بازگشت

الاسباب المعلنة للشک بعد اليقين و الرد عليها


الذين أبدوا شکوکهم بفکرة الاعتقاد بالمهدي المنتظر، وبالأحاديث النبوية الواردة فيه، أعلنوا بأن شکوکهم لم تنطلق من فراغ، ولا هي من قبيل التشهي بل



[ صفحه 118]



تستند إلي أسباب معقولة منها:

السبب الاول:

أن البخاري ومسلم لم يرويا أي حديث صريح بالمهدي المنتظر

الرد علي هذا السبب:

أ - لم يقل أحد من علماء الحديث أن کل ما لم يروه البخاري ومسلم غير صحيح.

ب - صحيحا البخاري ومسلم لم يشتملا علي کافة الأحاديث الصحيحة بدليل قول البخاري عن کتابه الصحيح: (أخرجت هذا الکتاب من مائة ألف حديث صحيح، أو من مائتي ألف حديث صحيح، فما أعلن البخاري صحته يزيد عما أخرجه في صحيحه بعشرات الأضعاف).

ج - إن البخاري ومسلم قد کتبا صحيحيهما بتاريخ ولادة المهدي المنتظر وکان مجرد ذکر المهدي المنتظر يثير الرعب في أوصال أرکان الدولة العباسية، فکانت مخابراتها وعيونها تتحري عن کل المواليد في ذلک التاريخ، فمن غير المعقول بهذه الظروف أن يخاطر الشيخان بذکر لفظ المهدي المنتظر، فلو فعلا ذلک لواجها دولة لا طاقة لهما بمواجهتها والاهم أن الدولة يمکن أن تتلف صحيحيهما.

ومع هذا فقد تطرق الشيخان إلي الأحاديث الواردة بخروج الدجال، وأحاديث نزول عيسي، وإمامة أمير المسلمين لعيسي، فهما يعبران عن وجود الإمام المهدي: (بکلمة أمير) أو الإمام مطلقا ثم إن شراح صحيح البخاري متفقون علي أن البخاري قد قصد بلفظ الإمام: (الإمام المهدي). (راجع عمدة القاري بشرح صحيح البخاري ج 16 ص 39 - 40 المجلد الثامن. وفتح الباري ج 6 ص 383 - 385، وإرشاد الساري ج 5 ص 419).

ذ - أما مسلم فقد ذکر حديث عن خليفة يحثي المال حثيا ولا يعده عدا، وذکر حديث الخسف، وهذه أوصاف وأحداث لا تنطبق إلا علي الإمام المهدي وعلامات ظهوره.

ر - ثم إن الأحاديث التي أخرجها أصحاب الصحاح الأخري تتکامل إلي.



[ صفحه 119]



درجة التطابق مع ما ذکره البخاري ومسلم، مما يؤکد تحاشي الشيخين المتعمد لإغفال الإمام المهدي خشية سطوة الدولة التي کانت معبأة بالکامل ضد شبح المهدي، وخوفا علي کتابيهما.

ز - لقد تعارف علماء دولة الخلافة علي أن کتب الأحاديث المشهورة عندهم هي ستة کتب، وسموها بالصحاح ومنها صحيح البخاري ومسلم، والکتب الأربعة الأخري التي تحمل صفة الصحاح أخرجت أحاديث المهدي المنتظر بمعني أن اثنين من أصحاب الصحاح قد أخرجا أحاديث المهدي المنتظر بالوصف دون أن يصرحا باسمه، بينما أخرج أربعة من أصحاب الصحاح أحاديث المهدي المنتظر وصرحوا باسمه ووصفه معا.

س - ثم إن البخاري ومسلم لم يخرجا کل الأحاديث المتفقة مع الشروط التي وضعاها فطالما کرر الحاکم النيسابوري جملة: (هذا الحديث صحيح علي شروط الشيخين ولم يخرجاه).

ش - لم يرد في القرآن ولا في السنة، ولا أجمع المسلمون بأن البخاري ومسلم معصومان، وأن قولهما هو القول الفصل، فقد عاش المسلمون قرابة قرنين ونصف بدون البخاري ومسلم وتدبروا أمورهم!!

ص - ثم ما هي قيمة قولي البخاري ومسلم أمام إجماع أهل بيت النبوة أعدال الکتاب والمشهور لهم بالطهارة إلهيا، والمفروضة مودتهم علي العباد!!

ض - ثم إن البخاري ومسلم ليسوا أکثر من عالمين فاضلين من علماء الحديث من جملة مئات علماء الحديث الذين تألقوا في سماء العالم الإسلامي، ولهما شيوخ وأساتذة، کلهم أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر وقالوا بصحتها وتواترها.

ط - ثم إنه ليس منطقيا أن نوقف أو أن نتجاهل حرکة الأحداث الربانية لأن صحيحي البخاري ومسلم لم يشتملا عليها!!

ظ - من المؤکد أن البخاري ومسلم لم يخرجا في صحيحيهما بأن الشمس تطلع من المشرق، وتغيب من المغرب، فهل نتجاهل هذين الحدثين وننکرهما أو.



[ صفحه 120]



نتنکر لهما بحجة أن البخاري ومسلم لم يتطرقا إلي هذه الناحية! ما لکم کيف تحکمون!!

السبب الثاني:

أن ابن خلدون ضعف بعض الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر!!

الرد علي هذا السبب:

أ - ملخص الموضوع وحصر تضعيفات ابن خلدون: تناول ابن خلدون 23 حديثا من الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر فأخضع هذه الأحاديث للنقد والدراسة فضعف 19 عشر حديثا ولم يحکم بالضعف علي الأربعة المتبقية مما يعني أنها صحيحة في نظره، فجاء المتشککون، وطاروا بتضعيفات ابن خلدون کل مطار، وأشاعوا أن ابن خلدون لا يعتقد بالمهدي المنتظر، ويضعف علي الإطلاق الأحاديث الواردة فيه مطلقا. وهکذا تاجر المشککون بشهرة الرجل، وسخروا هذه الشهرة لخدمة هواهم.

ب - شهادة خطية لابن خلدون: قال ابن خلدون في تاريخه ج 1 ص 555 فصل 52 ما نصه حرفيا: (إعلم أن المشهور بين الکافة من أهل الإسلام علي ممر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي علي الممالک الإسلامية ويسمي المهدي) انتهي کلام ابن خلدون.

ح‍ - لم يذکر ابن خلدون من الذين أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر غير سبعة وهم الترمذي، وأبو داود والبزار، وابن ماجة، والحاکم، والطبراني، وأبو يعلي الموصلي، (راجع تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 555 فصل 52). وهذا يعني أنه ترک 48 عالم حديث ممن أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر أولهم ابن سعد في طبقاته ت 230 ه‍، وآخرهم نور الدين الهيثمي ت 807 ه‍، وحتي يکون الحاکم سليما يجب أن يطلع علي ما أخرجه علماء الحديث، لأن الأحاديث في کل موضوع يکشف بعضها غموض بعض، ويؤيد بعضها بعضا.

قال الشيخ أحمد شاکر: (إن ابن خلدون قد قفا ما ليس له به علم وأقحم



[ صفحه 121]



قحما لم يکن من رجالها... إنه لم يحسن فهم قول المحدثين، ولو اطلع علي أقوالهم وفقههم ما قال شيئا مما قال). مقال في مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ج 1 سنة 12 رقم 46 سنة 1400، وجاء في هذا العدد أيضا عن الشيخ العباد أنه قال: (ابن خلدون مؤرخ وليس من رجال الحديث، فلا يعتد به في التصحيح والتضعيف وإنما الاعتماد بذلک علي مثل: البيهقي، والعقيلي، والخطابي، والذهبي، وابن القيم وغيرهم من أهل الرواية والدراية الذين قالوا بصحة الکثير من أحاديث المهدي).

خ - لقد سکت ابن خلدون عما رواه الحاکم، ولم ينتقده بحرف لوثاقة جميع رجاله عند أهل السنة قاطبة، تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 564 فصل 52.

وقال ابن خلدون عن حديث آخر: (هذا صحيح الإسناد) تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 564 وقال عن ثالث وهذا إسناد صحيح، تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 565، وقال عن رابع: (ورجاله رجال الصحيح لا مطعن فيهم ولا مغمز) تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 568 فأنت تري أن ابن خلدون نفسه يصحح أربعة أحاديث من الأحاديث الواردة في المهدي!!

خ - لقد توفي ابن خلدون عام 808 ه‍، ودونت أحاديث المهدي المنتظر سنة 230 بمعني أنه بين تدوينها وتناول ابن خلدون لها قرابة 600 عام، فکيف يتمکن من دراستها والحکم عليها وهو يتناول 7 : 55 ممن أخرجوها.

ذ - ثم لنفترض أن ابن خلدون أنکر وضعف ال‍ 23 حديثا التي تناولها بالدراسة کلها فما معني هذا العدد مع وجود 1941 حديثا! ولنفترض أنه ضعف أو أنکر کافة الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر، فما هي القيمة العلمية لإنکاره!!

ولماذا اختاره المتشککون قدوة لهم لينقضوا کافة الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر؟ ولم يختاروا عالما من ال‍ 55 عالما الذين أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر وحکموا بصحتها وتواترها!!

- ثم ما هي قيمة معارضة ابن خلدون أمام قول وإجماع أهل بيت النبوة؟!.



[ صفحه 122]



جرأة ابن خلدون وتطاوله ومبلغه من العلم

قال ابن خلدون في مقدمته بالفصل الذي عقده لعلم النفقة ما يلي وبالحرف: وشذ أهل بيت النبوة بمذاهب ابتدعوها، وفقه انفردوا به بنوه علي مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح، وعلي قولهم بعصمة الأئمة، ورفع الخلاف عن أقوالهم، وهي کلها أصول واهية، وشک بمثل ذلک الخوارج، ولم يحفل الجمهور بمذاهبهم، بل أوسعوها جانب الإنکار والقدح، فلا نعرف شيئا من مذاهبهم، ولا نروي کتبهم، ولا أثر لشئ منها في مواطنهم، فهو يعتبر أهل بيت النبوة: مبتدعة، شذاذ، ويري أن الأصول التي سار عليها أهل البيت أصول واهية!! ويکشف عن حقيقة شعوره وما في نفسه، فيعبر عن ألمه وحزنه لأن فقه أهل السنة قد انقرض في مصر، وحل محله فقه أهل البيت!! وتلاشي من سواهم، ثم يرقص الرجل فرحا ويهلل عندما زالت دولة العبيديين وحل فقه الشافعي محل فقه أهل بيت النبوة.

فماذا تتوقع من رجل هذه حقيقة مشاعره عن أهل بيت النبوة!! ربما کان سر شهرته يکمن في طبيعة هذه المشاعر، وربما کره اعتقاد المسلمين بالمهدي المنتظر وتصديقهم للأحاديث النوبة الواردة فيه، وحاول أن يوهن اعتقاد المسلمين بالمهدي، وأن يکذب الأحاديث الواردة فيه لأن المهدي المنتظر من أهل بيت النبوة!! فأراد بمحاولاته تلک الحصول علي مزيد من الشهرة، والتألق!!!

والذي لا أعرفه بالفعل هو هل تلا ابن خلدون آية التطهير وآية المودة في القربي، وآية المباهلة، وآية الصلاة علي النبي؟ وعلي عرف معاني هذه الآيات واطلع علي تفسيرها؟ وهل مر عليه حديث الثقلين، وحديث السفينة، وحديث النجوم؟ أکبر الظن - وبعض الظن إثم - أنه لم يتل هذه الآيات، ولم يقف علي تفاسيرها، ولم تمر عليه تلک الأحاديث!!

لکن ابن خلدون مؤرخ وذکي ولا بد أنه قد أطلع بحکم دراساته التاريخية علي کليات وتفاصيل الصراع الذي دار بين الشرک والإيمان، وعرف أن الذين قادوا جبهة الشرک والعداوة ضد رسول الله حتي أحيط بهم هم أنفسهم الذين.



[ صفحه 123]



سلمهم ابن خلدون رايات السنة، وأن أهل بيت النبوة الذين قادوا جبهة الإيمان وجاهدوا في الله حق جهاده، هم الذين وصفهم ابن خلدون بالشذاذ والمبتدعة، وأهل الأحوال الواهية!! إن هذا هو جهد البلاء حقا!!

السبب الثالث:

والسبب الثالث الذي شکک المتشککين بعقيدة المهدي وبالأحاديث النبوية الواردة فيه، أن أحد علماء الحديث قد روي حديثا نبويا يخص عيسي ابن مريم بالمهدية وينفيها عن سواه، ونص الحديث کما يلي: (لا يزداد الأمر إلا شدة ولا الدنيا إلا إدبارا، ولا الناس إلا شحا، ولا تقوم الساعة إلا علي شرار الناس ولا مهدي إلا عيسي ابن مريم). (راجع سنن ابن ماجة ج 2 ص 340 حديث 4039). ولأن المتشککين حريصون علي سنة رسول الله فقد تمسکوا بهذا الحديث الوحيد ليبطلوا به اعتقاد المسلمين بالمهدي المنتظر، وليکذبوا به 1941 حديثا واردة بالمهدي!!!

الرد علي هذا السبب 1 - نفس ابن ماجة الذي روي هذه الحديث الوحيد کان قد روي أحاديث عن المهدي المنتظر منها حديث: (المهدي حق وهو من ولد فاطمة) ج 2 ص 1368 حديث 4086 وقد صححه وحکم بتواتره جمع من أهل السنة. فلماذا يهمل المتشککون حديث المهدي حق.... ويتمسکون بحديث لا مهدي إلا عيسي!!!

ولماذا يتجاهلون بالکامل 1941 حديثا، أو يکذبون ويرکزون کل اهتمامهم علي حديث واحد ويصدقونه!!

2 - ثم لماذا وضع علم الرجال وفق الدراية، قال ابن القيم في المنار المنيف 129 حديث 324 وص 130 حديث 325 أن الأبري ت 363 قد قال: (محمد بن خالد الجندي هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل، وقال البيهقي تفرد به محمد بن خالد هذا، وقال الحاکم مجهول، وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 9 ص 125 و 202: قدح أبو عمرو وأبو الفتح الأزدي بمحمد بن خالد، وقال الذهبي في ميزان الاعتدال ج 3 ص 535 ح 479 قال.



[ صفحه 124]



الأزدي منکر الحديث، وقال أبو عبد الله الحاکم مجهول، وحديث: (لا مهدي إلا عيسي خبر منکر أخرجه ابن ماجة. وقال القرطبي في التذکرة: (حديث لا مهدي إلا عيسي يعارض أحاديث هذا الباب، ثم نقل کلمات من طعن بمحمد بن خالد وأنکر عليه حديثه) ثم قال: (والأحاديث عن النبي في التنصيص علي خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة وهي أصح من هذا الحديث فالحکم لها دونه).

وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة: (وصرح النسائي بأنه منکر، وجزم غيره من الحفاظ بأن الأحاديث التي قبله أي الناصة علي أن المهدي من ولد فاطمة أصح إسنادا).

ووصف أبو نعيم في حلية الأولياء ج 9 ص 61 هذا الحديث بالغرابة وقال:

لم نکتبه إلا من حديث الشافعي.

وقال ابن تيمية والحديث الذي فيه لا مهدي إلا عيسي رواه ابن ماجة وهو حديث ضعيف، رواه عن يونس، عن الشافعي، عن شيخ مجهول من أهل اليمن:

(محمد بن خالد) لا تقوم بإسناده حجة. وقال عن حديث محمد بن خالد الجندي: (وهذا تدليس يدل علي توهينه، ومن الناس من يقول بأن الشافعي لم يروه). (راجع منهاج السنة ج 4 ص 101 - 102).

(ولکثرة ما طعن به محمد بن خالد حاول بعض أنصار الشافعي أن يدرأ عن الشافعي رواية هذا الحديث وادعي أنه رأي الشافعي في المنام وهو يقول کذب علي يونس بن عبد الأعلي ليس هذا من حديثي). (راجع الفتن والملاحم لابن کثير ص 32).

3 - ثم إن الناصبة وأرکان دولة الخلافة لن يقبلوا أبدا أن يکون المهدي المنتظر من عترة النبي أهل بيته، وقد هالهم أن يخص الله آل محمد بهذا الشرف الجديد، فليس من المستبعد أن يحرک الناصبة، وأرکان دولة الخلافة أعوانهم وعيونهم لتنحية هذا الشرف عن آل محمد، أو تشکيک المسلمين بصحة الأخبار التي بدأت تفيض حول المهدي المنتظر، لکن علم الرجال والدراية لهما المقدرة علي کشف الکثير من هذه العناصر بموضوعية وبدون مواجهة. وليس في ذلک.



[ صفحه 125]



عجب فقد حسدت بطون قريش النبي نفسه وحاولت وبکل أساليبها الفاشلة أن تصرف النبوة عنه، وأن تشکک بکل ما جاء به وصولا إلي غايتها المتمثلة بصرف النوبة عن بني هاشم حتي لا ينالوا هذا الشرف من دون البطون.

السبب الرابع:

يقول المتشککون بعقيدة المهدي المنتظر، وبالأحاديث النوبة الواردة فيه بأن الادعاءات بالمهدية لم تتوقف طوال التاريخ، وقد ثبت بالدليل القاطع عدم صحة هذه الادعاءات، وهذا سبب وجيه للشک بعقيدة المهدي، وبالأحاديث النبوية الواردة فيه ککل!!!

الرد علي هذا السبب

يعرف المتشککون أن هنالک من ادعي النبوة قبل ظهور النبي الحقيقي محمد صلي الله عليه وآله وسلم، وهنالک من ادعي النبوة بعد ما أعلن رسول الله محمد أنباء النبوة، وبعد موت النبي محمد ادعي بعضهم النبوة وثبت لنا واقعيا وبالدليل القاطع عدم صحة ادعاءات الذين ادعوا النبوة قبل ظهور النبي وبعد ظهوره، وبعد موته.

فهل ادعاءات المدعين بالنبوة تبطل نبوة محمد!!! أو تبرر الشک فيها!! أو توجب عدم الاعتقاد بنبوة محمد، أو بالأدلة والبراهين الدالة عليها!!!

أن العکس هو الصحيح فطالما أنه قد ثبت لنا بالدليل القاطع عدم صحة ادعاءات المدعين بالنبوة قبل نبوة محمد وبعد ظهوره، وبعد موته فهذا من البراهين التي تثبت صحة نبوة محمد وبطلان نبوات الأدعياء!! ثم إنکم تحملون المعلومات الإسلامية، والأنباء التي أعلنها رسول الله، وفکرة الاعتقاد بالمهدي المنتظر وزر کذب الکاذبين أو ادعاءات المدعين، وهذا هو الظلم بعينه الذي لا نرضاه لا لنا ولا لکم.

السبب الخامس:

وهنالک من يقول في زماننا أن رئاسة الدولة الإسلامية شأن يخص المسلمين وحدهم: (لأنهم الأعلم بشؤون دنياهم) وهم أصحاب الاختصاص باختيار الرئيس.



[ صفحه 126]



أو الخليفة أو الإمام أو الأمير، ويستشهدون علي صحة هذا التصور بما فعل الخلفاء الثلاثة الأول وأولياؤهم بعد موت النبي، حيث أنهم لم يعيروا أي انتباه لتولية رسول الله لعلي بن أبي طالب، ولا للمکانة المميزة التي خص الله بها أهل بيت نبيه، إذ اعتبرها الخلفاء الثلاثة وأولياؤهم من قبيل المديح لا من قبيل الأحکام الشرعية الملزمة!! ثم إن تقديم المهدي المنتظر کرئيس للدولة الإسلامية المرتجاة هو إخلال بمبدأ الشوري، وبما فعله الخلفاء الثلاثة، ومجافاة لروح الديمقراطية السائدة في العالم الآن!! هذه الروح التي استقرت نهائيا!! فالمهدي کما تدل الأحاديث النبوية رجل قد اختاره الله تعالي، وأعلن النبي هذا الاختيار!!

وهکذا يحرم المسلمون من المشارکة باختيار حاکمهم!!! لقد سمعت هذا السبب من بعض المتشککين بعقيدة المهدي وبالأحاديث الواردة فيه!! ومن المفجع حقا أن هذا البعض يحتل مراکز قيادية في أحزاب تدعو إلي عودة الإسلام، وإعادة نظام الخلافة التاريخي!! ومن المخجل أيضا أن هذه القيادات ما زالت تعتقد وتتيقن أن نظام الخلافة التاريخي هو نظام الإسلام، وأنه لا يوجد في الإسلام نظام غيره!!

فإذا سألتهم ماذا تعني الخلافة؟ اتهموک بالبلاهة وأجابوک علي الفور إنها خلافة النبي!! فإذا قلت لهم إذا کان نظام الخلافة التاريخي هو النظام الإسلامي، فما هو النظام الذي کان يطبقه النبي قبل أن ينتقل إلي جوار ربه؟ لماذا تهملون بالکامل عصر النبوة ونظامه، وتتمسکون بکل قواکم بعصر ما بعد النبوة ونظامه؟ أليس عصر النبوة هو الأصل، وعصر ما بعد النبوة هو الفرع؟ فمن يلجأ إلي الفرع ويترک الأصل؟! عندئذ تضيق صدورهم، وتحمر وجوههم، وتنتفخ أوداجهم، ويصرخون بضيق ظاهر، هکذا فعل الصحابة الکرام!! وهذا ما اتفقوا عليه!! فإن قلت لهم: إن الصحابة الکرام بعيوننا رضي الله عنهم، ولکن أرأيتم إن أمر الرسول بأمر وفعل فعلا، وأمر الصحابة الکرام بأمر آخر وفعلوا فعلا فبمن نقتدي، وأي أمر نتبع؟ هل نتبع أمر الصحابة ونقتدي بما فعلوا؟ أم نتبع أمر الرسول ونقتدي بما فعل؟! ما لکم کيف تحکمون!! إن لکم لما تخيرون!!

الرد علي هذا السبب حول قولهم بأن الرئاسة أو الإمارة أو الإمامة أو الخلافة شأن خاص



[ صفحه 127]



بالمسلمين، وأنهم أصحاب الاختصاص باختيار الإمام أو الخليفة أو الأمير ضمن قواعد الشوري.

أ - هذا القول ليس صحيحا لأن الرئاسة الإسلامية ليست شأنا خاصا بالمسلمين وحدهم بل تخص الله ورسوله والعالم کله ومستقبل البشرية، إنها تخص الشرعية الإلهية بکل مقوماتها، لأن مهمة الإمام في الإسلام أن يقود المسلمين والعالم وفق إطار الشرعية الإلهية، وأن يحکم بالحکم الإلهي بلا زيادة ولا نقصان، وهذا يستدعي أن يکون الإمام هو الأعلم والأفهم علي وجه الجزم واليقين، والمسلمون لا يعرفون من يتصف بهذه الصفة حتي يختاروه. لذلک اختص الله سبحانه وتعالي باختيار الإمام لأنه يعرف علي وجه اليقين من هو الأعلم والأفهم والأفضل والأقرب إليه.

ب - لا يماري أي واحد من المتشککين بأن الرسول کان نبيا وکان إماما أو رئيسا للمسلمين، فهل اختاره المسلمون إماما أو رئيسا لهم، أم أن الله سبحانه وتعالي هو الذي اختاره وقدمه للناس وقاد عملية إقناعهم بأنه الأعلم والأفهم والأنسب لرئاستهم!!! وهل اختار الناس النبي سليمان رئيسا لهم، وهل اختاروا داود أو طالوت!! لأن مهمة الرئيس الإيماني، أو الإمام ليست الجلوس علي کرسي الحکم وإصدار الأوامر والنواهي، إنما هي منصبة علي تنفيذ برامج إلهية لإنقاذ العالم وترشيد خطاه علي طريق الهداية الإلهية، والناس لا يعرفون من هو المؤهل للقيام بهذه المهمة. وهذا هو سر إعلان النبي لإمامة علي بن أبي طالب والإحدي عشر إماما من أحفاده الطاهرين، لأن الله تعالي أحکم وأرحم من أن يکل الناس لأنفسهم، وأن يترکهم بعد وفاة النبي وفي مرحلة حرجة دون رعاة شرعيين وقادة مؤهلين. وقد رکزنا علي هذه الناحية في کل مؤلفاتنا ويمکنک مراجعة کتابنا (المواجهة مع رسول الله وآله) لتقف علي تفصيل ذلک وتوثيقه.

ثم إنه لم يصدف طوال تاريخ الخلافة التاريخية أن اختار المسلمون خليفتهم وفق قواعد الشوري، لقد کانت الخلافة لمن غلب طوال التاريخ، فمن يغلب.



[ صفحه 128]



بالقوة أو کثرة الأتباع يصبح خليفة، ويقتصر دور المسلمين علي إعطائه البيعة، ومن يمتنع عن البيعة يعتبر شاقا للطاعة، ومفارقا للجماعة حتي لو کان عليا بن أبي طالب أو الحسين ابن النبي، فيستتاب ويخير بين البيعة أو القتل، فلا نجاة للمتخلف عن بيعة الغالب، فلو اختبأ هذا المتخلف ببيت فاطمة بنت رسول الله فإن الخليفة الغالب سيحرق بيت فاطمة بنت محمد علي من فيه حتي يخرج المتخلف ويعطي البيعة أو يموت حريقا هو ومن آواه، وقد حدث هذا بالفعل حتي في أزهي عصور الخلافة، ولا يجرؤ عاقل واحد من المتشککين علي نفي ذلک.

ولو أن أهل مدينة رسول الله قد امتنعوا عن بيعة الخليفة الغالب ليقينهم بأنه کافر، أو فاسق يجاهر بالعصيان فإن الخليفة الغالب سيرسل لهذه المدينة جيشه ويأمره بالتنکيل بها حتي تبايع، وبناء علي أوامر الخليفة الغالب يقتل الجيش عشرة آلاف من أهل المدينة بيوم واحد، وينهب أموالها، ويهتک أعراضها، فتحمل ألف عذراء من غير زوج، ويأخذ البيعة ممن تبقي من سکانها علي أنهم عبيد وخول للخليفة يتصرف بهم تصرف المالک بأشيائه وعبيده!! وقد حدث هذا بالفعل ومجنون من ينفي ذلک.

ولو احتمي من تخلف عن البيعة بالکعبة، فإن الخليفة الغالب سيرسل جيشه ومعه أوامر بالحصول علي بيعة من تخلف، فإن أبي تهدم الکعبة نفسها علي رؤوس المتخلفين عن البيعة!! وقد حدث هذا بالفعل، راجع کتابنا (کربلاء الثورة والمأساة) وکتابنا (المواجهة مع رسول الله وآله) تجد التفصيل والتوثيق معا!!

وکان الغالب يعهد بالخلافة لمن يريد، ويتکرر العهد من الغالبين حتي يظهر متغلب جديد!! فتبدأ دورة العهد وإعطاء المسلمين البيعة للغالب وهم صاغرون!!

فأين هي الشوري، وأين هو الاختيار، وأين هو الاختصاص الذي يدعيه المتشککون.

2 - أما قول المتشککين بأن تولية المهدي المنتظر قيادة الأمة بهذه الطريقة التي حملتها الأحاديث المتعلقة بالمهدي لا تتفق مع الطريقة التي تولي فيها الخلفاء الثلاثة الأول الخلافة، لأن خلافتهم هي مقياس الشرعية والمشروعية علي اعتبار أنها قد تمت تحت أسماع الصحابة وأبصارهم!!!!.



[ صفحه 129]



الرد علي هذا القول

أ - إنکم تحشرون الجمل في سم الخياط، وتتقولون علي الله ورسوله وعلي الحقيقة الشرعية بما لم ينزل به الله سلطانا، فليس صحيحا أن فعل الخلفاء هو مقياس الشرعية والمشروعية، فهم في أحسن الأوصاف من أتباع صاحب الرسالة، ولم يدع أحد فيهم بأنه نبي، أو يوحي إليه أو معصوم عن الخطأ، ولم يدع أحد منهم بأنه الأعلم أو الأتقي أو الأفضل أو الأقرب لله ولرسوله. وأول تصريح قد صدر عن الخليفة الأول هو قوله: (إني قد وليت عليکم ولست بخيرکم..) وتواترت تصريحات الخليفة الثاني التي جاء فيها: (کل الناس أعلم من عمر، وجهل عمر وعرفت المرأة، اللهم إني أعوذ بک من معضلة ليس فيها أبو الحسن...) وحسب مقاييسکم التاريخية فإن الذي جاء بعدهما أقل منهما فضلا، وأدني مرتبة، فکيف تجاهلتم صاحب الرسالة تجاهلا تاما وجعلتم من أفعال الخلفاء الثلاثة الأول هي المقياس الأوحد للشرعية والمشروعية!!!

ب - إن مقياس الشرعية والمشروعية الإلهية ليس قول ولا فعل الخلفاء الثلاثة، أو غيرهم من الخلفاء التاريخيين، ولکنه قول وفعل صاحب الرسالة صلي الله عليه وآله وسلم، ومکانة أي فرد من المسلمين کائنا من کان تتحدد بحجم التزامه بأوامر رسول الله، وتقديم خيرة الله علي خيرته وأمر الله ورسوله علي اجتهاده وما تهوي نفسه.

ج - إن الله تعالي الذي اختار رسوله لقيادة مرحلة التأسيس والرسالة والذي اختار الأنبياء الکرام والأئمة الطاهرين هو نفسه الذي اختار محمد بن الحسن ليکون خاتما للأئمة، وقائدا لفترة آخر الزمان، والفرق أن محمدا نبي ورسول، والمهدي إمام وليس نبيا ولا رسول. وأن محمدا هو الوالد، والمهدي هو الابن والحفيد وهو الوارث الشرعي لعلمي النبوة والکتاب، وهو المؤهل الوحيد لقيادة المرحلة التي اختاره الله لقيادتها. فإذا أردتم القياس فقيسوا علي صاحب الرسالة لا علي غيره. ومهمة المهدي قيادة العالم في آخر الزمان، وإصلاح البشرية بعد فسادها، وإنقاذها بعد أن أوشکت علي الغرق، وهدايتها إلي الطريق القويم، ثم إن المهدي مسلح بآيات بينات ظاهرات في السماء والأرض.

د - إذا کان الله تعالي قد اختار الأنبياء وخاتمهم محمد رسول الله واختار



[ صفحه 130]



الأئمة وخاتمهم المهدي المنتظر لتحقيق غايات عالمية محددة فإن بطون قريش هي التي اختارت الخلفاء الثلاثة، وکان سبب الاختيار وهدفه منصبا بالدرجة الأولي والأخيرة علي إرغام أنوف آل محمد وحرمانهم من الجمع بين النبوة والملک.

وهي نفس البطون التي قاومت النبي وعادته واستعدت عليه العرب وحاربته طوال 23 عاما، حتي أحيط بها فأسلمت أو تظاهرت بالإسلام طمعا بالملک الذي تمخضت عنه النبوة، فاختيار بطون قريش قبلي من جميع الوجوه، وغايته بدائية ومحدودة من جميع الوجوه، بينما جاء اختيار المهدي إلهيا ولغايات ومقاصد إلهية مختلفة تماما عن غايات ومقاصد بطون قريش. إنکم تصرون علي إدخال الکبير بالصغير، وإيلاج الجمل في سم الخياط، وهذا محال عقلا!!

ه‍ - ثم إن کل واحد من الخلفاء الثلاثة قد آلت إليه الخلافة بطريقة تختلف تماما عن طريقة سلفه، فالأول فلتة، والثاني بعهد من الأول، والثالث واحد من ستة اختارهم الثاني، ثم ما هو وجه المقارنة بين المهدي وبين الثلاثة، وأين هي وحدة العلة حتي تتحقق شروط قياسکم!!

و - أما قولکم بأن الاختيار قد تم تحت أسماع الصحابة وأبصارهم فأعظم الصحابة علي الإطلاق آل محمد الذين تذکرونهم في صلواتکم وأهل بيته الذين شهد الله تعالي بطهرهم، فهل تدلوني مشکورين علي خليفة واحد من الخلفاء التاريخيين قد تولي الخلافة برضاهم وموافقتهم!!

فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا إلا مکابرة مردودة فقد آن الأوان لتتقوا الله في تمحکاتکم، واختلافاتکم، ولترک التقليد الأعمي، وللتبرع بتمثيل دور حراس الشرعية التاريخية ولفک أغلالکم عن عقول المسلمين، ولو سمع الخلفاء الثلاثة اختلافاتکم التي لا علم لهم بها لقرفوا منکم ولشعروا بالخجل لأنکم من شيعتهم.

لهذه الأسباب المعلنة التي سقناها مجتمعة ومنفردة يتشکک المتشککون بصواب فکرة الاعتقاد بالمهدي المنتظر ويشکون بصحة الأحاديث الواردة فيه علي الرغم من إجماع أهل بيت النبوة علي صحة الاعتقاد، وعلي الرغم من شهادة خمسين صحابيا، ومن إخراج علماء الأمة الأعلام لهذه الأحاديث وإجماعهم علي صواب الاعتقاد بالمهدي المنتظر، وعلي الرغم من إجماع الأمة الإسلامية علي.



[ صفحه 131]



اختلاف مذاهبها بصواب الاعتقاد بالمهدي، واعتقادها الفعلي فيه.