بازگشت

رواية و کتابة الحديث عند اهل البيت و اوليائهم


أهل البيت بما ورثوه من علمي النبوة والکتاب، وبما خصهم الله به من مکانة، لا ترقي إليها مکانة، وبما أسند إليهم من وظائف وتکاليف شرعية، علي يقين تام ومطلق بعمق الارتباط والتکامل والتعاضد بين کتاب الله القرآن الکريم



[ صفحه 98]



وبين بيان النبي لهذا الکتاب، مثلما هم علي يقين تام بأن أحدهما لا يغني عن الآخر. وهم علي علم بترکيز النبي المکثف والخاص علي هذه الناحية.

وقد تحدث أئمة أهل البيت عن مجموعة حقوقية شرعية کبري قد ورثوها عن رسول الله اسمها (الجامعة) أملاها رسول الله وکتبها الإمام علي بن أبي طالب بخط يده، وکلف رسول الله عليا أن يحتفظ بها، وأن يورثها للأئمة من بعده وهي تشتمل علي العلم کله، القضاء والفرائض، وما يحتاج إليه الناس حتي أرش الخدش، وما خلق الله من حلال ولا حرام إلا وضوابطه بهذه الجامعة، وأن هذه الجامعة لم تدع لأحد کلاما. ويبدو أن هذه المجموعة قد أملاها رسول الله خصيصا للأئمة القادة من أهل البيت ليحکموا بها إذا تولوا حکم الناس، لأن فيها حکم الله.

وتحدث الإمام علي عن صحف کثيرة عنده، ووصف تلک الصحف بأنها (قطايع) أي مخصصات رسول الله وأهل بيته. ويروي علماء دولة الخلافة أنه بعد فترة من موت رسول الله جاء علي بن أبي طالب وهو يحمل کتاب الله وتفسيره علي ظهره، وأنه قد عرض علي قيادة دولة البطون أن يحکم بينهم بما أنزل الله وما أملي رسوله، وأن هذه الدولة رفضت العرض.

ويبدو من کثير من الأحاديث إن لدي أئمة أهل البيت کتابين آخرين قد کتبا بخط الإمام علي وعلي عهد رسول الله، ويسمي أحد هذين الکتابين: (بمصحف فاطمة) وفيه أنباء من الحوادث الکائنة والمتعلقة بالأئمة، أما الکتاب الآخر فيسمي ب‍ (الجفر) وهو يشتمل علي أنباء من الحوادث الکائنة عموما). (راجع بصائر الدرجات ص 144 - 148 - 156 و 160، وأصول الکافي ج 1 ص 241 وص 57 والوافي ج 2 ص 125 ومعالم المدرستين ج 2 ص 300 - 312 وکتابنا الخطط السياسية ص 191 - 197). ومن المؤکد أن ذلک قد حدث بالفعل فرسول الله متيقن أنه ميت لا محالة، وموقن من حاجة الأمة إلي بيان کافة الأحکام الشرعية بيانا قائما علي الجزم واليقين، وهو بيانه الشريف، ولأن عليا بن أبي طالب هو المخول شرعا بالبيان بعد وفاة الرسول، ولأنه من الرسول بمنزلة هارون من موسي باعتراف قادة دولة البطون، ولأن الإمام علي أعظم علماء.



[ صفحه 99]



الأمة وأعلمهم بإقرار کافة الخلفاء، ولأنه قارئ کبير في أمة أمية يندر فيها القارئ، ولأنه باب مدينة العلم. فقد أملي عليه رسول الله الحکم الشرعي لکل شئ، وکلف النبي عليا أن يجمع ذلک في کتاب ليکون مرجعا، للأمة في بيان القرآن بعد وفاة النبي، وکلف النبي عليا أن يحتفظ بهذا الکتاب، وأن يسلمه لأولاده الأئمة ليتوارثوه حسب ترتيب خاص، ويبينونه للأمة بعد وفاة النبي، ويحکمون بموجبه إن سلمت الأمة بحقوقهم، فتکون علوم هذا الکتاب من الأدلة المادية لمرجعيتهم ولحقهم بالقيادة والبيان من بعد النبي. ثم إن سادة أهل بيت النبوة کانوا يقيمون مع النبي في بيت واحد طوال حياة النبي المبارکة، وکان النبي يزقهم بالعلم زقا، ويفيض عليهم من عجائب علمه ومن أخبار المستقبل البعيد، وکانت تلک المعارف بکل الموازين ثروة کبري خصهم الله بها فمن غير المعقول أن لا يحفظوا تلک الثروة ويکتبوها!!! ليحتجوا بها القوم، ولينتفعوا بها، ويورثوها لذرياتهم تأکيدا للطهر والتميز، ثم إن العلوم التي أفاضها رسول الله علي أهل بيته هي بيان للقرآن، ومن الضروري أن يحتفظ بها أهل بيت النبوة ليکون لديهم بيان القرآن، وليحملوا هذا البيان للإنسانية في کل زمن، إن هذا البيان هو علم النبوة، وقد کلف الله نبيه أن يورث الأئمة الأعلام من ذريته علمي النبوة والکتاب.

والخلاصة أنه لما قبض الله نبيه، کان أهل بيت النبوة قد وعوا علمي النبوة والکتاب بالتمام والکمال، ووثقوا من هذين العلمين کل ما يحتاج إلي توثيق، فما من سؤال علي الإطلاق! إلا ويعرف عميد أهل البيت في زمانه جوابه، وما من أمر من أمور الدنيا والآخرة إلا ويعرف هذا العميد کلياته وتفاصيله الدقيقة، وحکم الشرع الحنيف فيه، وکل هذه المعارف موثقة ومعروفة عندهم ومعلومة علم اليقين.

أثناء مرض النبي الذي قبض منه، تجاهلت بطون قريش البيان النبوة تجاهلا کاملا، واستولت علي السلطة، وحجمت أهل بيت النبوة بالقوة، وعتمت علي کل فضائلهم وتنکرت لمقامهم ومکانتهم تنکرا تاما، وجردتهم من کافة حقوقهم، ثم أصدرت مراسيم منعت فيها رواية وکتابة أحاديث رسول الله، وقررت أن القرآن



[ صفحه 100]



وحده يکفي، ولا حاجة لبيان النبي، لأن بإمکان أي إنسان أن يفهم القرآن حسب رأي البطون!! ورواية أحاديث النبي وکتابة هذه الأحاديث تسبب الخلاف والاختلاف بين المسلمين، وقيادة البطون تري أن منع الاختلاف والخلاف يتحقق عندما تمنع رواية وکتابة أحاديث الرسول!!!

وبدأت قيادة البطون بتطبيق مراسيمها بصراحة تامة، فکانت تحرق کل ما وصل إليها من أحاديث الرسول، وکانت تتصيد کل ما هو مکتوب من أحاديث الرسول فتتلفه، وحرمت مرارا وتکرارا تلک الأحاديث، مثلما حرمت روايتها تحريما کاملا، إلا ما کان يخدم توجهاتها وسياستها، وبهذه الظروف خبأ أهل بيت النبوة کنوز العلم الثمينة والنادرة والتي تلقوها من رسول الله مباشرة، خوفا عليها، وتناقلوها کابرا عن کابر، وأفاضوا منها سرا علي أوليائهم، وکانت دولة الخلافة تراقبهم مراقبة دقيقة، وتتمني لو تجد تلک الکنوز النادرة لتحرقها تحريقا، وتتلفها إلي الأبد. ونجح أئمة أهل بيت النبوة بإخفاء تلک الکنوز العلمية، ورغم المنع المفروض علي رواية الحديث إلا أنهم نجحوا بتسريب الکثير الکثير من معارفهم إلي المسلمين عامة، وإلي أوليائهم خاصة، بالرغم من رقابة الدولة الصارمة، وأدعية الإمام زين العابدين المعروفة من الأمثلة الحية فالأدعية أحاسيس عميقة صادقة استوحاها الإمام من علمي النبوة والکتاب، ومن خلالها بث شکواه ولوعته وحزنه العظيم، ثم کتبها بخط يده لينقلها إلي الأجيال اللاحقة، ومع أنها أدعية إلا أنه کان خائفا عليها کما خافت أم موسي علي ولدها، فکان ينقلها من مکان إلي مکان، ومن حرز إلي حرز لأن دولة الخلافة الأموية لو عثرت عليها لمزقتها تمزيقا ولحرقتها تحريقا. لأن دولة الخلافة أرادت أن تمحو من ذاکرة المسلمين نهائيا وإلي الأبد کل الأحکام الشرعية المتعلقة بمنصب القيادة من بعد النبي والمتعلقة بمکانة أهل بيت النبوة، حتي لا يبقي في الشريعة أثر يدين استيلائها علي القيادة بالقوة والتغلب وکثرة الأتباع.

وخلال مدة المائة سنة التي حرمت فيها دولة الخلافة کتابة ورواية أحاديث الرسول، عاش الإسلام والفئة المتنورة من المسلمين محنة کبري، ووطأة عظمي، وکان أهل البيت الکرام أکثر الناس إحساسا بالمحنة والوطأة وما زاد الطين بلة أن.



[ صفحه 101]



المجتمع الإسلامي أو العامة وهم الأکثرية تحولت إلي حارس ومدافع عن شرعية تحريم کتابة ورواية أحاديث الرسول.

ولما تحول الرأي العام، وأقبل علماء دولة الخلافة علي کتابة ورواية أحاديث الرسول، ولم تعترض دولة الخلافة علي هذا التحول وذلک الإقبال، تنفس أهل بيت النبوة الصعداء، فراقبوا عن کثب عمليتي رواية وکتابة الحديث، ورسموا لها الطريق الأقوم: (سأل رجل الإمام جعفر الصادق عن مسألة فأجابه، فقال الرجل: أرأيت إن کان کذا وکذا ما يکون القول)؟.

فقال جعفر: (مه ما أجبتک فيه من شئ فهو من رسول الله لسنا ممن رأيت في شئ، وقوله: (مهما أجبتک بشئ فهو من رسول الله لسنا نقول برأينا) وقال مرة: (لو أنا حدثنا برأينا ضللنا کما ضل من کان قبلنا، ولکن حدثنا ببينة من ربنا، بينها لنبيه، فبينها لنا) وکان يقول: (لو کنا نفتي الناس برأينا وهوانا لکنا من الهالکين، ولکنها آثار من رسول الله أصل علم نتوارثها کابرا عن کابر، نکتنزها کما يکتنز الناس ذهبهم وفضتهم). (راجع بصائر الدرجات ج 2 ص 29 و 301 وکتابنا الخطط السياسية ص 187 - 189). وقول الإمام جعفر هذا دعوة لمن أرادوا البحث عما صدر عن رسول الله ليرجعوا إلي أهل بيت النبوة، فهم وحدهم الذين يملکون مفاتيح البيان النبوي، وهي دعوة من الإمام للمعنيين برواية وکتابة أحاديث الرسول، للفصل التام بين آرائهم الشخصية وما قاله الرسول.

وبدأ أهل البيت يفيضون علي الناس مما آتاهم الله من علمي النبوة والکتاب، وبالحدود التي تتقبلها وتتحملها نفسية العامة التي تربت تربية ثقافية مناهضة لأهل بيت النبوة وموالية لدولة الخلافة.

واصطدمت علوم أهل بيت النبوة مع الأحاديث التي تبنتها دولة الخلافة عبر تاريخها السياسي، وسمحت بکتابتها وروايتها، بل واعتبرتها جزءا من مناهجها التربوية والتعليمية، وبحکم العادة والتکرار آمنت العامة بحتمية صدورها عن رسول الله.

واصطدمت روايات أهل بيت النبوة بسيل من روايات الفضائل التي اشتراها معاوية وأولياؤه من الطامعين بدنياه، ثم عممها بقوة الدولة ونفوذها، وأجبر العامة.



[ صفحه 102]



والخاصة علي الاقتناع بها والتسليم بصحتها، وذلک لإرغام أنوف أهل بيت النبوة، وتمييز وإبطال الفضائل الحقيقية التي خصهم الله بها!!

ومع أن دولة الخلافة لم تعترض علي إقبال علمائها علي کتابة ورواية أحاديث الرسول، ولم تعترض علي تحول الرأي العام وتأييده لهذا العمل، إلا أنها ضاقت ذرعا بأهل بيت النبوة وأوليائهم، وشککت بقدرتهم وبما يروونه، وشککت بحيادهم أيضا. وتأثر علماء الدولة بذلک تأثرا کبيرا، فإذا ثبت لديهم أن هذا الراوي أو ذاک يوالي أهل بيت النبوة أو يقدمهم علي غيرهم، أو يقول برئاستهم للأمة، أو بتقدمهم علي الخلفاء الثلاثة الأول اعتبروه کاذبا أو غير ثقة، وبالتالي لم يأخذوا بروايته ولما اکتشف بعض علماء الدولة أن الشافعي يوالي أهل بيت النبوة وصفه ابن معين بأنه ثقة!!!

وعلي أي حال فقد انطلق أولياء أهل بيت النبوة يروون الأحاديث عن الرسول وعن الأئمة وفق القواعد والأصول الشکلية التي کان يروي فيها علماء دولة الخلافة. وکان الشيخ الکليني المتوفي سنة 329 ه‍ أول من ألف موسوعة بالحديث، ثم تلاه الشيخ الصدوق المتوفي سنة 381 ه‍، ثم الشيخ الطوسي المتوفي سنة 460 ه‍، ثم المجلسي (البحار) ثم الحر العاملي (الوسائل) وقد أحرقت موسوعة الشيخ الطوسي کما أحرق الکثير من کنوز أولياء أهل بيت النبوة، ولکنهم صمدوا ونقلوا ما وصل إليهم من کنوز وعلوم أهل بيت النبوة التي غطت کل ما يحتاجه الناس في دنياهم وآخرتهم. (راجع کتابنا الخطط السياسية ص 192 - 209 لتقف علي تفاصيل ذلک)..



[ صفحه 103]