بازگشت

احدث الامثلة والبراهين علي ذلک


وأحدث الأمثلة والبراهين علي صحة ما ذکرناه موقف بطون قريش والعرب عامة من نبوة ورسالة محمد صلي الله عليه وآله وسلم، فقد وقفت بطون قريش وقفة رجل واحد ضد النبي، وقاومته ودعوته طوال مدة ال‍ 15 سنة التي قضاها في مکة قبل الهجرة، وحاصرته وبني هاشم ودعوته وقاطعتهم، وعذبت المستضعفين من أتباعه، وتآمرت علي قتله، ولما نجح النبي بهجرته استعدت عليه العرب، وجيشت الجيوش، وشنت عليه حروبها العدوانية، وحاربته حربا لا هوادة فيها، ومکرت به مکرا يزيل الجبال!! کانت بطون قريش ومن والاها من العرب يعتقدون أن رسول الله هو الشر بعينه، وکانوا يکرهونه إلي درجة العقد، ويکرهون من والاه حقا بنفس الدرجة. وکانوا يعتقدون أن أبا سفيان، ومعاوية، ويزيد، وأبا جهل، وعتبة وغيرهم من أئمة الکفر هم رموز الخير، وقادة الفلاح، ورموز الإصلاح، وأن الحياة لا تستقيم بغير قيادتهم الملهمة، لذلک والوهم وأطاعوهم ووضعوا تحت تصرفهم الغالي والرخيص ليحاربوا عدوهم محمدا حتي آخر سهم!!!

ومضوا بعداوتهم المجنونة للنبي، وبحقدهم عليه، وعلي من والاه، وبعد 23 سنة من المقاومة والعداء والحرب لمحمد کانوا يعتقدون أن الحرب ما زالت في أولها، وأنه لا ينبغي لهم أن يضعوا السلاح حتي يموت محمد ومن والاه أو يموتون، بهذا المناخ دخلت جيوش محمد عاصمتهم، عاصمة الشرک، وأحيط بالمجرمين وبقادة جبهة الشرک فاستسلموا عسکريا، واضطروا مکرهين أن يعلنوا إسلامهم بقيا منهم علي الحياة!! وتبعا لاستسلام قادة الشرک وإعلان إسلامهم، استسلمت جموع المجتمع، وأعلنت إسلامها وادعي قادة الشرک بأن قلوبهم کانت عمياء، وأن في



[ صفحه 174]



ذوقهم العام خلل رهيب، وادعي أتباعهم مثل ادعائهم، وصرحوا علنا بأن محمدا رسول الله هو الجدير بالمحبة، وأنهم کانوا خاطئين بعدائهم له، وهم راضون من قيادته کل الرضا، ومن المؤکد أن رسول الله کان يعرف حقيقة ادعاءاتهم ولکن الرسول عفا عنهم، وأعطاهم فرصة جديدة، وقبل منهم الظاهر، ولکنه وعلي سبيل الاحتياط والتحذير لأوليائه من کيدهم سماهم بالطلقاء وسماهم بالمؤلفة قلوبهم، وخصص الله تعالي لهم جزءا من الصدقات حتي يعرفهم المؤمنون بهذه الصفة أبدا فيحذروهم ويتقون شرور مکائدهم، وبنفس الوقت فرصة أمامهم ليصلحوا أنفسهم ويرجعوا عن غيهم، ولکن المؤمنين تناسوا، فبعد وفاة النبي مباشرة صار الطلقاء والمؤلفة قلوبهم هم أرکان الدولة الفعليين!! فجنوا ثمرة حربهم للنبي وعدائهم له، وحققوا بالدهاء ما عجزوا عن تحقيقه بالحرب.

وما يعنينا أنه بعد هزيمة جبهة الشرک صار محمد حبيب الجميع وادعي الجميع بأنهم راضون منه، وقابلون بحکمه، وسعداء بقيادته!! لست أدري هل فاضت مشاعرهم بالمحبة للنبي لأنه نبي وحامل دعوة الإصلاح الحقيقية، أم لأنه غلبهم، وقهرهم، وکانوا من قبل قد تعودوا علي موالاة من يغلب ويقهر!!؟ يقينا أن المؤمنين الصادقين والعقلاء قد أفاضوا تلک المشاعر بحق وصدق، لکن أني للظالمين، وأني للغوغاء أن يقولوا فيصدقوا، أو يوالوا فيخلصوا وهم الذين صنعوا ثقافة الذل وورثوها جيلا بعد جيل!!