الجذور التاريخية لهذا المخطط (الخلط و التمييع و محاولة صرف ه
بعد موت النبي مباشرة وعندما اشتد الجدل والصراع علي الخلافة بين قيادة بطون قريش ومن والاها من جهة، وبين علي بن أبي طالب الإمام الشرعي وابنة النبي الزهراء وسبطي النبي الحسن والحسين ومن والاهم من جهة أخري، عرضت قيادة البطون علي العباس بن عبد المطلب عم النبي أن تجعل له ولعقبه شيئا من هذا الأمر: (أي الخلافة) مقابل أن يتخلي عن دعمه لأهل بيت النبوة وأن يقف مع البطون، وقدرت قيادة البطون أن انحياز العباس لجانبها يشکل ضربة فنية ومعنوية قاصمة لأهل بيت النبوة وادعائهم بالحق بقيادة الأمة!! لأنها تکون بهذه الحالة قد ضربت عم النبي بابن عم النبي الآخر وبابنة النبي وسبطيه فتتصدع وحدة البطن الهاشمي وتتهدم کافة حجج أهل البيت، ويشب الصراع بين آل محمد وآل أبي طالب من جهة، وبين آل العباس من جهة أخري، وتتحول قيادة البطون إلي قاض وخصم معا، وتتفرج علي هذا الصراع، واکتشف العباس مضامين وأهداف قيادة بطون قريش من هذا العرض، فرفضه رفضا قاطعا وبإباء، ورد عليهم بحزم ورجولة، وقد حاول الخليفة الثاني، والثالث ومعاوية أن يجتذبوا إلي جانبهم عبد الله بن العباس خاصة، والعباسيين عامة، لذات الغرض لينافس عبد الله الحسن والحسين بعد أن أخفقوا بأن يجعلوا العباس ينافس الإمام علي، ويبدو أن.
[ صفحه 158]
تلک المحاولات قد نجحت إلي حد ما. صحيح أن العباسيين لم يقفوا ضد علي وضد الحسن والحسين، ولکنهم لم يقفوا معهم أيضا، لقد قرر العباسيون أن يعملوا لصالحهم الخاص، وقدروا أن عملهم لصالحهم الخاص لن يؤتي أکله ولن يثمر، ما دام سبطا النبي الحسن والحسين أحياء!! لأنه ليس بإمکان أي عباسي أن يدانيهما بالشرف والقربي والمکانة. لقد قرر عبد الله بن العباس أن يعتزل وأن يتخلي عن الإمام علي، والإمام أحوج ما يکون إليه، لقد کانت فعلة عبد الله جرحا نازفا في قلب الإمام، تحمل آلامه العميقة في صمت وبلا إعلام. ومع الإمام الحسن قد عهد لعبيد الله بن العباس بقيادة أول جيش يشکله ومع أن معاوية هو القاتل عمليا لطفلي عبيد الله، إلا أن عبيد الله لم يجد حرجا ولا غضاضة عندما استمال ثلثي الجيش الذي سلمه الإمام الحسن قيادته وانضم إلي معاوية عدو آبائه وأجداده وأحد قادة قدامي المحاربين ضد الله ورسوله!! فکانت فعلة عبيد الله الضربة المعنوية القاتلة التي أصابت من الحسن ومعسکره مقتلا يصعب علاجه!!
فإذا کان عبيد الله ابن عم النبي ينضم لمعسکر معاوية طمعا بما عنده من دنيا، فما الذي يجبر أعرابيا لا دين له علي البقاء في طاعة الإمام الحسن!! إنها من ضربات قيادة البطون ومن ثمرة ثقافاتها، لأن قيادة البطون وثقافتها المعادية لآل محمد تعرف بالتجربة المقاتل تماما!!
إنه ليس من المستبعد أن يتولي أعداء أهل بيت النبوة الذين أشربوا الثقافة المعادية لأهل بيت النبوة وضع عدة أحاديث تبين أن المهدي المنتظر الذي بشر به الرسول من ذرية العباس عم النبي، وليس من أهل بيت النبوة کما يزعمون!!
والقصد نفسه يتمثل باستعداء العباسيين علي أهل البيت وعزل أهل بيت النبوة عن الأمة، ومحاولة صرف هذا الشرف عنهم، خاصة وأن کافة الأحاديث النبوية قد رويت وکتبت في عهد بني العباس، وأن رواة هذه الأحاديث الذين جمعوا يخضعون للحکم العباسي، وما هي مصلحة بني العباس بنفي هذا الشرف عنهم، إن مجرد الزعم بأن المهدي من بني العباس يشکل دعما لنظامهم، وتثبيتا لأرکان ملکهم!! ثم ما هو الفرق بينهم وبين آل أبي طالب!! أليس العباس عم النبي
[ صفحه 159]
وليس من المستبعد أيضا بأن النبي عندما أخبر الأمة بما کان وما هو کائن، أن يکون قد قال للعباس بأن ذرية العباس ستستولي علي الخلافة بالقوة يوما ما، وأن من جملة ملوکهم أو خلفائهم رجال يلقبون أحدهم بالسفاح والآخر بالمنصور، والثالث بالمهدي. ومصطلح المهدي مجرد لقب لقب به وعرف به، وهذا اللقب لا يجعل منه المهدي الذي بشر به الرسول، فإذا سميت ابنک أو أحد الملوک بالمهدي فهل يصبح بموجب هذه التسمية المهدي الذي بشر به رسول الله؟؟!
ومن المؤکد أن العباسيين کانت لهم دولة، وکانت لهذه الدولة أجهزتها السرية المکلفة بدعم النظام والمحافظة عليه بالأساليب الخفية، کما تفعل الدول اليوم، ومن الجائز أن تکون الدولة قد استغلت إخبار الرسول للعباس، بما هو کائن، فطورت هذا الحديث واختلقت توابعه!! مع أن کافة الأحاديث المتعلقة بمهدي العباسيين ساقطة بکل الموازين التي أوجدها علماء الحديث، ومعارضة لأحاديث المهدي المنتظر الصحيحة والمتواترة عندهم.
وليس من المستبعد أن تکون أحاديث مهدي العباسيين، ومهدي الأمة المجهول، أو نفي فکرة المهدي عن الجميع وقصرها علي عيسي ابن مريم من اختلاق الأمويين وأوليائهم لنفس الغايات والأهداف التي أشرنا إليها وتفصيل ذلک:
أن الخلفاء الثلاثة الأول کانوا قد منعوا کتابة ورواية الأحاديث النبوية، وأحرقوا المکتوب منها، ورفعوا شعار (حسبنا کتاب الله)، ولم يأذنوا برواية إلا ما يتفق مع توجهاتهم وسياساتهم.
وعندما آلت الخلافة إلي علي بن أبي طالب بدأ نشر الحديث بأسلوب المناشدة والاستشهاد بقدامي المحاربين من الصحابة، وأوشکت الأمور أن تتضح، وکاد الحبل أن يفلت من بناة دولة الخلافة وأوليائهم، ولکن في بداية الطريق برز معاوية بن أبي سفيان والي الشام، وأحد مؤسسي نظام الخلافة، وأبرز أرکان دولة الخلفاء الثلاثة الأول، وعندما غلب معاوية أمة محمد واستولي بالقوة علي منصب الخلافة، قاد بنفسه حملة کبري لرواية وکتابة أحاديث الرسول
[ صفحه 160]
المتعلقة (بالفضائل فقط) فأصدر سلسلة من المراسيم الملکية إلي کافة ولاته وأمرائه وعماله أمرهم فيها:
1 - بأن يرووا فضائل الخلفاء الثلاثة الأول وأن يرکزوا ترکيزا خاصا علي فضائل الخليفة الثالث، وبعد ذلک يروون فضائل الصحابة.
2 - أن لا يترکوا فضيلة لعلي بن أبي طالب أو أحد من أهل البيت إلا ويضعوا فضيلة لأحد من الصحابة تنقضها وتشابهها. (راجع شرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 595. وما فوق نقلا عن المدائني في کتابة الأحداث:
(تحقيق حسن تميم)) وأمر معاوية الولاة والعمال والأمراء بأن يقربوا الرواة، ويجزلوا لهم العطايا والإقطاعات. وفجأة انشقت الأرض عن آلاف الرواة الذين رووا عشرات الألوف من أحاديث الفضائل التي لا أصل لها، والتي اختلقت لإرغام أنوف بني هاشم کما يقول ابن نفطويه، ولما تحقق لمعاوية ما أراد، وقدر أن فضائل أهل بيت النبوة قد ضاعت، أو فقدت قيمتها، وأن مکانتهم الدينية قد تلاشت تماما أمر معاوية بتدريس هذه المرويات في المدارس والجامعات والمعاهد، وفرض علي العامة والخاصة تعلمها وحفظها، ودامت الحال حتي أواخر عهد الأمويين وبعد سقوط الدولة الأموية، ورفع الحظر والمنع عن رواية وکتابة أحاديث الرسول في بداية العهد العباسي نقل علماء الحديث کافة الروايات التي تمخضت عنها حملة معاوية، والتي احتضنتها الدولة الأموية وعممتها، وهي روايات متقنة من حيث الشکل لأنها قد وضعت تحت إشراف دولة ومن الممکن جدا بل ونکاد أن نقطع، بأن (لا مهدي إلا عيسي، والمهدي من ولد العباس، والمهدي رجل من الأمة)، کانت من هندسة معاوية وولاته ورواته لأنها تتفق مع المراسيم الملکية التي أصدرها في بداية عهده، وتخدم ذات الغاية: (لا تترکوا فضيلة لأبي تراب أو لأحد من أهل بيته إلا وتأتوني بمناقض لها من الصحابة) وکون المهدي من صلب علي فضيلة بموازين معاوية، وحتي تنقض هذه الفضيلة، لا بد من نفي فکرة المهدي، وإلصاقها بشخص آخر، وليکن عيسي ابن مريم ولما أدرک رجال معاوية أن النفي غير ممکن جعلوا المهدي نکرة من أفراد الأمة، ولما أدرکوا عدم معقولية الفکرة، جعلوا المهدي من ولد العباس..
[ صفحه 161]
وجاء علماء الحديث فنقلوا مرويات معاوية وطاقمه، کما هي ودونوها في صحاحهم ومسانيدهم ومؤلفاتهم باعتبارها جزءا من وثائق الدولة الإسلامية، ولأن رعايا الدولة کلها قد أطلعوا عليها، وتعلموها. هذه هي الجذور التاريخية لأحاديث (لا مهدي إلا عيسي، والمهدي رجل من الأمة، والمهدي رجل من ولد العباس)، وهي محض اختلاق، وأثر من آثار حملة الرواية التي قادتها دولة معاوية وطواقمها.
وهذه الأحاديث (لا مهدي إلا عيسي والمهدي مجرد رجل من الأمة، والمهدي من ولد العباس) تتعارض مع الأحاديث الصحيحة والمتواترة ومع إجماع الأمة ومع إجماع أهل بيت النبوة وأوليائهم وهي ساقطة بکل موازين علم الحديث. والاهم أن وقائع التاريخ تناقضها وتکذبها تماما).
[ صفحه 162]