بازگشت

المهمة الکبري للمهدي المنتظر


بعد انتقال النبي الأعظم إلي جوار ربه، واستيلاء بطون قريش علي منصب الخلافة بالقوة والتغلب، وحيازتها الفعلية للملک الذي تمخضت عنه النبوة، حدثت تغييرات هائلة وشاملة وجذرية، طالت کل شئ کان النبي قد مسه، فنقلته من مکان إلي آخر، وعدلت وبدلت فيه، حتي غيرت حقيقته تماما ولم يبق منه إلا اسمه أو رسمه الإسلامي.

فقد حلت عري الإسلام کلها سريعا عروة بعد عروة، ورفعت مضامينه ومفاهيمه الجوهرية من واقع الحياة تماما أو حيدتها!! ولم يبق من الإسلام إلا اسمه والإطار العام أو الشکل اللازم لبقاء الملک، وتوسيع رقعة المملکة أو الامبراطورية ولکن باسمه، أما الإسلام الحقيقي بجوهره ومضمونه فقد صار غريبا، لا يعرفه المجتمع أبدا!! ولا شئ يدل عليه أو يرمز إليه إلا الفئة المؤمنة القليلة والمتکونة من آل محمد وأهل بيته وقدامي المحاربين المؤمنين الذين قامت دولة النبوة علي أکتافهم، وانتشرت دعوة الإسلام بسيوفهم وألسنتهم، وصحبوا النبي فأحسنوا الصحبة ووالوه فأخلصوا بالولاء، واستوعبوا ووعوا علوم الإسلام، فلما مات النبي تمسکوا بالقرآن وبأهل بيت النبوة کما أمروا فنقمت عليهم دولة الخلافة، وصبت جام غضبها عليهم فعزلتهم مع أهل بيت النبوة، وحرمت عليهم.



[ صفحه 62]



تولي الوظائف العامة وکممت أفواههم، وضيقت عليهم معيشتهم، ونفرت الناس منهم، فأذلوا وعزلوا تماما وصاروا غرباء کغربة الإسلام والإيمان!! وهم من عناهم النبي بقوله: (فطوبي للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس). (راجع سنن الدارمي ج 2 ص 311 - 312 وصحيح مسلم ج 1 ص 130 وصحيح الترمذي ج 5 ص 18) اسم الإسلام ورسمه، والقرآن الکريم بين دفتين، وأهل بيت النبوة، والفئة القليلة المؤمنة الغريبة المستضعفة هم جميعا کل ما تبقي من الإسلام، وعمق الشعور بالإحباط وجذر المصيبة وضاعفها أن دولة الخلافة قد أجبرت أهل بيت النبوة وآل محمد وقدامي المحاربين وکافة أفراد الفئة المؤمنة علي الجلوس علي مقاعد التلاميذ وقصرت دورهم علي الاستماع والموافقة، بعد أن سلمت الإمرة والقيادة ومنصب (الاستاذية والتعليم) إلي القضاء وحديثي العهد بالإسلام المتأخرين بالقوة وأمرتهم، وأخرت المتقدمين السابقين بالقوة وأجبرتهم علي الاعتراف بأنهم متأخرون بالقوة أيضا!!!

ولم تکتف بذلک إنما خلطت الأوراق خلطا عجيبا!! فلم يعد المراقب المنصف يدري بالفعل أيا من أي کما قال الرسول وحذر!!

وهکذا اقتصرت مهمة الدين علي حراسة تاريخ عصر ما بعد النبوة وإثبات شرعية وقائعه وظواهره التي تمخضت عنها الحرکة السياسية لمسيرة الخلفاء المتغلبين من بعد النبي!!! وهرولت وراءهم الأکثرية الساحقة من الأمة طمعا برغيف العيش وبقيا منها علي الحياة وتربت هذه الأکثرية تحت قبة الرأي والتأويل المفضي مباشرة إلي فقه الهوي، ونشأ فقه الهوي بالفعل وصار هو القانون النافذ في المجتمع، وتمکن هذا الفقه من النفوس، وظهر أو أظهر بصورة الدين الإسلامي وثوبه، وألقي هذا الفقه أجرانه في ديار الإسلام!! فعليک أن تقبل به وبتاريخ ما بعد النبوة معا، أو ترفض الدين وهذا التاريخ معا!! فهما وجهان لعملة واحدة، وکل جيل کان يسلم راية فقه الهوي للجيل الذي يليه، فأشربت قلوب المسلمين کليات وتفاصيل هذا الفقه بما کسبت أيديهم، وکانت الأجيال کلها تتحرک تحت أشراف وسطوة الخلفاء المنقلبين الذين صنعوا هذا الفقه ورعوه..



[ صفحه 63]



ومنه استمدوا شرعية وجودهم وسلطتهم!!

ومع أن المسلمين يعترفون بأن عري الإسلام کلها قد حلت عروة بعد عروة، وأنه لم يبق من الإسلام عروة بدون حل!! وهم يعترفون أيضا بأن الإسلام قد أخرج من واقع الحياة ومسرحها وصار تاريخا، وهم يقرون أن الإسلام والإيمان والمسلمين والمؤمنين الصادقين قد صاروا جميعا غرباء، وأن حکم الله قد رفع من الأرض، وأن الأمة الإسلامية لم تعد أمة وسطا وأنها لم تعد مؤهلة لتکون الشاهدة علي الناس، وکان هذا واضحا للناس جميعا من اللحظة التي أصبح فيها الذين عادوا الله ورسوله هم الحکام والمعلمون وأجبر أهل بيت النبوة وأولياء الله ورسوله علي أن يکونوا تابعين ومحکومين ومقتصر دورهم علي الإصغاء والسکوت أو مواجهة الموت الزؤام!!

مع أن المسلمين يعرفون کل ذلک معرفة تامة، ويقرون بحدوثه ووقوعه إلا أنه ليست لأحد من المسلمين الرغبة لمعرفة: من الذي فکک الإسلام، وحل عراه، وتسبب بإخراجه من واقع الحياة، وجعله والمتمسکين به في حالة غربة وهو صاحب الدار، ومن الذي مکن أعداء الله والمتأخرين من أن يصبحوا هم القادة وفرض علي أهل بيت النبوة وقدامي المحاربين المؤمنين والفئة المؤمنة التأخر والذل؟!!

مع أن معرفة أولئک الذين تسببوا بکل هذه المصائب أمر ضروري!!

وتشخيص لا بد منه لوصف الدواء!!

وإذا رغب المسلمون بمعرفة من الذي فعل بهذه الأمة هذه الأفاعيل، وتسبب بدمار الإسلام والمسلمين فإن رغبتهم تصطدم مع فقه الهوي الذي أشربته قلوبهم، وحسب قواعد هذا الفقه، فإن طاعة ومحبة الذين حلوا عري الإسلام وجعلوه غريبا واجبة، ومعصيتهم، أو کراهيتهم، أو الخروج عليهم حرام بالإجماع!!!! فمحبتهم واجبة وهم أموات، والاقتداء بهم دين حتي وإن کانوا مخطئين!!

وهکذا تصطدم الرغبة بتشخيص الداء ومعرفة الأعداء بفقه الهوي الذي تمکن من النفوس واستقر فيها بعد 14 قرنا من المداومة علي حفظه علي ظهر قلب.



[ صفحه 64]



والإيمان به وتصطدم مع اللاشعور المسکون بالرعب والخوف من سيوف المتغلبين وأعوانهم، والخشية من قطع العطاء، والحرمان من الجاه والنفوذ!! فلا شعور الأمة ما زال تحت سطوة معاوية والخلفاء الأمويين.

لهذا کلما سأل المسلم نفسه التساؤلات التي طرحناها قبل قليل يسيطر علي قلبه وسمعه وعقله عالم لا شعوره المملوء بالرعب والعائش بالفعل تحت سلطة معاوية وحکمه، عندئذ يلعن هذا المسلم الشيطان ويعود لنفس الدائرة التي سجن المسلمون فيها أنفسهم طوال التاريخ!!!

فنکون أمام مشکلة حقيقية مستعصية الحل، فلو عاش الناس مليون قرن فلن يخرجوا من هذه الدائرة التي سجنوا أنفسهم فيها، ولن تفارقهم أشباح الرعب التي تتحکم بلا شعورهم!! فنحن أمام عقبة کبري لا يمکن أن يقتحمها إلا نبي أو ولي مجرب ومدعوم إلهيا، وبما أن محمدا هو رسول الله وخاتم النبيين ولا نبي بعده، فيکون الولي العارف المجرب المطلع هو القادر علي حل مشکلة المسلمين واجتياز هذه العقبة الکؤود، وإخراجهم من الدائرة التي سجنوا أنفسهم فيها.

وقد اختار الله سبحانه وتعالي عبده محمد بن الحسن ليکون هو المهدي المنتظر، لحل المشکلة العالمية من عقالها وتجاوز العقبة، وإخراج الناس من دائرة التقليد الأعمي (إنا وجدنا آباءنا علي أمة) إلي دائرة الإبداع الملتزم! وقد وهب الله تعالي للمهدي المنتظر عمرا طويلا، وقدرة هائلة علي التنقل والاستيعاب، والتخفي، فهو يعيش بين الناس، ويفهم کليات وتفاصيل ما يجري في العالم وهو ينتظر اکتمال الأسباب وأمر الله له بالظهور والخروج فعندما يخرج المهدي المنتظر تکون أسباب النجاح قد هيئت تماما، فيقوم المهدي المنتظر بإعادة الأمور إلي نصابها الشرعي تماما، ويدوس علي الخلط بقدمه، ويفرز الأوراق عن بعضها البعض، ويضع النقاط علي الحروف ويسمي الأشياء بأسمائها، ويقدم الإسلام علي حقيقته للعالم، فتزول الغشاوات عن العيون، والرين عن القلوب، ويشکل المهدي حکومته العالمية من المؤمنين الصادقين أصحاب القوة والأمانة من رجال العالم ونسائه، وتصبح کل أقاليم العالم (دولة) ولايات لدولته، ويصبح کل أبناء الجنس البشري رعايا ومواطنين في دولته.



[ صفحه 65]



تعاملهم بکل المحبة والاحترام لا فرق بين لون ولون أو بين عرق وعرق، أو بين قوم وقوم، وتؤول إلي خزينة دولة المهدي کافة موارد العالم الاقتصادية، فيوزعها بين الناس بالسوية دون أن يميز أحدا عن أحد، لأن الحاجات الأساسية لبني البشر متشابهة، وخلال عهده تعطي السماء کل برکاتها، وتخرج الأرض کل کنوزها وخيراتها ويقصم المهدي کل جبار في الأرض. ويتحرر الإنسان من الخوف والعوز معا، وتتفتح أمام أبناء الجنس البشري أبواب ومنافذ العصر الذهبي الدنيوي الذي لا يضاهيه عصر في الدنيا، فلا عدوان ولا بغي ولا ظلم، ولا خوف ولا عوز، ولا مرض ولا قلق...

هذه هي الخطوط العريضة لتوجهات المهدي المنتظر واتجاهاته وهذه هي المهمة الکبري التي اختار الله عبده المهدي لإنجازها وهذا هو المهدي الذي طالما بشر به النبي، ووعد المؤمنين والجنس البشري بالخلاص علي يديه، وهذا هو خاتم الأئمة الذين اختارهم الله لقيادة العالم!.



[ صفحه 69]