العلم الالهي المسبق لحرکة الاحداث والوعد الالهي القاطع باقام
الله سبحانه وتعالي يعلم بحرکة الأحداث قبل وقوعها بداية وتفاصيل ونهاية
[ صفحه 298]
فما من أمة من الأمم إلا ويعلم الله تفاصيل وکليات الحرکة المستقبلية لأفرادها فردا فردا، ولجماعتها جماعة جماعة، ويعلم الخط العام الذي ستسير عليه الأمة کلها من البداية وحتي النهاية، ولأن الله رحيم بعباده، فإنه يتولي بتوجيهاته الإلهية ترشيد الحرکتين الخاصة بکل فرد وجماعة، والعامة التي تخص الأمة کلها، لکنه تعالي لا يجبر الفرد، ولا يجبر الجماعة، ولا يجبر الأمة علي فعل شئ، لأنه لو وقع الإجبار لما کان للثواب أو العقاب معني، ولاختلت قواعد الابتلاء الإلهي ونواميسه، والله سبحانه وتعالي يريد لهذه القواعد والنوامس أن تشق طريقها بموضوعية بدون تأثيرات، ليکون الثواب عادلا والعقاب عادلا ولتتکون المقومات الموضوعية للحکم الإلهي العادل.
لقد أکمل الله دينه، وأتم نعمته، ورضي الله بالإسلام دينا للعرب ولکل خلق الله، ونجح الرسول بتحويل العرب من دين الشرک إلي دين الإسلام، وبإقامة دولة إيمانية وحدتهم ولأول مرة في التاريخ بکلفة بشرية لا تکاد أن تذکر، وبلغهم الرسول کتاب الله کما أوحي إليه، وبينه لهم کما أمره، ولم يترک الرسول أمرا من أمور الدنيا والآخرة فيه خير إلا ورغبهم فيه، ولا أمرا فيه شر إلا وحذرهم منه، واتسعت رحمة الرسول ورأفته بالجميع، ولأن الرسول بشر فسيموت حتما، وحتي لا تفسد الأمور بعد موته، وحتي لا ينهار ما بناه، وضع الله سبحانه وتعالي ترتيبات إلهية لعصر ما بعد النبوة، فاختار الله اثني عشر إماما ليحکموا الأمة من بعد النبي وحتي قيام الساعة، فأهلهم وأعدهم إعدادا إلهيا للقيادة والمرجعية بحيث يکون کل واحد منهم هو الوارث الوحيد لعلمي النبوة والکتاب في زمانه، وهو المرجع الأوحد ليقول الناس في زمانه بحق، أنه الأعلم والأفضل والأنقي والأقرب لله ولرسوله، وأمر الله رسوله أن يعلن للأمة أسماء القادة أو الأئمة أو الخلفاء أو النقباء والأمراء الذين اختارهم الله، ولأن الرسول مأمور، ويتبع ما يوحي إليه، فقد سمي للأمة قادتها من بعد وفاته، وتسعة منهم لم يولدوا بعد، وأمر الله رسوله بأن يعلن للناس بأن طاعة کل واحد من الاثني عشر هي طاعة لله، ولرسوله، وموالاتهم هي موالاة لله ولرسوله، ومعاداتهم هي معاداة لله ولرسوله، والخروج علي أي واحد منهم هو خروج علي الله ورسوله، وأکد الرسول کل ذلک وبکل.
[ صفحه 299]
وسائل الإعلان والبيان وليحکم الله أمره ويقيم حجته أمر الله رسوله بأن ينصب أول أولئک الأئمة وليا للمؤمنين والرسول حيا، وأن يأخذ له البيعة من المسلمين، کافة، وفي غدير خم أعلن الرسول أن حجته تلک ستکون حجة الوداع، وأنه سيموت بعد عودته إلي المدينة بقليل حيث سيمرض، ويموت في مرضه، وأنه لن يلقي المجتمعين بعد عامهم ذلک، وسألهم من وليکم، ومن مولاکم، وهل حقيقة أني وليکم ومولاکم؟ فتعجب المسلمون وأجابوه بصوت واحد أنه الولي، وأنه المولي، فقال الرسول: من کنت وليه فهذا علي بن أبي طالب وليه، ومن کنت مولاه فهذا علي مولاه، ولخص الرسول للمسلمين الموقف بقوله: (ترکت فيکم ما إن تمسکتم بهما لن تضلوا أبدا کتاب الله وعترتي أهل بيتي) حديث الثقلين بصيغة المتعددة، ثم عمم عليا بن أبي طالب بعمامة، وأجلسه، وطلب من الجميع أن يبايعوه، وبايعه الجميع وعلي رأسهم الخلفاء الثلاثة الأول وعرف المسلمون أن الخليفة الأول هو علي بن أبي طالب وأن الأحد عشر الآخرين من صلب علي ومن ذرية النبي، وأن آخرهم وخاتمهم محمد بن الحسن المهدي المنتظر، وتفرق المسلمون وعادوا إلي منازلهم علي هذا الأساس.