بازگشت

نظرية الامام المهدي تعود للظهور في عهد معاوية


لقد کان معاوية أوضح من الذين سبقوه بمنع رواية وکتابة الأحاديث النبوية فقد قهر المسلمين، ولم يعد هناک ما يخشاه، لقد قدر معاوية أن الغاية من منع رواية وکتابة الأحاديث النبوية تکمن في رغبة بطون قريش بإخفاء المکانة، والفضائل التي خص بها الله ورسوله آل محمد، وإذا کان قرار منع رواية وکتابة الحديث النبوي قد ظل ساريا طوال هذه المدة، فما الذي يضمن لمعاوية سريانه طول الزمان!! فبوقت يطول أو يقصر سيضطر المسلمون لرواية الأحاديث النبوية وکتابتها، وحينها سيکتشفون مکانة أهل بيت النبوة وفضائلهم التي لا تعد ولا تحصي وسجلهم التاريخي الحافل بالفخر والأمجاد، وسيکتشفون أيضا أن لمعاوية وأخوته وأبيه وأجداده سجل تاريخي أسود حافل بالعداء لله ولرسوله وللاسلام وهو مختلف بالکامل عن سجلهم الرسمي الذي کتبوه بالرعب والارهاب والقوة وأجبروا الرعية علي التسليم بصحة ما جاء فيه!!

وفکر معاوية طويلا، فرأي أن الرأي کل الرأي بإبقاء قرار منع رواية وکتابة الأحاديث النبوية ساريا کما أراد الخلفاء المؤسسون، ولمواجهة المستقبل واحتمالية رواية وکتابة الحديث فيما بعد، رأي معاوية أن يقود بنفسه حملة لرواية فضائل الخلفاء الثلاثة الأول خاصة الثالث الأموي لا حبا بهم - مع أنهم هم الذين مکنوا له وأوصلوه للخلافة عمليا - ولکن کراهية بآل محمد وأهل بيته وللبطن الهاشمي عامة، وتتفرع من حملة فضائل الخلفاء الثلاثة حملة أخري تتحدث عن فضائل الصحابة کل الصحابة، معتبرا نفسه وأباه وأخوته وأبناء عمومته من أجلاء الصحابة لأنهم شاهدوا رسول الله وجالسوه وسمعوا منه، لا حبا بالصحابة الکرام السابقين إلي الإيمان ولکنه نکاية بآل محمد وأهل بيته، وإرغاما لأنوفهم، ومحاولة لتجريدهم من کل مميزة أو فضيلة تميزهم عليه وعلي غيره، وسخر معاوية کافة طاقات الدولة وإمکانياتها، وجند کل عمالها لإنجاح هذه الحملة وکان.



[ صفحه 275]



معاوية صريحا في مراسيمه حيث قال: (فلا تدعو خبرا يرويه أحد من الناس بأبي تراب أو بأهل بيته، إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة). (راجع شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج 3 ص 595، تحقيق حسن تميم)، وهذا يعني أن معاوية وعماله وأرکان دولته قد قادوا عملية الوضع علي رسول الله، وأغرق معاوية وعماله الرواة بالعطايا والصلات، وانشقت الأرض عن الألوف من الرواة فجأة فرووا عشرات الألوف من أحاديث الفضائل التي لم يقلها الرسول ولم ينزل بها الله سلطانا إنما هي محض اختلاق لإرغام أنوف بني هاشم کما يقول ابن نفطويه.

(راجع المرجع السابق، وکتاب الأحاديث للمدائني)، وبعد أن تجمعت له تلک السيول الجارفة من الروايات أمر معاوية بکتابتها وإشاعتها، وروايتها بين الناس، وفرض علي العامة والخاصة حفظها، والعمل بها، ولاح لمعاوية ولأرکان دولته بأنهم قد احتاطوا للمستقبل، وهدموا مجد آل محمد وأهل بيته، وجردوهم من مکانتهم وکافة فضائلهم، أو علي الأقل ضيعوا فضائل آل محمد وأهل بيته، وسط هذا المحيط المترامي الأطراف من الفضائل. ومن غرائب هذه الحملة أن الرواة قد اکتشفوا بأن فضيلة الطهارة خاصة بأهل بيت النبوة ولا يمکن انتزاعها منهم لأنها مثبتة بالقرآن الکريم، فتفتقت عبقريات الرواة عن حديث يخص أعداء الله (بالطهارة والزکاة)!!! وتفصيل ذلک أن رسول الله لعن نفرا معينا من المسلمين کالحکم بن العاص، ومعاوية نفسه، وأباه وغيرهم وشاع أمر لعن الرسول لهذه النفر بشکل لا يمکن إنکاره أو التنکر له، وعالجت طواقم رواة معاوية هذا الأمر علي الصيغة التالية: (بأن الرسول بشر يتکلم في الغضب والرضي وأثناء غضبه کان قد لعن بعض الصحابة (الحکم بن العاص) عدو الله ورسوله، ولما سکن عنه الغضب سأل الله أن يجعل هذا اللعن زکاة وطهورا لمن بدرت منه بحقهم!!

واستجاب الله، فصار عدو الله الحکم بن العاص زاکيا ومطهرا وأولي بالخلافة من الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وابنا النبي لماذا لأنهما مطهرين فقط، أما الحکم بن العاص فهو (زاکي ومطهر) وأما ولي الله بالنص، وإمام المتقين بالنص، وفارس الإسلام، وأعلم الناس بأحکامه فهو (ملعون) حاشاه حسب قوانين معاوية، لذلک من واجب الرعية کلها أن تلعنه علي المنابر، وفعلا لعنه.



[ صفحه 276]



معاوية، ولعنته رعية معاوية ومن المدهش بالفعل أن البخاري ومسلم قد رويا حديث (تحويل أعداء الله إلي زکاة ومطهرين، وقد وثقنا ذلک في کتابينا (الخطط السياسية) و (المواجهة).

معاوية يظهر نظرية المهدي المنتظر بعد إخفائها بمناسبة الحديث عن الفضائل التي قاد معاوية وأرکان دولته حملتها اکتشفوا بأن الإمام المهدي المنتظر من أهل بيت النبوة، وأن عليا بن أبي طالب وأهل بيت النبوة يعتبرونه من مفاخرهم وفضائلهم التي لا تداني، ولا ترقي لها فضيلة من فضائل القوم، فطالما ردد الإمام علي بفخر ظاهر (بنا فتح وبنا يختم) فلا معاوية ولا أرکان دولته لهم القدرة علي أن يمحوا من الذاکرة ما قاله الرسول عن الإمام المهدي المنتظر، لقد کانت أحاديث الرسول المتعلقة بالمهدي المنتظر من القوة والشيوع بحيث لا يمکن إنکارها أو التنکر لها، حتي من رجل مثل معاوية وطواقم مثل طواقمه، فکانت حملة الفضائل مناسبة لإظهار نظرية الإمام المهدي بعد إخفائها، ولتأکيد وجود هذه النظرية وقوتها وتأصلها في نفوس المسلمين، واکتشفت طواقم معاوية أن إنکار النظرية مستحيل، وأن تجاهلها أکثر استحالة، وأوامر معاوية واضحة (لا تدعو فضيلة يرويها أحد من المسلمين بأبي تراب أو بأهل بيته إلا وتأتوني بمناقض لها في الصحابة) ولکن کيف يأتوه بمناقض لفضيلة المهدي بالصحابة؟ هل يقولون بأن المهدي من ذرية أبي بکر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو أو زيد من الصحابة؟ ولکن لماذا من ذريتهم وليس من ذرية الرسول؟ وکيف يمکن اقتلاع قناعة المسلمين وقتذاک بأنهم قد سمعوا الرسول يؤکد بأن المهدي من عترته أهل بيته، لذلک رأت طواقم معاوية بأن البديل الوحيد والممکن هو رواية أحاديث تفيد بأن المهدي من أمة محمد!!! وهذه الأحاديث في ما بعد ستشکک بکون المهدي من آل محمد، وستؤدي بعض المهام التي يرمي لها معاوية.

والخلاصة أن معاوية وبدون قصد منه، وعندما قاد حملة الفضائل وسخر لها.



[ صفحه 277]



موارد دولة الخلافة ساهم مساهمة فعالة بإظهار نظرية الإمام المهدي بعد خفائها.

وبالتأکيد علي وجودها وقوتها، واستقرارها في نفوس المسلمين وأن محاولات رواته لتنحية هذا الشرف عن أهل بيت النبوة، وإلحاقه بغيرهم باءت بالفشل الذريع، لأن آل محمد هم من أمته بل هم سنامها وتاج فخارها.