استبعاد النبي
أول وأخطر مظاهر نقض عري الإسلام هو مواجهة بطون قريش وزعامتها للنبي أثناء مرضه، والحيلولة بين النبي وبين کتابة توجيهاته النهائية وتجاهلهم لوجوده تجاهلا تاما، وقولهم علي مسمعه: إن النبي يهجر!! استفهموه إنه يهجر، ولا حاجة لنا بکتابه، حسبنا کتاب الله!!! (راجع صحيح البخاري کتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج 7 ص 9 و ج 4 ص 31 و ج 1 ص 37، وصحيح مسلم آخر کتاب الوصية ج 5 ص 75، وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 95، ومسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 356 ح 2992، والکامل في التاريخ لابن الأثير ج 2 ص 230 وکتابنا نظرية عدالة الصحابة ص 287 وما فوق).
کانت هذه أول عروة وأخطر عروة تنقض من عري الإسلام، فقد تجاهلت زعامة بطون قريش وجود النبي، وأعلنت وبکل صراحة، أن القرآن يکفي، ولا حاجة لما قاله النبي أو سيقوله!!
وقد مهدت زعامة بطون قريش لهذا الموقف المدمر، فبثت سلسلة من الشائعات التي تنصب کلها علي ضرورة عدم الوثوق بکل ما يقوله النبي، لأنه بشر يتکلم في الغضب والرضي، ودوره مقتصر علي تلاوة القرآن، وتبليغ الناس، ما يوحي إليه من هذا القرآن فقط. وقد وثقنا ذلک في کتابنا (المواجهة) مع رسول الله وآله. وعندما تسلمت هذه الزعامة قيادة الأمة بعد وفاة النبي ترجمت أقوالها.
[ صفحه 39]
وشائعاتها وقناعاتها إلي قوانين ملزمة للرعية بالقوة الجبرية، فمنعت رواية وکتابة الحديث النبوي، وأحرقت المکتوب منه، وصار من المعروف عند العامة والخاصة أن عقوبة من يروي أحاديث النبي المتعلقة بالأمور الأساسية عقوبته قطع البلعوم علي حد تعبير أبي هريرة، أو الاستحياء والقتل، کما عبر عنهما أبي بن کعب رضي الله عنه.
وهکذا واعتبارا من اللحظة التي قعد فيها رسول الله علي فراش المرض تم استبعاده بالکامل، وجمدت کافة أوامره وتوجيهاته، ولم ينفذ منها شئ، وإن نفذت فقد جاء التنفيذ متأخرا وبالقدر الذي يخدم توجيهات زعامة بطون قريش، وخير مثال علي ذلک جيش أسامة، أو بعث أسامة، فالملک ملک النبوة، وزعيم البطون رسميا هو خليفة النبي، والمتصرف بالملک الذي بناه النبي، والأمة هي أمة النبي. ومع هذا فلا يجوز لأي فرد من أفراد الأمة أن يروي أو يکتب حديثا عن النبي!!!
لأن رواية وکتابة أحاديث النبي تسبب الخلاف والاختلاف بين الناس، کما ذکر ذلک الخليفة الأول في أول تصريح له حسب رواية الذهبي في تذکرة الحفاظ وبنفس التصريح أمر الخليفة رعاياه قائلا: (فمن سألکم عن شئ فقولوا بيننا وبينکم کتاب الله)!!! فعلي العموم، الرسول شخصيا مستبعد (کما في حالة مرضه)، وأحاديثه التي تضمنت توجيهاته مستبعدة من التأثير علي الحرکة الکلية للمجتمع، إلا إذا کانت هذه الأحاديث تخدم الملک، وتوجهاته الجديدة والقائمين عليه، فعندئذ تعمم هذه الأحاديث وتعامل بقداسة، وتروي وتبرز کأدلة قاطعة علي شرعية نظام البطون!! يمکن لمن يشاء أن يروي ما يشاء من أشعار الجاهلية، وخرافات الأقدميين ونجاسات الشرک، ويمکن لفئة أن تقص القصص وأساطير بني إسرائيل في مسجد الرسول نفسه، فلا خطر من ذلک علي ألفة الأمة ووحدتها وانقيادها لزعامة البطون. ولکن لا يمکن حتي لأبي بن کعب أن يروي حديثا عن النبي يمس واقع المجتمع أو مستقبله، لأن مثل هذا الحديث يسبب الخلاف، والاختلاف علي حد تعبير الخليفة الأول وبهذه الحالة وأمثالها فالقرآن وحده يکفي!!!.
[ صفحه 40]