بازگشت

مرض النبي و اتهامه بالهجر و اعلان النوايا بوضوح


بعد أيام من عودة النبي إلي المدينة مرض کما أخبر الناس في غدير خم، وکان سکان المدينة علي يقين بأن مرض النبي هو مرض الموت، وإنه سيموت في مرضه کما أخبرهم النبي بذلک. وقد جرت العادة عند کل زعماء العالم وحتي رؤساء القبائل وعلية القوم أن يلخص الزعيم أو شيخ القبيلة، أو السيد لاتباعه الموقف من بعد موته، وأن يعلن توجيهاته وتعليماته النهائية لاتباعه فضرب النبي موعدا للخلص من أصحابه ليکتب توجيهاته النهائية للأمة. علمت بطون قريش بما عزم عليه النبي، فجمعت جمعا کبيرا، وبالوقت المحدد لکتاب التوجيهات النهائية اقتحم هذا الجمع بيت النبي، ودخلوه دون استئذان، فوجئ الخلص من أصحاب النبي، ولم يکن بوسع النبي أن يتراجع ولا ينبغي له فقال لمن حوله قربوا أکتب لکم کتابا لن تضلوا بعده أبدا، وما أن أتم النبي کلامه حتي قال جمع البطون بصوت واحد، إن النبي قد غلبه الوجع، ولا حاجة لنا بکتابه، إن النبي يهجر!!

استفهموه إنه يهجر!!!! وکرروا هذه الکلمة النابية علي مسامعه الشريفة متجاهلين بالکامل وجوده، وحدث نزاع بين الخلص الذين دعاهم النبي وهم قلة، وبين الجمع الکبير الذي حشدته بطون قريش وارتفعت الأصوات، وأطلت النسوة من وراء الستر فقلن لجمع بطون قريش: إلا تسمعون رسول الله يقول لکم قربوا يکتب لکم کتابا لن تضلوا بعده! فنهر عمر بن الخطاب النسوة لأن رأيه کان کرأي بطون



[ صفحه 89]



قريش وقال لهن: (إنکن صويحبات يوسف...) هنا أتيحت الفرصة للنبي ليتکلم فقال: (إنهن خير منکم، قوموا عني لا ينبغي عندي تنازع، ما أنا فيه خير مما تدعونني إليه). وأدرک النبي أنه لم يعد هنالک ما يبرر کتابة توجيهاته النهائية، فلو أصر النبي علي کتابة توجيهاته النهائية، لأصر جمع بطون قريش علي اتهامه بالهجر مع ما يستتبع ذلک من عواقب مدمرة علي الدين نفسه، لذلک صرف النبي النظر عن کتابة هذه التوجيهات، وخرج جمع البطون وخرج الخلص من أصحاب النبي، ونجح جمع البطون بالحيلولة بين النبي وبين کتابة ما أراد، ونجحت بطون قريش عمليا، ولأول مرة بالتفريق بين الله ورسوله، وبين کتاب الله وبيان النبي لهذا الکتاب، ورفعت بطون قريش شعار: (حسبنا کتاب الله) أي يکفينا القرآن، ولسنا بحاجة لبيان النبي أو لوصيته!! وهکذا أعلنت بطون قريش نواياها وبکل سفور، فعرفها النبي، وعرفها الخلص من أصحابه. وخرج الرسول عمليا من التأثير علي مسرح الأحداث، وصار الذين آمنوا قلة کما کانوا دائما، وسط کثرة تدعي الإسلام!! ومن المدهش حقا أنه ما من خليفة قط إلا وکتب توجيهاته النهائية وهو علي فراش الموت، وقد اشتد به الوجع أکثر مما اشتد برسول الله ومع هذا لم يقل أحد من المسلمين قط لأحد من الخلفاء قط (حسبنا کتاب الله، أو أن المرض قد اشتد بک، ولا حاجة لنا بکتابک، بل علي العکس کانت توجيهات الخلفاء تنفذ کأنها وحي من الله جاء به الله والملائکة قبلا).

قد يقول قائل أن هذا غير معقول!! ولا يمکن أن يعامل الرسول بهذه القسوة، ولکن هذا ما حدث بالفعل فأصح الصحاح عند أهل السنة صحيحا البخاري ومسلم، وقد سلما بوقوع ذلک کله وفي کتابينا: (نظرية عدالة الصحابة والمواجهة) سقنا ووثقنا کافة الروايات التي ذکرها البخاري ومسلم في صحيحهما. فارجع إليهما إن کنت في شک من ذلک.