بازگشت

المهدي المنتظر يملأ الأرض قسطا وعدلا کما ملئت جورا و ظلما


من السمات البارزة، والبني الأساسية التي تستند عليها نظرية المهدي المنتظر في الإسلام هي التأکيدات النبوية القاطعة، بأن المهدي الذي بشر النبي بظهوره ذات يوم سوف يملأ الأرض بالقسط والعدل تماما، کما ملئت قبل ظهوره بالجور والظلم.

فأهل بيت النبوة مجمعون علي أنهم قد سمعوا تلک التأکيدات القاطعة من رسول الله، وأنهم قد تناقلوها جيلا بعد جيل، وورثوها من النبي مع نفائس علمي النبوة والکتاب، وسماعهم لهذه التأکيدات واستيعابهم لها من الأمور اليقينية التي لا يشکون إطلاقا بصحتها، وهي متواترة عندهم ويرسلها الکبير والصغير منهم إرسال المسلمات، وتبعا لإجماع أهل بيت النبوة المشهود لهم إلهيا، بالطهر والتميز والملازمة الدائمة لرسول الله أثناء حياته، وبوراثتهم لعلمي النبوة والکتاب أجمعت شيعتهم علي أن هذه التأکيدات قد صدرت من الرسول بالفعل، فهي مع بقية البني الأساسية من نظرية المهدي المنتظر تشکل جزءا أساسيا من معتقدهم الإسلامي، وسمة مميزة من مذهبهم الديني.

أما الخلفاء التاريخيون وشيعتهم (أهل السنة) فقد توصلوا إلي ذات النتائج المتعلقة بهذه التأکيدات، فصحت عندهم کافة الأحاديث النبوية التي تؤکد بأن.



[ صفحه 163]



المهدي المنتظر سيملأ الأرض قسطا وعدلا، کما ملئت جورا وظلما، وتواترت هذه التأکيدات، وأرسلها علماء أهل السنة الأعلام إرسال المسلمات أيضا، وجزموا بأن هذه التأکيدات قد صدرت عن رسول الله بالفعل.

مما يعني أن الأمة بشقيها: (أهل بيت النبوة ومن والاهم والخلفاء التاريخيون ومن والاهم)، مجمعون علي أن رسول الله قد بين للمسلمين وأکد لهم بأن المهدي المنتظر سيملأ الأرض قسطا وعدلا، کما ملئت جورا وظلما، وهم جميعا قد جزموا بأن هذه الأحاديث قد صدرت من رسول الله بالفعل، وهم علي يقين بأن هذه المهمة: (مل ء الأرض قسطا وعدلا کما ملئت جورا وظلما) من المبررات والأسباب الأساسية، لظهور المهدي المنتظر، ويعتقد الجميع بذلک، ويؤمنون به، وقد شکل هذا الاعتقاد جزءا من عقيدة المسلمين الدينية.

فبعد موت النبي بقليل حلت عري الإسلام کلها، عروة بعد عروة، ورفع الحکم الإلهي من الأرض، وصار الملک الذي تمخضت عنه النبوة. بحوزة من غلب، وحيل بين المرجع الديني المعتمد من الله ورسوله، وبين ممارسة مهام مرجعيته، وبموت النبي وانتهاء عهده العظيم، وبتحييد المرجع الديني، فقد العالم النموذج الأمثل، وحل الرأي محل النص، وشاع الاجتهاد مع وجود النص، وإن جرت محاولات لتطبيق النصوص الشرعية، فإنها قد فشلت، لأن تطبيق النصوص الشرعية يحتاج إلي أهلية وإعداد خاص لا يتوفر إلا بالنبي، أو الإمام المؤهل إلهيا من بعده، وهذا مبدأ مسلم به حتي في القوانين الوضعية، فالجهة المؤهلة لإصدار حکم قطعي مبرم حائز علي الحقيقة القانونية هي محکمة التمييز، أو محکمة النقض، وأعضاؤها يشکلون أو من المفترض أن يشکلوا ويکونوا قمة الفهم والوعي القانوني، بحيث لا يعلو فهمهم فهم، ولا وعيهم وعي، فإذا کانت القوانين التي يضعها البشر قد وصلت إلي هذا المستوي من التقنية القانونية، فلا تتعجب من قولنا بأن النص الشرعي يحتاج تطبيقه إلي نبي، أو إمام مؤهل ومعد إلهيا. فضلا عن ذلک فإن الإسلام کشريعة لا يؤتي أکله کاملا إلا إذا طبق کاملا، وبقيت عراه - خاصة نظام الحکم - کلها متماسکة، ولم تحل..



[ صفحه 164]



والخلاصة أنه وبعد موت النبي، وحل عري الإسلام، والاستيلاء علي منصب الخلافة بالقوة والتغلب، وحلول الآراء محل النصوص والعمل بالاجتهادات، مع وجود النصوص الشرعية، رفع الحکم الإسلامي عمليا من واقع الحياة، ولم يبق من الإسلام إلا الهيکل أو الشکل الخارجي اللازم للمحافظة علي الملک وتوسيعه باسم الإسلام.

بمعني أن حکما وضعيا له طبيعة دينية قد دخل الساحة الدولية المکتظة بالأحکام والمنظومات الوضعية، والمستندة إلي الآراء الشخصية القابلة للصواب والخطأ، وأن الساحة الدولية قد خلت تماما من أي منظومة حقوقية إلهية، ومن أي ترشيد إلهي عملي لحرکة العالم السياسية، مما يعني أن المناخ الملائم لنشوء الظلم ونموه وترعرعه قد نشأ، وأخذ ساعد الظلم يشتد بهذا المناخ يوما بعد يوم، حتي ألقي الظلم أجرانه علي الأرض فعلا، فالناس يقدسون اليوم عقيدة وضعية، وتتبناها دوله، وتقدمها علي أساس أنها أکسير الحياة، وبعد تطبيقها وبوقت يطول أو يقصر يکتشف الناس فساد هذه العقيدة، وتعترف الدولة بهذا الفساد وتأتي عقائد أخري، ثم تموت، ولا تثمر إلا الظلم والمعاناة، حتي صار الظلم من أبرز الموجودات علي وجه الأرض.

بعد أن يجرب العالم کل شئ، ويلجأ لکل رأي، ويختبر کل عقيدة وضعية، ثم يکتشف أن ما جرب وما لجأ إليه، وما اختبر، لم يثمر إلا الظلم وعندما يحس کل واحد من أفراد الجنس البشري بوطأة الظلم وهوله، وعندما تمتلئ الکرة الأرضية، ويکتوي الجميع بنار الظلم، هنالک فقط يعرفون قيمة القسط والعدل، عندئذ يظهر الإمام المهدي المنتظر ومعه عقيدة الإسلام من أنقي المصادر، فيقوم بتطبيقها، فتثمر الحکم الإلهي ويثمر الحکم الإلهي العدل والقسط، وعندما يذوق أبناء الجنس البشري طعم العدل الحقيقي يعشقونه، ويعشقون الذي جاء به ويکرهون الظلم الذي کوي قلوبهم، وبفترة وجيزة، تقتلع جذور الظلم من الکرة الأرضية، ويحل محلها العدل المطلق، والقسط المطلق الذي يتولي المهدي المنتظر وبالإشراف الإلهي نشرهما، حتي يلقيا أجرانهما في الأرض. وهذا هو الجانب الحقوقي من عصر المهدي المنتظر الذهبي..



[ صفحه 165]