بازگشت

تعدد اشکال و نماذج هذا الاعتقاد


مع أن کافة العقائد والديانات السماوي منها وغير السماوي قد أجمعت علي حتمية ظهور المهدي المنقذ، وعلي تميز هذا المنقذ، وقدرته الفائقة علي الإنقاذ، وأن عهده الزاهر هو المأمول، إلا أنها اختلفت في التفاصيل، وهذا الاختلاف ناتج عن وضوح فکرة الظهور أو غموضها في أذهان معتنقيها، فبعضهم يري بأن مهمة المهدي تنحصر في إنقاذ هذا المجتمع أو ذاک فهو منقذ خاص لجماعة من الناس من حيث المبدأ!! بينما يري البعض الآخر، بأن مهمة المهدي منصبة علي إنقاذ العالم کله إنقاذا شاملا، وإقامة دولة عالمية، تصبح أقاليم العالم کله ولايات لها، وأبناء الجنس البشري، بمختلف ألوانهم وأعراقهم رعايا لها، وأصحاب القوة والأمانة من رجال العلم ونسائه هم قادة تلک الدولة وأمرائها. دولة عالمية تحقق العدل المطلق، والرخاء التام، والاکتفاء الذي لا عوز معه، والسعادة لجميع أبناء الجنس البشري، ولم نر مثل هذه الرؤيا الشمولية إلا في الإسلام، ربما لأنه آخر الأديان، ولأنه المرشح بطبيعته ليکون الدين العالمي الأوحد..



[ صفحه 71]



وکما اختلفت العقائد والديانات، بحجم ومدي عملية الإنقاذ، اختلفت أيضا في تحديد من هو المهدي بالفعل؟ وأين يظهر؟ ومتي يکون زمن ظهوره؟

ويکمن سر هذا الاختلاف في أن هذه التساؤلات من تفاصيل الفکرة الرئيسة، وأن هذه التفاصيل قد خضعت للزيادة والنقصان وللاجتهاد لدي الأغلبية من أتباع الملل الأخري، وبالتالي تعدد منابع ومراجع المعلومات التي بنيت تلک التفاصيل علي أساسها، أو لعدم وثوق بعضها. فقد اکتفت الديانة اليهودية، أو ما وصل إلي علمنا منها علي الأقل، بتأکيد الفکرة الرئيسة، والإشارة العامة إلي أصول المهدي، وأنه من نسل إسماعيل، وأنه أحد اثني عشر عظيما، وأشارت أيضا إلي الظروف والمخاطر التي أحاطت بولادة هذا المنقذ العظيم، وصرحت بأن الله تعالي قد غيب هذا المنقذ ليحفظه، ثم يظهر في اللحظة المناسبة، وبالرغم من إجمال تلک المعلومات، إلا أنها علي جانب کبير من الأهمية، کما سنري. أما الديانة المسيحية فقد أشارت إلي عهد الظهور، وأبرزت من هذا العهد ظهور السيد المسيح، فرکزت عليه ترکيزا خاصا، وأهملت ما سواه.

أما الديانة الإسلامية، وهي أحدث وآخر الديانات السماوية، فقد غطت نظرية ظهور المهدي تغطية کاملة، فعلي الرغم من المحنة التي تعرض لها الحديث النبوي، حيث منعت کتابته وروايته مدة طويلة من الزمن، إلا أن ما وصلنا من الأحاديث النبوية قد وصف المهدي وصفا دقيقا، وحدد علامات ظهوره تحديدا واضحا، ووصفت مهمته موضوعيا کما سنري.

وهذا الاختلاف بين العقائد والأديان علي التفاصيل بعد الاتفاق علي الفکرة الرئيسة أفرز نماذج وأشکالا متعددة، للاعتقاد بالمهدي المنتظر، أو المنقذ الأعظم، وسنستعرضها بما أمکن من الإيجاز طمعا باستکمال دائرة البحث.