بازگشت

التناقض الصارخ بين الدين و الواقع و بين المظاهر و الحقائق


1 - علي صعيد الإمامة أو رئاسة الدولة: لقد أعد الله سبحانه وتعالي رسوله محمدا وأهله للنبوة والإمامة أو الرئاسة العامة للمسلمين واختاره لهذه المراتب لأنه الأفضل والأعلم والأفهم والأنقي والأقرب إلي الله، والأقدر علي القيادة في تلک المرحلة، وتلک مواصفات ومؤهلات لا يعلمها علم اليقين إلا الله، وکلها مؤهلات ضرورية لتکون القدوة المثالية، وليتمکن من قيادة الأمة وفض ما يشجر بينها من مشکلات وفق الحکم الإلهي. ومن المفترض بعد وفاة النبي أن تنتقل الإمامة والرئاسة العامة لمن أعده الله ورسوله واختاره لهذه المهمة ليتابع طريق النبوة ويتم ما لم يتحقق من برامجها!! هذا هو التنظير الديني للرئاسة، وهذا هو حکم الدين. أما علي صعيد الواقع فالأمر مختلف جدا فأبرز مؤهلات الذين خلفوا النبي برئاسة الدولة طوال التاريخ السياسي الإسلامي هو التغلب والقهر فأي شخص يغلب علي الأمر أو الخلافة يتقلدها ويتنعم هو والذين أوصلوه لهذا المنصب بامتيازات الخلافة، فالمتغلب شخص عادي من جميع الوجوه فلم يدع أحد من الخلفاء التاريخيين أنه الأفضل أو الأعلم أو الأفهم أو الأتقي أو الأقرب إلي الله ورسوله بل وصرح أول الخلفاء بما يلي: (إني قد وليت عليکم ولست بخيرکم)... فالخليفة الأول صادق في ما يقول، ويعترف صراحة وضمنا بأن بين المخاطبين المحکومين من هو خير منه، ومن هو أفضل منه، ومع هذا فقد ولي الخلافة رسميا وأصبح خليفة النبي والقائم مقامه واقعيا وعلي الأمة أن تسلم بذلک شاءت أم أبت، وأن تبايعه راضية أو کارهة لأنه لا بد للجماعة المؤمنة من رئاسة.

وهنا تقع المشکلات الکبري فالسلطة الفعلية والأمر والنهي بيد الخليفة والقائم مقام النبي واقعيا أما الإمام الشرعي المؤهل والمختار إلهيا فهو مجرد مواطن عادي لا حول بيده ولا قوة، ويمکن للخليفة بإشارة من يده أن يطيح برأس الإمام الشرعي قبل أن يرتد إليه طرفه. بهذه الحالة، فإن الخليفة لا يعرف الحکم الشرعي ولا المقاصد الشرعية، ولا برامج النبوة، ولا معني کل آية معرفة يقينية، هو يعرف ولکن ظنا وتخمينا، والخليفة ليس محيطا بالبيان النبوي ولا معدا أصلا ليکون



[ صفحه 53]



خليفة وليس لديه علم يقيني لا بالماضي ولا بالحاضر ولا بالمستقبل لأنه أصلا غير معد لهذه الأمور، لقد جلس مجلسا ليس له وادعي أمرا فوق طاقته، وعلي الخليفة أن يدير أمور الدولة، فإذا رجع الخليفة للإمام الشرعي فإنه مضطر أن يرجع إليه في کل الأمور وفي ذلک حط من مقام الخليفة، واعتراف ضمني بعدم أهليته للحکم، واعتراف بأن الإمام الشرعي هو المؤهل الوحيد في زمانه لتولي الأمور. لکن الخليفة وأعوانه لن يستسلموا ولن يعترفوا بذلک فأول خطواتهم کانت تجاهل الإمام الشرعي تجاهلا کاملا والحط من مکانته، والتعتيم الکامل علي مؤهلاته. ثم تسيير شؤون الحکم بالرأي لا بالشرع، فهم لا يعرفون الشرع، ولکنهم يعرفون الرأي، لذلک ترکوا شرع الله الذي لا يعرفونه ولا يجيدون الحکم وفق أحکامه واجتهدوا أو اخترعوا أحکاما من آرائهم الشخصية لحل المشکلات التي کانت تواجه الخلفاء، وکان يصدف أن يطرح سؤال علي الخليفة أو تعرض عليه مشکلة والإمام الشرعي موجود فيجيب الإمام الشرعي، ويقدم الحل للمشکلة أما الخليفة الساکت فيتبني الخليفة جواب الإمام أو الحکم الشرعي الذي أعلنه الإمام إذا کان هذا الجواب أو الحکم لا يتعارض مع نظام الخليفة أو يمس بوجوده ووجود أعوانه. وکثيرا ما کان العامة ينتقدون آراء الخليفة وأحکامه، وکثيرا ما کان يصدر حکما أو رأيا اليوم وينقضه غدا ليتبني رأيا وحکما آخر، لأنه لا يعرف الصواب علي وجه اليقين ولا يعرف الأحکام الشرعية لذلک يبقي حبيس آرائه الشخصية واجتهاداته ليجد الحل أي حل لمشکلات الناس التي تعرض عليه.

والخلاصة أنه وحسب أحکام الدين فإن الإمام أو الرئيس من بعد النبي يتمتع بمؤهلات خاصة تجعله ملاذا للناس بمميزاته وقدراته التي تؤهله للإجابة علي کل سؤال مطروح في العالم جوابا شرعيا يقينيا، وتجعله مثلا أعلي وقدوة للمحکومين ولأبناء الجنس البشري تماما کما کان النبي إلا أن الإمام ليس نبيا ولا يوحي إليه إنما هو وارث لعلمي النبوة والکتاب، ومسدد، وموفق إلهيا لأنه المکلف بتنفيذ البرامج الإلهية لهداية العالم کله، ولأنه مکلف ببيان وتنفيذ الحکم الشرعي علي صعيد الأمة الإسلامية. هذا هو الإمام القائم مقام النبي شرعا وکما هو في الحق والحقيقة، وقد وجد مثل هذا الرجل المؤهل دائما، ولکن أئمة الضلالة حالوا بينه وبين ممارسة حقه الشرعي بالإمامة..



[ صفحه 54]



أما من الناحية الواقعية فالخليفة المتغلب الذي استولي علي منصب الخلافة بالقوة والقهر والغلبة وکثرة الأتباع فليست له صفات ومؤهلات تميزه عن غيره من الناس، فهو رجل عادي من جميع الوجوه، ومؤهله الوحيد يکمن في القوة والتغلب، حتي إذا ما استولي علي منصب الخلافة سخر إمکانياتها ومواردها لتجميل صورته، واختلاق مميزات خاصة له وإقناع الناس بالترغيب والترهيب أنه بالذات الشخص المناسب ليقوم مقام النبي وخلفائه.

والخليفة المتغلب يقر علنا بأنه ليس الأفضل ولا الأعلم ولا الأقرب لله ولرسوله، وأنه مجرد شخص عادي ليست له مميزات خاصة، ويقر أيضا بأن الأفضل والأعلم والأقرب للرسول موجود بالفعل ويقر أعوانه بکل ذلک تبعا لإقراره!!! ولکنهم يدعون بأن المسلمين قد قدموا المفضول وهو الخليفة علي الأفضل وهو الإمام الشرعي لمصلحة قدروها في ذلک!!! والمقصود بالمسلمين هم الفئة التي جاءت بالخليفة المتغلب ودعمته حتي جعلته خليفة!! أما المسلمون الذين يعارضون هذا الخليفة فلا يعتد برأيهم، ولا يقام له وزن لأنه يفرق الأمة بعد توحدها!!

2 - الله سبحانه وتعالي شهد لأهل بيت النبوة بالطهارة، واعتبرهم أحد الثقلين فالقرآن الثقل الأکبر وأهل البيت هم الثقل الأصغر، والهدي لا يدرک إلا بالثقلين معا، والضلالة لا يمکن تجنبها إلا بالثقلين معا، والأمة تشهد أن الهاشميين هم الذين احتضنوا النبي وحموه وحموا دعوته طوال مدة ال‍ 15 سنة التي سبقت الهجرة، وأن بطون قريش مجتمعة قد حاصرت الهاشميين وقاطعتهم ولولا الهاشميين لقتلت بطون قريش رسول الله وبعد الهجرة وعندما جيشت بطون قريش الجيوش وحاربت الرسول کان الهاشميون هم أرکان حرب الرسول وهم أول من قاتل ومنهم أول من قتل وبقي الهاشميون إلي جانب الرسول حتي استسلمت بطون قريش واضطرت مکرهة أن تعلن إسلامها، لهذه الأسباب مجتمعة ومنفردة ولأسباب تتعلق بحکمة الله وفضله جعل الله الصلاة علي آل محمد رکنا من أرکان الصلوات المفروضة علي المسلمين، وفرض مودتهم علي الناس، وفرض محبتهم. بعد موت النبي قالت بطون قريش أنها أولي بالنبي من آل محمد ومن.



[ صفحه 55]



أهل بيته ومن بني هاشم!!! وأن هذه البطون هي الوارثة الوحيدة لأموال النبي وسلطانه لأنه من قريش أما آل محمد وأهل بيته وبنو هاشم فليست لهم أية حقوق أو امتيازات خاصة، ولا يجوز لهم أن يتولوا الخلافة لأن محمدا من بني هاشم وقد أخذ الهاشميون النبوة ولا ينبغي لهم أن يجمعوا مع النبوة الخلافة فينالوا الشرفين، ويذهبوا بالفخرين، ويحرموا بطون قريش کذلک لا يجوز للهاشميين عامة ولا لأهل بيت النبوة وآل محمد خاصة أن يتولوا الوظائف العامة لأنهم سيستغلون هذه الوظائف للوصول إلي منصب الخلافة، وقد وثقنا ذلک في کتابينا: (نظرية عدالة الصحابة) والمواجهة مع رسول الله وآله وفوق ذلک وحتي لا يستغل آل محمد قرابتهم للنبي، وحتي لا يستميلوا القلوب ويؤلفوها من حولهم قرر الخلفاء أن يبقوا آل محمد في حالة عوز وحالة تبعية اقتصادية تامة، فحرموهم من ترکة النبي، وصادروا الإقطاعات التي أقطعها لهم النبي حال حياته، وحرموهم من إرث النبي، ومنعوهم سهم ذوي القربي المخصص لهم بآية محکمة، وأعلن الخليفة الأول أنه علي استعداد لتقديم المأکل والمشرب لآل محمد لا يزيدون عليه!!! وهکذا کان حصار الخلفاء لآل محمد رسول الله ولأهل بيته حصارا محکما وشاملا لکل نواحي الحياة!!! ولم يکتف الخلفاء بذلک لأنهم اعتبروا وجود آل محمد وأهل بيته خطرا علي منصب الخلافة وقنبلة موقوتة لا يدري الخلفاء متي تنفجر لذلک طردوهم وشردوهم وقتلوهم تقتيلا، وإن جادل القوم بآل محمد وأهل بيته فلن يجادلوا أبدا بأن عليا بن أبي طالب وفاطمة الزهراء والحسن والحسين هم من آل محمد بل هم رأس وعماد آل محمد، ومع هذا فقد هددوا عليا بالقتل إن لم يبايع ثم قتلوه، وشرعوا بحرق بيت فاطمة بنت محمد علي من فيه وفيه الحسن والحسين وذلک في اليوم الثاني لوفاة أبيها رسول الله، وعندما کبر الحسن قتلوه بالسم. وبقي الحسين وحيدا يضم تحت جناحيه آل محمد، ثم أخرجه الخلفاء ومن والاه من آل محمد، وقادوهم إلي حمراء لا ظل فيها ولا ماء، وحالوا بين آل محمد وبين ماء الفرات حتي لا يشربوا منه ويموتوا عطشا، ثم جهز الخليفة جيشا قوامه مائة ألف مقاتل أو ثلاثين ألف مقاتل بأقل الروايات وشن هذا الجيش هجوما ساحقا علي الحسين ومن معه من آل محمد وأحفاده وأبناء عمومته وتمکن الجيش من إبادة کل من



[ صفحه 56]



حضر من آل محمد، ولم يبق إلا الحسين، وکان بإمکان جيش الخليفة أن يأسر الحسين لأنه رجل واحد، ولکن هذا الجيش شن هجوما شاملا علي ابن النبي وقتله شر قتلة وقطعه تقطيعا ونهب رحله، وساق بنات النبي، وبنات عمومته حفاري أساري وبعد أن انتهت المعرکة بانتصار جيش الخليفة، صلوا الفرائض ولم ينسوا أبدا بأن يصلوا علي محمد وآل محمد، هم نظريا يصلون علي محمد ويقتلون ابنه وأحفاده وأولاد عمومته!! وهم يصلون علي آل محمد، ويقتلونهم!!

يصلون عليهم وبعد الانتهاء من الصلاة يستعدون لقتلهم ثم يقتلونهم، وبعد الانتهاء من القتل يصلون عليهم وهم يعتقدون أنه لا تناقض بين صلاتهم علي النبي وقتلهم لابنه وأحفاده، ولا تناقض بين صلاتهم علي آل النبي وقتلهم لأولئک الآل!!. وقد وقع في هذا التناقض حتي الخلفاء الراشدون، فقد أمر الخليفة الأول بحرق بيت فاطمة بنت الرسول علي من فيه وفيه الحسن والحسين ابنا رسول الله، وقاد السرية التي تولت مهمة الشروع بحرق بيت فاطمة ولي عهد الأول والذي أصبح الخليفة الثاني وجمع الحطب تحت إشرافه، وأشعلت فيه النيران بأمره، وسمع بأذنه فاطمة بنت الرسول وهي تنادي بأعلي صوتها: (يا أبتي يا رسول الله) ولم يرمش له جفن حتي حقق ما أراد تماما، بعد ذلک عاد ولي عهد الأول والخليفة الثاني ومعه أرکان دولة الخلافة فصلوا علي محمد وآل محمد، مع أنهم قبل قليل قد شرعوا بحرق بيت بنت الرسول عليها وعلي ابنيه الصغيرين وهم أحب الناس إليه وصفوة آل محمد!! واعتقد الخليفة وولي عهده وأرکان دولته أنه لا تناقض يذکر بين أفعالهم وبين حبهم للنبي وصلاتهم علي محمد وعلي آل محمد!!!

وقد تقتضي مصلحة الخلفاء أو أوهام فيها مصلحة أن يسبوا ويشتموا ويلعنوا آل محمد، ويلزموا کل فرد من رعاياهم أن يلعن الآل الکرام أو يلعن عميدهم، وأن يقطعوا عطاء من يحبهم، أو يحکموا بالموت علي من يواليهم کما فعل الخلفاء الأمويون، وخلال هذه المحنة الرهيبة کان الخلفاء الأمويون وأتباعهم يصلون علي النبي وآل النبي، وکانوا يعتقدون أنه لا تناقض يذکر بين أفعالهم بآل محمد وصلاتهم علي محمد وآله!!!.



[ صفحه 57]



3 - المؤمنون الصادقون الذين والوا رسول الله، وآله، ورافقوه في عسره ويسره وبذله له ولدينه النفس والنفيس، وجاهدوا في الله حق جهاده حتي نصر الله نبيه، وأعز دينه، وقامت دولة النبوة علي أکتافهم، هؤلاء المؤمنون الصادقون قد استبعدوا تماما بعد موت النبي، وحرموا من تولي الوظائف العامة، ومن نشر علوم النبوة، وعزلوا عزلا تاما عند الناس وأصبحوا موضع شبهة، وصاروا غرباء بالوطن الذي بنوه حجرا فوق حجر، وأعداء بمقاييس الدولة الجديدة التي بنوا أساسها بالعرق والدم بحجة موالاتهم لآل محمد!!!

أما الذين قاوموا الرسول، وعادوه قبل الهجرة، وتآمروا علي قتله وحصروا الهاشميين وقاطعوهم، ثم جندوا الجيوش وحاربوا النبي بعد الهجرة، وقادوا جبهة الشرک، ورموا النبي بکل سهم في کناناتهم حتي أحيط بهم فاستسلموا واضطروا مکرهين لإعلان إسلامهم، وأخفوا ترکة الصراع الهائل والمرير والطويل الذي دار بينهم وبين رسول الله!

بعد موت النبي مباشرة صاروا هم أرکان دولة الخلافة وهم الأمراء، وهم الأساتذة، وهم أصحاب الأمر والنهي، ومن بيدهم السلطة الفعلية يتصرفون بالجاه والأموال والنفوذ علي الوجه الذي يريدون بلا حسيب ولا رقيب، ويمکنون لأنفسهم في الأرض تحت سمع وبصر الخليفة الغالب، والمغلوب علي أمره، ولکنه لا يريد الاعتراف بالحقيقة، کان کل واحد من قادة جبهة الشرک السابقين يتصرف بولايته تصرف المالک بملکه، ويضع البرامج والمناهج التربوية والتعليمية التي يراها مناسبة، لإحداث التبديل والتغيير، بما يخدمه ويرغم أنوف خصومه وهم أهل بيت النبوة، وقدامي محاربي الإسلام!! ورموزه وأعلامه الذين حرموا من تولي الوظائف العامة، واستبعدوا بالکامل!!

وعندما سئل الخليفة الثاني عن هول ما جري، وعن سر استخدامه للمنافقين والفجار، وترکه لأولياء الله ورسوله؟ قال: (إننا نستعين بقوتهم وإثمهم علي أنفسهم وقد وثقنا ذلک!!! فالمنافقون والفجار هم العناصر الوحيدة التي تملک القوة والقادرة علي إدارة ملک الخليفة!!! أما أهل بيت النبوة، والسابقون في الإيمان، وقدامي المحاربين الذين هزموا بطون قريش ورکعوا العرب کلهم فليست.



[ صفحه 58]



لديهم القوة لإدارة هذا الملک!!!