کشف حقيقة ما يجري
الله جلت قدرته علي علم تام بما تدبره زعامة البطون، وحلفائها، وعلي علم.
[ صفحه 302]
بتحرکاتها، وبحجم التغير والضرر الذي ألحقته تلک الحرکات. بحالة الانسجام العام الذي کان سائدا قبلها. کانت تحرکات البطون علنية، وغير خافية علي أحد لأنها کانت مستندة إلي دعم الأکثرية التي حاربت رسول الله قبل الإسلام ثم أسلمت، وکانت زعامة البطون تهدف إلي إلزام الرسول بإحداث تغييرات جذرية علي الترتيبات التي أعلنها لقيادة الأمة طوال عصر ما بعد النبوة!! ولکن هذا الوضوح والمعلومات التي عرفها الجميع عن تحرکات زعامة البطون کانت تستند إلي الملاحظة والسمع والمشاهدة، وتحرکات الرسول وتوجيهاته لا تستند إلي مثل هذه الأمور، ولا تصدر بناء عليها وحدها، لقد کان يعرف عن هذه التحرکات کما کان يعرف غيره وأکثر، ولکنه کان ينتظر القول الفصل واليقيني من الوحي الإلهي، وينتظر التوجيهات الإلهية لمواجهة مکر البطون وما تدبره وترمي إليه!! ولم يطل انتظار النبي، فقد جاءه الوحي، وأحاطه علما بکليات وتفاصيل ما تدبره زعامة بطون قريش، ثم أمر نبيه بأن يکشف للجميع، ما يجري الإعداد له في الخفاء، وأن يبين للجميع بأن نتائجه ستکون مدمرة، حيث سيدفع الجميع الثمن غاليا لهذا المکر، لأنه الأسباب لفتنة إذا وقعت لن تنتهي، بل ستتمادي کلما قيل أنها انتهت. وإن هذا المکر لن يلحق ضررا بالله وبرسوله، لأن الله غني عن العالمين، بل سيلحق أشد الأضرار بالماکرين أنفسهم وبذرياتهم وبالناس أجمعين، لأن النتيجة المؤکدة لهذا المکر هي حل عري الإسلام کلها، لأن الإسلام يتوقف علي عروة الحکم، فإذا حلت عروة الحکم يرفع الإسلام عمليا من الحياة، وستحل بالضرورة کافة عري الإسلام تبعا لعروة الحکم، وينحرف الجميع تماما عن صراط الله المستقيم ويدخلون في ليل من التيه لا آخر له. وحذر رسول الله المسلمين عامة، وبطون قريش ومن لف لفها، وأقام الحجة علي الجميع ليهلک من هلک عن بينة، ولتتضاعف عقوبة المجرمين إذا اقترفوا جرائمهم، لأنهم يقترفونها بالرغم من التحذير ومع سبق الإصرار والترصد والأعظم من ذلک وکما بينا في الباب الأول أن الرسول قد سمي قادة الفتن بأسمائهم، وحذر منهم، وبين لأصحاب الخطر تفاصيل ما سيفعلونه مستقبلا، وحذرهم من فعله، لقد استبق رسول الله الأحداث قبل وقوعها، ووصف أفعال المسلمين قبل أن تقع تلک الأفعال، لأن الله قد زوده.
[ صفحه 303]
بصورة دقيقة لوقائع المستقبل قبل أن تقع فکان الرسول يصف ويحذر بناء علي مخطط وخارطة إلهية موضوعة أمامه، لقد حذر رسول الله المسلمين مجتمعين من أن يأتوا تلک الأفعال أو أن يسمحوا بحدوثها، ثم حذر کل وأحد منهم علي انفراد، وکانت تحذيرات الرسول شاملة للجميع، وخاصة بأصحاب الخطر.
أمثلة ونماذج من تحذيرات الرسول 1 - بين الرسول للمسلمين بأن أهل بيته سيلقون بعده القتل والتشريد والتطريد، وطلب من المسلمين أن لا يفعلوا بأهل بيته ذلک، وإذا قتلهم أو شردهم أو طردهم أحد فعلي المسلمين أن يقفوا مع أهل بيته.
2 - وبين النبي للمسلمين أن ابنه الحسين سيکون وحيدا ذات يوم وسيحيط به وبمن معه أعداء الله من کل جهة يريدون قتلهم، فلا تترکوا ابني الحسين وحيدا، بل انصروه واحموه، ولا تمکنوا أحدا من قتله.
3 - أشار الرسول ذات يوم إلي بيت زوجته عائشة کما يروي البخاري وقال للمسلمين: (من ها هنا يطلع قرن الشيطان)... وقال لزوجته عائشة ذات يوم أن کلاب الحوأب ستنبحها، وحذرها من أن تفعل ذلک.
4 - وسأل الرسول الزبير في جلسة ضمته وعليا أتحب عليا فقال الزبير:
نعم، فقال الرسول: ستقاتله يوما وأنت ظالم له!!
والخلاصة أن الرسول لم يترک فعلا، ولا واقعة ستقع إلا حذر المسلمين منها، وحثهم علي أن لا يفعلوها!! ولم يترک أمرا فيه خير إلا وحثهم علي فعله.
القلة المؤمنة هي التي صدقته وحملت کل أقواله علي محمل الجد، أما الأکثرية الساحقة التي اتبعت بطون قريش فاستبعدت أن تکون کافة هذه المعلومات المشيرة من الله، وقدرت أنها ربما کانت من التحليلات الشخصية لمحمد، والتي لا ينبغي أن تحمل محمل الجد.
لقد اختصروا الدين والدنيا بکلمة واحدة وهي الخلافة، فيجب أن لا يتولاها رجل من آل محمد، ويجب أن تکون لهم وفي سبيل ذلک کانوا علي استعداد للتضحية بالدين، وبالنبي نفسه. بدليل أنهم قد أقدموا مع سبق الإصرار والترصد
[ صفحه 304]
في ما بعد علي حل عري الإسلام کلها وعلي اقتراف کل ما حذرهم الرسول من اقترافه، وعلي رفع الإسلام عمليا من واقع الحياة، ولم يبقوا منه غير القشور والشکليات اللازمة لبقاء، وتوسيع رقعة مملکة الخليفة!!