السبب الحقيقي الذي يدفع المتشککين للتشکيک بالمهدي المنتظر و
الأسباب التي يوردها المتشککون للشک بالمهدي المنتظر وبالأحاديث الواردة فيه والتي سقناها وردينا عليها في البحث السابق هي أسباب ظاهرية يلج من خلالها المتشککون إلي دائرة الحوار طمعا بهز اعتقاد الأمة، وتشکيکها بالواضحات المسلمات.
أما السبب الحقيقي الذي يدفع المتشککين للتشکيک فهو کراهيتهم المطلقة لولاية آل محمد، ولقيادة أهل بيت النبوة!! وولاؤهم المطلق للواقع التاريخي والخلافة التاريخية. لأن المتشککين قد أشربوا في قلوبهم الثقافة التاريخية التي فرضت أصلا بسطوة الدولة التاريخية ونفوذها وأحوالها، ثم تحولت إلي برامج تربوية وتعليمية ثابتة يتناقلها المسلمون جيلا بعد جيل، فاستقرت بحکم العادة والتکرار، وصار الناس يعتقدون بصوابها، ثم تمادي هذا الاعتقاد، فألقي بروعهم أنها جزء لا يتجزأ من الدين، بل هي الجانب السياسي من الدين فتصبروا بها وحرصوا عليها حرصهم علي الإسلام الذي اختلط عمليا هذا الاعتقاد فيه.
هذه الثقافة التاريخية التي تحولت إلي قناعة دينية، قائمة أصلا وأولا وآخرا علي استبعاد أهل بيت النبوة استبعادا کاملا عن مرکز قيادة الأمة، وتسليم هذه القيادة للبطل الغالب الذي يجبر الأمة علي الاستسلام له، والانقياد لطاعته، وهذه الثقافة أيضا قائمة علي التقليل من أهمية أهل بيت النبوة، واعتبارهم في أحسن الظروف مجرد أفراد من مجتمع أکثر أفراده صحابة، وإن وجدت أهمية لأهل البيت فهي مقصورة علي المبارکة وعلي شهادة الخليفة الغالب، ومن قبيل الدعاية له. فمثلا عندما يبدأ الخليفة الثاني بآل محمد بالعطاء، فهذا لا يعني أن آل محمد خير منه حتي يقدمهم عليه بالعطاء، ولو أنه عني ذلک لقدمهم عليه بالخلافة، ولکن تقديمه لهم عليه بالعطاء، يرمز لعدله، وعظمته وليس لمکانة آل محمد، فالرجل من العدل بحيث أنه يقدم آل محمد عليه مع أنه الخليفة وأمير المؤمنين،.
[ صفحه 132]
وعلي هذا قس کل مظاهر تقديم آل محمد.
ثم إن الأمة قد أجمعت طوال تاريخها الطويل علي استبعاد أهل بيت النبوة عن القيادة، فعندما يأتي المهدي وهو ابن محمد وعميد أهل بيت النبوة، وتنقاد له الأمة وينقاد له العالم کله، فإن في ذلک نقض لإجماع الأکثرية الساحقة رغبة أو رهبة علي استبعاد آل محمد عن قيادة الأمة!! ثم إن في ذلک تعييب علي الصحابة الکرام وخاصة الخلفاء الثلاثة الأول لأنه وفق هذه الثقافة صارت لهم مکانة عملية في قلوب العامة أعظم من مکانة النبيين!! فمن الجائز أن يخطئ الرسول (حاشاه) حسب مقاييس العامة لأنه بشر، ولکن من غير المعقول أن يخطئ الخليفة الأول أو الثاني لأنهما خليفتا رسول رب العالمين!!! وکثيرا ما روي البخاري ومسلم أحاديث تعطي لعمر دور البطولة حتي علي رسول الله نفسه!! فتراه يأمر النبي، وينهاه، أو يعتبر ما رضي به النبي (دنية) في الدين کما حدث بصلح الحديبية!!
وتحولت کل هذه الأمور وأمثالها مع الأيام إلي دين حقيقي يقرأ مع الدين الإسلامي.
فإذا جاء المهدي - حسب اعتقاد المشککين، فإنه سينشر قضية أهل بيت النبوة علي مستوي العالم کله، ويفضح فصول الظلم التي لحقت بهم، ومن خلال عدله سيطلع العالم علي منهاج أهل بيت النبوة بالحکم، وسيبهر العالم، بما يفعله ويقوله، وفي ذلک إدانة للخلافة التاريخية والثقافة التاريخية، وتطال الإدانة المتشککين أنفسهم.
ومن جهة أخري فإن المتشککين والأکثرية الساحقة من العامة مسکونة نفسيا بالرعب، وبالخوف من قطع العطاء فهي تتصور أن السيف الأموي ما زال مصلتا فوق الأعناق، وأن الرعب الأموي ما زال ماثلا، هذه هي حالة اللاشعور التي يحيونها في الحقيقة والواقع، ويتصرفون علي هداها، وتنعکس علي کافة أقوالهم وأفعالهم. هذه هي الدوافع والأسباب الحقيقية الکامنة وراء تشکيک المتشککين بالاعتقاد بالمهدي المنتظر وبالأحاديث النبوية الواردة فيه، وما الأسباب الظاهرة التي أعلنوها إلا غطاء مکشوفا للدوافع والأسباب الحقيقية التي وضحناها.
[ صفحه 135]