير آخر قد يکون للاضطراب: هناک حالة من اللاتفاهم الجزئي أو حالة من الاختلاف الجزئي الذي يکون بين هذه الرايات، والتي تسقط علي يد الإمام عجل الله فرجه.

علي کل حال، هذا الوضع يوضّح أن هناک قويً قبل ظهور الإمام، هذه القوي تمهّد للإمام وتوطّئ للإمام عجل الله فرجه.

الرواية تتحدّث عن المجتمع العراقي تقول: «حتّي يأتي المنبر» لم يکن الإمام له مدّة طويلة عند دخوله العراق، وإنما الإمام عجل الله فرجه بمجرّد أن يصل إلي الکوفة يصعد المنبر ويخطب بالناس «فلا يدري الناس ما يقول من البکاء» أنت لاحظ: من البکاء لا يفهم الناس ما يقول الإمام، لأن حالة البکاء شملت الناس، وهذا يفسّر شيئين:

أوّلاً: کثرة الجمهور، لأنه لو کان بکاءً فردياً لا نتبهوا.

ثانياً: يعطيک مدلول الحالة النفسية والعاطفيّة بين الجمهور والقائد، يعني الحالة العاطفيّة والانفعال في أوجه، حالة الترقب والفرح والحضور في أعلي مستوياتها، حيث غلب البکاء علي الجمهور.

إذن هذه القاعدة التي تکون قبل ظهور الإمام لم تکن قاعدة صغيرة، ولم تکن هذه القاعدة شاذّة أو تعبّر عن حالة فردانية بالحضور، وإنما تکون قاعدة واسعة من حيث الکم، وتکون قاعدة واعية ومتّفقة عقائديّاً وعاطفيّاًَ مع الإمام لذلک يأخذها الانفعال، الانفعال الذي يغلب علي کل حواس الإنسان سواء السمع أو غيره، لأنّ الإنسان الحاضر قد توجّه بکلّه إلي الإمام.

هذا الوضع يعطينا أملاً في هذه الظلمة، إذ ربما الإنسان في مثل هذا الجو عندما يخرج إلي الشارع وعندما يخرج إلي المجتمع قد تأخذه حالة من حالات اليأس وحالة من حالات فقد الإرادة التي يعيش بها العالم الإسلامي والعالم العربي الآن.

هذا الوضع المأساوي الذي تعيشه الأمّة ککل، هذا الوضع هو فقدان الجانب الفاعل في الإنسان والجانب المؤثّر في الإنسان.

الذي يعطي الزخم المستقبلي الإيجابي هي العقيدة المهدوية عندما سوف تکون في هذه المرحلة العقيدة بکل خصوصيّاتها الشيعيّة التي تحکم الإنسان وفکر الإنسان، وتکون مؤهّلة للظهور.

هذه الحالة من حالات الهزيمة التي نعيشها، الهزيمة السياسية بعد الهزيمة العسکرية في عدّة مواقع وقعنا فيها، هذه الهزيمة سوف تکون في مرحلة زمنية محدودة، وفي مرحلتنا هذه لا تکون طويلة وممتدّة، وإنما سوف تنقلب هذه الهزيمة إلي حالة إيجابية عندما نرتبط مع الروح الحقيقيّة للعقيدة الشيعيّة بما تفهمه عن الحرکة المهدوية، هذا الجانب الثاني.


پاورقي

[1] راجع کنز العمال للمتقي الهندي ج 14 ص 263 ح 38657.

[2] الإرشاد للشيخ المفيد: 2/ 380، کتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 469.

[3] دلائل الإمامة للطبري (الشيعي): 455.