بازگشت

علي صعيد علماء دولة الخلافة


علي ضوء التوجه العام والواقع الجديدين، انطلق علماء دولة الخلافة ليبحثوا عن کل ما صدر عن نبيهم من قول أو فعل أو تقرير قبل مائة عام!!!.



[ صفحه 95]



وأوجدوا ضوابط علمية لعمليتي کتابة ورواية سنة الرسول من قول، أو فعل، أو تقرير، وبذلوا جهودا مضنية للوقوف علي کل ما قاله رسول الله بالفعل في کل أمر من الأمور، وفي أي شخص من الأشخاص، أو أية جماعة من الجماعات، حتي أنهم رووا الأحاديث المتعلقة بعلي بن أبي طالب، وأهل بيت النبوة الذين صبت عليهم دولة الخلافة کل غضبها ونقمتها وقوتها!! فرويت الأحاديث التي تتحدث عن مکانة علي، وقربه من النبي، وجهاده المميز وسجله الحافل بالأمجاد، ورويت أحاديث تتحدث عن مکانة أهل بيت النبوة، وآل محمد وتميزهم عن غيرهم من المسلمين، والتي تبرز دور آل محمد بالدفاع عن دعوة الإسلام، وإقامة دولته الأولي، ومعاناتهم الکبري، باحتضان النبي، والدفاع عنه، والجهاد بين يديه!! وأبعد من ذلک أن علماء دولة الخلافة قد رووا أحاديثا عن رسول الله عن عداوة أبي سفيان وبنيه خاصة، والبطن الأموي عامة لله ورسوله، وعن قيادتهم لجبهة الشرک طوال فترة ال‍ 15 سنة التي سبقت الهجرة، وأنهم حاربوا الإسلام ونبيه طوال مدة الثماني سنوات التي تلت الهجرة، وأنهم قد استعدوا العرب واليهود علي رسول الله، وأعظم من ذلک، فقد روي العلماء أحاديثا عن رسول الله، بأن الحکم بن العاص وذريته هم أعداء الله ورسوله، وأن الله قد لعنهم علي لسان نبيه، ومع هذا آلت خلافة الرسول لذرية الحکم، في الوقت الذي کانت فيه ذرية النبي وآل النبي يتعرضون للتقتيل والتشريد والتطريد!!! بعد أن فرضت الدولة علي العامة والخاصة لعنهم.

وروي علماء دولة الخلافة أحاديث عن رسول الله تبين مکانة فاطمة الزهراء، وابنيها الحسن والحسين، عند رسول الله، وقرابتهم القريبة، ومنزلتهم الرفيعة في قلبه الشريف. لقد أذهلت تلک المرويات العامة والخاصة من المسلمين، وربطوها بالمحن والمآسي والآلام التي تجرعها أهل بيت النبوة مجتمعين ومنفردين!!!

وبدأت قلوب المسلمين تتعاطف مع أهل البيت، وتتيقن أن خللا کبيرا قد حدث، وأن لأهل بيت النبوة قضية عادلة لم تلق أبدا آذانا صاغية طوال التاريخ!!

وفجأة قررت جموع دولة الخلافة أن تعتبر عليا بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين، وأن تعترف به وبابنيه الحسن والحسين، کعمداء لآل محمد الذين لا.



[ صفحه 96]



تجوز صلاة المسلم بغير الصلاة عليهم!! وأنهم والسيدة الزهراء هم أهل بيت النبوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، واکتشفت تلک الجموع أنها قد سارت طويلا بالخط المعاکس للطريق الإلهي. وشعرت تلک الجموع بالندامة لأنها خذلت عليا وحسنا وحسينا، وسمت الحسن، وقتلت الحسين وهما ابنا رسول الله ومزقت آل محمد في کربلاء، أو علي الأقل لأنهم قتلوا أمامها دون أن تنصرهم أو تحرک ساکنا.

وهذا انقلاب حقيقي وثورة فعلية تحدث في نفسية تلک الجموع التي استجابت لمعاوية، وخلفاء بني أمية، ولعنت الإمام علي في العشي والأبکار، وتعبدت بکرهه وکراهية أهل بيت النبوة طمعا بدنيا معاوية وشيعته!!!

(ولم يجد العلماء صعوبة تذکر بکتابة ورواية الأحاديث التي احتضنتها دولة الخلافة، والتي کانت منسجمة مع توجهات تلک الدولة، ومع تاريخها السياسي، لأن تلک الأحاديث کانت مروية ومکتوبة بالفعل، وجاهزة، وکانت تشکل المناهج التربوية والتعليمية لدولة الخلافة، حيث کان تعلمها مفروضا علي الخاصة والعامة، فنقلها العلماء کما هي، مسلمين بصحتها سندا لکثرة تداولها بين الناس، ولأنها جزء لا يتجزأ من وثائق الدولة الرسمية التي عمل بها المجتمع، بل والأعظم من ذلک أنها قد صارت أحد مقاييس الصحة لما يروي من الحديث، فإذا تعارض حديث مع الأحاديث التي تبنتها الدولة، فهذا الحديث موضع شک!!!

والمخرج يکمن بتضعيف رواته، أو أحد رواته أو تکذيبهم، أو تکذيب بعضهم، بمعني أن المناهج التربوية والتعليمية لدولة الخلافة کانت بمثابة رقيب ضمني علي ما يروي من أحاديث الرسول، فأي حديث يتفق مع هذه المناهج فهو صحيح وما يعارضها فهو موضع شک، ومع هذا لم تکن هنالک موانع فعلية من رواية أي حديث، وهذا بحد ذاته إنجاز، بل وثورة فعلية کبري أطل من أبوابها ونوافذها الرأي الآخر مدعوما بالسند الشرعي، وهذا ما کان ممنوعا طوال التاريخ.

والخلاصة أن علماء دولة الخلافة لم يتوقفوا أبدا عن تقييد کل ما ذکر بأنه قد صدر عن الرسول، فکانوا يروونه، ويقيسونه بموازينهم العلمية التي أوجدوها خصيصا لهذه الغاية، ويخرجونه للناس ويکتبونه بصحاحهم أو مسانيدهم، أو.



[ صفحه 97]



تواريخهم، أو سيرهم أو مؤلفاتهم، إنها انطلاقة عظيمة لإحياء کل ما وأدته دولة الخلافة عبر تاريخها السياسي الطويل!!

ومن الطبيعي أن تعترض هذه الانطلاقة الکبري معوقات کبري أيضا فظهر الکذابون الذين تعمدوا الکذب علي رسول الله، إما تأييدا لتاريخ قد استقر، أو دفاعا عما تهوي الأنفس، أو نکاية وإرغاما لأنف خصم، وقد يکون الکذب لصالح الرسول کما زعم بعضهم حيث قالوا: (إننا لا نکذب علي الرسول إنما نکذب له)، وبرع بعض الرواة بالرواية کما وکيفا وخلطوا فهمهم لما سمعوه من الرسول، بآرائهم الشخصية، وسوقوا الاثنين معا، فإما أن ترفضهما معا أو تقبلهما معا!!

ومع هذا فقد تمخضت تلک الانطلاقة الکبري عن ثروة علمية عظمي، تجد فيها الجزء الأعظم من الحقيقة، التي تطمئن بها القلوب. لکن لا أحد من علماء دولة الخلافة قد أدعي بأن ما أخرجه من الأحاديث هو عين ما صدر عن رسول الله باللفظ والمعني، بلا زيادة ولا نقصان والأحاديث التي وصلتنا عن النبي بهذا الوصف: (لفظا ومعني، وبلا زيادة أو نقصان) أندر من النادر!! وهکذا ألحقت دولة الخلافة بالعالم والعلم خسارة فادحة عندما منعت رواية وکتابة أحاديث الرسول، بالوقت الذي أجازت فيه رواية وکتابة حتي الخرافات والأساطير، ولولا جهود العالم لضاع الأثر والعين معا، ولکن الله غالب علي أمره.

وتمخضت تلک الانطلاقة الکبري عن تدوين الکم الهائل من الأحاديث في مجموعة کبيرة من کتب الحديث أبرزها عند أهل السنة ستة کتب عرفت بالصحاح وهي: (صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن ابن ماجة، وسنن الترمذي، وسنن النسائي)، ومنهم من يقدم سنن الدارمي علي سنن النسائي، بالإضافة إلي المستدرکات علي هذه الصحاح، ومجموعة من المسانيد.