بازگشت

الاصرار علي تحقيق غاية دولة آل محمد


وتتجلي طبيعة دولة آل محمد بإصرارها العجيب علي تحقيق غاياتها ومبررات وجود دولة الإمام المهدي، وهو إصرار لا يعرف الحلول الوسط، ولا يعرف المستحيل فلا بد من القضاء التام علي کل الظالمين والجبابرة، ولا بد من محاکمتهم والانتقام منهم وتطهير الأرض من وجودهم لأنه رجس وقذارة وقرف، ولا بد من فتح کافة حصونهم، حصون الضلالة، وهذا أمر لا يحتمل التأخير أو التأجيل ولا بد من رفع ظلمهم من الأرض، ولا بد من مل ء الأرض بالعدل کما ملأها المجرمون بالظلم ولا بد من هدم ما خلفه المجرمون، من مظاهر ظلمهم وانحرافهم، (الحديث رقم 861 و 1123)، وهدم أمر الجاهلية کله وإبطاله (الحديث رقم 862) ليکون تطهير الأرض کاملا من الظالمين وآثارهم، وکل ما يدل عليهم، ورفع فقههم الفاسد وإبطال کافة مفاعيله. وهذه هي المهمة العاجلة، والمبرر الأول لوجود دولة المهدي أو دولة آل محمد، لأن ظلم الجبابرة قد مس



[ صفحه 312]



الأرض وما عليها مسا أليما موجعا ولم ينج من هذا الظلم أحد، وخص هذا الظلم آل محمد وأولياءهم خاصة بألوان معينة من المعاناة والألم، وطريقة تعامل دولة المهدي مع الظالمين، لها طابع خاص مختمر من التجربة التاريخية علي اعتبار أن الظالم لا دين له ولا أخلاق، ولا يعرف الإحسان أو المعروف، فقد قال النبي لأعدائه الذين ظهر عليهم يوم فتح مکة: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) وبدلا من أن يذخروا إحسان النبي ومعروفه بالعفو الشامل عن جرائمهم تنکروا له وتآمروا عليه، وبعد موته قتلوا أبناءه وذريته، المهدي استفاد من عبرة التاريخ فعندما يخرج الإمام المهدي لن يخرج معه من العرب أحد (الحديث 1119)، ومع هذا فهو لا يجبرهم علي الخروج، ولم يؤيده من قريش أحد، ومع هذا هو لا يتعرض إليهم ولا يجبرهم علي تأييده، بل ولا يسألهم أن يخرجوا معه أو يؤيدوه، ولکن عندما يعلم بأن قريش قتلت وإليه وعامله يقتل منهم 1500 أو ثلاثة آلاف رجل صبرا دون أن يرمش له جفن، ولا يترک من قريش إلا أکلة کبش!! قد يبدو أن هذه العقوبة قاسية، لکنها عادلة إذا ما عرفت حجم جرائم بطون قريش، فقد قاومت النبي وحاربته طوال مدة 21 عاما، ولما أحيط بها اضطرت مکرهة لإعلان إسلامها، فعفي الرسول عنها وقبل موت الرسول وبعد موته مباشرة استولت بالقوة علي ملک الرسول وقادت المسلمين إلي الانحراف، وحلت عري الإسلام ومهدت للظلمة والجبابرة وخرجتهم من مدرستها، وجعلت من عباد الله عبيدا للظالمين بنفس الوقت الذي کانت تلبس فيه الجبة الإسلامية، إنهم مجرمو حرب لم يعرف التاريخ البشري جرائما بحجم وبشاعة جرائمهم فعقوبة الإمام المهدي مع قسوتها عادلة.

والخلاصة، إن إصرار الإمام المهدي علي التخلص من الظلمة والجبابرة وأعوانهم بعکس طبيعة دولة آل محمد الملتزمة التزاما مطلقا بتحقيق أهدافها وغاياتها والتي لا تحيد عن تحقيق هذه الأهداف، لأنها دولة هدف وغاية، ولا يکفي منها أن تبذل الجهد والعناية، إنما يتوجب عليها وجوبا لا عذر معه تحقيق هذه الغايات. لأن الله تعالي وعد الإمام المهدي بالدعم الکامل والمطلق لتحقيق الغايات وإنجاز المهمات التي کلفه الله بتحقيقها وإنجازها، وإذا أراد الله أمرا فلا.



[ صفحه 313]



راد لإرادته، وقد أراد الله تحقيق کافة الغايات التي کلف عبده الإمام المهدي بتحقيقها، فدولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد مکلفة باقتلاع جذور الظلم والظالمين وتطهير الأرض من وجودهم ومن فقههم، لذلک فإنها لن تقبل بأن يبقي علي وجه الأرض خلال عهدها الراشد ظالم أو جبار واحد، أو حصن واحد من حصون الضلالة فهي ملتزمة أمام الله تعالي بالقضاء التام والمبرم علي الظلمة والظالمين وتطهير الأرض من ظلمهم ومن آثارهم.

وتجد هذا الإصرار العجيب عند کل غاية وهدف من الغايات والأهداف التي کلف الإمام بتحقيقها فعلي المستوي الاقتصادي فإن الإمام المهدي ودولة آل محمد مکلفون بتحقيق الکفاية التامة والرخاء المطلق للجميع، بحيث يکون کل واحد علي وجه الأرض من أبناء الجنس البشري في حالة کفاية تامة ورخاء مطلق، بحيث يتجول المکلفون بدفع الزکاة في الأرض شرقا وغربا وشمالا وجنوبا فلا يجدوا محتاجا واحدا يقبل الزکاة لأن الجميع في حالة کفاية والجميع في حالة رخاء، ولا يوجد في الأرض کلها محتاج واحد، فالنقود والذهب والفضة لا تعد عدا إنما تهال هيلا!! وقد تواترت الأحاديث النبوية التي أکدت هذه الناحية، وقد وثقناها في الفصول السابقة، حتي أن الدرهم والدينار يصبح من سقط التاريخ ولا قيمة له. (راجع الحديث 1133).

وهذه طبيعة ما عرفتها ولا سمحت بها أية دولة من الدول التي ظهرت أو ستظهر علي وجه الأرض قبل نشوء دولة آل محمد وظهور الإمام المهدي المنتظر، فالدول عادة تغرق الشعوب بالوعود البراقة خاصة في العصر الحديث، وتدغدغ مشاعر المستضعفين، ثم تسقط الحکومات وتزول الدول نفسها دون تحقيق معشار معشار ما وعدت بتحقيقه، حتي أن الناس قد ملت وعود الدول، وصارت وعودها أحد الرموز والاصطلاحات الدالة علي معني الکذب!!