بازگشت

ائمة الضلالة و اعوانهم


لغة وشرعا يطلق مصطلح الإمام علي رئيس الأمة وهاديها ومرجعها - أي أمة - وتعني الإمامة الرئاسة العامة والمرجعية معا، وهي إما أن تکون إمامة بر وشرعية، کإمامة إبراهيم والأئمة من بعده، وإمامة محمد والأئمة الشرعيين من ولده تقود إلي الصراط المستقيم، وإما أن تکون إمامة فاجرة وغير شرعية سندها القوة والتغلب، کإمامة فرعون وغيره من أئمة الکفر تقود إلي دار البوار، وقد فصلنا کل ما يتعلق بهذين المصطلحين في کتابنا: (الإمامة والولاية) فارجع إليه إن شئت..



[ صفحه 48]



وما يعنينا أن رسول الله عندما لخص الموقف لأمته، وأخبرها بما هو کائن، وما سيکون، وحذرها من مغبة معصية توجيهاته وأوامره وطاعة أعداء الله وأعداء رسوله توقف طويلا عند أئمة الضلالة، الذين سيأتون من بعده، واعتبرهم ألد الأعداء، وأعظم الأخطار التي تتهدد الأمة الإسلامية من بعده لأنهم هم الذين سيبدأون بحل عري الإسلام، وأول عروة سيحلونها هي نظام الحکم، ثم يستعينون بالسلطة والنفوذ فيحلون ما تبقي من عري الإسلام، حتي لا تبقي فيه ولا عروة واحدة دون حل، وأن هؤلاء الأئمة لن يبقوا من الإسلام إلا اسمه، ومن القرآن إلا اسمه، ومن الدين إلا أشکاله ومظاهره الخارجية لغاية محددة، وهي المحافظة علي ملک النبوة الذي اغتصبوه والتمتع بهذا الملک بعقلية وقلوب الجبابرة، ولکن بجبة وعمامة إسلامية!!! هذا هو الخطر الحقيقي الذي يتهدد الإسلام ويتهدد المسلمين، والذي توقف عنده النبي، وحذر منه وکرر التحذير، فقال مرة:

(لست أخاف علي أمتي جوعا يقتلهم، ولا عدوا يجتاحهم، ولکني أخاف علي أمتي قبيحهم، وتصدقوا کذبهم... (راجع الطبراني في الکبير ج 22 ص 362 ح 910 وص 373 و 934، والفردوس ج 2 ص 317 ح 3437، والجامع الصغير ج 2 ص 49 ح 4680، وکنز العمال ج 6 ص 67 ح 14876، وفيض القدير ج 4 ص 101 ح 4680، والمعجم ج 1 ص 29 - 30).

ووصفهم النبي مرة أخري فقال: (لا تقوم الساعة حتي يبعث الله أمراء کذبة، ووزراء فجرة، وأمناء خونة، وقراء فسقة... (رواه البزار، والهيثمي في مجمع الزوائد ج 5 ص 233، والمعجم ج 1 ص 26).

وقد بين النبي الکريم أن أئمة الضلالة سيستغلون کل شئ لصالحهم، فالعطاء الذي فرضته الشريعة للمساعدة علي تأمين الحاجات الأساسية لأفراد المسلمين سيحوله أئمة الضلالة إلي رشوة!! بمعني أن أئمة الضلالة لن يعطوا أي مسلم عطاءه إلا إذا بايعهم، ورضي بجورهم وظلمهم وقبل بوجودهم، لذلک أمر رسول الله المسلمين أن يأخذوا العطاء ما دام عطاء، فإذا استغل أئمة الضلالة هذا العطاء فجعلوه رشوة للسکوت، فلا ينبغي أن يأخذ المسلمون هذا العطاء، ولکن الرسول قد أخبر الأمة بأنها ستأخذ العطاء، بالرغم من أنه رشوة، لأن الفقر



[ صفحه 49]



والحاجة يمنع المسلمين من ترک العطاء. (راجع الطبراني في الصغير ج 1 ص 264، وحلية الأولياء ج 5 ص 165 - 166، وتاريخ بغداد ج 3 ص 398، ومعجم الأحاديث ج 1 ص 31 - 32). وأخبر الرسول المسلمين بمداهنة القراء، ونفاق العلماء وبعد أن أحکم أئمة الضلالة قبضتهم علي الأمة، وسلبوها أمرها من غير مشورة، وبعد أن نقضوا عري الإسلام کلها عروة عروة سخروا موارد الدولة وإمکانياتها، وأمروا ولاتهم وعمالهم وعلماء السوء أن يکذبوا علي رسول الله وأن يختلقوا أحاديث تروي بطريقة فنية توجب علي المسلمين، طاعة أئمة الضلالة، لأن طاعتهم عبادة بوصفهم خلفاء للنبي، وتحرم علي المسلمين معصية أئمة الضلالة، لأن معصية أئمة الضلالة معصية لله، ومعصية الله معصية للرسول، ومن عصي الله والرسول فقد برئت منه الذمة، وأحل دمه حتي في الأشهر الحرم.

وأحکم أئمة الضلالة وأعوانهم الطوق عندما حرموا علي أي مسلم أن يخرج عليهم مهما فعلوا. وسخر أئمة الضلالة کافة موارد الدولة وإمکانياتها لتعميم هذه الطاعة العمياء، وأدخلوها في مناهجهم التربوية والتعليمية، ورووا الأحاديث الکثيرة عن رسول الله، ومع الأيام والعادة والتکرار، صارت هذه القناعة التي لا يقبلها عقل جزءا من الدين نفسه.

قال أبو بکر الباقلاني القاضي المعروف في کتابه (التمهيد) باب ذکر ما يوجب خلع الإمام: (قال الجمهور من أهل الإثبات، وأصحاب الحديث: لا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه بغصب الأموال وضرب الأبشار وتناول النفوس المحرمة وتضييع الحقوق وتعطيل الحدود ولا يجب الخروج عليه، بل يجب وعظه وتخويفه، فالأخبار متضافرة عن الرسول، وعن الصحابة في وجوب طاعة الأئمة).

وقال النووي في شروحه علي صحيح مسلم بيان لزوم طاعة الأمراء ج 12 ص 229 من صحيح مسلم بشرح النووي ما يلي وبالحرف: (قال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتکلمين: لا ينعزل الإمام بالفسق والظلم وتعطيل الحدود، ولا يخلع، ولا يجوز الخروج عليه بذلک، بل يجب وعظه وتخويفه، وأما الخروج علي الأئمة وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن کانوا فسقة.



[ صفحه 50]



ظالمين)!!! أو أئمة مضلين، إن أطاعوهم فتنوهم، وإن عصوهم قتلوهم. (راجع مجمع الزوائد ج 5 ص 329 عن الطبراني، والجامع الصغير ج 2 ص 403 ح 7238 للسيوطي عن الطبراني، وکنز العمال ج 6 ص 22 ح 14671 عن الطبراني، وفيض القدير ج 5 ص 264 ح 7238 عن الجامع الصغير، ومعجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 35 - 36). لقد حذر الرسول کثيرا من الدجال، ولکن أکد للمسلمين أن الأئمة المضلين أخطر من الدجال، (راجع نص الحديث بمسند الإمام أحمد ج 1 ص 98 و ج 5 ص 145، وأبو يعلي ج 1 ص 359 عن ابن أبي شيبة، والفردوس ج 3 ص 131 ح 4163، ومجمع الزوائد ج 5 ص 238 - 239، والجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 201، ح 2 578، وکنز العمال ج 10 ص 191 ح 29008، وفيض القدير ج 4 ص 407 ح 5782 عن الجامع الصغير، ومعجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 33 - 34).

ووثق الرسول أثناء تحذيره الصلة بين الأئمة المضلين وبين الدجال، فقال: (إن طعام أمرائي بعدي مثل طعام الدجال، إذا أکله الرجل ينقلب قلبه). (راجع مسند أحمد ج 1 ص 98 و ج 5 ص 45، وابن أبي شيبة ج 5 ص 142 ح 19332).

وقد وصف رسول الله الأئمة المضلين فقال لأحد الصحابة: (أعاذک الله يا کعب بن عمرة من إمارة السفهاء. قال کعب: وما إمارة السفهاء؟ قال الرسول:

أمراء يکونون بعدي لا يهدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بکذبهم، وأعانهم علي ظلمهم، فأولئک ليسوا مني ولست منهم، ولا يردون علي الحوض، ومن لم يصدقهم علي کذبهم، ولم يعنهم علي ظلمهم فأولئک مني وأنا منهم وسيردون علي الحوض... (راجع عبد الرزاق ج 11 ص 345 - 346 ح 20719، ومسند أحمد ج 3 ص 321 عن عبد الرزاق وص 329 و ج 5 ص 11 و ج 6 ص 395، والبزار عن حذيفة، والنسائي ج 7 ص 160، والطبراني في الکبير ج 4 ص 67 ح 3127 و ح 3628، والطبراني في الأوسط والحاکم ج 1 ص 78 - 79، ومعجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 23 - 25).

ووصفهم النبي مرة أخري فقال: (ستکون عليکم أئمة يملکون أرزاقکم



[ صفحه 51]



يحدثونکم فيکذبونکم، ويعملون ويسيئون العمل، لا يرضون منکم حتي تحسنوا إن أئمة الضلالة وأعوانهم في منتهي الدهاء والخبث، کما أخبر الرسول إنهم شياطين حقيقيون، سخروا کافة إمکانات الدولة ومواردها للتحريف والتبديل والخلط. لقد (جيروا) أو ظهروا لهم کما تجير وتظهر قسائم الشيکات کافة الحقوق التي رتبها الله للرسول وللأئمة الشرعيين من بعده، فصار إمام الضلالة يتمتع بنفس حقوق الطاعة والامتيازات التي يتمتع بها الرسول والأئمة الشرعيين الذين اختارهم الله وأعدهم وأهلهم لقيادة الأمة من بعده!! وانطلي خبث أئمة الضلالة علي العوام!! فهل يعقل أن يحذر رسول الله من أئمة الضلالة، وأن يخبر المسلمين بأن أئمة الضلالة سينقضون عري الإسلام کلها، وأنهم سينتهکون کل محرم، ويشردون ويطردون ويقتلون آل محمد وأهل بيت النبوة، وسيذلون المسلمين، ومع هذا يأمر الرسول بمکافأتهم علي جرائمهم العظمي، فيعتبر طاعتهم کطاعته عبادة وواجبة، ومعصيتهم کمعصيته محرمة توجب العقوبة!!! ثم يحرم الخروج عليهم مهما فعلوا ويترکهم يتنفعون بظلمهم وفسقهم ومعاصيهم وإذلالهم للأمة والجلوس علي رأسها!! فأي مجنون في الدنيا يصدق ذلک!!! وأي عقل يقره، وأي دين يأمر به!!!

ولکن ولأن أئمة الضلالة هم الحکام المالکون للسلطة والجاه والنفوذ والمتصرفون بشؤون الأمة تصرف المالک فقد اختلقوا هم وأعوانهم علي الرسول، ووضعوا هذه الاختلاقات في مناهجهم التربوية والتعليمية، وفرضوا هذه المناهج علي المسلمين، وأوجبوا عليهم التدين بها بالإکراه، وتناقلتها أجيال المسلمين، وروجت لها وسائل إعلام الدولة، وبحکم العادة والتکرار وبدعم متواصل من أئمة الضلالة وأعوانهم صارت العامة، الأکثرية الساحقة من الأمة، تعتقد بصواب هذا الاعتقاد، وتتعبد به، ولم يجرؤ الخاصة علي الاعتراض. تلک معالم وشواهد وشواخص تکشف أئمة الضلالة وأعوانهم الذين نقضوا مجتمعين ومنفردين عري الإسلام کلها، وأوردوا الأمة موارد الردي، وقدموا الدين بغير صورته الحقيقية، فحالوا بينه وبين الانتشار، وبين الأمم وبين الاستفادة من نوره المبين..



[ صفحه 52]