بازگشت

المفاجأة الکبري


بعد أن وضع النبي تحت تصرف المسلمين التصور اليقيني لما هو کائن، ولما ينبغي أن يکون، وبعد أن رسم لهم مخططا للطريق التي سيسلکونها بعد وفاته، مرض کما أخبرهم من قبل، وأعلن أنه سيموت في مرضه، وأنه سيلخص لهم الموقف خطيا، فيؤمنهم ضد الضلالة والانحراف تأمينا شاملا، وضرب موعدا لکتابة توجيهاته النهائية للأمة، ودعا لهذا الموعد الخلص من أصحابه، ليأمنهم علي عهده، وليشهدوا کتابة توجيهاته النهائية، وما أن جلس النبي مع خلص أصحابه، وفي الوقت الذي هم بکتابة توجيهاته النهائية فوجئ النبي والخلص من أصحابه بجمع کبير من بطون قريش يدخل حجرة النبي دون استئذان، ويجلسون دون دعوة متجاهلين بالکامل وجود النبي، ولم يثن هذا التصرف النبي عما أراد، فقال النبي لخلص أصحابه: (قربوا أکتب لکم کتابا لن تضلوا بعده أبدا)، فتجاهل.



[ صفحه 23]



جمع بطون قريش وجود النبي، وتجاهلوا ما قاله، ووجهوا کلامهم للخلص من أصحابه قائلين: إن النبي قد غلبه الوجع، حسبنا کتاب الله) أن النبي يهجر حسبنا کتاب الله استفهموه! إنه يهجر!!! القرآن وحده يکفينا ولا حاجة لوصية الرسول!!!

احتج الخلص من أصحاب النبي علي هذا التصرف المستغرب، واصطدموا مع جمع البطون، وعلت الأصوات بين أصحاب النبي الخلص القلة، وبين الکثرة من بطون قريش، وتنازعوا، فأطلت النسوة من وراء الستر، وقلن: ألا تسمعون رسول الله يقول: قربوا يکتب لکم کتابا لن تضلوا بعده؟ فنهرهن أحد الصحابة قائلا لهن: (إنکن صويحبات يوسف) هنا تکلم النبي فقال: (إنهن خير منکم) ما أنا فيه خير مما تدعونني إليه، قوموا فلا ينبغي عندي تنازع!! وهکذا صرف النبي النظر عن کتابة توجيهاته الخطية، إذ لو أصر النبي علي الکتابة لأصرت بطون قريش في ما بعد علي أن الکتابة قد صدرت عن النبي وهو يهجر حاشاه، مع ما يستتبع ذلک من خطر ماحق علي الدين نفسه، وهکذا نجحت بطون قريش ومن لف لفها بإخراج النبي من التأثير علي سير الأحداث بلحظات حاسمة، وحرمت الأمة والعالم من الاستفادة من توجيهات النبي النهائية الخطية. وما ذکرناه حقائق رواها البخاري في صحيحه في ست روايات، ورواها مسلم في صحيحه، والنووي في شرحه علي صحيح مسلم وابن القيم الجوزي في تذکرة الخواص، وأبو حامد الغزالي في سر العالمين، وکشف ما في الدارين، ولا خلاف إطلاقا بين المسلمين علي صحة وحقيقة هذه الوقائع، وهکذا صدمت بطون قريش خاطر النبي الشريف، وقصموا ظهر الإسلام بالفعل. وتلک حادثة فريدة من نوعها في التاريخ السياسي الإسلامي، فما من خليفة علي الإطلاق إلا وقد مرض قبل موته، واشتد به الوجع أکثر مما اشتد الوجع برسول الله. وما من خليفة علي الإطلاق إلا وقد کتب توجيهاته النهائية أثناء مرضه، وقبل موته، ولم يصدف علي الإطلاق أن قال أحد لأي خليفة من الخلفاء أنت تهجر، أو أن الوجع قد اشتد بک، وأنه لا حاجة لنا بوصيتک، ولا بتوجيهاتک لأن القرآن عندنا وهو يکفينا ويغنينا عنک!!. بل علي العکس فقد کانت وصايا الخلفاء وهم علي هذه الحالة تنفذ کأنها وحي إلهي.



[ صفحه 24]



تنزلت به الملائکة علنا، وعلي رؤوس الأشهاد!! وبعض الخلفاء وهو مشرف علي الموت أوحي بقتل کل من لا يلتزم حرفيا بتوجيهاته النهائية التي أصدرها، وهو مريض علي فراش الموت، ومع هذا نفذت تلک التوجيهات بدقة متناهية.